علم المسيح

2- المعمدان يشهد للمسيح ويلمِّح على آلامه



2- المعمدان يشهد للمسيح ويلمِّح على آلامه

2- المعمدان يشهد للمسيح ويلمِّح على آلامه

وحدث أن عبر المسيح على المعمدان الواقف هو وتلاميذه (يو
29: 1).
فلمَّا
رآه المعمدان من بعيد نطق بالروح وقال: “هوذا حمل الله الذي يرفع خطية
العالم” وكان هذا أول إعلان غير مقصود عن آلام المسيح المزمعة. وهذه الصورة
التي أعطاها المعمدان تعلن عن “القدوس” كيف سيتألَّم عن الشعب دون أن
يدري الشعب، كما أعطى إشعياء النبي في أصحاح (53)، وكأنه سبق ورأى ما سيكون من
الرؤساء الحاقدين. ووقوف المسيح أمامه بهدوئه ووداعته واتضاعه أعطاه الإلهام أنه
“الحَمَل” الذي اختاره الله لرفع خطايا “العالم” دون أن يدري
معنى الكلمة! ولو أن الكلمة الأرامية المستعملة تعني “البشرية” وليس
العالم(
[1]). وقد اعتُبر نطق المعمدان
أنه نطق نبوي، وأردف الشهادة بقوله أيضاً: “هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي
رجل صار قدَّامي لأنه كان قبلي.” (يو 30: 1)

منظر
خلاَّب أن يتلاقى العهدان القديم والجديد في شخصين كل منهما يمثِّل تمثيلاً
واقعياً العهد الذي يتبعه. فالمعمدان نبي، وكما وصفه المسيح أعظم من نبي، جاء
ليمثِّل النبوَّة بكل مذخراتها وأفخر ما فيها من آباء وقديسين وأنبياء، حاملاً روح
إيليا النارية ضد العبادة المنحرفة والأنبياء الكذبة؛ ومسيَّا رجاء كل الماضي ومجد
كل الحاضر والمستقبل ممثِّلاً العهد الجديد باعتباره عمانوئيل الله معنا، ليس بعد
على أرض سيناء بل على أرض الجليل.

عملية
تسليم عالية القدر من مجد إلى مجد، مجد الرؤى والأحلام ومسيرة السنين والأيام،
وأرض زيتون وكروم وبركات الثدي والآكام الدهرية، إلى مجد ابن الإنسان، الله ظهر في
الجسد، ورُفع في المجد، وميراث البنين في ملكوت الله.

3- حركة مدّ
التلمذة من المعمدان إلى المسيح

نطق
المعمدان بنبوَّته وتلاميذه يسمعون لقوله: “هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي
رجل صار قدَّامي لأنه كان قبلي” (يو 30: 1). وهذه النبوَّة تسجَّلت هنا في
الترجمة بمعنى ضعيف جداً، لأن أصل اللغة اليونانية يعني: بالرغم أنه
من حيث الزمن جاء بعدي، ولكنه من جهة الكرامة هو قبلي. لأن قوله: “لأنه كان قبلي
prîtÒj mou Ãn“، واستخدام الفعل الماضي أn
بدلاً من أن يكون
™st…n ؛ يشير إلى
أن المقصود هو الوجود الجوهري إزاء الوجود الزائل(
[2]). فالكلام هنا نبوي قاله
المعمدان بمعناه الإلهي العميق جداً دون أن يفهمه هو. فالإشارة هنا إلى مسيَّا ابن
الله وملكوته الفائق. فشكراً للقديس يوحنا الذي سمع هذا الكلام بأُذُنه ونقله لنا
عن المعمدان بحروفه دون أي تفسير أو تعديل لها لتُفهم: “لأنه كان
قبلي”. كإفاده نبويَّة عن أزليته.

وعندما
تكلَّم المعمدان هكذا أيضاً في الغد أمام تلميذيه يوحنا وأندراوس وسمعاه، أدركا أنه
يتكلَّم بوضوح عن المسيَّا.
فللحال تركا المعمدان وتبعا المسيح. وكانت الساعة
بحسب إنجيل ق. يوحنا حوالي الرابعة بعد الظهر (العاشرة من النهار)، فانسحبا من
جوار المعمدان دون أن يثيرا مشاعره. فلمَّا رآهما المسيح يتبعانه سألهما بلطف
سؤال العارف عن ماذا يطلبان؟ أمَّا هما فلم يوضِّحا
له مقصدهما، إنما بخوف وأدب سألاه عن أين يقطن؟ فردًّا على سؤالهما دعاهما
لزيارته، وأمضيا معه الساعات المتبقية من النهار. وكان هذا هو الانطباع الأول الذي
أخذاه عن المسيح.

أمَّا
يوحنا فدعا أخاه يعقوب، وأمَّا أندراوس فدعا أخاه بطرس، وهكذا بدأ دخول التلاميذ
الذين تبعوه من بيرية إلى الجليل.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى