علم المسيح

معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان



معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان

معمودية يسوع على
يد يوحنا المعمدان

. في
الحشد المزدحم حول النبيّ لسماعه، احتجب إنسان لم يكن أحد ليعيره انتباهاً. وكيف
يسترعي الانتباه، ولم يكن في قدّ ه، ولا في تقاسيم وجهه، أي ملمح خارق. إسرائيلي
من بين الإسرائيليين، لا هو عضو في السنهدرين، ولا هو بكاهن، بل ولا حتى من
اللاويين. ولم يكن من علية القوم ولا من علمائهم. وكان يرتدي، على حسب الشرع،
قميصاً من كتّان بأكمامٍ مسترسلة، وعباءة من صوف تزينها الأهداب المقرّرة في أسفار
الشريعة. ولا شك أنه كان يعتمر ” الكوفيةّ ” وهي المنديل الذي لا يزال
يعتمر به عرب فلسطين

 

.
وأمّا اسمه فكان من عامة الأسماء: يسوع. وهو من تلك الألفاظ القديمة المتواترة في
اللغة العبرية، والمشتقة من اسم الجلالة، والتي رجع اليهود إلى تعزيزها إثر عودتهم
من السبي. وهناك أشخاص كثيرون قد عُرفوا باسم ” يشوع ” أو ” يسوع
“. وقد ذكر يوسيفوس، في تاريخه، بهذا الاسم، زهاء اثني عشر شخصا: منهم
الفلاحّ، والزعيم، والمتمرّد، والكاهن..

 

وقد
كان ولا شك، يحمل فوق أذنه قلامة خشب رمزية، إشارة إلى حرفة النجارة التي كان
يمارسها، كما أن الصبّاغين كانوا يحملون قصاصة من قماش ملوّن، والكتبة ريشة. ولاشك
أيضاً أن لهجته كانت تدلّ على منبته الجليلي.. بيد أن النجّارين كانوا ولا ريب،
كثيرون بين الشعب المزدحم حول المعمدان. وأما أن يكون يسوع من الجليل، فما كان ذلك
من الميّزات الخارقة؛ ولا شك أنه. لم يكن أوّل رجل يقبل إلى المعبر من تلك المنطقة
الناثية، بعد مشقة أربعة أو خمسة أيام سفَرَ

 

. ومع
ذلك فأي إحساس اخترق نفس يوحنا ساعة اقترب منه يسوع؟.

 

. لقد
طفق يمانع ويعتذر. وأيقن أن تلك المعمودية التي فرضها على الجميع تطهيراً لهم من
الأوزار، لم تكن لتليق بذاك الرجل: ” أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ!
“. فأجاب يسوع وقال له: ” اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمّل كل
برّ” (متى 3: 4 ا- 15). في هذه اللحظة التيّ اعتلن فيها المسيح، نراه – كما
سيكون سحابة حياته كلها- غير مكترث لكل ما هو من أمجاد العالم الزائفة، بل متابعاً،
في يقين رسالته الإلهية، هدفاً بات مطوياً في سرّه

 

.
امتثل المعمدان لأمر المسيح، وطفق يقوم بمراسيم تعميده. وإذا به يرى الروح ينزل
عليه، على شبه حمامة من السماء، ويَحلّ على يسوع فور خروجه من الماء؛ فعرف إذ ذاك
أن ما أنبأه به الله يوماً قد تحقق في تلك اللحظة، وفهم ذاك المعمِّد بالماء أن
المعمِّد بالروح القدس قد ظهر للناس. يا لها لحظة مجد وإعجاز! ” فقد انفتحت
السماوات، سمع صوت من العلاء يقول: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت! ” (متى
3: 17؛ يوحنا ا: 32) بيد أن مهمةّ يوحنا لم تنته مع معمودية يسوع. فلئن كان آخرون
– ولا سيما رهبان قمران – قد أنبأوا بقرب مجيء المسيح، ودنوّ رحمة الله، فقد كان
عليه – يوحنا – أن يشهد أن تلك الرحمة قد تحققت، وأنّ الروح قد أفيض ر على البشر.
وعلى كلّ فقد كان المعمدان قد أنبئ، سلفاً، بتلك المهمة؛ والذي أرسله كان قد أوعز
إليه قائلاً: ” إن الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه، فهذا هو الذي يعمّد
بالروح القدس ” (يوحنا ا: 33). ولذلك، فإذ أبصره، في اليوم التالي، مقبلاً
إليه، صاح قائلاً: ” هوذا حمل اللّه الذي يرفع خطيئة العالم.. “. إن
لفظة الحمل وحدها كانت تبعث في نفس كل يهوديّ صورة الأضحيّة المبذولة كفّارة عن
المأثم، والحمل الوديع الذي بات منذ الخروج من مصر، ومنذ عهد موسى، يفتدي إسرائيل
بدمه. ولا شك أن بعض الذين طرقت آذانهم تلك الكلمات، قد ذكروا النصوص النبويّة
المتضمنة في سفِرْ أشعياء: ” أما هو، فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح
وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه.. ” (أشعياء 53: 7) ذكروا تلك النصوص
التي أنبأ فيها الرائي العظيم، بالمسيح المتعذب، والأضحية المبذولة فدية عن الناس،
كل الناس

 

.
وهكذا تحقق في الأردن سرّ عميق. فلم يعد بالإمكان أن تُفْصل عن صورة ابن اللّه
الموفد من السماء، صورة، الضحيّة المعدّ ة للفداء الدامي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى