علم

2- رسالة القديس أثناسيوس إلى أدلفيوس



2- رسالة القديس أثناسيوس إلى أدلفيوس

2- رسالة
القديس أثناسيوس إلى أدلفيوس

مقدمة

 كتب
القديس أثناسيوس هذه الرسالة إلى أدلفيوس المعترف أسقف أونوفيس سنة 370م. وأدلفيوس
أسقف مصرى كان الآريوسيون قد نفوه قبل ذلك إلى صعيد مصر ولذلك يُسمى المعترف.
ورسالة أثناسيوس هذه إلى أدلفيوس هى رد على خطاب أرسله أدلفيوس إلى أثناسيوس يذكر
فيه اتهام الآريوسيين للمستقيمى الرأى الذين يعترفون بإيمان مجمع نقية، بعبادة
المخلوق.

 ويقرر
القديس أثناسيوس إننا في عبادتنا للمسيح، لا نعبد مخلوق، ولكننا نعبد كلمة الله
المتجسد، وأنه لا يمكن الفصل بين إنسانية المسيح وبين ألوهيته.

 كما
يوضح القديس أثناسيوس الهدف من التجسد قائلاً ” وإن كان الله قد أرسل ابنه
مولوداً من امرأة، فإن هذا الأمر لا يسبب لنا عاراً بل على العكس مجداً ونعمة
عظمى. لأنه قد صار إنساناً لكى يؤلهنا في ذاته، ووُلد من عذراء كى ينقل إلى نفسه
جنسنا (نحن البشر) الذين ضُلِّلن، ولكى نصبح بذلك جنساً مقدسا ونصير شركاء الطبيعة
الإلهية كما كتب بطرس المُطوب “.

 

رسالة أبينا القديس أثناسيوس إلى أدلفيوس المعترف

ضد الآريوسيين

 1
لقد قرانا ما قد كتبته قدسك، ونوافق حقاً على تقواك من نحو المسيح. وقبل كل شئ
مجدّنا الله الذى اعطاك هذه النعمة، حتى يكون لك أيضاً فكر مستقيم، وحتى لا تجهل
حيل الشيطان، بقدر المستطاع.

 إننا
ندهش لسوء نية الهراطقة، ونحن نرى كيف قد سقطوا إلى هوة الكفر (عدم التقوى) حتى
هذه الدرجة حتى أنهم لم يعودوا بعد يحفظون بصائرهم، بل قد فسد ذهنهم من كل ناحية.

 ولكن
هذه المحاولة إنما هى من إيحاء الشيطان، ومحاكاة لليهود المخالفين للشريعة. وكما
أن هؤلاء (اليهود) حينما نالوا التوبيخ من كل ناحية، ظلوا يخترعون ذرائعاً لضرر
أنفسهم، لكى ينكروا الرب ويجلبوا على أنفسهم ما سبق أن تنبأ به الأنبياء، فبنفس
الطريقة فإن هؤلاء الناس، إذ يرون أنفسهم محرومين من كل ناحية، ولأنهم رأوا أن
هرطقتهم قد صارت كريهة جداً لدى الجميع فقد صاروا ” مخترعين شروراً ”
لكى يظلوا بالحقيقة أعداء للمسيح، إذ أنهم لا يكفون في محاربتهم ضد الحق.

 فمن
أين نبع لهم إذن هذا الشر أيضاً؟ وكيف تجاسروا على أن ينطقوا بهذا التجديف الجديد
ضد المخلص بمثل هذه الجسارة الكلية؟. ولكن كما يبدو، فإن الرجل المجدف هو شرير،
ومرفوض حقاً من جهة الإيمان (2تيمو8: 3).

 لأنهم
قبل ذلك بينما هم ينكرون ألوهية ابن الله الوحيد الجنس، تظاهروا بأنهم يعترفون
بمجيئه في الجسد. أما الآن، فإنهم تراجعوا تدريجي، وسقطوا في فكرهم الوهمى، وصاروا
كافرين من جميع النواحى، حتى أنهم لا يعترفون به بأنه إله، ولا يؤمنون بأنه قد صار
إنساناً. لأنهم لو كانوا يؤمنون بهذ، لَما نطقوا بمثل تلك الأقوال التى كتبتَ قدسك
ضدهم بخصوصها.

 2
لذلك فأنت أيها الحبيب، والمشتاق إليه جداً بالحق، قد صنعت ما هو موافق لتقليد
الكنيسة، ومناسب للتقوى نحو الرب، بتوبيخك ونصحك وتعنيفك لمثل هؤلاء. ولكن حيث
إنهم مُحرَّكون من أبيهم الشيطان، فإنهم ” لا يعرفون ولا يفهمون ” كما
هو مكتوب بل ” في الظلمة يتمشون ” (مز5: 81).

 فليتعلموا
من قدسك أن ضلال فكرهم هذا إنما هو خاص بفالنتينوس وماركيون ومانى [1] فالبعض من
هؤلاء استبدلوا (في الشرح) المظهر بالحقيقة، والبعض الآخر قسموا ما لا ينقسم.
وأنكروا حقيقة أن ” الكلمة صار جسداً وسكن فينا (يو14: 1).

 وحيث
إنهم يفكرون بأفكار هؤلاء الناس، فلماذا إذاً لا يكونون ورثة لأسمائهم أيضاً؟
فماداموا يعتنقون آراءهم الخاطئة، فمن المعقول أن يتخذوا أسماءهم أيض، لكى يُطلق
عليهم من الآن فصاعداً: فالنتينيون، وماركيونيون ومانويون. وربما إذا كان الأمر
كذلك، فبسبب إحساسهم بالعار من نتانة أسماء (هؤلاء)، فربما يستطيعون أن يدركوا مدى
الكفر (عدم التقوى) الذى سقطوا فيه. ويكون من حقنا ألاّ نرد عليهم إطلاقاً بحسب
التحذير الرسولى ” الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرة ثانية، أعرض عنه،
عالماً أن مثل هذا قد انحرف وهو يخطئ محكوماً عليه من نفسه ” (تى11،10: 3)
وبنوعٍ خاص ما يقوله النبى عن مثل هؤلاء ” لأن الغبى (اللئيم) يتحدث تفاهات،
وقلبه يتفكر في أمور باطلة ” (إش6: 32).

 ولكن
بما أنهم مثل زعيمهم (آريوس)، يجولون كأسود ملتمسين من يبتلعونه (قارن 1بط8: 5) من
بين المستقيمى القلوب لأجل ذلك صار لزاماً علين، أن نكتب لقدسك ثانية، حتى أن
الاخوة بعد أن يتعلموا ثانية من نصائحك، يستطيعون أن يدينوا أكثر، تعاليم هؤلاء
الناس الباطلة.

 3
نحن لا نعبد مخلوق، حاشا! لأن مثل هذا الضلال إنما هو خاص بالوثنيين والآريوسيين.
ولكننا نعبد رب الخليقة كلمة الله المتجسد. لأنه إن كان الجسد نفسه، في حد ذاته هو
جزء من عالم المخلوقات، إلاّ أنه صار جسد الله. فنحن من ناحية، لا نفصل الجسد عن
الكلمة، ونعبد مثل هذا الجسد في حد ذاته، ومن ناحية أخرى، عندما نريد أن نعبد
الكلمة، فإننا لا نفصل الكلمة عن الجسد، ولكننا كما سبق أن قلنا إذ نعرف أن
“الكلمة صار جسداً ” فإننا نعرفه كإله أيض، بعد أن صار في الجسد. وتبعاً
لذلك، فمن هو أحمق إلى هذه الدرجة حتى يقول للرب ” انفصل عن الجسد لكى
أعبدك؟”. أو من هو عديم التقوى لدرجة أن يقول له مع اليهود الحمقى ”
لماذا وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً ” (يو33: 10). ولكن الأبرص لم يكن من هذا
النوع، فإنه عَبَدَ الله في الجسد، وعرف أنه الله قائلاً “يارب، إن أردت تقدر
أن تطهرنى ” (مت3: 8)، فهو من ناحية لم يظن أن كلمة الله مخلوق، بسبب الجسد،
ومن الناحية الأخرى لم يحتقر الجسد الذى كان يلبسه (الكلمة) بسبب أن الكلمة هو
خالق الخليقة. ولكنه عَبَدَ خالق الكون كما في هيكل مخلوق، وهكذا تطهر. وهكذا أيضا
المرأة نازفة الدم لأنها آمنت، فقد اكتفت بلمس هدب ثوبه وشفيت (مت20: 922). والبحر
المضطرب بأمواجه، سمع الكلمة المتجسد، فكفت العاصفة (مت11: 8). والأعمى منذ ولادته
قد شُفي بتفلة الجسد من الكلمة (يو6: 9). وما هو أعظم وأكثر غرابة (لأن هذا ربما
يكون قد أعثر أكثر الناس كفراً) فإنه حينما عُلق الرب على الصليب فعلاً (لأن الجسد
كان جسده، وكان الكلمة في الجسد)، فقد أظلمت الشمس والأرض تزلزلت، والصخور تشققت،
وانشق حجاب الهيكل (لو45: 23)، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين (مت52،51:
27).

 4
إن هذه الأشياء قد حدثت، ولم يجادل أحد من أولئك مثلما يتجاسر الآريوسيون الآن أن
يجادلوا فيما إذا كان يجب على الإنسان أن يؤمن بالكلمة المتجسد. بل عند رؤيتهم
إياه إنساناً عرفوا أنه هو الذى خلقهم. وحينما سمعوا صوتاً بشري، لم يكونوا يقولون
إن الكلمة مخلوق بسبب بشريته. بل بالعكس كانوا يرتعدون، ولم يعرفوا شيئاً أقل من
أنه كان ينطق به من هيكل مقدس. فكيف إذن لا يخاف عديمو التقوى، لئلا كما أنهم لم
يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم، ربما يسلمهم إلى ذهن مرفوض ليفعلوا تلك
الأشياء التى لا تليق (أنظر رو28: 1) لأن الخليقة لا تعبد المخلوق، وأيضاً هى لم
ترفض أن تعبد ربها بسبب الجسد. ولكنها كانت ترى خالقها في الجسد، ” وانحنت كل
ركبة ” باسم يسوع، حق، “وستنحنى (كل ركبة) ممن في السموات ومن على الأرض
ومن تحت الأرض وسيعترف كل لسان حتى لو كان هذا لا يروق للآريوسيين أن يسوع المسيح
هو رب لمجد الله الآب (في11،10: 2)، لأن الجسد لم يقلّل من مجد الكلمة، حاشا: بل
بالأحرى فإن الجسد نفسه قد تمّجد بالكلمة.

 والابن
الكائن في صورة الله، أخذ صورة عبد، وهذا لم يُنقص من ألوهيته، بل هو بالأحرى قد
صار بذلك مخلصاً لكل جسد ولكل خليقة.

 وإن
كان الله قد أرسل ابنه مولوداً من امرأة، فإن هذا الأمر لا يسبب لنا عاراً بل على
العكس مجداً ونعمة عظمى. لأنه قد صار إنساناً لكى يؤلهنا في ذاته. وقد صار (جسداً)
من امرأة ووُلد من عذراء كى ينقل إلى نفسه جنسنا (نحن البشر) الذين ضُلِّلنا، ولكى
نصبح بذلك جنساً مقدس، ونصير شركاء الطبيعة الإلهية (2بط4: 1) كما كتب بطرس
المُطوب. وما ” كان الناموس عاجزاً عنه إذ أنه كان (الناموس) ضعيفاً بواسطة
الجسد، فإن الله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية دان الخطية في
الجسد ” (رو3: 8).

 5
إذن، فالكلمة أخذ جسد، لأجل تحرير كل البشر، ولإقامة الجميع من بين الأموات، ولكى
يصنع فداءً من الخطايا. فأولئك الذين يستخفون بهذا الأمر (الجسد)، أو الذين بسبب
الجسد يتهمون ابن الله بأنه مصنوع أو مخلوق، كيف لا يظهر أنهم جاحدون للنعمة
ومستحقون لكل اشئمزاز ونفور؟ فكأنهم بذلك يصرخون قائلين لله: لا ترسل ابنك الوحيد
الجنس في الجسد، ولا تجعله يتخذ جسداً من عذراء لكى لا يفتدينا من الموت ومن
الخطيئة، ولا نريده أن يصير في الجسد لكى لا يقاسى الموت من أجلن، ولا نرغب في أن
يصير في الجسد لئلا يصير بهذا الجسد وسيطاً لنا للدخول إليك فنسكن في المنازل التى
في السموات. فلتغلق أبواب السموات، لكيلا يكرّس لنا كلمتك الطريق في السموات
بواسطة الحجاب الذى هو جسده. هذه هى الأقوال التى يتفوه بها أولئك الناس بجرأة
شيطانية، وهى إدعاءات اخترعوها لأنفسهم نابعة من حقدهم. لأن الذين يرفضون أن
يعبدوا الكلمة الصائر جسد، هم جاحدون لنعمة صيرورته إنساناً.

 والذين
يفصلون الكلمة عن الجسد، لا يحسبون أنه قد حدث فداء واحد من الخطيئة، ولا يحسبون
أنه قد تم اندحار للموت.

 ولكن
على وجه العموم، أين سيجد الكافرون، الجسد الذى اتخذه المخلص، منفصلاً عنه، حتى
يتجاسروا أن يقولوا أيضاً: إننا لا نعبد الرب متحداً بالجسد بل نفصل الجسد ونعبد
الكلمة وحده؟

 لقد
رأى اسطفانوس المغبوط، الرب واقفاً في السموات، عن يمين (الله) (أع55: 7)،
والملائكة قالوا للتلاميذ ” سيأتى هكذا بنفس الطريقة التى رأيتموه بها
منطلقاً إلى السماء ” (أع11: 1) والرب نفسه يقول مخاطباً الآب ” أريد أن
يكونوا هم أيضاً معى على الدوام حيث أكون أنا ” (قارن يو24: 17) وفي الواقع،
إن كان الجسد غير منفصل عن الكلمة ألاّ يكون من اللازم، أن يتخلى هؤلاء الناس عن
ضلالهم، ومن ثم يعبدون الآب باسم ربنا يسوع المسيح، أو، إن كانوا لا يعبدون ويخدمون
الكلمة الذى جاء في الجسد، فينبغى أن يُطرحوا خارجاً من كل ناحية، وأن لا يُحسبوا
فيما بعد مسيحيين، بل بالأحرى يُعدوا بين اليهود.

 6
هذا هو إذن، كما شرحنا قبل، هَوْس (جنون) أو جسارة أولئك الناس. أما إيماننا
فمستقيم وهو نابع من تعليم الرسل وتقليد الآباء ويؤكده كل من العهد الجديد والعهد
القديم، حيث يقول الأنبياء “أرسل كلمتك وحقك” (مز3: 42) ” هوذا
العذراء ستحبل وتلد ابناً وسيدعون اسمه عمانوئيل ” (إش14: 7) ” الذى
تفسيره الله معنا ” (مت23: 19 ولكن ماذايعنى هذا إن لم يكن أن الله قد جاء في
الجسد؟.

 فإن
التقليد الرسولى يعلّم في قول المغبوط بطرس ” إذا قد تألم المسيح لأجلنا
بالجسد ” (1بط1: 4) بينما يكتب بولس ” متوقعين الرجاء المبارك وظهور مجد
الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح. الذى بذل نفسه لأجلنا لكى يفدينا من كل إثم
ويطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة ” (تى14،13: 2) فكيف إذن قد
بذل نفسه لأجلن، لكى، بقبوله الموت في هذا الجسد، يبيد ذلك الذى له سلطان الموت أى
إبليس (عب14: 2). ولذلك فإننا نقدم الشكر على الدوام باسم يسوع المسيح، ولا نبطل
النعمة التى صارت إلينا بواسطته. فإن مجئ المخلص متجسداً قد صار فدية للموت وخلاصاً
لكل الخليقة.

 لذا
أيها الحبيب والمشتاق إليه جد، فليضع محبو الرب هذه الأقوال في عقولهم، أما أولئك
الذين يتمثلون بسلوك يهوذ، ويتخلون عن الرب ليكونوا مع قياف، فليتهم يتعلمون من
هذه الأقوال، إن أرادو، وإن كانوا يستحون ؛ وليعلمو، أنه بعبادة الرب في الجسد،
فإننا لا نعبد مخلوق، بل كما قلنا قبل، فإننا نعبد الخالق الذى لبس الجسد المخلوق.

 7
ولكننا نود من قدسك أن تستقصى منهم عن هذا الأمر. فإن إسرائيل حينما كان يصدر إليه
الأمر أن يصعد إلى أورشليم لكى يسجد في هيكل الرب، حيث يوجد التابوت، وفوقه كاروبا
المجد مظللين الغطاء، فهل كانوا يتصرفون حسناً أم العكس؟ فإن كانوا يفعلون خط، في
عقاب كان يتعرض له الذين يزدرون بهذا الناموس؟ لأنه مكتوب إن الذى استهان بالأمر
ولم يصعد ” يُقطع ذلك الإنسان من الشعب ” (قارن لا9: 17) وإن كانوا
يصنعون صواب، وكانوا بهذا مقبولين لدى الله، أليس الآريوسيين وهم أنجس وأبشع من كل
هرطقة مستحقين للهلاك عدة مرات، لأنهم بينما يقبلون الشعب القديم ويوافقونه في
الكرامة التى كان يقدمها للهيكل، فإنهم لا يريدون أن يعبدوا الرب الذى هو في الجسد
كما في هيكل. وبالرغم من ذلك فإن الهيكل القديم الذى كان مشيداً من حجارة ومن ذهب،
لم يكن إلاّ مجرد ظل. ولكن عندما جاءت الحقيقة، بطل المثال منذ ذلك الحين، ولم يبق
فيه حجر على حجر لم يُنقض، حسب النطق الربانى.

 فلما
رأى (الشعب القديم) الهيكل من حجارة لم يظنوا أن الرب الذى تحدث في نفس الهيكل
مخلوق، ولم يزدروا بالهيكل ولم يعتزلوا بعيداً للعبادة. ولكنهم جاءوا إلى الهيكل
بحسب الشريعة، وخدموا الله الذى نطق بوحيه من الهيكل. وإن كان الأمر هكذا فكيف لا
ينبغى أن يُعبد جسد الرب، الكلى القداسة والكلى الوقار حق، والذى بشر به رئيس
الملائكة جبرائيل، لكى يتم تشكيل الجسد من الروح القدس ويصير رداءً للكلمة.

 فالكلمة
بمد يده الجسدية أقام (حماة سمعان) التى أخذتها الحمى الشديدة (لو39: 4) وبصراخه
بصوت بشرى أقام لعازر من بين الأموات (يو43: 11)، ومرة أخرى حينما بسط ذراعيه على
الصليب، فقد قهر رئيس سلطان الهواء، الذى يعمل الآن في أبناء المعصية (أف2: 2)،
وجعل لنا الطريق إلى السموات نقياً (ومفتوحاً).

 8
إذن، فالذى يهين الهيكل، فإنما يهين الرب في الهيكل، والذى يفصل الكلمة عن الجسد،
إنما يبطل النعمة المعطاة لنا في جسده. أما المتهوسون بالآريوسية، الشديدو الكفر،
فلا تدعهم يحسبون أنه، بما أن الجسد مخلوق، يكون الكلمة مخلوقاً أيض، وكذلك لا
تدعهم أيضاً يحتقرون جسد الكلمة، بسبب أن الكلمة ليس مخلوق، لأن شرهم (حقدهم) يثير
الدهشة، إذ أنهم يبلبلون الأفكار ويخلطون كل شئ ويخترعون إدعاءات وذلك كله فقط لكة
يَعدّوا الخالق بين المخلوقات.

 ولكن
فليسمعو، لأنه لو أن الكلمة كان مخلوق، لما اتخذ جسداً مخلوقاً لكى يهبه الحياة،
لأنه أية معونة تحصل عليها المخلوقات من مخلوق هو نفسه يحتاج إلى الخلاص؟. ولكن
حيث إن الكلمة خالق، فقد تمم خلقة المخلوقات.

 لذلك
فإنه عند اكتمال الدهور أيضاً فقد لبس هو نفسه ما هو مخلوق (أى الجسد) لكى يجدده
بنفسه مرة أخرى كخالق ؛ ولكى يستطيع أن يقيمه.

 لا
يستطيع مخلوق أن يخلص مخلوقاً على الإطلاق، كما أن المخلوقات لم تُخلق بواسطة
مخلوق، وذلك إن لم يكن الكلمة هو الخالق (كما يدّعى الآريوسيون). ولذلك دعهم لا
يفترون على الكتب الإلهية ولا تدعهم يسيئون إلى المستقيمين من الاخوة. ولكن إن
كانوا يرغبون، فليغيروا فكرهم هم أيضاً ولا يعودوا يعبدون المخلوق دون الله خالق
كل الأشياء (أنظر رو25: 1).

 أما
إن كانوا يريدون أن يتشبثوا بتجديفاتهم فليشبعوا بها وحدهم، وليصرّوا على أسنانهم
مثل أبيهم الشيطان، لأن إيمان الكنيسة الجامعة يقر بأن كلمة الله هو خالق كل
الأشياء، ومبدعه، ونحن نعرف أنه ” في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله
” (يو1: 1) فإننا نعبد ذلك الذى صار هو نفسه أيضاً إنساناً لأجل خلاصن، لا
كما لو كان هذا الذى صار جسداً هو مساوٍ للجسد بالمثل، بل (نعبده) كسيد آخذاً صورة
عبد، كصانع وخالق صائراً في مخلوق أى (الجسد) لكى بعد أن يحرر به كل الأشياء،
يقرّب العالم إلى الآب، ويصنع سلاماً لكل المخلوقات سواء التى في السموات أو التى
على الأرض.

 ولذلك
فنحن نعترف أيضاً بألوهيته التى من الآب.

 ونعبد
حضوره المتجسد، حتى ولو مزق الآريوسيون المجانين أنفسهم.

 سلّم
على كل من يحبون ربنا يسوع المسيح.. ونرجو أن تكون بصحة جيدة، وأن تذكرنا أمام
الرب، أيها المحبوب والمشتاق إليه جداً بالحق. وإن احتاج الأمر، فلتقرأ هذه
الرسالة لهيراكاس القسيس.

===

1 فالنتينوس مبتدع من
الغنوسيين (أصحاب مذهب الخلاص بالمعرفة) ظهر في القرن الثانى الميلادى، وكان يعلم
بوجود عدة كائنات سماوية وسيطة بين الله وبين يسوع، يسميها أيونات أى عصور يبلغ
عددها ثلاثون كائناً وأن الكلمة هو رابع هذه الأيونات، وأحد هذه الأيونات هو
المسيح السماوى وهو غير الكلمة، وغير المسيح الذى ظهر من شعب إسرائيل، وأن المسيح
هو شخص آخر غير يسوع، وأن جسد يسوع ليس جسداً طبيعياً حقيقياً بل جسم خيالى أو
ظاهرى.

 وقد حاول فالنتينوس نشر
تعاليمه في روما حوالى سنة 140م ولكنه لم ينجح وقد حرمته الكنيسة.

 وواضح
من تعليمه أنه ينكر حقيقة أن ” الكلمة صار جسداً ويسكن فينا ” كما يقول
القديس أثناسيوس.

 ماركيون:
مبتدع ظهر حوالى منتصف القرن الثانى في روما، وأصله من البنطس في آسيا وكان يُعلّم
أن إله العهد القديم ليس هو إله العهد الجديد وإله العهد القديم إله العدل وإله
العهد الجديد هو إله الصلاح والنعمة، وأن المسيحية لا علاقة لها بإعلان العهد
القديم، بل هبطت فجأة من السماء، وأن المسيح لم يُولد من العذراء ولم يُولد بالمرة
بل نزل فجاة من السماء في مدينة كفر ناحوم في السنة 15 من سلطنة طبياريوس قيصر،
وظهر كمعلن للإله الصالح الذى أرسله. وأن المسيح ليس هو الماسيا الذى تنبأ عنه
العهد القديم. وأن جسد المسيح ليس جسداً حقيقياً طبيعياً بل هو مجرد مظهر، وأن
المسيح لم يمت حقيقة. وكان يعتقد أن المادة شريرة، وكان يحرّم الزواج، ورفض وحى
أسفار العهد القديم وعمل له قانوناً خاصاً لأسفار الكتاب يحوى 11 سفراً فقط من
العهد الجديد: عبارة عن إنجيل لوقا بعد أن شوهه و10 من رسائل بولس الرسول.

 وقد
حرمته الكنيسة وحرمت تعاليمه وقاومتها بشدة منذ البداية.

 مانى:
مبتدع ظهر في القرن الثالث، من بلاد فارس، أدعى الوحى وقال إنه ” رسول يسوع
المسيح ” وأنه هو الروح القدس ” الباراقليط ” الذى وعد به المسيح.
وكان يعلّم أن المادة شريرة وأن الإنسان مخلوق على صورة الشيطان، وأن الجسد شرير
في جوهره والزواج نجس. وأنكر أن جسد المسيح حقيقى، وقال إن آلام المسيح على الصليب
وهمية وليست آلام حقيقية، وأن المسيح ليس له دم. وكان لا يؤمن بالكتاب المقدس
بعهديه كمصدر للتعليم بل ببعض الأناجيل المزورة وبعض الكتب الأخرى من تأليفه هو.

 وقد
حرمت الكنيسة بدعة مانى وأتباعه في عدة مجامع منذ القرن الرابع فصاعداً.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى