علم الخلاص

51- مادام الله الكلمة أخذ طبيعة بشرية كاملة فهل هذه الطبيعة لها رغباتها وإرادتها ومشيئتها الإنسانية أو بمعنى آخر هل كان للسيد



51- مادام الله الكلمة أخذ طبيعة بشرية كاملة فهل هذه الطبيعة لها رغباتها<br /> وإرادتها ومشيئتها الإنسانية أو بمعنى آخر هل كان للسيد

51-
مادام الله الكلمة أخذ طبيعة بشرية كاملة فهل هذه الطبيعة لها رغباتها وإرادتها
ومشيئتها الإنسانية أو بمعنى آخر هل كان للسيد المسيح مشيئتين احدهما إلهية
والأخرى بشرية؟

ج:
يقول نيافة الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدَّس “لم يمح اللاهوت هذه الرغبات
البشرية، مثل الرغبة في النوم، وفي الطعام، وفي أن يحزن، أن يفرح، أن يكتئب. كل
المشاعر الطبيعية، ولكن بلا خطية، وبلا مشاعر خاطئة أو منحرفة أو شريرة.. حاشا،
فاللاهوت لم يلغ إنسانية السيد المسيح، فإن اللاهوت لم يلغ الرغبات الطبيعية
لطبيعتنا في السيد المسيح ولكنها كانت في حالة إنسجام تام مع الرغبات الإلهية، مثل
خلاص البشرية والفداء. لم يكن هناك اصطدام بين الرغبة البشرية (والإلهية) وذلك
بإرادة واحدة اتخذ أقنوم الكلمة قراره بأن يُهان ويصلب، بالرغم من انه بحسب بشريته،
كانت هذه الأحزان والآلام كلها أحزاناً وآلاماً حقيقية، فقد قال {نفسي حزينة جداً}
إذاً اللاهوت لم يلغ فيه إحساسه بالألم وشعوره بأن الخيانة شئ مؤلم..” (1).

 

وأكد
القديس أثناسيوس أن السيد المسيح القدوس كان له إرادته البشرية المقدَّسة، وقد هزم
الشيطان بالناسوت وليس بفعل اللاهوت فيقول “الخطيئة ليست من جوهر الناسوت، وانه
قد تحقق النصر على الخطيئة بواسطة الطبيعة البشرية عينها التي انهزمت مرة بالخطيئة.
لقد انهزم الشيطان أمام المسيح لا بفعل اللاهوت؟ فقد كان الشيطان يجهل اللاهوت
الذي فيه، ولكن بعمل الناسوت الذي طالما أغراه الشيطان ووجه إليه كل أعماله وحاربه،
فلم يجد الشيطان فيه الزرع القديم الذي زُرع في الإنسان. إن الذي اتخذه الكلمة هو
شكل الإنسان كما خلق أولاً. جسد بدون شهوات جسدية. لقد كان للمسيح إرادة بشرية
ولكن جميع رغبات الطبيعة في المسيح كانت في انسجام ووفاق مع إرادة الطبيعة
الإلهية”.

 

وفي
مشاورات كنيستنا مع كنائس الروم الأرثوذكس في يوليو 1967 تفهم كل طرف موقف الطرف
الآخر فقالوا “نحن متفقون جميعاً على أن المشيئة البشرية في الكلمة المتجسد
لا تمتصها ولا تمحوها المشيئة الإلهية، وإن هاتين المشيئتين لا تتعارضان، فالطبيعة
المخلوقة والطبيعة غير المخلوقة بكامل صفاتها وخصائصها الطبيعية، متحدتان بدون
اندماج ولا انفصال ويستمران فاعلين في المسيح الواحد ربنا. إن موقف الذين يصرون
على القول بالمشيئة الواحدة الإلهية – البشرية والفعل الواحد من غير اندماج ولا
انفصال لا يبدو غير متوافق مع قرار مجمع القسطنطينية (789 – 681) الذي يؤكد على وجود
مشيئتين وطبيعتين وفعلين طبيعين في المسيح من دون انقسام ولا إنعكاس ولا انفصال
ولا اندماج” (1).

 

وفي
مشاورات أغسطس 1970 جاء ما يلي “إن المشيئة والفعل البشريين للمسيح لا
يمتصهما ولا يمحوهما مشيئته وفعله الإلهيان، فلا تعارض هنا، إنما إتحاد في تناغم
كامل دون انقسام ولا اندماج، فالذي ” يشاء ” و” يفعل ” هو
دائماً الأقنوم الواحد والكلمة المتجسد، فعمانوئيل الواحد ” الله معنا ”
الإله والإنسان ” (2).

 

قال
الأسقف الروماني مؤلف كتاب الإيمان الصحيح ص 134 ” لكن المشيئة الإنسانية لم
تضاد أو تخالف قط المشيئة الإلهية القادرة على كل شئ، بل خضعت لها دائماً، لأنه
كان يجب أن تتحرك مشيئة الجسد لكي بنوع ان تخضع للمشيئة الإلهية كموجب رأي
أثناسيوس الكلي الحكمة، لأنه كما ان جسده (جسد المسيح) يقال له جسد الإله الكلمة
وهو هكذا حقاً، كذلك مشيئة جسده الطبيعية. يقال لها مشيئة الإله الكلمة هو هكذا
حقاً ” (3)

 

وقال
الآباء أن للسيد المسيح مشيئة واحدة ناتجة عن تلاقي المشيئة الناسوتية مع المشيئة
الإلهية وخضوعها لها، فقال القديس كيرلس الكبير في رسالته إلى الملك ثيؤدوسيوس
” إننا لا نعرى الناسوت من اللاهوت، ولا نعرى الكلمة من الناسوت بعد ذلك الإتحاد
الغامض الذي لا يمكن تفسيره، بل نعترف بأن المسيح الواحد هو من مشيئتين اجتمعا إلى
واحد مؤلف من كليهما، لا بهدم الطبيعتين، ولا باختلاطهما بل بإتحاد شريف إلى
الغاية ” (4).

وقال
القديس بطرس السدمنتي ” إذ كان الفاعل واحد كانت المشيئة واحدة، وقد ثبت أن
الفاعل واحد وهو المسيح، فالمشيئة إذاً واحدة، لأنه يستحيل توحيد الفاعل مع تثنية
المشيئة ” (1).

 

وقال
القديس أغسطينوس ” كما ان النفس فينا تدبر الجسد، هكذا (إقنوم) الكلمة في
المسيح. من هو الإنسان؟ هو نفس لها جسد، ومن هو المسيح، هو كلمة الله له ناسوت
” (2).

 

ويقول
قداسة البابا شنوده الثالث ” وطبيعي انه مادامت الطبيعة واحدة، تكون المشيئة
واحدة، وبالتالي يكون الفعل واحداً. إن ما يختاره اللاهوت، لا شك أنه هو نفسه ما
يختاره الناسوت، لأنه لا يوجد تناقض مطلقاً بينهما في المشيئة والعمل، والسيد
المسيح قال ” طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله ” (يو 4: 34)
وهذا دليل على أن مشيئته هي مشيئة الآب، وهو لا يطلب لنفسه مشيئة خاصة غير مشيئة
الآب (يو 5: 30، 6: 38) والإبن كان في تجسده على الأرض ينفذ مشيئة الآب السماوي،
لأنه ما هي الخطية سوى أن تتعارض مشيئة الإنسان مع الله، والسيد المسيح لم تكن فيه
خطية البتة. إذاً كانت المشيئة هي مشيئة الآب. وإن لم تكن هناك وحدة بين لاهوت
المسيح وناسوته في المشيئة، فهل يكون هناك تعارض إذاً أو صراع داخلي؟! حاشا.

 

كيف
إذاً يكون المسيح قدوة لنا ومثالاً على كما سلك ذاك نسلك نحن أيضاً (1يو 2: 6)؟!
” (3).

 

وقال
الأسقف الروماني صاحب كتاب الإيمان الصحيح ص 24 ” ونحن نعلم أن كثيرين
باقتناعهم من شهادات الإنجيل والآباء القديسين ومن القياس والبرهان يعتقدون حقاً
بمشيئتين في المسيح، لكن بنوع ان احداهما موافقة الأخرى، ولا يمكن القول انهما
اثنتان بل واحدة، فبالحقيقة أن الكنيسة الرومانية أيضاً تقر وتعتقد أن هاتين
المشيئتين متفقتان في المسيح كأنهما واحدة فقط ” (1).

 

وقد
يتساءل البعض: هل مشيئة الإبن بعد التجسد اختلفت عن مشيئة الآب حتى أنه يقول له
” يا أبتاه ان أمكن فلتعبر عني هذه الكأس. ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد
أنت ” (مت 6: 39).

 

والحقيقة
أن هناك فرقاً بين الرغبة والمشيئة أو الإرادة، فعندما يكون الإنسان صائماً قد
يشتد عليه العطش فيرغب في شرب كوب من الماء، فهذه مجرد رغبة، ولكن بسبب محبته
للصوم فإنه لن يشرب فهذا قراره، وبذلك تختلف الإرادة عن الرغبة، وهكذا الرغبة
البشرية في السيد المسيح أمام أهوال الصليب قال ” إن أمكن فلتعبر عني هذه
الكأس ” ولكن القرار النهائي ” لكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت
” (مت 26: 39).

 

قال
القس أبو الفرج ” إن قول سيدنا { ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت} لا
يستدعي منه أن إرادة الإبن غير إرادة الآب، وإنما قال هذا لأنه في ذلك الوقت أقام
نفسه مقام الخليقة بأسرها، فكأنه نطق بلسانها لأنه تحمل خطايانا كلها، والدليل على
إن إرادتهما واحدة قوله { صدقوني إني في الآب والآب فيّ } (يو 14: 11) وقوله {
الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني } وقوله { لا يقدر الإبن أن يعمل
من نفسه شيئاً إلاَّ ما ينظر الآب يعمل. لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك }
(يو 5: 19) وقوله { أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئاً } (يو 5: 30) (2)

 

وقال
القديس بطرس السدمنتي ” نقول ليس للإبن إرادة غير إرادة الآب والدليل عليه
قوله { أنا والآب واحد } (يو 10: 30).. فإن قيل أن السيد أخذ الإنسانية كاملة،
وكامل الإنسانية لايكون عادم المشيئة فنقول أن السيد أخذ الإنسانية كاملة بلاشك..
إلاَّ أنه لما قيل أن الذات الإلهية إتحدت بالذات الإنسانية، فلزم أن تتحد عند ذلك
جميع اللوازم التي يمكن إتحادها، ولاشك أن الإتحاد في المشيئات من أمكنها ”
(1).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى