بدع وهرطقات

18- أضرار خلود النفس



18- أضرار خلود النفس

18- أضرار خلود النفس

تحت
هذا العنوان كتب السيد بارثليث أغرب تعليق على خطاب بولس لفيلكيس الوالي، عن البر
والتعفف والدينونة، فقد استنتج من ارتعاب هذا الوالي مما سمعه من الرسول أن
التعليم عن خلود النفس يضر بالناس، إذ يرعبهم ويبعدهم عن اللّه. ومن استنتاجه الغريب
انطلق إلى القول: «أما عن العذاب الأبدي، فأريد الإصرار على أن نتائج التبشير به
وخيمة جداً. وأنا ألاحظ أن عدد الذين ينفرون من الدين بسبب هذا التبشير، يزيد
بكثير عن الذين ينجذبون إليه».

 

ويمضي
السيد بارثليث في كلامه فيقول: «ولم يسئ هذا التعليم إلى سمعة الباري داخل الكنيسة
فقط، بل خارج الكنيسة أيضاً، بدليل أنهم راحوا يعذبون بعضهم بعضاً متوخين القضاء
على البدع، وحاسبين أنفسهم أنهم يقدمون خدمة مرضية لله في ذلك، لأنهم تصوروا أن
الله جل جلاله يعذب الهالكين بلا شفقة ولا رحمة. والإنسان لا يسمو بطبيعته على
خالقه ومعبوده، فإذا اعتقد بإله منتقم، فلا بد من أن يظهر ذات الميل، ويتسلح بذات
النية».

 

إلى
أن يقول: «لقد نفر العقل البشري من فكرة أبدية العذاب، حتى في الكنيسة المرتدة
خلال العصور المظلمة. والحق يقال، إن في هذا التعليم لتجديف شنيع على إله
المحبة… وحيث أن الشرير الخاطي لا يدخل السماء، فلا مفر من بقائه في بحيرة النار
التي يطرح فيها. وهكذا ترى أن الاعتقاد بالعذاب الأبدي مبني على الاعتقاد بخلود
النفس» (مسامرات ودية صفحة 55: 57).

 

لا
أظن أن المؤلف وُفِّق في استنتاجه، لأن الرسول بولس كان مقاداً بالروح القدس حين
خاطب فيليكس الوالي. وإذا كان الوالي قد ارتعب فذلك بفعل تبكيت الروح القدس
(الإنجيل بحسب يوحنا 16: 8).

 

ولو
سلمنا بفكرة السيد بارثليث لكان علينا أن نصرف النظر عن كل أقوال الله وأنبيائه
ورسله التي فيها الإنذار بالدينونة، والتي تملأ فصول الكتاب المقدس، ابتداء من إنذار
الله لآدم في سفر التكوين، إلى إنذارات الرب يسوع للكنائس في سفر الرؤيا.

 

ولو
لم يحرص الروح القدس على تسجيل إنذارات رجال الله عبر الأجيال، لحرم البشر من كل
العظات التي تكلم بها، إيليا وإشعياء وعاموس ويوحنا المعمدان ويسوع نفسه!…

 

ألم
يقرأ هذا الكاتب قول اللّه بفم إشعياء: «وَيَخْرُجُونَ وَيَرُونَ جُثَثَ النَّاسِ
الذِينَ عَصُوا عَلَيَّ، لأَنَّ دُودَهُمْ لا يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لا تُطْفَأُ،
وَيَكُونُونَ رَذَالَةً لِكُلِّ ذِي جَسَدٍ؟» (إشعياء 66: 24).

 

ألم
يقرأ ما جاء في رؤيا 14: 11 «وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ
الآبِدِينَ. وَلا تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَاراً وَلَيْلاً لِلَّذِينَ يَسْجُدُونَ
لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ يَقْبَلُ سِمَةَ
اسْمِهِ؟».

 

إن
كلمة «أبد الآبدين» معناها إلى دهور الدهور. وقد ورد هذا التعبير إثنتي عشرة مرة
في سفر الرؤيا:

رؤيا
1: 6

رؤيا
4: 9

رؤيا
4: 10

رؤيا
5: 13


رؤيا
7: 12

رؤيا
10: 6

رؤيا
11: 15

رؤيا
14: 11

رؤيا
15: 7

رؤيا
19: 2 و 3

رؤيا
20: 10

رؤيا
22: 5

 

 خلاصة
عامة

إن
الحالة العتيدة لرافضي الفداء المقدم لهم بيسوع المسيح معلنة صريحاً بأنها حالة
عذاب وألم مشعور به، غير متغير وبلا نهاية. وهذا الفكر هائل ومريع، ولكنه فكر
كتابي. وهو خلاف ما يقوله الأدفنتست السبيتون، معقول وموحى به. وخصوصاً عندما نذكر
طبيعة الخطية وسخط الله عليها. لا سيما الخطية المرعبة، خطية دوس رحمة الله
المقدمة للخطاة، وازدراء النعمة برفض ابنه القدوس، الذي قدمته محبة الله مخلصاً.

 

إن
القول بأن العذاب الأبدي لا يتفق مع محبة الله الغنية بالرحمة، هو من النظريات
السخيفة لأنه حين نذكر قداسة الله بكل كمالها، ومجد يسوع المسيح بكل عدم محدوديته،
ونقابل كل هذه بالخطية بكل هولها المرعب ونجاستها، فلا يرضي مطاليب نظريات بصائرنا
الأدبية سوى هذا الاعتقاد بأن الذين يصرون على التمسك باختيار الخطية ويفضلون
الظلمة على النور. ويثبتون مداومين على رفض ابن الله، لا بد أنهم سيقاسون آلاماً
أبدية. فإن فزعنا وخوفنا من الألم أكثر من كراهة الخطية والاشمئزاز منها، وأكثر من
حبنا مجد يسوع المسيح، هو الذي يجعلنا نرفض الفكر بأن الخلائق التي تختار الخطية
على الدوام، لا بد أن تتألم على الدوام. أو أن الذين يستهيون برحمة الله ويحتقرون
ابنه ويرفضونه، يسلمون لألم لا نهاية له.

 

وفي
تعبير آخر، إن التعليم عن عذاب محسوس أبدي لعديمي التوبة معلن صريحاً في كلمة الله
في جميع الحوادث. وسواء أستطعنا الدفاع عنه ببراهين فلسفية، أو لم نستطع، فعلينا
أن نؤمن به لأنه جاء في كتابات الوحي الإلهي، وأن ننتظر نور الأبدية الأسطع لندرك
ما يعسر علينا فهمه الآن، واثقين أنه لا بد من وجود براهين فائقة الحكمة عند
الباري على عمل أمور لا نستطيع الآن إدراكها نظراً لقصر عقولنا وجهلنا، بل لعل
البعض يذهبون إلى القول بأنها ليست وجيهة ومقنعة. ومما لا ريب فيه أن هذه الخليقة
مهما بلغت حكمتها، فهي جاهلة ومحدودة. ومع ذلك فهي تحاول أن تتجبر وتستبد في الرأي
عن كيف ينبغي للإله الغير محدود في حكمته أن يفعل هذه الأمور. على أن جل ما نعلمه
من جهة كيف يعمل الله، إنما هو ما استنسب تعالى أن يخبرنا به.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى