علم التاريخ

الْباٌباٌُ السَّادِسُ وَالأَرْبَعُونَ



الْباٌباٌُ السَّادِسُ وَالأَرْبَعُونَ

الْباٌباٌُ السَّادِسُ
وَالأَرْبَعُونَ

 

46. خائيل الأول

الأسم قبل البطريركية
الدير المتخرج منة
تاريخ التقدمة
تاريخ النياحة
مدة الأقامة على الكرسي
مدة خلو الكرسيا
محل أقامة البطريرك مدة الرئاسة
محل الدفن
الملوك المعاصرون

خائيل
 أبو مقار
17 توت 460
14 سبتمبر 743 للشهداء – 16 برمهات 483 للميلاد
12 مارس 767 للشهداء – 236 للميلاد
15 يوما
 دير الزجاج ثم المرقسية بالأسكندرية
 المرقسية بالأسكندرية
هشام بن عبد الملك و الوليد بن يزيدي، و زيد بن الوليد و ابراهيم، و مروان، و
عبدا لله أبو الفباس السفاح،و عبد الله أيو جعفر المنصور

 

+ كان
راهباً فاضلاً عالماً زاهداً فى دير القديس مقاريوس.

+ ذهب
الجميع ليحضروه من ديره لرسامته بطريركياً، ولما وصلوا إلى الجيزة وجدوه قادما مع
بعض الرهبان لتأدية مهمة معينة فأمسكوه وقيدوه وساروا به إلى الإسكندرية ورسموه
بطريركاً فى 17 توت سنة460 ش، وفى يوم رسامته هطلت أمطار غزيرة مدة ثلاثة أيام
ففرح الناس بذلك (إذ أن المطر كان قد امتنع عن الإسكندرية لمدة سنتين).

+
نالت البابا شدائد واضطهادات كثيرة.

+ لما
أكمل سعيه تنيح بسلام بعد أن قضى على الكرسى المرقسى ثلاثاً وعشرين سنة ونصف.

+ عيد
نياحته فى السادس عشر من شهر برمهات.

 

نياحة
البابا ميخائيل “خائيل” ال46 ( 16 برمهات)

في مثل هذا
اليوم من سنة 483 ش ( 2 1 مارس سنة 767 ميلادية ) تنيح الأب القديس الأنبا خائيل
السادس والاربعون من باباوات الكرازة المرقسية. هذا الأب كان راهبا بدير القديس
مقاريوس وكان عالما زاهدا. فلما تنيح سلفه البابا ثاؤذوروس الخامس والاربعون اجتمع
أساقفة الوجه البحري وكهنة الإسكندرية فى كنيسة الأنبا شنوده بمصر. وحصل خلاف
بينهم على من يصلح، وأخيرا استدعوا الأنبا موسى أسقف أوسيم والأنبا بطرس أسفف
مريوط. ولما حضرا وجد الأنبا موسى تعنتا من كهنة الإسكندرية فزجرهم على ذلك وصرف
الجمع هذه الليلة حتى تهدأ الخواطر. ولما اجتمعوا فى الغد ذكر لهم اسم القس خائيل
الراهب بدير القديس مقاريوس. فارتاحوا الى اختياره بالإجماع. وحصلوا على كتاب من
والى مصر الى شيوخ برية شيهيت ( وادي النطرون ) ولما وصلوا الى الجيزة وجدوا القس
خائيل قادما مع بعض الشيوخ لتأدية مهمة معينة فامسكوه وقيدوه وساروا به الى
الإسكندرية وهناك رسموه بطريركا فى 7 1 توت سنة460 ش ( 4 1 سبتمبر سنة 743 م ).
وحدث أن امتنع المطر عن الإسكندرية مدة سنتين، ففي هذا اليوم هطلت أمطار غزيرة مدة
ثلاثة أيام. فاستبشر الإسكندريون بذلك خيرا. وفى عهد خلافة مروان آخر خلفاء الدولة
الأموية وولاية حفص بن الوليد، جرت على المؤمنين فى أيام هذا الأب شدائد عنيفة،
وهاجر البلاد المصرية عدد كبير من المؤمنين كما بلغ عدد الذين أنكروا المسيح أربعة
وعشرين ألفا. وكان البطريرك بسبب ذلك فى حزن شيد جدا الى. أن أهلك الله من كان سبب
ذلك. وقد تحمل هذا الأب البطريرك مصائب شديدة من عبد الملك بن مروان الوالي
الجديد، كالضرب والحبس والتكبيل بالحديد، وغير ذلك من ضروب التعذيب الأليمة. ثم
أطلق فمضى الى الصعيد وعاد بما جمعه الى الوالي فأخذه منه ثم ألقاه فى السجن. فلما
علم بذلك كرياكوس ملك النوبة استشاط غضبا، وجهز نحو مئة ألف جندي وسار الى القطر
المصري واجتاز الصعيد قاتلا كل من صادفه من المسلمين، حتى بلغ مصر، فعسكر حول
الفسطاط مهددا المدينة بالدمار. فلما نظر عبد الملك الوالي جيوشه منتشرة كالجراد،
جزع وأطلق سبيل البطريرك بإكرام، والتجأ إليه أن يتوسط فى أمر الصلح بينه وبين ملك
النوبة. فلبى دعواه وخرج بلفيف من الاكليروس الى الملك وطلب منه أن يقبل الصلح من
عبد الملك فقبل وانصرف الى حيث أتى فأعز عبد الملك جانب المسيحيين ورفع عنهم
الأثقال. وزاد فى اعتبارهم عندما صلى الأب البطريرك من أجل ابنة له كان يعتريها
روح نجس، وبصلاته خرج منها الروح النجس. وحدثت مناقشات بين هذا الأب وقزما بطريرك
الملكيين عن الاتحاد. فكتب إليه الأب خائيل رسالة وقع عليها مع أساقفته قائلا :
” لا يجب أن يقال ان فى المسيح طبيعتين مفترقتين بعد الاتحاد ولا اثنين ولا
شخصين “. واقتنع قزما بذلك ورضى أن يصير أسقفا على مصر تحت رياسة الأب خائيل،
الذي لما أكمل سعيه وجهاده انتقل الى الرب الذي أحبه بعد أن قضى على الكرسى
المرقسى ثلاثا وعشرين سنة ونصف. صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما. آمين.

 

V خائيل الأول البابا السادس والأربعون

سيامته
بطريركًا

كان
هذا الأب راهبًا بدير القديس مقاريوس وكان عالمًا زاهدًا. فلما تنيح سلفه البابا
ثاؤذوروس الخامس والأربعون اجتمع أساقفة الوجه البحري وكهنة الإسكندرية في كنيسة
الأنبا شنودة بمصر، وادعوا بأن لهم وحدهم حق الانتخاب بينما قام فريق آخر يدعي
خلاف ذلك. وحصل خلاف بينهم على من يصلح للبابوية. وأخيرًا استدعوا الأنبا موسى
أسقف أوسيم والأنبا بطرس أسقف مريوط. ولما حضرا وجد الأنبا بطرس تعنتًا من كهنة
الإسكندرية، فزجرهم على ذلك وصرف الجمع هذه الليلة حتى تهدأ الخواطر. ولما اجتمعوا
في الغد ذُكر اسم القس خائيل بدير القديس مقاريوس، فارتاحوا إلى اختياره بالإجماع،
وحصلوا على كتاب من والي مصر إلى شيوخ برية شيهيت (وادي النطرون). ولما وصلوا إلى
الجيزة وجدوا القس خائيل قادمًا مع بعض الشيوخ لمقابلة الأمير حفصا لكي يعفيهم من
الضرائب، فامسكوه وقيدوه وساروا به إلى الإسكندرية، ورسموه بطريركًا في 17 توت سنة
460ش (14 سبتمبر سنة 743م). وحدث أن امتنع المطر عن الإسكندرية مدة سنتين، ففي هذا
اليوم سقطت أمطار غزيرة لمدة ثلاثة أيام فاستبشر السكندريون من ذلك خيرًا.

دَعى
نفسه ” خائيل” أي “الأخير”، ولم يرضَ أن يُدعَ ميخائيل
تواضعًا منه حتى لا يكون اسمه كاسم رئيس الملائكة.

 

ضيقة
مرة

من
دير الأنبا مقاريوس الكبير ببرية شيهيت ورسم سنة 735م (451ش). وكانت السنة الأولى
من باباويته مليئة بالتعسف والضيق، ذلك أن أسامة بن يزيد متولي الخراج فرض ضرائب
باهظة على المصريين وضاعفها على الأقباط، مما أدى ببعضهم إلى إنكار مسيحيتهم
ليفوزوا بالإعفاء من دفع الضريبة.

 

الصلاة
من أجل الضيقة

وقد
امتلأ قلب البابا ميخائيل حزنًا بسبب خيانة هؤلاء الأبناء، فلم يجد أمامه وسيلة
للمحافظة على شعبه غير الصلاة، فانقطع مع بعض الأساقفة في برية شيهيت صائمين
ومصلين ضارعين إلى الآب السماوي أن يرفع عنهم الجور والاستبداد، فاستجاب الرب
لضراعتهم وهيأ الفرج إذ قد وصل الأمر من الخليفة مروان الثاني بتعيين حسان مكان
أسامة. وقد امتاز حسان بالحكمة التي بدت في خطة العطف واللين التي اتبعها مع
المصريين، فتهلل قلب الأنبا ميخائيل لذلك وبادله الزيارات وتوطدت بينهما أواصر
الصداقة.

محاولة
الخلقيدونيين الاستيلاء على كنيسة مار مينا

في
عهده حاول الخلقيدونيون الاستيلاء على كنيسة مار مينا بمريوط إلا أن محاولتهم باءت
بالفشل.

سجن
البابا

على
أن فترة السلام كانت قصيرة، إذ أصدر مروان أمرًا إلى واليه الجديد في مصر بمضاعفة
الضرائب والتشدد في جبايتها، وقد غالى الوالي في تنفيذ أوامر مروان فطالب القبط
بدفع مبالغ باهظة، ولما لم يستطع الأنبا ميخائيل الأول أن يدفعها أمر الوالي
بإلقائه في السجن ووضع طوق من حديد حول عنقه وربط كتلة ثقيلة من الخشب إلى كل من
قدميه.

كذلك
أمر الوالي بطرح الأنبا مويسيس أسقف أوسيم والأنبا ثيؤدورس أسقف بابلون وإيلياس
تلميذ الأنبا مويسيس في السجن. وكان السجن مغارة منحوتة في صخرة ليس بها فتحة
واحدة تسمح بالنور أو الهواء، ومع ذلك رمى الوالي فيها عددًا غير قليل من الناس.

وبعد
انقضاء شهر من الزمان استحضر الوالي البابا وزملاءه وطالبهم بدفع الجزية المفروضة
عليهم، فأعلمه البابا بأنه لا يملك شيئًا ثم طلب إليه أن يسمح له بأن يطوف في
الصعيد ليجمع من أبنائه فسمح له.

في
عهده قام البشموريون بثورة ضد مروان كما قام والي الإسكندرية بالثورة ضده أيضًا
وأعلن استقلاله بحكم هذه المدينة، فأرسل مروان حوثره الذي كان أكثر قواده بطشًا
لقمع الثورة في الإسكندرية، فبطش بأهلها وقبض على البابا ميخائيل وزعماء الأقباط.
وفي أثناء ذلك هجم الخراسانيون على الحدود المصرية وزحفوا حتى وصلوا إلى الضفة
الشرقية من النيل عند الفسطاط، بينما كان مروان وجيشه – ومعهم البابا المقبوض عليه
– على الضفة المقابلة. وفي أثناء ذلك كان مروان يهين البابا علنًا ويعذبه ويسخر
به، ونوى على قتله ومن معه من الأساقفة لولا مشورة عبيد الله الابن الأكبر لمروان
الذي أشار على أبيه أنهم قد يضطرون للهروب إلى السودان من وجه أبي مسلم الخراساني،
والسودانيون أولاد روحانيون للبابا ميخائيل فإن هو قتله سيعملون على الانتقام له،
وبهذا نجوا من قتل مؤكد.

وبعد
سقوط مروان اتصل الخراسانيون بالأنبا ميخائيل وأكرموه وسمحوا له أن يعيد بناء
الكنائس التي تهدمت وأن يستعيد أموالها المبددة، وهكذا عاد الهدوء لفترة إلى
الحياة المصرية.

ساد
السلام ربوع مصر في السنوات الأخيرة لباباوية الأنبا ميخائيل، وكانت التجارب
والمحن التي جازها قد أثرت على صحته فانتقل إلى عالم النور بعد أن قاد سفينة
الكنيسة ثلاثًا وعشرين سنة ونصف، ودفن جثمانه الطاهر بكل إكرام.

قصة
الكنيسة القبطية، الكتاب الثاني صفحة 350.

 

شدائده

في
عهد خلافة مروان آخر خلفاء الدولة الأموية وولاية حفص بن الوليد جرت على المؤمنين
في أيام هذا الأب شدائد عظيمة وهاجر البلاد المصرية عدد كبير من المؤمنين، كما بلغ
عدد الذين أنكروا المسيح أربعة وعشرون ألفًا، وكان البطريرك من جراء ذلك في حزنٍ
عظيمٍٍ جدًا إلى أن أهلك الله من كان سبب ذلك.

بسبب
شدة الضيق هرب بعض الأساقفة إلى الأديرة، فعقد البابا مجمعًا قرر فيه ضرورة
استمرار الأساقفة في ايبارشياتهم، وحرم من يتجاوز هذا الحكم.

خلاف
مع الملكيين (البطريرك التابع لبيزنطة)

بعد
سيامته بمدة وجيزة تقرب قوم من الملكيين (الروم) عند الخليفة مروان، ودفعوا له
مالاً وحثوه على إصدار أمر إلى عبد الملك بن موسى بمصر لكي يسلمهم دير القديس
مارمينا بمريوط، وكانت في يد الأقباط الأرثوذكس. فلما عادوا إلى مصر سلموا الأمر
إلى عبد الملك، فعقد مجلسًا تحت رئاسة قاضٍ يدعى عيسى للنظر في ملكية الدير، ودعا
الفريقين لكي يدافع كل منهما عن حقه. فجمع البابا أشهر أساقفته وعلماء كنيسته وعرض
عليهم صورة أمر الخليفة وكلفهم بالحضور في مجلس القضاء. لكن الملكيين رشوا القاضي،
فكان يماطل ولا يستمع إلى الأقباط الأرثوذكس. وبينما كان يستعد لكتابة تقريره في
صالح الملكيين عُزل من منصبه وتعين قاضٍ آخر يُدعى أبو الحسيني، وكان عادلاً لا
يحابي الوجوه فقدم الحقيقة إلى عبد الملك واستمر الدير في حوزة الأقباط.

بين
ملك النوبة وأسقفها

في
دنقلة بالنوبة حدث خلاف بين قرياقوص الملك والأنبا إبراهيم أسقفها، وذلك لأن
الأسقف حاول ردع الملك عن تصرفاته الشريرة. اغتاظ الملك وطلب من البابا السكندري
قطع الأسقف وإلا يدفع بالشعب إلى عبادة الأوثان.

خشي
البابا من ضياع شعب النوبة كله فاستدعى الأسقف وعقد مجمعًا لدراسة الموقف. فرأى
الكل أن يبقى الأسقف بالإسكندرية ويبعثون بأسقفٍ آخر للنوبة حتى يهدأ الملك. شعر
الأسقف إبراهيم بأن الحكم فيه ظلم فترك الإسكندرية وذهب إلى أحد الأديرة بالنوبة
حتى نهاية حياته هنا.

قرياقوس
ملك النوبة

لاقى
هذا الأب البطريرك مصائب شديدة من عبد الملك بن مروان، كالضرب والحبس والتكبيل
بالحديد. فقد وضع رجليه في خشبة عظيمة وطوق رقبته بطوق حديد ثقيل، وكان معه أنبا
موسى أسقف أوسيم وتادرس أسقف مصر وغيرهما، فوضعوهم في خزانة مظلمة نُقرت في صخر لا
تصل إلها أشعة الشمس، واستمروا في هذا الضيق من 11 توت إلى 12 بابه، وكان أيضًا
معهم ثلاثمائة من الرجال والنساء.

في
وسط هذا الضيق كان المرضى يأتون إلى البابا في السجن يصلي من أجلهم وينالون نعمة
الشفاء. كما اهتم البابا بالمسجونين، فتاب كثيرون ورجعوا إلى الرب. أطلق الوالي
سراحه فمضى إلى الصعيد وعاد بما جمعه إلى الوالي بالرغم من الظروف المالية الصعبة
التي اجتازها المصريون بسبب الضرائب الفادحة، وكان البابا يعبر بينهم كملاك الرب،
يشفي مرضاهم خلال نعمة الله الفائقة. فأخذه منه ثم ألقاه في السجن. فلما علم بذلك قرياقوس
ملك النوبة استشاط غضبًا وجهز نحو مائة ألف جندي وسار إلى القطر المصري واجتاز
الصعيد قاتلاً كل من صادفه من المسلمين حتى بلغ مصر، فعسكر حول الفسطاط مهددًا
المدينة بالدمار.

فلما
نظر الوالي عبد الملك جيوش قرياقوس منتشرة كالجراد جزع خوفًا وأطلق سبيل البطريرك
بالإكرام والتجأ إليه أن يتوسط في أمر الصلح بينه وبين ملك النوبة، فلبى دعواه
وخرج بلفيف من الإكليروس والتقى بالملك، وطلب منه أن يقبل الصلح مع عبد الملك،
فقبل وانصرف من حيث أتى. أكرم عبد الملك المسيحيين ورفع عنهم الأثقال وزاد في
اعتبارهم.

شفاء
ابنة الوالي عبد الملك

صلى
البطريرك على ابنة الوالي وكانت تعاني من روح نجس وخرج منها الروح بصلاته.

مناظرات
بينه وبين قزما بطريرك الملكيين عن الاتحاد

حدثت
مناظرات بين هذا الأب وقزما بطريرك الملكيين عن الاتحاد، فكتب إليه الأب خائيل
رسالة وقع عليها مع أساقفته قائلاً: “إنه لا يجوز أن يُقال إن في المسيح
طبيعتين مفترقتين بعد الاتحاد ولا اثنين ولا شخصين”. واقتنع قزما بذلك ورضى
أن يصير أسقفًا على مصر تحت رئاسة الأب خائيل.

تجديد
الاضطهاد

لم
تستمر فترة الراحة طويلاً إذ حضر مروان إلى مصر ونكث هو وعبد الملك عهدهما مع
الأقباط، وأخذا في اضطهادهم بقسوة بربرية. اضطر الأقباط إلى الثورة حتى هزموا جيش
مروان، لكن مروان استجمع قواته وقاتلهم بشدة وقبض على البابا السكندري وبطريرك
الروم، فدفع الأخير ألف قطعة ذهب بينما لم يكن لدى البابا ذات المبلغ. ثقل رجليه
بقطعة من الحديد وألقاه في السجن وابتدأ يعذبه تسعة أيام ثم أحضره وجذبه بيده
وطرحه وصار يضربه بقضيب في يده مائتين مرة ثم أمر الوالي بضرب عنقه، لكنه عدل عن
ذلك. طلب منه أن ينصح البشامرة الثائرين من الأقباط بالتوقف عن مقاتلته، لكن
البشامرة ثاروا بالأكثر.

في
سنة 751م دخل أبو العباس مصر بجيش زاخر للاستيلاء على الحكم من يد مروان، وكان
الأقباط في ضيق شديد فانحازوا إليه وطلبوا مساعدته. عسكر أبو العباس على شاطئ
النيل في البر الشرقي تجاه مروان الذي كان مازال قابضًا على البابا وبعض الأساقفة.
وأمر الجند أن يهينوا البابا من الجانب الآخر للنيل وينتفون شعر لحيته كما قاموا
بتعذيب الأنبا موسى أمام الأقباط.

في
اليوم التالي أحضر البابا ومعه الأساقفة ومجموعة من الشعب وتركهم في الشمس عشرة
ساعات ثم بدأ في تعذيبهم بقسوة شديدة، حتى كان الأقباط ومعهم المسلمون في البر
الشرقي يبكون بمرارة. وكان البابا يصلي ويثبّت المؤمنين.

لم
يحتمل عبد الله بين مروان المنظر، فسكب دموعًا كثيرة أمام أبيه لكي يطلق سراحهم،
قائلاً له بأنه لن يقدر على مقاومة الخراسانيين وسيضطر إلى الذهاب إلى السودان،
هناك أولاد هذا البطريرك لن يقبلوه. تطلع مروان إلى جيش الخراسانيين فانزعج جدًا
واضطر إلى إعادة البابا ومن معه إلى المعتقل بالجيزة، وأدخلهم موثقين في أربعة
سجون في ضيقٍ شديدٍ حتى أشرفوا على الموت، لكن البابا كان يعزيهم.

عبر
الخراسانيون إلى الضفة الغربية وهزموا مروان، فهرب بينما ذهب ابنه ليحرق السجن
الذي فيه البابا، لكن ما أن أشعل النار حتى أكرهه الأعداء على الهروب. أطفأوا
النيران وأطلقوا المسجونين وجاءوا بهم إلى كنيسة مارمرقس بالجيزة.

شدة
جديدة

إذ
استولى أبو العباس على مصر أحسن معاملته مع المسيحيين، غير أن هذه الراحة لم تدم
سوى أربع سنوات مرت كالحلم. وبسفر أبو العباس وترك الولاية لآخرين أساءوا التصرف،
وصاروا يضايقون الأقباط من جديد. حاول البابا أن يذكرهم بما أظهره أبو العباس من
آمان لهم لكنه لم ينجح، واستمر المسيحيون في مرارة حتى شوهدت مياه النيل ناقصة عن
منسوبها المعتاد ذراعين.

رفع
منسوب مياه النيل

أقام
الأساقفة مع البابا صلوات عيد الصليب وتقدموا مع جميع كهنة الجيزة وأهل الفسطاط
وحملوا الأناجيل والمباخر ودخلوا كنيسة مار مرقس واكتظت الحقول والحدائق حولها
بالشعب. تقدم البابا ورفع الصليب وصلى الكل، وكان الشعب يصرخ: “يا رب
ارحم” لمدة ثلاث ساعات، فزاد النيل ذراعًا. سمع الوالي بذلك فأرسل علماء
المسلمين وحاخامات اليهود وصلوا فلم يرتفع مقياس النيل.

اضطر
أن يدعوا النصارى للصلاة، حيث أقام البابا الأسرار الإلهية وألقوا بمياه غسل
الأواني في النهر في الساعة السادسة من النهار، فزادت المياه حتى بلغت ثلاثة أذرع،
فأحب الوالي أبوعون الأقباط.

خلاف
مع كنيسة إنطاكية

كانت
زوجة المنصور أبي جعقر عاقرًا فسمعت عن تقوى اسحق أسقف حاران وعمله العجائب
فاستدعته وصلى من أجلها فوهبها الله طفلاً، فصار الأسقف اسحق موضوع الإكرام
والتبجيل. وإذ تنيح يوحنا بطريرك إنطاكية سأل الأنبا اسحق الوالي أن يخلفه فأجابه
طلبه حالاً وهدد من يعترض ذلك. قيل أنه تسبب في قتل مطرانين رفضا أن لا يترك
الأسقف ايبارشيته ليصير بطريركًا.

بناء
على طلب الأنبا اسحق كلف الخليفة والي مصر أن يحقق طلبات البطريرك الأنطاكي
الجديد، كما بعث البطريرك رسالة إلى البابا خائيل في صحبة مطراني دمشق وحمص
وكاهنين. عقد البابا مجمعًا لمدة شهر وقرروا ألا يشترك البابا مع بطريرك أخذ رتبته
بقوة السلطان. وكان أمام البابا أحد اختيارين، إما مصادقة البطريرك اسحق أو الذهاب
لمقابلة الخليفة. وإذ كان البابا يستعد للسفر وهو شيخ، متحملاً مشقة الطريق إذا
بخبر انتقال اسحق من العالم قد حلّ المشكلة.

كانت
أيامه الأخيرة في سلام بعد أن أقام على الكرسي ثلاثة وعشرين عامًا، إذ تنيح في 16
برمهات سنة 468 ش (767م).

القس
منسى يوحنا: تاريخ الكنيسة القبطية، الجيل الثامن.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى