علم التاريخ

طغيان الآريوسية



طغيان الآريوسية

طغيان
الآريوسية

نُفي
هوسيوس الأسقف الشيخ “أبو المجامع” وتخلّى ليباريوس أسقف رومة في منفاه
عن اثناثيوس. وتولى دفة الأمور في رومة الأرشدياكون فيلكس المشاكس فعطف على
الآريوسية وأيده في ذلك عدد كبير من الأكليروس الروماني. وتوفي لونديوس في سنة 358
وتولى من بعده افذوكسيوس أسقف مرعش. وأيّد الآريوسية كلٌّ من جاورجيوس أسقف
الإسكندرية ومقدونيوس أسقف القسطنطينية وجرمينيوس أسقف سرميوس واوكسنتيوس أسقف
ميلان.

 

المساواة
في الجوهر والتشابه والاختلاف: وكان من الطبيعي بعد هذا النصر الكبير أن تتطاول
أعناق الآريوسيين إلى تعديل دستور الإيمان النيقاوي، وأن يطالبوا بذلك جهاراً. ولم
يقم بينهم بعد وفاة استيريوس الصوفي، حبر لاهوتي كبير يتزعم هذه المطالبة
بالتعديل. فإن ثيودوروس أسقف هرقلية (355) كان مفسراً للكتاب أكثر منه لاهوتياً
متعمقاً. وعُني افسابيوس حمص (359) بالرد على الوثنيين واليهود والنوفاتيين
والمانويين. وكان معتدلاً متزناً يكره التطرف. وكان جاورجيوس أسقف اللاذقية من هذا
الطراز أيضاً فإنه كتب ضد المانوية وعُني عناية خاصة بسيرة افسابيوس أسقف حمص. أما
أكاكيوس أسقف قيصرية فلسطين فإنه تابع السلف القيصري فعني بمكتبة كرسيه وأضاف إليها
وفسّر سفر الجامعة. فلم يبقى سوى آئيتيوس الشماس ويمين لونديوس وعدو الأرثوذكسيين
في أنطاكية.

 

وكان
هذا الأخير، متطرفاً يحب اللاهوت ويعشق الجدل. فلم يرضَ عن القول السائد في
الأوساط الآريوسية بالتشابه في الجوهر
Homoiousion
المناظر للقول الأرثوذكسي بالمساواة في الجوهر
Homoousion الذي أقرّه مجمع نيقية. فأجهر بالاختلاف في الجوهر Anomoios وجاهر به الأرثوذكسيين معلناً أنه ليس هنالك أي إرتباط بين الآب
والابن! فتخطى بذلك آريوس نفسه. وشاطره رأيه جرمينيوس أسقف سرميوم ودعا إلى عقد
مجمع في صيف السنة 357. في سرميوم. فحرم هذا المجمع الإشارة إلى الجوهر والمساواة
في الجوهؤ والتشابه. لأن هذه الاصطلاحات لم ترد في الكتاب المقدس. ولأنها تقلق
راحة المؤمنين وأكّد عظمة الآب وتفوقه على الابن. ورغب الآريوسيون المجتمعون في
ترويج النص الجديد فاتصلوس بهوسيوس أسقف قرطبة وشيخ القائلين بالمساواة في الجوهر.
وكان هوسيوس قد هرم وولى وبلغ من الكبر عتياً فعجز عم المقاومة ووافق على القول
الجديد.

 

مقاومة
أرثوذكسية: وتمادى افذوكسيوس أسقف أنطاكية في ضلاله وغلا في الآريوسية وجاوز الحد
فقبل التعليم الصادر عن سرميوم وحضَّ أساقفة الكرسي الأنطاكي على قبوله وقرب آئيوس
وأفنوميوس واعتمد رأيهما. فثار ثائر الأرثوذكسيين في كنيسة أنطاكية وانضم إليهم
عدد كبير من المعتدلين ولا يخفى أن مجمع التكريس الأنطاكي قد امتنع سنة 341 عن
القول بأقوال آريوس وعن الإنتماء إليه وحِمل اسمه. وإن معظم الأساقفة الأنطاكيين
الذي اشتركوا في أعمال المجمع الأول في سرميوم سنة 351 كانوا قد قالوا قولاً لا
يجوز اعتباره هرطقة إذا حسن تفسيره.

 

فلما
جاء آئيوس ببدعته الجديد وأنكر ألوهية الابن هبَّ لمقاومته هؤلاء المعتدلون
أنفسهم. وكتب جاورجيوس أسقف اللاذقية كتاباً إلى مقدونيوس أسقف القسطنطينية وباسيليوس
أسقف أنقيرة وكيكروبيوس أسقف نيقوميذية وافجينس أسقف نيقية، يناشدهم الإسراع في
المعونة لتخليص كنيسة أنطاكية من افنوميوس وزمرته. وكان باسيلوس أسقف انقيرة قد
نفر من آئيوس وحذلقاته فعقد مجمعاً في أنقيرة ربيع سنة 358 وكتب باسم هذا المجمع
رسالة سلامية وجهها إلى جميع أساقفة المسكونة. ثم عاد فكتب ثانية باسمه وباسم
جاورجيوس أسقف اللاذقية.

 

ويتضح
من هاتين الرسالتين أن الآباء المجتمعين في أنقيرة شجبوا القول بالاختلاف في
الجوهر وأكدوا ألوهية الابن وابتعدوا عن المساواة في الجوهر خشية الجنوح إلى بدعة
بولس السميساطي فآثروا القول بالتشابه بالجوهر
Homoiousion.

 

وحمل
باسيليوس أسقف أنقيرة وافستاثيوس أسقف سبسطة والفسيوس أسقف كيزيكة مقرارات مجمع
أنقيرة إلى قسطنديوس في سرميوم. ونبذ عدد من أساقفة غالية وأفريقية قول آئيوس
وافنوميوس فأيّد قسطنديوس موقف الأساقفة في أنقيرة وكتب إلى الأنطاكيين ينفي أن
يكون هو قد عيّن افذوكسيوس أسقفاً عليهم ويحذرهم شر أولئك الذين يغيرون أبرشياتهم
ليزيدوا دخلهم. وأولئلك المتفلسفين الذين يتجرون بالنفاق والزندقة ليخدعوا
الجماهير. وذكر الأمبراطور الأنطاكيين بما قاله لهم عن العقيدة وكيف أنه أبان لهم
أن المخلص هو ابن الله وأنه مشابه للآب في الجوهر فانتهز بافيليوس هذه الفرصة
السانحة فاستصدر أمراً أمبراطورياً أُبعِدَ به افذوكسيوس أسقف أنطاكية إلى أرمينية
وآئيوس إلى بابوزة وسجن بموجبه افنوميوس في أنقيرة.

 

الدعوة
إلى عقد مجمع: (359) وسعى باسيليوس إلى عقد مجمع مسكوني ينظر في قضية الإيمان ويقر
موقفاً نهائياً منها. وأراد أن يلتئم أساقفة المسكونة في نيقية للمرة الثانية.
ولكن ذكريات النضال في المجمع النيقاوي قضت باستبدال نيقية بمكان أخر. فاقترح
باسيليوس أن يجتمع الأساقفة في نيقوميذية، فوافق الامبراطور. إلا أن هزة أرضية
دمرت المدينة في الرابع والعشرين من آب سنة 358. فرأى الأمبراطور أن يستفتي
الأساقفة واحداً واحداً في مكان المجمع. وكتب إليهم وطالت مدة الاستفتاء وعاد
باسيليوس إلى مركز أبرشيته. فاستغل بعض الاكليروس الآريوسيين تغيبه عن البلاط
وطلبوا إلى ركنين من أركان الآريوسية الذهاب إلى سرميوم والإتصال بقسطنديوس. وكانا
نرقيس أسقف بانياس وبتروفيلوس أسقف بيسان. وخشي الأسقفان ألا يكون أتباعهما
ومناصروهما أكثرية في مجمع مسكوني يضم أساقفة الشرق والغرب -وكانا هما قد شاركا في
أعمال المجمع النقاوي- فأظهروا للأمبراطور صعوبة التفاهم بين أساقفة الغرب والشرق
لتباين اللغتين اليونانية واللاتينية. وبيّنا له كثرة النفقات اللازمة لنقل
الأساقفة الغربيين إلى الشرق. واقترحوا عقد مجمعين في آن واحد. مجمع غربي في
ريميني على شاطئ الأدرياتيك ومجمع في سلفكية أسورية بالقرب من الساحل القيليقي.

 

فقبل
الأمبراطور اقتراحهما وطلب إلى مرقس أسقف أرسوز والذي كان في سرميوم أن يعد نصاً
لدستور إيمان جديد يُعرض على أساقفة المجمعين. فأعدَّ الدستور الذي عُرف فيما بعد
بالدستور “المؤرخ”. لأن مرقس بدأ النص بالإشارة إلى موافقة قسطنديوس
وإلى السنة والشهر واليوم الذي تمت فيه هذه الموافقة. و”الدستور المؤرخ”
ينص على التشابه في الجوهر
Omoios بعبارات غامضة ويؤكد “أن المسيح هو ابن الله مولود قبل كل
الدهور وأنه يشابه الآب في كل شيء كما جاء في الأسفار المقدسة”. ويتميز هذا
الدستور بالإشارة الواردة فيه لأول مرة إلى “نزول السيد إلى الجحيم”.
وأوجب الأمبراطور على المجمعين تفحص “الدستور المؤرخ” وإيفاد وفدين
يحملان رأيي الأساقفة المجتمعين.

 

مجمع
ريمينه: فالتأم في ريمينه أربع مئة أسقف. ورفض معظمهم الدستور المؤرخ وأيدوا دستور
نيقية وقطعوا عدداً من الأساقفة المخالفين. وقام إلى القسطنطينية وفدان أحدهما
يمثل الأكثرية الساحقة والآخر المخالفين. فأذن الأمبراطور لوفد الأقلية بالمثول
بين يديه ورفض الإصغاء إلى وفد الأكثرية. ثم حاوط الآريوسيون هذا الوفد وداوروا
رئيسه فوافق الأكثرية على حذف “في جميع الأشياء” عند الإشارة إلى تشابه
الابن بالآب وقبلوا بالدستور المؤرخ ووقعوا بروتكولاً بهذا المعنى في العاشر من
تشرين الأول سنة 359.

 

مجمع
سلفكية: وبدأ المجمع الشرقي أعماله في سلفكية في السابع والعشرين من أيلول سنة
359. فضم أكثر من مئة وخمسين أسقفاً. وأشهر أعضائه أصحاب الرأي والقول باسيليوس
أسقف أنقيرة ومقدونيوس أسقف القسطنطينية والفسيوس أسقف كيزيكة وسلوانوس أسقف طرسوس
ومرقس أسقف أرسوز -واضع الدستور المؤرخ موضوع البحث- وكيرللس أسقف أورشليم
وصفرونيوس اسقف بومبيوبوليس وجاورجيوس أسقف الإسكندرية وافذوكسيوس أسقف أنطاكية
سابقاً وأكاكيوس أسقف قيصرية فلسطين. وتألف الوفد الأنطاكي من مرقس واكاكيوس
وأورانيوس أسقف صور وسبعة عشر آخرين بينهم أربعة يمثلون أبرشيات
“العربية”.

 

واقترح
سلوانوس القول بدستور “التكريس” الأنطاكي الذي اقره المجمع الأنطاكي سنة
341. وأيده في هذا مئة وخمسة أساقفة. فاحتج أكاكيوس أسقف قيصرية وخرج من المجمع
وتبعه ثمانية عشر أسقفاً. واجتمع هؤلاء منفردين وأقروا بقبول “الدستور
المؤرخ” ملطفين عباراته لاغين القول بالاختلاف في الجوهر. وعاد اكاكيوس
وجماعته إلى المجمع في الجلسة الثالثة وحاولوا إعادة البحث في الدستور فلم تقبل
الأكثرية وقال ألفسيوس قوله الشهير: “لم نجتمع لوضع دستور جديد وإنما اجتمعنا
لاثبات قول الآباء”. وغضب ليوناس ممثل الأمبراطور وخرج من المجمع قائلاً:
“إني جئت لأمثل الأمبراطور في مجمع متحد متفق لا في مجمع منشق منقسم”.
ثم رفض أكاكيوس وجماعته الاشتراك في أعمال المجمع.

 

وتابعت
الأكثرية أعمالها فنظرت في قضية كيرللس أسقف أورشليم وفي الخلاف الذي نشأ بينه
وبين أكاكيوس متروبوليت الأبرشية. فإن كيرللس قد استمسك في بعض الامتيازات التي
أقرها التقليد لأم الكنائس فقاومه في ذلك أكاكيوس مدعياً أنه هو متروبوليت
الأبرشية. وكان كيرللس قد باع آنية كنيسته ليطعم الفقراء والجائعين فاعترضه
أكاكيوس وأمر بخلعه. فأعاده مجمع سلفكية إلى كرسيه مكرماً. وقطع هذا المجمع كلاً
من جاورجيوس وافذوكيوس واكاكيوس وبتروفيلوس أسقف بيسان وخمسة آخرين. ورفع انيانوس
أحد كهنة أنطاكية إلى كرسيها الرسولي ثم أعلن أسماء أعضاء الوفد الذي سيحمل قرارات
المجمع إلى الأمبراطور قسطنديوس في القسطنطينية. ولم يرضَ لوريقيوس دوق أسورية عن
القرار في أسقفية أنطاكية وألقى القبض على انيانوس ونفاه.

 

مجمع
القسطنطينية: (360) واجتمع ممثلو المجمعين في القسطنطينية في مطلع سنة 360 فأقروا
“الدستور المؤرخ” المعدل وقالوا بالتشابه في الجوهر كما في الكتب ونبذوا
التخالف في الجوهر وحرموا استعمال اللفظين
Ausia و Hypostsis الذين أثارا الجدل واعتاضوا عنهما بالكلمة Omoios
فجاء الدستور بهما مبهماً غامضاً قابلاً لتفاسير متناقضة في بعض الأحيان.

 

ثم
انتقل الأعضاء إلى البحث في الأشخاص فنزعو آئيتيوس رتبته وطردوه من الكنيسة وهددوا
بلعنه إن هو أصرّ على موقفه وحرَّموا قراءة كتبه وأوجبوا تمزيقها. وخلعوا مقدونيوس
أسقف القسطنطينية والفسيوس أسقف كيزيكة وباسيليوس اسقف أنقيرة وسلوانس أسقف طرسوس
وكيرللس أسقف أورشليم وغيرهم.

 

وكتب
المجمع إلى جميع أساقفة المسكونة يدعوهم إلى الموافقة على نص الدستور الجديد. وهدد
السلطات الزمنية بالنفي في حال عدم الموافقة. فوافق عدد كبير من الأساقفة في الغرب
والشرق معاً. وامتنع عدد عن الموافقة. وكان أثناثيوس لا يزال سيد الموقف في مصر
فحض أساقفة مصر وليبيا على الاستمساك بالدستور النقاوي ففعلوا. ولعل الرسالة
المرسومة هيي مما كتبه لهذه المناسبة. ولعلها تعود إلى سنة 256.

 

ملاتيوس
أسقف أنطاكية: وأقام الأساقفة المجتمعون في القسطنطينية افذوكسيوس أسقف أنطاكية
السابق أسقفاً على القسطنطينية واعتبروا ترقية أنيانوس إلى الكرسي الأنطاكي غير
قانونية. فانتخب أكاكيوس أسقف قيصرية فلسطين وأتباعه ملاتيوس أسقفاً على أنطاكية.
ووقعوا محضراً بانتخاب ملاتيوس وجعلوا افسابيوس أسقف سميساط يحتفظ به دفعاً لكل
اعتراض. وكان ملاتيوس قد أبصر النور في ملاطية أرمينية واشتهر بالتقوى واللطف
والمحبة والاستقامة فلما انفرط عقد المؤمنين في سبسطية أرمينية وانقسموا على بعضهم
نادى البعض بملاتيوس أسقفاً ضد افستاثيوس الأسقف القديم. ولم يتمكن ملاتيوس من
الوصول إلى كرسي سبسطية نظراً لشدة الخصام والشغب. فابتعد عنها وأقام في حلب. وفي
سنة 359 التأم مجمع سلفكية فمثل سبسطية أرمينية افستاثيوس ووافق أكثرية المجمع على
التمسك بالدستور الأنطاكي. أما ملاتيوس فإنه ماشى أكاكيوس إما في أثناء انعقاد
المجمع وبعد ذلك بقليل.

 

ودخل
أنطاكية في شتاء 360-361 وتسلّم عكاز الرعاية بحضور الأمبراطور واكاكيوس وجاورجيوس
أسقف الإسكندرية. وطلب الأمبراطور إلى الأساقفة الثلاثة أن يتكلموا في موضوع
الآية: “الرب حازني في أول طريقه قبل عمله منذ البدء” (أمثال 8: 22).
فصارح جاورجيوس المؤمنين بالآريوسية واكتفى أكاكيوس بالتعميمات المبهمة. أما
ملاتيوس فإنه اعترف بأن المسيح هو ابن الله وإله من إله وواحد من واحد وتحاشى
استعمال الكلمتين أقنوم وجوهر. فأرضى بذلك الأرثوذكسيين ولكنه أغضب الآريوسيين.

 

ويرى
العلامة كافاليرا في كتابه “انشقاق أنطاكية” أن ملاتيوس كان منذ البدء
وظلَّ حتى النهاية أرثوذكسياً لا غشَّ فيه. والواقع أن ملاتيوس ماشى أكاكيوس وإن
أكاكيوس وجاورجيوس اشتركا في تسليمه عكاز الرعاية. وإن سقراط وابيفانيوس يؤكدان
علاقة ملاتيوس بأكاكيوس. ولعل باسيليوس الذي اعتبر ملاتيوس نيقاوياً كاملاً أراد
أن يكتفي بما اعترف به ملاتيوس في أواخر عهده. وإن بغض النظر عما فاه به ووقعه في
بدء حياته العملية. ورقب الآريسوسيون حركات ملاتيوس وسكناته فاحتجوا على بعض
إجراءاته الإدارية وطلبوا عزله وإبعاده فنفاه قسطنديوس إلى أرمينية في أخر الشهر
الأول من أسقفيته. وتبوأ الكرسي بعده افظويوس الآريوسي. وكان قد دخل في حرم
الكسندروس الإسكندري ونزعت عنه رتبته الكنسية. وانتصرت الآريوسية انتصاراً باهراً
وأصبح أساقفة معظم الكنائس الكبرى في الشرق والغرب معاًَ إما آريوسيين متطرفين
ومعتدلين.

 

وفاة
قسطنديوس الثاني: كان شابور الثاني الفارسي قد عبر دجلة في جيش عظيم سنة 358. وكان
قسطنديوس لا يزال في سرميوم يعالج الاختلاف في العقيدة. فقام إلى القسطنطينية وبقي
فيها طوال شتاء سنة 359-360 وفي ربيع سنة 360 نهض لمجابهة الخطر الفارسي. وكان
شابور يتوغل ووصل إلى ضفة دجلة الغربية وحاصرها. فحاول قسطنديوس أن يفك الحصار فلم
يفلح؟ وأثبل فصل الشتاء وتوقفت الأعمال الحربية ولبث قسطنديوس في أنطاكية. وكانت
حاشيته توغر صدره على ابن عمه يوليانوس أن يوافيه بأحسن ما عنده للصمود في وجه
الفرس. ويقال أن بان عمه مال إلى تلبية الطلب ولكن جنوده تمردوا احتجاجاً ونادوا
به امبراطوراً في باريس سنة 360. وكتب يوليانوس إلى قسطنديوس يرجو منه الاعتراف
بما تم ولكن قسطنديوس أصرَّ عليه أن يتنازل. فاضر يوليانوس أن يزحف بجنده إلى
الشرق. وسار قسطنديوس من أنطاكية إلى القسطنطينية فالغرب لمنازلة خصمه. ولكنه مرض
وهو لا يزال في طرسوس. واشتد الخطر على حياته فاعتمد بيد افظويوس وتوفي على مسيرة
يوم من طرسوس في الثالث من تشرين الثاني سنة 361. وأجمل ما يذكر عنه أنه عندما
اشرف على الموت أوصى بأن يكون يوليانوس نفسه خلفاً له.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى