بدع وهرطقات

بدعة أبوليناريوس والرد عليها



بدعة أبوليناريوس والرد عليها

بدعة
أبوليناريوس والرد عليها

الأنبا
بيشوى

 

بدعة
أبوليناريوس والرد عليها

العجيب
أن أبوليناريوس مع أنه قد علّم بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح، عكس عقيدة نسطور
الذى فصل المسيح إلى طبيعتين منفصلتين، ولكن العجيب أنه بالرغم من أن كلاً منهما (نسطور
وأبوليناريوس) قد وصل إلى عقيدة ضد عقيدة الآخر تماماً إلا أن السبب فى هرطقة
أبوليناريوس هو أحد أسباب هرطقة نسطور، أو ربما يكون السبب الرئيسى. بمعنى أنهما قد
سقطا فى خطأ واحد. وقد حاول كل منهما أن يعالج إحدى الهرطقات أو المعضلات
العقائدية، فوقع فى هرطقة ضد هرطقة الآخر.

كان
الخطأ الذى وقع فيه كل من نسطور وأبوليناريوس إنهما اعتقدا أن الروح الإنسانى
العاقل فى المسيح لابد أن يكون شخصاً إنسانياً
، وإلا كيف يُنسب إلى
هذا الروح الإنسانى العاقل الفكر وحرية الإرادة.. الخ. فأراد أبوليناريوس أن يعالج
هذه المشكلة التى أوقع فيها نفسه، بأن يلغى وجود الروح الإنسانى العاقل فى المسيح،
لكى لا يكون فى المسيح شخص إلهى وشخص آخر إنسانى. فراودته فكرة منظومة التكوين
الثلاثى
Trichotomy للإنسان فقال كما أن الإنسان مكوّن من جسد ونفس وروح عاقل، كذلك فإن
الله الكلمة المتجسد يكون مكوناً من جسد ونفس وروح عاقل: هو أقنوم الكلمة أى
لاهوته.

 

فبحسب
فكر أبوليناريوس: حيث أن الله روح واللوغوس هو العقل الإلهى منطوق به فلا شك أن
هذا الروح الإلهى الذى هو الله الكلمة يتصف بصفة العقل، وحيث أن الله روح ويتصف
بالعقل فما الداعى لوجود روح عاقل للمسيح؟ وبهذا جعل لاهوت الابن الكلمة عوضاً
عن الروح الإنسانى العاقل فى المسيح
. وكان هدفه حل مشكلة وجود شخصين للكلمة
المتجسد. الشخص الأول هو: شخص أقنوم الكلمة، والشخص الثانى هو: الروح الانسانى
العاقل ليسوع، حسب تصوره للفكرة، وكان تصوره خاطئاً. وتصور هو بذلك إنه قد تحاشى
فكرة وجود شخصين فى المسيح. لأن ذلك فى نظره يجعل الفادى المخلص ليس هو الله ولكن
هو شخص الإنسان يسوع الناصرى.

 

بالرغم
من أننا نتفق مع أبوليناريوس فى رفض فكرة شخصين فى المسيح، إذ نعتقد أن المخلص هو
يسوع وهو هو نفسه الله الكلمة. أى أن الله الكلمة هو نفسه صار إنساناً وخلصنا بموته
المحيى. إلا أننا لا نتفق مع أبوليناريوس فى إلغائه لعقيدة وجود روح إنسانى
عاقل للمسيح، وبالتالى إلغائه لكمال ناسوته.

 

ولقد
أكّد الآباء القديسون على وجود شخص واحد للمسيح هو شخص الله الكلمة
. فقال
القديس أثناسيوس الرسولى “لقد جاء كلمة الله فى شخصه الخاص”
[1] The Word of God (Logos) came in His own person. كما قال القديس كيرلس الكبير: إن الله الكلمة لم يتخذ
شخصاً من البشر بل هو نفسه اتخذ طبيعة بشرية كاملة جسداً محيياً بروح عاقل،
وجعل هذا الناسوت خاصاً به جداً
[2] أى جعله فى اتحاد طبيعى مع لاهوته.

 

وبالرغم
من إننا سوف ندرس فى دراستنا لمجمع أفسس هرطقة نسطور ورد القديس كيرلس عليها، إلا إننا
لن ندع الفرصة تفوت الآن لكى نوضّح كيف وقع نسطور فى هرطقته منطلقاً من نفس الخطأ
الذى وقع فيه أبوليناريوس.

 

الخطأ
المشترك الذى وقع فيه نسطور مع أبوليناريوس
:

الخطأ
المشترك لنسطور مع أبوليناريوس هو أن نسطور اعتبر أن الروح الإنسانى للمسيح هو شخص
إنسانى. على اعتبار أنه أكّد أن الطبيعة البشرية للمسيح لا يمكن أن يتم بها
فداء البشرية إلا إذا كانت طبيعة بشرية كاملة. أى أن إنسانية المسيح لا يمكن إطلاقاً
أن تتكون من جسد فقط ذا نفسٍ حية بدون الروح العاقل الذى يميّز الإنسان عن الحيوان،
وإلا كيف يخلّص المسيح أرواح البشر من الهلاك الأبدى.

لأنه كما قال القديس
غريغوريوس: “مالم يتخذ لا يخلص
[3] أى ما لم يتخذه الله الكلمة فى تجسده ويوّحده مع لاهوته لا يمكن أن
ينال الخلاص. فإذا اتخذ جسداً فإنه يخلّص الجسد. وإذا اتخذ روحاً فإنه يخلّص الروح.
وإن اتخذ جسداً متحداً بروح إنسانية، فإنه يخلّص أجساد البشر وأرواحهم. فإنه
باختصار ينبغى أن يتخذ الله الكلمة فى تجسده طبيعة بشرية كاملة لا ينقصها جسد ولا
ينقصها روح.

 

ونحن
لا نختلف مع نسطور فى إصراره على وجود الروح الإنسانى العاقل فى المسيح. ولكننا
نختلف معه فى أنه اعتبر أن الروح الإنسانى العاقل فى المسيح لابد أن يكون شخص بشرى
مختلف عن شخص الله الكلمة.

وإلى
جوار أن نسطور قد اعتبر أن الله الكلمة قد اتخذ شخصاً من البشر، فإنه
لم يقبل فكرة الاتحاد بين الطبيعتين بل قال أن الله الكلمة قد سكن فى الإنسان
يسوع. وأن العلاقة بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية هى علاقة اتصال خارجى
conjunction وباليونانية suna,feia، وليست
اتحاداً
union وباليونانية e[nwsij.
ويعتبر إن الاتحاد الحادث هو اتحاد خارجى لأشخاص فى الصورة والكرامة والسلطة، وليس
اتحاداً للطبائع. واعتبر أن اللاهوت منزه عن الاتحاد بالناسوت وأنه أيضاً منزه عن
الاتصال بالجسد.

 

ولكن
لم يكن هذا هو السبب الوحيد فى هرطقة نسطور؛ لأنه أراد أن يرد على أكثر من
بدعة فى تعليمه بطريقة عقلانية خالية من ومضة الإنارة الروحية. فنظراً لأن الأريوسيين
كانوا فى صراع عنيف مع الأرثوذكس فى نواحى القسطنطينية، فقد حاربهم نسطوريوس
بطريرك القسطنطينية، الذى جاء من أنطاكية وكان قسيساً وواعظاً بها، ففى صراعه ضد الأريوسيين
سقط فى هرطقته ووسّع فيها.

 

كان
الأريوسيون يقولون: كيف يموت الله؟! أى إذا كان المسيح هو الله فكيف يموت؟! وحاول
نسطور أن يعمل عملاً بطولياً للدفاع عن ألوهية أقنوم الكلمة، أى الدفاع عن الإيمان
الأرثوذكسى فى مساواة الابن للآب، ففى غروره وفى اعتقاده أنه سوف يصير بطلاً من
أبطال الأرثوذكسية فى الدفاع عن ألوهية الابن الوحيد، قال رداً على الأريوسيين: لم
يمت الله الكلمة على الصليب بل مات الإنسان يسوع، وبذلك رفض أن يكون يسوع هو إله
حقيقى. كما قال لم يولد الله الكلمة من العذراء مريم، بل وُلد الإنسان يسوع، وبذلك
رفض تسمية العذراء والدة الإله. وكان يرد بهذا على الأريوسيين الذين قالوا: كيف
يولد الله من امرأة؟! ألا يعتبر ذلك تجديفاً على الله؟!

 

ففى
حماسته للدفاع عن مساواة الابن للآب ابتدع هذه الفكرة مقتفياً آثار وخطوات معلمه
ثيئودور الموبسويستى
Theodore of
Mopsuestia
ومعلم معلمه ديودور
الطرسوسى
Diodore of Tarsus. وقال إن كل كائن يلد كائناً من طبيعته، فالآب يلد الابن وبهذا
يكون الابن الكلمة إله حق من إله حق. والعذراء تلد الإنسان يسوع وبذلك يكون يسوع
هو ابن الإنسان. وبهذا فقد رفض أن يدعو العذراء مريم والدة الإله. وحارب بكل قوته
ضد لقب الثيئوطوكوس
Theotokos (God bearer).

 

واعتقد
نسطور إنه قد تخلّص من هجوم الأريوسيين حينما قال إن ابن الله الوحيد الإله
الحقيقى لم يمت على الصليب ولم يولد من العذراء مريم، ولكنه سكن فقط فى الطفل الذى
تكوّن بالروح القدس فى أحشائها؛ سكن فى الجنين منذ اللحظة الأولى لتكوينه، ورافقه
من البطن وقواه فى آلامه وأقامه من الأموات. واعتبر نسطور أن الله منزه عن الاتحاد
بالمادة، وأن اللاهوت لم يتحد اتحاداً طبيعياً ولا أقنومياً بالناسوت. وأن الاتحاد
هو فى الكرامة والإرادة والسلطة فقط اتحاداً خارجياً بين شخصين. وقال: أنا أفصل
بين الطبيعتين ولكنى أوحّد العبادة. فمن أجل كرامة الإله الحال فى الإنسان، يعبد الإنسان
مع الإله. وبهذا سقط فى الشرك الواضح الذى جعل المسيحية تبدو وكأنها عقيدة منحرفة.
لأن المسيحية بالصورة التى علّم بها نسطور تجعل من يسوع وكأنه إنسان وقد صار معبوداً
مساوياً لله فى المجد والكرامة. وبعد أن جعلته فى مصاف الأنبياء الصالحين، بمعنى إنه
إنسان يسكن فيه الله وليس هو نفسه الله الظاهر فى الجسد، عادت فساوت كرامته ومجده
وسلطانه بكرامة ومجد وسلطان الله ذاته. أليس هذا تأليهاً للإنسان؟!! وبسبب نسطور عانت
المسيحية على مر العصور.

 

الإيمان
السليم:

أما الايمان الحقيقى
فقد عبّر عنه معلمنا بولس الرسول بقوله “يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى
الأبد
” (عب13: 8). والإيمان الحقيقى يفهم أن الفادى هو الله الكلمة
المتجسد والذى هو وحده القادر أن يكفِّر عن خطايا جميع البشر فى جميع العصور،
الذين يؤمنون بذبيحته الخلاصية على الصليب، ويصيرون أعضاءً فى كنيسته المقدسة. وأن
إنساناً عادياً لا يستطيع أن يكفِّر عن خطايا البشر
حتى ولو سكن فيه الله
الكلمة
.

 

فالمولود من الآب قبل
كل الدهور قد أتى وحل فى الحشا البتول غير الدنس وتجسد من مريم العذراء بواسطة الروح
القدس وصار إنساناً. بمعنى أن الله قد ظهر فى الجسد أو أن الإله قد تأنس “عظيم
هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد” (1تى3: 16). فنحن نؤمن أن الإله
قد تأنس وليس أن إنساناً قد تأله
، وصار إلهاً أو صار مساوياً لله فى الكرامة.

 

والإله المتأنس حينما
مات على الصليب، لم يمت بحسب لاهوته بل مات بحسب الجسد
، كما نصلى
ونقول “يا من ذاق الموت بالجسد” (قطع صلاة الساعة التاسعة). أما
عن ولادته فنقول: “أشرق جسدياً من العذراء بغير زرع بشر حتى خلصنا”
(ثيئوطوكية يوم الاثنين). وبهذا نرى أن الكنيسة تتغنى بالعقيدة الأرثوذكسية
وترددها فى تسابيحها فى شتى الصور مثلما نقول فى الثيئوطوكيات: “لم يزل إلهاً،
أتى وصار ابن بشر، لكنه هو الإله الحقيقى، أتى وخلّصنا” (ثيئوطوكية يوم
الخميس).

 

ولا يتسع الوقت لسرد كل ما ورد فى التسبحة
وصلوات الكنيسة وقدّاساتها وصلواتها من العقائد الراسخة التى تعيش فى فكر الأجيال
خارج معاهد اللاهوت وليس داخلها فقط. فالتسبحة هى كلية إكليريكية ومعهد لاهوت لا
تدرّس كمادة تمتحن بل تعيش فى فكر وقلب كل مسيحى أرثوذكسى.

 

ومعلوماً
طبعاً أن الشهيد مثلاً حينما يُقتَل فإن جسده هو الذى يقتل وليس روحه. كما قال
السيد المسيح “لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن
يقتلوها” (مت10: 28). فمن باب أولى حينما صلب السيد المسيح، فالذى مات على
الصليب ليس هو لاهوته، وليس هو روحه الإنسانى، بل الذى مات على الصليب هو جسده، أما
روحه الإنسانى فلم يمت. لذلك قال بطرس الرسول عن السيد المسيح “مماتاً فى
الجسد، ولكن محييً فى الروح. الذى فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التى فى السجن”
(1بط3: 18، 19). ولذلك نصلى فى القداس ونقول {نزل إلى الجحيم من قبل الصليب}. أى أن
روحه الذى سلمه فى يدى الآب حينما قال “فى يديك أستودع روحى” (لو 23:
46) قد ذهب متحداً باللاهوت ليحرر الذين فى السجن بعد أن يكرز لهم بإتمام الفداء، وجسده
المتحد باللاهوت قد وُضع فى القبر ولم ير فسادًا. وعندما عاد روحه واتحد مع جسده
قام من الأموات فى اليوم الثالث بقوة لاهوته.

 

فما
الداعى لهذا التهور النسطورى فى إنكار أن الله هو المخلص؟! بينما قال الرب فى سفر
اشعياء ” أنتم شهودى يقول الرب.. قبلى لم يصور إله، وبعدى لا يكون. أنا أنا
الرب وليس غيرى مخلص.. أنتم شهودى يقول الرب وأنا الله
(اش43: 10-12). ألم يكن هذا ما قاله السيد المسيح لتلاميذه بعد قيامته
“وتكونون لى شهوداً فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض”
(أع1: 8). لهذا قال الله المخلص فى سفر أشعياء “أنتم شهودى” (أش43:
10،12).

 

“قبلى
لم يصور إله، وبعدى لا يكون. أنا أنا الرب وليس غيرى مخلص.. أنتم شهودى
يقول الرب وأنا الله” (اش43: 10-13). من هو المتكلم هنا أليس
هو الرب؟ أليس هو المخلص؟ أليس هو الإله الوحيد الذى قال عن نفسه: “أنا هو الأول
والآخر. والحى وكنت ميتاً وها أنا حى إلى أبد الآبدين آمين. ولى مفاتيح الهاوية
والموت” (رؤ1: 17، 18). وقال أيضاً: “أنا هو الألف والياء، الأول والآخر”
(رؤ1: 11، قارن أش43: 10-12). “وها أنا آتى سريعاً وأجرتى معى لأجازى كل واحد
كما يكون عمله. أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر” (رؤ22: 12،
13). ” أنا الألف والياء. البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذى كان والذى
يأتى القادر على كل شئ” (رؤ1: 8). هذا الكلام كله عن الإله الحقيقى الرب
المخلص ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ابن الله الحى الذى له المجد الدائم إلى الأبد
آمين.

 

إن
السيد المسيح قد وُلد من العذراء بحسب الجسد، ولم يتخذ لاهوته منها، ولكنه “هو
هو أمساً (أى قبل كل الدهور) واليوم وإلى الأبد” (عب13: 8). هو هو الذى ولد
من الآب بحسب لاهوته قبل كل الدهور. هو هو نفسه الذى تجسد وولد من العذراء بحسب
ناسوته فى ملء الزمان. ولذلك هو هو الذى قال عن نفسه لليهود “الحق الحق أقول
لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن” (يو8: 58). فكيف يقال عن السيد
المسيح إنه من شخصين. ومن هو هذا الذى يقول عن نفسه “أنا” هل هو الشخص
الأول؟ أم الشخص الثانى؟!

إنه
من المستحيلات أن يتحد شخصان لتكوين شخص واحد. لأن الشخص هو من يتجه نحو الآخر، أى
يشخص نحوه. فحينما يحب رجل زوجته، هما شخصان يصيران جسداً واحداً باتحادهما فى سر
الزيجة المقدس. وهو يتجه نحوها بالحب المقدس. ولكنه لا يستطيع أن يقول لها أنا بحبنى،
بل يقول لها أنا أحبك. لأن مفهوم الحب ليس هو الأنانية، أى الاتجاه نحو
“الأنا”، بل الانطلاق نحو “الآخر”.

 

هل
توجد وحدة فى الوجود كله أقوى من وحدة الأقانيم الثلاثة فى الجوهر الإلهى الواحد؟
ومع ذلك فإن الكنيسة تحرم من يقول أن هذه الوحدة تؤدى إلى امتزاج الأقانيم الثلاثة
فى أقنوم واحد، أو أن شخص الآب هو شخص الابن هو شخص الروح القدس، لأن هذه هى: هرطقة
سابيليوس.

 

فكيف
يدَّعى هذا المبتدع الخطير (نسطور) أن المسيح فى شخصين: شخص إلهى، وشخص بشرى، وقد
كوّنا معاً بالاتحاد البروسوبونى
prosopic
union
(أى الاتحاد الشخصانى)
شخص الاتحاد الواحد الذى اخترعه ديودور وثيئودور ونسطور.

 

ديودور
الطرسوسى، وثيئودور المبسويستى، ونسطور بطريرك القسطنطينية، اعتقدوا وعلّموا بما
يسمى اتحاد الأشخاص
prosopic union لتكوين ما يسمى بشخص الاتحاد prosopon of union ورفضوا الاتحاد الطبيعى natural union
والاتحاد الأقنومى
hypostatic
union
.

 

أبوليناريوس
والكلمة- الجسد:

ونعود
إلى أبوليناريوس الذى علّم بفكرة (
Logos-Sarx الكلمةالجسد logoj&sarx) وحاول أن يفسّر
الاتحاد بين اللاهوت والناسوت بأن اللاهوت أخذ مكان الروح الإنسانى فى المسيح،
وبهذا صار الاتحاد بين اللاهوت والناسوت هو بدلاً من الاتحاد بين الروح الإنسانى
والجسد فى الإنسان العادى. وبهذا
قال: “طبيعة واحدة
متجسدة لله الكلمة” مثلما قالها القديس أثناسيوس والقديس كيرلس، ولكن مع فارق
كبير
، وهو
إنه ألغى وجود الروح الإنسانى فى المسيح.

 

وليس
صحيحاً ما يُقال أن القديس أثناسيوس قد اقتبس تعليمه فى هذا المجال من أبوليناريوس،
أو أن القديس كيرلس قد اعتقد بطريق الخطأ أن القديس أثناسيوس قد استخدم هذا
التعبير فى تعاليمه.

 

الرد
على الخطأ الذى وقع فيه أبوليناريوس وأيضاً نسطور:

ولكى نوضح الرد على الخطأ الذى وقع فيه أبوليناريوس
وأيضاً نسطور نقول: إن العقل هو من صفات الطبيعة وليس بالضرورة شخصاً، بل إن الشخص
هو مالك الطبيعة والعامل بمقوماتها. فإذا ملك الشخص طبيعة عاقلة فإنه يكون شخصاً
عاقلاً. وليس ذلك فقط، بل إنه إذا ملك الطبيعة العاقلة البشرية فإنه يكون حاملاً
لمقومات العقل البشرى، وإذا ملك الطبيعة العاقلة الملائكية فإنه يكون حاملاً
لمقومات العقل الملائكى: مثل الملاك ميخائيل والملاك جبرائيل. وليس العقل البشرى
مساوياً للعقل الملائكى، وإلا لما أمكن لملاك واحد أن يقتل 185 ألف جندى من جيش
سنحاريب ملك أشور فى ليلة واحدة.

 

إبليس يحفظ الكتاب المقدس عن ظهر قلب لذلك قال
معلمنا بولس الرسول “إن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع
السلاطي،ن مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية فى
السماويات” (أف 6: 12) فالملائكة لهم قدرات عقلية فائقة عن قدرة البشر. ولولا
مساندة الروح القدس لنا لما استطاع عقلنا أن يقف أمام حيل إبليس.

 

أما
عن العقل الإلهى وصفاته فإنه يتصف بمعرفة كل شئ عن كل شئ (اللامحدودية)، ومعرفة كل
شئ فى آنٍ واحد: الماضى والحاضر والمستقبل، ولسنا بحاجة أن نتكلم عن لامحدودية قوة
العقل الإلهى.

 

الطبيعة
والشخص:

نعطى مثلاً عن الطبيعة والشخص الذى
يحملها: إذا ملأنا كوباً فارغاً بالماء، فإننا نسميه كوب ماء، وإذا ملأناه بالزيت
فإننا نسميه كوب زيت. فإذا حمل شخص الطبيعة البشرية، نسميه إنساناً، وإذا حمل نفس
الشخص الطبيعة الملائكية نسميه ملاكاً، وإذا حمل نفس الشخص الطبيعة الإلهية، نسميه
إلهاً. فالشخص يلقب وينسب إلى الطبيعة التى يحملها. وهو يعمل بمقتضى قدرات هذه
الطبيعة. أى إنه إذا ملك الطبيعة الإنسانية، فإنه يملك مقوماتها. وإذا حمل الطبيعة
الإلهية فإنه يملك مقوماتها. وإذا حمل نفس الشخص الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية،
أى إذا اتحدت فيه الطبيعتان، فإنه يملك مقومات الطبيعتين فى آنٍ واحد.

 

وحينما
اتحد اللاهوت بالناسوت فى السيد المسيح فى شخصه الواحد
one single person اتحاداً حقيقياً تاماً كاملاً بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير
ولا انفصال ولا تقسيم، فإن شخص السيد المسيح صار يملك خصائص ومقومات وقدرات
الطبيعتين فى طبيعته الواحدة المركبة
، فصار يملك أن يجوع
بحسب إنسانيته، وألا يجوع بحسب ألوهيته فى آنٍ واحد. وأن يتألم بحسب إنسانيته وأن
لا يتألم بحسب ألوهيته فى آنٍ واحد.

 

ولكى
يؤكّد السيد المسيح وحدة الشخص فيه قال لنيقوديموس “ليس أحد صعد إلى السماء إلا
الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء” (يو3: 13). فكيف
يقول السيد المسيح لنيقوديموس وهو جالس أمامه، أن ابن الإنسان هو فى السماء. إن
هذا لا يمكن أن يفهم إلا إذا كان ابن الإنسان هو نفسه ابن الله المالئ الوجود كله
بحسب لاهوته. فهو أمام نيقوديموس بحسب الجسد وهو فى حضن الآب كل حين بحسب لاهوته.
“وحيد الجنس (بالولادة) الإله الذى هو فى حضن الآب هو خبّر” (يو1: 18). هو
ابن الإنسان وهو ابن الله فى آنٍ واحد
. فليس ابن الله شخص آخر غير ابن الإنسان.
ولكنه بحسب الجسد هو على الأرض، أما بحسب لاهوته فهو مالئ الوجود كله، لذلك قال
لنيقوديموس “الذى هو فى السماء” وذلك عن ابن الإنسان أى عن نفسه.

 

وحينما
تكلم مع اليهود وقال لهم “الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا
كائن
” (يو8: 58). كان ذلك رداً على تعجبهم من إنه قال لهم “أبوكم إبراهيم
تهلل بأن يرى يومى فرأى وفرح” (يو8: 56). فقالوا له: “ليس لك خمسون سنة
بعد. أفرأيت إبراهيم؟!” (يو8: 57). إذن كانوا يتكلمون عن السيد المسيح الواقف
أمامهم، أى عن ابن الإنسان، ولكنه أكّد إنه هو نفسه الذى يكلّمهم وبنفس فمه الذى
نطق بهذه الكلمات قال عن نفسه “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”. فهو شخص
واحد كائن بحسب لاهوته قبل أن يكون إبراهيم، وليس له خمسون سنة بعد بحسب ناسوته.
فهو يملك الأزلية بولادته من الآب قبل كل الدهور، وقد دخل إلى الزمان بولادته من
العذراء فى ملء الزمان. كما قال معلمنا بولس الرسول “ولكن لما جاء ملء الزمان
أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس. ليفتدى الذين تحت الناموس
لننال التبنى” (غل4: 4،5).

 

فمن
ضمن صفات الطبيعة ما يلى:

V            
 طبيعة حية (مثل النبات والحيوان والإنسان)، أو طبيعة
غير حية (مثل الجماد).

V            
 طبيعة قابلة للموت أو غير قابلة للموت.

V            
 طبيعة
عاقلة أو غير عاقلة.

V            
 طبيعة
لها صفة التغيير أو عدم التغيير.

V            
 طبيعة لها صفة المحدودية أو اللامحدودية.

V            
 طبيعة
لها صفة القداسة أو عدم القداسة.

V            
 طبيعة
زمنية أو غير زمنية.

V            
طبيعة لها صفة الحب أو الكراهية.

V            
 طبيعة
لها صفة الحكمة أو عدم الحكمة.

V            
 طبيعة
لها صفة القوة أو الضعف، الشجاعة أو الجبن.

V            
طبيعة لها صفة الكبرياء أو التواضع (فى مقارنة
طبائع الملائكة).

 

فكما
أن القوة صفة من صفات الطبيعة، هكذا العقل صفة من صفات الطبيعة. هكذا أيضاً الحياة
صفة من صفات الطبيعة لأن هناك مخلوقات حية مثل النبات والحيوان والإنسان فى
الطبيعة، كما أن هناك أشياء غير حية مثل الجماد. هكذا هناك طبيعة متغيرة وطبيعة
غير متغيرة، فالله بطبيعته غير متغير والذهب إلى حد ما يعتبر غير متغير لذلك
استخدم فى الإشارة إلى اللاهوت فى تابوت العهد مثلاً.

 

الخلاصة
فى هذا الأمر: أن العقل هو صفة من صفات الطبيعة
. وبذلك حينما اتخذ
السيد المسيح روحاً بشرياً عاقلاً، حينما أخذ ناسوته الكامل أى الجسد والروح من
العذراء مريم بفعل الروح القدس، فإن هذا الروح العاقل قد وجد شخصه فى ابن الله
المتجسد. أى أن ابن الله قد أعطى شخصه الخاص للطبيعة البشرية التى اتخذها، أى إنها
وجدت شخصها فيه وهو ما نعبّر عنه أحياناً بأنها تشخصنت فى شخص الله الكلمة.

 

فإجابة
السؤال المطروح وهو: كيف يكون السيد المسيح إنساناً دون أن يأخذ شخصاً بشرياً؟ هو إنه
صار إنساناً لأن شخصه الخاص قد اتخذ الطبيعة البشرية الخاصة به وجعلها طبيعته
الخاصة. فشخص ابن الله الحامل للطبيعة البشرية هو إنسان، لأنها ليست طبيعة بلا شخص،
وقد وجدت الطبيعة البشرية شخصها فيه كمالِك وحامل لهذه الطبيعة.

 

فالسيد
المسيح ليس مجرد إنسان عادى، بل هو نفسه بشخصه الإلهى المولود من الآب قبل كل
الدهور قد “أخلى نفسه آخذاً صورة عبد
صائراً فى شبه الناس.
وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب” (فى2: 7،8).

 

شرح
موضوع الإرادة الخاصة بالسيد المسيح:

ونظراً
لأن الحب بين الآب والابن هو حب مقترن بحرية كل أقنوم، فإن حرية الخليقة العاقلة هى
نابعة من حرية الأقانيم الإلهية (لأن الكائن العاقل مخلوق على صورة الله فى
الحرية). بمعنى أن الله قد أعطى للخليقة العاقلة حرية الفكر والإرادة، وذلك لأن
هذا هو فى واقع العلاقة بين أقانيم الثالوث.

الابن
يبادل الآب المحبة فى حرية كاملة، لأن الحب إذا فقد الحرية فقد جوهره ومعناه. فإذا
كان “الله محبة”، فالحب فى الله يمارس بحرية تامة منذ الأزل بين
الأقانيم الثلاثة. ولكن وحدانية الجوهر الإلهى وكمال الحب المطلق تعنى أن الأقانيم
وإن كان لهم ثلاث إرادات من حيث العدد، إلا أن لهم إرادة واحدة من حيث النوع.

 

هذه
الحرية الأقنومية لشخص الابن الوحيد التى شرحنا عنها؛ لم يفقدها حينما تجسد وصار إنساناً.
فكما إنه تجسد بحريته واختياره، هكذا صام بحريته واختياره. وهو بحسب الطبيعة الإنسانية
كان يشعر بالجوع بالجسد. هو أخلى نفسه باعتباره الابن الوحيد الجنس الذى قَبِلَ أن
يتجسد، وتألم بحرية اختيارية، إذ قال “أنا أضع نفسى عن الخراف” (يو 10:
15). وعن مفارقة نفسه العاقلة لجسده عند موته على الصليب، وعن عودتها إلى جسده عند
قيامته من الأموات بسلطانه الإلهى قال: “لهذا يحبنى الآب لأنى أضع نفسى
لآخذها أيضاً. ليس أحد يأخذها منى، بل أضعها أنا من ذاتى. لى سلطان أن أضعها ولى
سلطان
أن آخذها أيضاً” (يو10: 17-18). وقال معلمنا بولس الرسول عن
طاعة الابن المتجسد لأبيه السماوى: “مع كونه ابناً تعلّم الطاعة مما تألّم به”
(عب5: 8). أى أنه لا يمكن أن يتألم من حيث اللاهوت، أما من جهة الجسد فهو يتألم.
كما قال القديس أثناسيوس الرسولى: “يا للعجب فإن كلمة الله (بالتجسد) قد
صار غير متألّم ومتألّم فى آنٍ واحد.
[4]

 

بهذا
نفهم معنى طاعة الابن المتجسد لأبيه السماوى. فهو من جهة بنوته الأزلية للآب لا
توجد علاقة طاعة لأن الابن والآب متساويين فى المجد والكرامة وكل ما يفعله الآب
يفعله الابن كذلك. ولكن من جهة تجسده قد مارس الطاعة من خلال احتماله الآلام. فمع
كونه ابناً من حيث لاهوته، قد مارس الطاعة من حيث ناسوته. وكل ذلك بشخصه الواحد
الوحيد الذى وحّد بين لاهوته وناسوته فى طبيعة واحدة تجمع خصائص ومقومات
الطبيعتين. كما نقول فى القداس الغريغورى: {باركت طبيعتى فيك. أكملت ناموسك عنى}.
أى أن الابن المتجسد قد طوّع طبيعتنا البشرية للآب السماوى فى شخصه بحرية تامة.

 

وبنفس
الحرية التى تجسد بمقتضاها حباً فى خلاصنا، هكذا بنفس الحرية أطاع الآب وشرب كأس الآلام
عوضاً عنّا:
}لأنه بإرادته ومسرة أبيه والروح القدس أتى وخلّصنا{ (ثيئوطوكية الثلاثاء). وهنا تظهر فكرة الحرية فى اتخاذ القرار من
حيث إنسانية السيد المسيح: إنه إنسانياً قد أطاع الآب السماوى، لأن شخصه الحر قد
طوع الإنسانية التى اتخذها لمشيئة أبيه السماوى، التى هى نفسها مشيئته هو والروح
القدس.

هذا
لا يعنى أن السيد المسيح كانت له إرادتين كأنه شخصين!! ولكنه قد طوّع الإرادة
الطبيعية
natural will التى فى طبيعته الإنسانية للإرادة الطبيعية natural will التى فى طبيعته الإلهية، وقد وحّدهما فى طبيعته الواحدة المتجسدة
بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال ولا تقسيم. أما إرادته الشخصية
personal will فكانت إرادة واحدة وحيدة لشخصه الواحد الوحيد.

 

هناك
فرق بين الإرادة الطبيعية والإرادة الشخصية،
فالإرادة الطبيعية هى
مثل الرغبة فى الأكل للجائع والرغبة فى الشرب للعطشان. وبهذا نفهم معنى الإرادة
الطبيعية، أى نداء الطبيعة أو الرغبة
desire. أما الإرادة الشخصية فهى اتخاذ قرار الأكل أو قرار الشرب decision. فمن كان جائعاً واستمر فى الصوم، يكون قد أخضع رغبته الطبيعية إلى
إرادته الشخصية، أو أخضع الرغبة للقرار.

 

ولأن
السيد المسيح كان شخصاً واحداً وحيداً (غير مركب من شخصين)، كانت له إرادة شخصية
واحدة هى التى بمقتضاها تجسد متأنساً وصنع الفداء. أما إرادته الطبيعية الإلهية
فقد اتحدت بإرادته الطبيعية البشرية (أى الرغبات الإلهية والرغبات البشرية) اتحاداً
كاملاً مثل اتحاد الطبيعتين بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال ولا
تقسيم. فإن اللاهوت لم يمنع العطش عن الناسوت، ولكن السيد المسيح صنع مشيئة الآب
وصام الأربعين يوماً من أجلنا. واللاهوت لم يمنع الألم عن الناسوت، ولكن السيد
المسيح صنع مشيئة الآب واحتمل الآلام من أجلنا، وأطاع الآب حتى الموت؛ موت الصليب.

 

وهنا
ينبغى التمييز بين الرغبة واتخاذ القرار حينما نتكلم عن الإرادة. فالإرادة
الطبيعية تعنى الرغبة، والإرادة الشخصية تعنى القرار.
وهكذا يمكننا أن نفسر
قول السيد المسيح فى ترجمة الأصل اليونانى “ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت
(وأنا)” (انظر مت 26: 39). أى ليس كما أرغب أنا بحسب رغباتى الطبيعية الإنسانية،
بل كما تريد أنت وأنا بحسب الرغبة الشخصية الإلهية وبحسب التدبير الإلهى. وهذا هو
قرارنا فى إتمام الفداء أنا وأنت والروح القدس، وهى أيضاً قرارى الشخصى أن يتم
الفداء على الصليب. لهذا قال معلمنا بولس الرسول عن إتمام السيد المسيح للفداء
“من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مستهيناً بالخزى” (عب 12:
2). كيف يقول ذلك وهو الذى قال للآب “إن أمكن فلتعبر عنى هذه الكأس” (مت
26: 39) هذا هو الفرق بين الرغبات الطبيعية وبين الإرادة الشخصية. بإرادته الشخصية
قرر أن يصنع الفداء، أما فيما يخص الرغبة الطبيعية، فمن يرغب فى الإهانة وخيانة يهوذا
وغيرها حتى أنه قال “نفسى حزينة جداً حتى الموت” (مت 26: 38).

 

تأتى
البلبلة من التفسيرات الخاطئة للإنجيل. ليس كما أرغب أنا بل كما تريد أنت وأنا.
بمعنى ليس كما أرغب بحسب إنسانيتى بل كما نريد معاً بحسب التدبير الثالوثى للخلاص.
ليس معنى هذا أن للسيد المسيح إرادتين لأن المقصود هنا ليس الإرادة الشخصية لكن
المقصود هو نداء الطبيعة فقط. كما قيل “جاع أخيراً” (مت 4: 2) هل حينما
جاع أخيراً صيّر الحجارة خبزاً وأكل؟ لا، إذن نداء الطبيعة هو الرغبة فى الأكل
لكنه استمر فى الصوم.

 

لذلك
حينما نقول فى القداس الغريغورى “باركت طبيعتى فيك، أكملت ناموسك عنى”
يكون المقصود هو أنه طوّع بشريتنا لمشيئة الآب السماوى. فإذا كان آدم قد عصى الله
حتى الموت فإن المسيح قد أطاع الآب حتى الموت حسب الجسد ومحا العار. وهذا هو ملخص
قضية الفداء. كان لابد أن يأتى آدم الثانى ليقدّم طاعة كاملة للآب السماوى.

 

مشكلة
نسطور أنه قال كيف أن شخص إنسان ينوب عن البشرية، وله حرية الإرادة ويقدم طاعة
للآب كإنسان ولا يكون قد اتخذ شخصاً إنسانياً، فيقول من الذى يطيع؟ وهذه هى
مشكلته. والرد عليها هو أن الابن أعطى شخصه الحر لطبيعتنا البشرية التى اتخذها
من العذراء
فصار هناك كائن اسمه آدم الثانى يملك حرية الإرادة ويملك طبيعتنا
ولكنه فى نفس الوقت هو بلا خطية. فحينما قدّم طاعة طبيعتنا من خلال شخصه، دخلت
طبيعتنا فى حيِّز الرضى لله.

 

لكن
هل كشخص كان حراً أم لا؟ كان حراً حتى حينما تجسد فهو لم يتجسد رغماً عنه، كما لم
يفقد حريته بالتجسد. وبمقتضى مقومات الطبيعة البشرية مارس هذه الحرية بطريقة
إيجابية. فقدَّم طاعة كاملة للآب ليس فقط فى أنه لم يخطئ، فهذا هو الجانب السلبى
لأنه بلا خطية وهذا الأمر مفروغ منه، لكنه قَبِلَ أن يحمل خطايا غيره ويدفع ثمنها.
فطاعة السيد المسيح ليست فى عدم الخطية لأن الكتاب يقول “مع كونه إبناً تعلّم
الطاعة مما تألم به” (عب 5: 8). طاعته للآب كانت فى الجانب الإيجابى، لأنه فى
الجانب السلبى هو القدوس، لذلك قال الملاك للسيدة العذراء “القدوس المولود
منك” (لو1: 35). “كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس
قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات” (عب 7: 26). إذا كان ابن الله
الكلمة نفسه هو الذى تجسد كيف يقول الأدفنتست أن إمكانية الخطأ كانت ممكنة بالنسبة
له. ونسطور ذكر نفس هذه النقطة.

 

الابن
حينما تجسد صار إنساناً مع أنه لم يتخذ شخص إنسانى لأن شخصه هو نفسه حمل
الطبيعة البشرية
. فشخصه مع الطبيعة البشرية التى حملها، هكذا صار إنساناً له
كل مقومات الإنسانية من رغبات الطبيعة ومن حرية فى اتخاذ القرار.



[1]
P. Schaff & H. Wace, Nicene & Post Nicene Fathers, series 2, Vol. IV
St. Athanasius, On the Incarnation, chap. III, par.13, Eerdmans Pub, 1978 p.43.

[2]
The Fathers of the Church, St.
Cyril of Alexandria, Letters
(1987) translated by John I.
McEnerney, The Catholic University of America Press, Washington, D.C., Volumes
76,
Letter 50, To Valerain of Iconium, par.3. p. 213.

[3]
P. Schaff & H. Wace, Nicene & Post Nicene Fathers, series 2, vol. VII, St Gregory of Nazianza, Ep. To
Cledonius the Priest Against Apollinarius,
Eerdmans Oct. 1987, p.440.

 

[4]
P. Schaff & H. Wace, Nicene & Post Nicene Fathers, series 2, Vol. IV,
Eerdmans Pub, 1978, St. Athanasius, Letter to Epictetus, par 6, p. 572.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى