الفصل الرابع

الفصل
الرابع

المسيح في
عين نون

لم
يستمر المسيح مدة طويلة في أُورشليم، هذه المرَّة، بل انتقل بعدها مباشرة إلى
منطقة تُسمَّى عين نون، وهي منطقة بالقرب من مدينة ساليم أو ساليموس. وكلمة
“عين نون” تفيد “تجمُّع مياه”، وابتدأ هناك يعمِّد:
“وكان يوحنا أيضاً يعمِّد في عين نون بقرب ساليم، لأنه كان هناك مياه كثيرة،
وكانوا يأتون ويعتمدون. لأنه لم يكن يوحنا قد أُلقي بعد في السجن.” (يو 3:
23و24)

وقد
أمضى المسيح مع تلاميذه في عين نون بحسب تقرير العالِم نياندر من بعد الفصح حتى
أواخر زمن الحصاد، وكان القصد من وجوده في عين نون أن يدرِّب تلاميذه في هذا
المكان الهادئ بعيداً عن مناورات الفرِّيسيين، وأيضاً بقصد عمل صلة مباشرة مع
المعمدان.

9- الغيرة
تدب في صدور تلاميذ المعمدان

وما
أن ابتدأ المسيح يُعلِّم حتى التفَّ حوله جمع غفير من الناس، وهكذا ابتدأت الغيرة
تدب في صدور تلاميذ المعمدان الذين ظنوا أنه لا يوجد إلاَّ معلِّمهم، ولم يأخذوا
عنه كيف هو يعمل ليهيئ الطريق لغيره القادم بعده وهو قبله وأعظم منه. ولكنهم ظنوا
أنه بفضل شهادة معلِّمهم عن المسيح قد صار المسيح إلى ما صار إليه! وما كان يجب أن
يرتفع فوق المعمدان– قلب حال– ولمَّا اشتكوا لمعلِّمهم، وضع المعمدان
الأمور أمامهم على حقيقتها:

+
“لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئاً إن لم يكن قد أُعطي من السماء.” (يو 27:
3)

+
“أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت لست أنا المسيح، بل إني مُرسَلٌ أمامه.”
(يو 28: 3)

ما أنا إلاَّ صديق العريس (وهو الملك وصاحب الملكوت)، وقد
هيَّأتُ الشعبَ له كعروس. أمَّا صديق العريس فهو يفرح بعد أن أنهى مهمته. إذن،
ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص (انظر: يو 3: 29و30).

ولكن لم يكمِّل المعمدان فرحه، إذ بعد أن عَبَرَ نهر
الأُردن نحو الضفة
الشرقية قبض عليه هيرودس أنتيباس– الذي
كان يحكم على إقليم بيرية شرق الأُردن– وسجنه، لأن
المعمدان وبَّخ الملك على اتخاذه امرأة أخيه زوجة له مخالفاً للناموس. وبحسب قول يوسيفوس
المؤرِّخ: إن الملك خشي أن مثل هذه الحقيقة تُشاع عنه فيثور الشعب ضدَّه⁽[1]⁾. وكان سجنه في قلعة ماخيروس Machaerus.

فإذا
قلنا: إن المعمدان بدأ خدمته قبل المسيح بستة شهور، وأن السجن حدث تقريباً بعد
الفصح الأول الذي حضره المسيح، تكون خدمة المعمدان قد امتدَّت إلى سنة كاملة
تقريباً، حسب تقدير العالِم نياندر⁽[2]⁾.