اسئلة مسيحية

خدمة الكنيسة وعمل الدولة



خدمة الكنيسة وعمل الدولة

خدمة
الكنيسة وعمل الدولة

هل
إذا اشتعلت الكنيسة في مجال الخدمة الاجتماعية، تكون قد دخلت في مجال عمل الدولة،
وقدت عملها الروحي – كما قرأت لأحد الآباء الرهبان – وقد تكون قد خرجت عن نطاق
السيد المسيح الذي قال ” مملكتي ليست من هذا العلم، ولا توافق تعليم الإنجيل؟

 

الرد:

أن
السيد المسيح كان يعمل العملين معاً.

كان
يهتم بالروح وبالجسد أيضا. يقول الكتاب ” وكان يسوع يطوف كل الجليل، يعلم في
مجامعهم، ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب “(متي 4: 23).
كان يعظ علي الجبل، وفي البرية، وعلي شاطئ البحيرة، هذا هو العمل الكرازي. وأيضاً
يقول الإنجيل ” وعند غروب الشمس، كان كل الذين عندهم مرضي بأنواع أمراض كثيرة
يقدمونهم إليه، فكان يضع يديه علي كل أحد فيشفيهم. وكانت الشياطين تخرج من كثيرين
وهي صارخة ” (لوقا 38: 40). أذن شفاء المرضي، ليس خارجاً عن عمل المسيح، ولا
يتعارض مع قوله ” مملكتي ليست من هذا العالم “.

 

وإذا
اهتمت الكنيسة بشفاء الكنيسة بشفاء المرضي، وبتأسيس المستشفيات والمستوصفات
والخدمات الصحية، ولا تكون قد خرجت عن رسالتها الروحية. فرسالتها ليست مجرد كلام
نسميه الكرازه، إنما أيضاً تخفيف آلام الناس. وقد قدم لنا السيد المسيح مثل
السامري الصالح، الذي وجد إنساناً معتدي عليه في الطريق فضمد جراحه، وحمله علي
دابته، وأودعه فندقاً ريثما يستعد صحته، وأنفق عليه (لو 10: 30-37). والسيد المسيح
في هذا المثل وجه لومه إلي الكاهن واللاوي واللذين لم يهتما بهذا الإنسان في مرضه
وفي حاجته. واعتبر هذا الأمر عملاً من اعمال الرحمة والمحبة.

 

فهل
تبعد الكنيسة عن اعمال الرحمة والمحبة، وتحتج بأن هذا من أعمال الدولة، وتعمله
الكنيسة أيضاً، ويعمله كل فرد.

 

ونحن
لا ننظر إلي هذه الأمور، علي اعتبار أنها خدمة اجتماعية، وأنما ننظر إليها كعمل من
اعمال المحبة التي هي أولي ثمار الروح القدس (غل 5: 22). والتي بها يتعلق الناموس
كله والأنبياء، كما قال المسيح (متي 22: 40).

 

والسيد
المسيح، كما اهتم بالكرازة، أهتم أيضا بإطعام الناس.

ومعجزة
الخمس خبزات والسمكتين، هي التي ورد ذكرها في كل الأناجيل الأربعة. وما اجمل قول
السيد المسيح لتلاميذه ” أعطوهم انتم ليأكلوا ” (لو 9: 13). وفي هذه
الوصية أمر للكنيسة ان تعطي للجائع. لأن السيد المسيح في ذلك اليوم كان يعظ الجموع،
ولكنه لم يكتف بمجرد الوعظ، علي اعتبار ان هذه هي مملكته إنما لا طلب إليه تلاميذه
أن يصرف الجموع إلي القري المحيطة، ليبتاعوا لهم طعاماً، أجاب السيد في حزم أنه لا
يستطيع ان يصرفهم جائعين ” لئلا يخوروا في الطريق “(مر 8: 2،3). أنه
تعليم للكنيسة، ألا تكتفي بالوعظ والكلام، وأنما تطعم الجائع، ولا تظن أن هذا يخرج
بها عن رسالة الملكوت، أو عن رسالة الدين، أو عن العمل الروحي.

 

هوذا
يعقوب الرسول يقول: ” الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد
اليتامي والأرامل في ضيقهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم “(يع 1: 17).

 

فهل
إذا اسست الكنيسة الملاجئ، للأيتام، أو اهتمت بمساعدة الأرامل والفقراء في ضيقهم
تكون عن رسالتهم؟ أم أن هذه ” هي الديانة الطاهرة النقية عند الله “؟ إن
هذا هو تعليم الكتاب المقدس، لاتعليم الناس. وحفظ الإنسان بلا دنس من العالم، لا
يكفي، أن كان يغلق أحشاءه عن العناية بالفقير واليتيم، والأب الكاهن لا يستطيع أن
يري أسرة فقيرة ويهمل العناية بها، محتاجاً بأن هذا هو عمل من أعمال الدولة أن
يريي أسرة فقيرة ويهمل العناية بها، محتاجاً بأن هذا هو عمل من اعمال الدولة أن
الدولة نفسها لا تقول هذا هوذا يعقوب الرسول يوبخنا قائلاً ” إن كان أخ واخت
عريانين ومعتازين للقوت اليومي، فقال لهما احدكما أمضيا بسلام،، استدفئاً واشبعا،
ولكن لم تعطوهما حاجات الحسد، فما المنفعة ” (يع 2: 15، 16).

 

لهذا
نري الكنيسة قد اهتمت بهذا المر منذ العصر الرسولي، كما حدث في سيامة الشمامسة
السبعة، إذ وجدوا ان بعض الأرامل ” كن يغفل عنهن في الخدمة اليومية “(اع
6: 1). فلكي يتفرغ الرسل لخدمة الكلمة، رسموا سبعة شمامسة واضعين عليهم اليادي،
لكي يقوموا بهذه الخدمة، ولم يقولوا ان عمل الكنيسة لا علاقة له بخدمة الموائد بل
أوجدوا له طغمة داخل الكنيسة تقوم بهذا العمل. ولم يقل أحد إطلاقاً أن هذا العمل،
ليس عمل الله، وإنما هو عمل قيصر إن سفر اعمال الرسل، لم يقل فقط ” وبقوه
عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ” وإنما ذكر أيضاً بعدها
مباشرة ” ولم يكن فيهم أحد محتاجاً لأن كل الذين كانوا أصحاب حقول او بيوت،
كانوا يبيعون ويأتون بأثمان المبيعات، ويضعونها عند أرجل الرسل. فكان يوزع علي كل
واحد كما يكون له احتياج “(أع 4: 33-35). هذا هو التعليم النقي السليم الذي
في الإنجيل.

 

ولا
تستطيع الكنيسة أن تمتنع عن مساعدة الفقراء واليتامى والأرامل والمرضي والجياع،
بأسم مجاملة للدولة. فليس هذا للدولة، وأنما هذا عدم تعاون مع الدولة.

 

وهذا
أيضاً عدم طاعة لوصايا الإنجيل وخروج عن وصية المحبة، التي قال الكتاب إنها أعظم
الفضائل (1كو 13). بل هذه محاربة واضحة للكنيسة ولرسالتها، ومحاولة لايجاد وقيعة
بينها وبين الدولة في هذه الأيام، والكنيسة من أخلص الهيئات للدولة، والدولة تشجع
أعمال الخير التي تقوم بها الكنيسة.

 

وهنا
نسجل أن السيد المسيح قد جعل عمل المحبة هذه التي يسمونها بالعمل الاجتماعي من
قواعد الدينونة في اليوم الدين

 

فسيقول
للذين يقفون عن اليسار، في اليوم الأخير:


اذهبوا عني يا ملاعين إلي النار الأبدية المعدة لابليس وملائكته لأني جعت فلم
تطعموني،ى عطشت فلم تسقوني، كنت غريباً فلم تأووني. عرياناً فلك تكسوني. مريضاً
ومحبوساً فلم تزوروني ” (متي 25: 41-43). هل يقولون له نأسف، لن هذا عمل يصر،
وليس عمل الله، وأنت قلت أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله أم يقولون له: ما شأنك
يارب بهؤلاء، ومملكتك ليست من هذا العالم؟ أم يذهبون فعلاً إلي النار المعدة،
لأنهم أغلفوا عمل المحبة التي يسميها المجتمع حالياً بالخدمة الاجتماعية.

 

فإن
كان كل إنسان، من واجبه هذه الخدمة، فكم بالأولي الكنيسة التي ضرب لها تلاميذ
المسيح مثالاً تبعوا فيه خطوات سيدهم ومعلمهم؟!

 

أن
هذه الخدمة التي نقدمها للفقراء، إنما نقدمها للمسيح نفسه، لأنه قال ” الحق
أقول لكم، بما انكم، بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي قد فعلتم
” (متي 25: 40). وفي رسالة بولس الرسول إلي أهل رومية، تحدث عن خدمة الكنيسة
للفقراء وتعاون كنائس مكدونية وأخائية واورشليم في هذا الأمر، فقال ” الآن
أنا ذاهب إلي أورشليم، لأخدم القديسين “. لأن أهل مكدونية وأخائية استحسنوا
أن يصنعوا توزيعاً لفقراء القديسين الذين في أورشليم لأنه إن كان الأمم قد اشتركوا
في روحياتهم، يجب عليهم أن يخدموهم في الجسديات أيضاً (رو 15: 25-28). وقال أيضاً
” مشتركين في احتياجات القديسين ” (رو 12: 13).

 

وخدمة
الفقراء والمحتاجين، ليست مجرد عمل اجتماعي، وإنما إلي جوار عمل الحب فهي صيانة
للفقير من الخطأ.

وهنا
يكون لها عمل روحي، هو من صميم عمل الكنيسة. فالفقر إلي السرقة، أو ألي الكذب
والاحتيال، أو إلي التذمر والتجديف علي الله وعلي الله وعلي الكنيسة، فيضعف علي
الله الكنيسة، فيضعف إيمانه. والكنيسة حينما تعطي للفقير، إنما تشعره بمحبة الله
له، وأن الله هو الذي أرسل إليه من يعطيه فيقوي إيمانه.

 

ولهذا
فإن العمل الإجتماعي الذي تقوم به الكنيسة، له طابع روحي يميزه، تدخل فيه روحانية
الوصية، ويمتزج بكلمة التعليم.

 

وغالبية
الكنائس تسمي الفقراء (أخوة يسوع)، لأنه سماهم هكذا (متي 25: 40) وتتعامل معهم في
العطاء علي هذا الأساس. والكنيسة نجد بركة في هذه الخدمة وتقوم به بروح أمومة
الكنيسة لابنائها، وبروح أبوة الكهنوت. والكنيسة تمارس هذه الخدمات وتنظمها من
أقدم العصور، حتى الآن، وفي كل آوان إن شاء الله.

 

والبلاد
الشيوعية فقط، هي التي تقيد الكنيسة في خدماتها، وتقصرها علي الصلاة فقط، وتحصر كل
شئ في يد الدولة، لأنها لا تريد أن تكون هناك صلة بين المؤمنين والله.

 

الفكر
الشيوعي لا يوافق ان يأخذ المحتاج من بيوت الله، لئلا يتذكر الله، ورجال الله،
فيبعد عن إلحاده وأيضاً لكي لا يشكر الله فيما يأخذ، أو يشعر أن ما أخذه هو من
نعمة الله، بينما يجب أن يشعر – حسب الفكر الشيوعي – أن الشكر هو للدولة وحدها،
بينما يختفي الله ولا يكون الله منافسان للدولة أردنا أن نحذر من أمثال تلك
الأفكار، لئلا تندس في كتابات، دون أن يشعر بها صاحبها، ويرددها البعض، أو يعجب
بها البعض، وهم لا يدركون خطورتها. ونحن نشكر الله أننا في بلاد تري أن كل نعمة
وكل عطية، مصدرها الله، لذلك نشجع ارتباط الناس بالله. أن الكنيسة لا تدخل إطلاقا
في عمل الدولة، فالكنيسة لا تشتغل بالسياسة والسياسة من عمل الدولة. ولكن العمل
الرعوي، له طابع آخر والكنيسة تقوم بعملها الرعوي، وتهتم بأبنائها. ولا تري الدين
مجرد عقائد وأفكار، أو مجرد عظات وكرازة. غنما الدين هو الحب قبل كل شئ. والحب هو
أن نعتني بأبنائنا في كل ما نستطيع ان نقدمه لهم من خير.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى