علم التاريخ

الْباٌباٌُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ



الْباٌباٌُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ

الْباٌباٌُ الثَّالِثُ
وَالْعِشْرُونَ

 

23. ثاؤفيلس

الوطن الأصلي
الأسم قبل البطريركية
تاريخ التقدمة
تاريخ النياحة
مدة الأقامة على الكرسي
مدة خلو الكرسي
محل أقامة البطريرك مدة الرئاسة
محل الدفن
الملوك المعاصرون

الأسكندرية

ثاؤفيلس

22 مسرى 101 للشهداء – 16 أغسطس 385 للميلاد

18 بابه 128 للشهداء – 15 أكتوبر 412 للميلاد

27 سنة و شهران

يومان

المرقسية بالأسكندرية

كنيسة بوكاليا

ثيؤدوسيوس و اركاديوس و
ثيؤدوسيوس الثاني

 

+ كان
تلميذاً للبابا أثناسيوس الرسولى، تربى عنده وتأدب منه الأدب الروحانى.

+
ولما تنيح البابا تيموثاوس قُدم هذا الأب مكانه، وكان عالماً فاضلاً حافظاً لكتب
الكنيسة ملماً بتفاسيرها… فوضع ميامر كثيرة وأقوالاً مفيدة روحانية.

+
أكمل جهاده بعد أن رعى شعب المسيح أحسن رعاية وتنيح بسلام.

+ تعيد
الكنيسة بنياحته فى الثامن عشر من شهر بابه.

 

تذكار
معجزة القديس ثاؤفيليس 23 ( 14 مسرى)

في هذا
اليوم تعيد الكنيسة بتذكار الآية العظيمة التي صنعها الله في عهد القديس ثاؤفيلس
البابا الثالث والعشرين. وذلك أنه كان في مدينة الإسكندرية رجل يهودي اسمه
فيلوكسينوس. كان غنيا جدا وخائفا من الله وعاملا بشريعة موسى وكان في المدينة
فقيران مسيحيان فجدف أحدهما قائلا ” لماذا نعبد المسيح ونحن فقراء. وهذا
اليهودي فيلوكسينوسغني جدا ؟ ” فأجابه الثاني قائلا ” مال الدنيا ليس له
عند الله حساب. ولو كان له حساب لما كان أعطاه لعابدي الأوثان والزناة واللصوص
والقتلة. فالأنبياء كانوا فقراء مضطهدين وهكذا الرسل أيضا والرب يقول أخوتي
الفقراء ” (مت 25 : 40 ) فلم يتركه عدو الخير يقبل شيئا من قول رفيقه فجاء
إلى فيلوكسينوس اليهودي وسأله أن يقبله في خدمته. فقال له ” لا يحل أن
يعاشرني إلا من يدين بديني فان كنت تريد صدقة أعطيتك ” فأجابه ذلك المسكين
قائلا : خذني عندك وأنا أعتنق دينك وأعمل جميع ما تأمرني به. فأخذه إلى مجمعهم
فسأله الرئيس أمام جماعة اليهود قائلا : ” أحقا تجحد مسيحك وتصير يهوديا
مثلنا ؟ ” فقال نعم ” وهكذا جحد المخدوع المسيح الإله أمام جماعة اليهود
وأضاف إلى فقره في المال فقر الإيمان فأمر الرئيس أن يعمل له صليب من خشب ودفعوا
له قصبة عليها إسفنجية مملوءة خلا ثم حربة وقالوا له ” أبصق علي هذا الصليب،
وقدم له هذا الخل وأطعنه بالحربة. وقل طعنتك أيها المسيح “. ففعل كل ما أمروه
به. وعندما طعن بيده الآثمة الصليب المجيد سال منه دم وماء علي الأرض. ثم سقط ذلك
الجاحد ميتا يابسا كأنه حجر فاستولي الخوف علي الحاضرين، وآمن كثيرون منهم وصاحوا
قائلين ” واحد هو اله النصارى. نحن مؤمنون به ” ثم أخذوا من الدم ومسحوا
به عيونهم ووجوههم وأخذ أيضا منه فيلوكسينوس، ورش علي ابنة له ولدت عمياء فأبصرت
للوقت فآمن هو وأهل بيته وكثيرون آخرون من اليهود وبعد ذلك أعلموا البابا ثاؤفيلس
بذلك. فأخذ معه الأب كيرلس (ترجمته تحت اليوم الثالث من شهر أبيب ) وجماعة من
الكهنة والشعب وأتي إلى مجمع اليهود وأبصر الصليب والدم والماء فأخذ منه وتبارك
وبارك الشعب أيضا ثم نزع الدم من الأرض ووضعه في أناء للبركة وأمر بحمل الصليب إلى
الكنيسة وبعد أن أخذ إقرار الحاضرين بالإيمان عمدهم باسم الأب والابن والروح القدس
وباركهم ثم مضوا إلى منازلهم شاكرين السيد المسيح وممجدين اسمه القدوس.

لربنا المجد
دائما. آمين

 

نياحة
البابا ثيؤفيلس 23 ( 18 بابة)

في مثل هذا
اليوم من سنة 404 ميلادية تنيح الأب القديس الأنبا ثاؤفيلس الثالث والعشرون من
باباوات الإسكندرية، كان تلميذا للأب القديس أثناسيوس الرسولي، وتربى عنده، وتأدب
منه الأدب الروحاني.

ولما تنيح
البابا تيموثاوس قدم هذا الأب مكانه، وكان عالما حافظا لكتب الكنيسة، ملما بتفاسيرها،
فوضع ميامر كثيرة وأقوالا مفيدة في الحث على المحبة والرحمة، والتحذير من الدنو من
الأسرار الإلهية بدون استعداد، وفى القيامة، والعذاب المعد للخطاة، وغير ذلك من
التعاليم النافعة

وكان الأب
القديس كيرلس ابن أخته، فاعتنى بأمر تعليمه بأن أرسله إلى الأب سرابامون بجبل
شيهيت، فتفقه عنده ودرس كتب الكنيسة وعلومها وقضى هناك خمس سنوات وعاد إلى خاله،
وكان ملازما للقراءة أمام الشعب.

ولما كان
البابا ثاؤفيلس عند الأب القديس أثناسيوس الرسولي سمعه ذات يوم يقول – وقد تطلع
إلى أكوام كانت تجاه قلايته – أن وجدت زمانا أزلت هذه الأكوام، وبنيت مكانها كنيسة
للقديس يوحنا المعمدان وأليشع النبي.

فلما قدم
بطريركا تذكر ذلك القول، وكان يتحدث به كثيرا، وكان برومية امرأة غنية توفى زوجها
وترك لها ولدين، فأخذتهما وأخذت معها مالا كثيرا وأيقونة الملاك روفائيل وحضرت إلى
الإسكندرية، فلما سمعت باهتمام الأب البطريرك بإزالة هذه الأكوام تقدمت إليه بغيرة
صادقة وقدمت له الأموال الكافية لتحقيق غرضه، وحدث بعد إتمام العمل أن ظهر تحت أحد
الأكوام كنز مغطى ببلاطة نقش عليها بالقبطية ثلاثة أحرف ثيطة أي (ث)، فلما رآها
الأب ثاؤفيلس علم بالروح القدس سر هذه الحروف وقال “لقد أتى الزمان الذي يظهر
فيه هذا الكنز لأن الثلاث ثيطات قد اجتمعت في زمان واحد، وهم ثآؤس أي الله،
ثاؤدسيوس الملك ابن أرقاديوس بن ثاؤدسيوس الكبير، وثاؤفيلس البطريرك يعنى
ذاته”، ووجد أن تاريخ هذا الكنز يوافق زمان الاسكندر بن فيلبس المقدوني أي
منذ سبعمائة سنة،

فأرسل الأب
إلى الملك يعرفه بذلك ويطلب إليه الحضور، فحضر الملك ورأى الكنز، ثم أمر بمنح مبلغ
كبير للأب ثاؤفيلس، فبنى عدة كنائس، وقد بدأها ببناء كنيسة على اسم القديس يوحنا
المعمدان وأليشع النبي، ونقل جسديهما إليها، وهى التي كانت معروفة يومئذ بالديمارس،
ثم كنيسة على اسم السيدة العذراء، ثم كنيسة على اسم الملاك روفائيل بالجزيرة، وسبع
كنائس أخرى،

أما ولدا
المرأة التي حضرت من رومية فقد رسمهما أسقفين، ولما رأى الملك صدق عزم الأب
البطريرك واهتمامه ومحبته في عمارة الكنائس، أمر له بمال البرابي التي في ديار مصر
كلها فحولها إلى كنائس وأماكن لإضافة الغرباء، وعين لها أوقافا وأكمل أيامه في
سيرة مرضية لله، ثم انتقل من هذا العالم بسلام. صلاته تكون معنا. ولربنا المجد
دائما أبديا. آمين.

 

V ثاؤفيلس البابا الثالث والعشرون

كلمة
(ثاوفيلس) من أصل يوناني تعني (المحب لله)، إذ هي مشتقة من كلمتين:
“ثيؤ” (الله)، “فيلو” (محب). وكما قال القديس أثناسيوس عن
الأنبا أنطونيوس انه في صباه كان يلقب (ثاوفيلس) بسبب بره في الرب ونصراته
المستمرة في جهاده الروحي.

جاء
البابا ثاوفيلس الخلف الثالث للبابا أثناسيوس الرسولي، والسلف للبابا كيرلس الكبير
ابن أخته، وقد قضى في الباباوية 28 عامًا كانت تمثل حركة نشاط مستمرة، إذ كان له
أثره على تاريخ الكنيسة والدولة أيضًا.

ارتبطت
حياته بثلاثة أحداث هامة

أولها
إبادة الوثنية في مصر الأمر الذي مدحه عليه كثير من المؤرخين، وإن كان البعض حاول
تشويه صورته بمحاولة إظهاره في صورة عنيفة مستبدة في تحويل البرابي الوثنية إلى
كنائس، غير أن التاريخ يشهد أنه فعل هذا عندما هجرت الجماهير البرابي.

والحدث
الثاني هو الصراع ضد أوريجينوس، فقد تحول إلى عدو لدود لكل من يذكر اسم أوريجينوس،
لذا حاول عاشقوا أوريجينوس تشويه صورته.

أما
الحدث الثالث فهو مقاومته للقديس يوحنا ذهبي الفم إذ استغلت الإمبراطورة كراهية
البابا ثاوفيلس للأوريجينية بينما كان ذهبي الفم يحتضن الإخوة طوال القامة من اكبر
المدافعين عن أوريجينوس لكي يحكم على القديس بالنفي. هذا الحدث الذي ندم عليه
البابا وكان كفيلاً بتشويه تاريخ حياته تمامًا، خاصة وأن الكنيسة في العالم كله
أدركت ما لحق بالقديس ذهبي الفم من ظلم وافتراء، فقام كثير من المؤرخين خاصة
بالاديوس الذي يعشق حياة ذهبي الفم بتصوير البابا ثاوفيلس أشبه بشيطان رجيم. وكما
قال كثير من الدارسين ان ما جاء إلينا من تاريخ هذا البابا أغلبه خلال أعدائه
الذين شوّهوا صورته.

نشأته

جاء
في كتاب (تاريخ الكنيسة القبطية) للشماس منسى القمص:

“روى
عن يوحنا النيقاوي المؤرخ القبطي أنه ولد من أبوين مسيحيين في مدينة ممفيس وتيتم
منهما وهو طفل وله أخت صغيرة، فقامت بتربيتهما جارية أثيوبية وثنية. وحدث أنه ذات
ليلة أخذتهما معها إلى الهيكل لتؤدي فروض العبادة الوثنية فحال دخولها سقطت
الأصنام إلى الأرض وتحطمت، ففرت بهما الجارية خوفًا من انتقام كهنة الوثنيين،
واختفت قليلاً ببلدة نيقيوس ثم جاءت إلى الإسكندرية. وقد دبرت العناية الإلهية أن
تأخذهما إلى كنيسة مسيحية لكي تتعرف على هذا الدين الذي طرقت شهرته كل أذنٍ. فدخلت
باب كنيسة القديس ثاؤنا وجلست بإزاء كرسي القديس أثناسيوس الذي لما رآها مع
الطفلين أمر بإبقائهم حتى تنتهي الخدمة، ثم استخبرها البطريرك عن حقيقة حالها ولما
قصت عليه خبرها ردها إلى الديانة المسيحية، وأخذ منها الطفلين، ووضعهما تحت عنايته
الخصوصية. ولما كبرا قليلاً وضع الفتاة في دير لبثت به إلى يوم زواجها برجلٍ من
بلدة المحلة (غربية) وفيها ولدت كيرلس الذي صار فيما بعد خلفا لخاله ثاوفيلس.

أما
ثاوفيلس فضمه القديس أثناسيوس في سلك تلاميذه، فنما عالمًا تقيًا، ولما شوهد فيه
من الحذق والنشاط اختاره معلمه كاتمًا لأسراره بعد أن رقاه لدرجة الكهنوت. وبعد
وفاة معلمه استمر في مدينة الإسكندرية يخدم في كنائسها إلى أن رقد البابا تيموثاوس
في الرب فانتُخِب بطريركًا مكانه بالإجماع في شهر مسرى سنة 102 ش و385م في عهد
ثيودوسيوس قيصر لما رآه فيه الشعب من حسن السيرة وعظيم الغيرة على دين المسيح مما
جعله موضعًا لثقة ثيؤدوسيوس الملك الأرثوذكسي الذي أمر بتعميم الديانة المسيحية في
كل مكان واعتبارها الديانة الرسمية للمملكة الرومانية. ومما يدل على ثقة هذا الملك
بالبطريرك الإسكندري تكليفه إياه بأن يصلح ما وقع من الخلل ثانية في مسألة عيد
الفصح، فإنه في سنة 387م صار الفرق بين العيد المصري والعيد الروماني مدة خمسة
أسابيع كاملة. فوضع البابا ثاوفيلس تقويمًا للأعياد لمدة 418 سنة ووضع جدولاً
يحتوي على الأيام التي يقع فيها عيد الفصح لمدة مائة سنة ابتداء من سنة 380م ولا
تزال صورة هذا التقويم باقية إلى يومنا هذا، وفيها أوضح البطريرك بأن السيد المسيح
صُلب في اليوم الخامس عشر من شهر نيسان (أبريل) لا في الرابع عشر منه ثم وضع هذه
القاعدة وهي: إذا كان اليوم الرابع عشر من الشهر القمري يوافق يوم الأحد فعيد
الفصح يتبعه بأسبوع”.

اهتمامه
ببناء الكنائس

كان
البابا ثاوفيلس مولعًا ببناء الكنائس، وقد أعطاه الله سؤل قلبه، نذكر على سبيل
المثال انه إذ كان يومًا ما جالسًا في حديقة معلمه البابا أثناسيوس تذكر أن معلمه
كان يتوق إلى رفع الردم الذي بالحديقة وبناء كنيسة، فأراد البابا أن يحقق أمنية
معلمه. سمعت سيدة غنية بذلك فقامت برفع الردم على نفقتها، وإذا بها تجد كنزًا يرجع
إلى عهد الإسكندر الأكبر فبعث البابا إلى الإمبراطور يخبره بما وجده، خاصة أنه وجد
أن الكنز قد نُقش عليه ثلاثة حروف (ثيتا)، فأدرك أنه يقصد بها ثيؤ أى الله،
وثاوفيلس البطريرك، وثيؤدوسيوس الإمبراطور. جاء الإمبراطور بنفسه وعاين الكنز وأخذ
نصفه وترك النصف لبناء عدة كنائس ودير المحرق. وفي هذه الزيارة استأذن البابا
الإمبراطور في هدم المعابد الوثنية المهجورة أو تحويلها إلى كنائس، الأمر الذي
أثار الوثنيين حتى اندفعوا إلى قتل بعض المسيحيين بقيادة الفيلسوف أوليمبوس. هذا
وقد هدم معبد سيرابيوم الشهير سنة 391م.

ذهابه
إلى القسطنطينية

ذهب
البابا ثاوفيلس إلى القسطنطينية مرتين، الأولى في سنة 394م ليحضر مجمعًا عُقد لفحص
بعض المسائل ولحضور الاحتفال بتشييد كنيسة كبرى بُنيت على اسمي الرسولين بطرس
وبولس، وذهب ثانية في سنة 398م ليقيم القديس يوحنا الذهبي الفم بطريركًا على كرسي
القسطنطينية وعاد إلى كرسيه.

مشكلة
تجسيم شكل الله
Anthropomorphism

بدأت
أتعابه بسبب بدعة انتشرت بين بعض رهبان الإسقيط كان رأسها أفوديوس من بين النهرين
مؤداها أن الله ذو صورة بشرية وذو أعضاء جسمية، وفي نفس السنة نشر البطريرك رسالة
عيد الفصح السنوية، فاغتاظ أولئك الرهبان من عبارة وردت فيها وهى قوله: “إن
الله روح لا يدركه الفهم، وليس هو مجرد إنسان يقع تحت الحد والحصر”، فهاجوا
على البطريرك لما رأوه يخالفهم في الاعتقاد وترك أكثرهم قلاليلهم وجاءوا كجيشٍ
جرارٍ إلى الإسكندرية وعزموا على الفتك بالبطريرك حالما يقع بصرهم عليه واحتشدوا
حول داره وهم يتهددونه ويتوعدونه. وإذ رأى أن قلوبهم مملوءة بالغيظ ولم يجد له
عضدًا أسرع على مرتفع وصعد عليه وخاطبهم بعبارات رقيقة تهدئ الخواطر الهائجة ومن
ذلك قوله لهم: “إنني إذا رأيت وجوهكم أشعر كأني أشاهد الله لأنكم على صورته
ومثاله”، فسكن ثورتهم قليلاً، وكانوا يظنون أن العبارة التي أوردها عن الله
في رسالة عيد الفصح اقتبسها من مؤلفات أوريجينوس. لذلك طلبوا إليه بشدة أن يحرم
أوريجينوس وكل من يطالع كتبه فوعدهم بذلك. ثم انعكف على مطالعة كتب أوريجينوس إذ
لم يكن طالعها قبلاً فتبين من بعض ألفاظها ما يشعر بضلاله. وفي أوائل السنة
التالية شكل مجمعًا حرم أوريجينوس وندد بتعليمه في رسالة عيد الفصح.

مشكلة
الإخوة الطوال القامة

أما
المشكلة الرئيسية التي شوهت صورة هذا البابا فهي مشكلة الإخوة طوال القامة
الأوريجينيين. ففي البداية كان البابا محبًا لكتابات أوريجينوس، حتى أنه في سنة
399م إذ رأى الخلاف محتدمًا بين يوحنا أسقف أورشليم وجيروم بسبب العلامة أوريجينوس
حاول مصالحتهما، فشعر جيروم (القديس إيرونيموس) أن البابا ينحاز لأوريجينوس، فكتب
إليه بعنف يقول: “إنك لا تعرف كيف يكون الجدل والمناقشة، لأنك تعيش مع رهبان
يجلون قدرك ويرفعون مقامك”. ى ان قلوبهم
ملأاأااأأ

إذ
درس البابا ثاوفيلس كتابات العلامة أوريجينوس واكتشف بعض الأخطاء اللاهوتية صار
مقاومًا لكل ما هو أوريجيني، ظهر في مقاومته للإخوة الطوال القامة.

في
سنة 370م تكونت جماعة أوريجينية في منطقة نتريا تحت قيادة الإخوة الطوال: الآباء
أمونيوس باروتيس (صاحب الأذن الواحدة)، هرموبوليس، يوسابيوس، أنثيموس. هؤلاء
الإخوة اتسموا بالروحانية والنسك، وقاموا بالنضال ضد الأريوسية بعد نياحة البابا
أثناسيوس. وكانوا على علاقة طيبة بالبابا تيموثاوس والبابا ثاوفيلس حتى سنة 400م،
فقد أحبهم وأكرمهم كرامة زائدة، فرسم ديسقورس أسقفًا على هرموبوليس كما سام اثنين
منهم كاهنين بعد اعتذار بعضهم عن السيامة كأساقفة. لقد أراد البابا أن يستبقيهم
معه في الإسكندرية لمساندته في الرعاية لكنهم فضلوا سكنى البرية.

بدأ
الخلاف بين البابا وهؤلاء الإخوة عندما حاول البابا ملاطفة هؤلاء البسطاء من
القائلين بتجسيم شكل اللاهوت بشكل إنساني (الأنثروبوموفليت) كما رأينا، فقد حسبوه
بملاطفته لهم انه يجاملهم على حساب الحق الإنجيلي. أما ما ألهب الموقف بينهما فهو
خلافه مع القديس إيسيذورس الذي مارس الحياة النسكية بنتريا وقد اتسم ببشاشة الوجه
واللسان العذب فسامه البابا أثناسيوس كاهنًا وأقامه مسئولاً عن مستشفى بالإسكندرية.
أحبه البابا ثاوفيلس جدًا حتى رشحه للبطريركية بالقسطنطينية عوض ذهبي الفم، لكن
هذه الصداقة انقلبت إلى عداوة سافرة إذ عاد إلى نتريا يلتصق بالإخوة الطوال الذين
يمثلون حزبًا أوريجينيًا مضادًا للبابا الذي في نظرهم قد ملأ الأنثروبوموفليت
الإسقيطيين، واعتبر البابا هذا التجمع تحديًا له، ومارس الطرفان ضغوطًا شديدةً.
عقد البابا مجمعًا بالإسكندرية حرم فيه آمون وأخويه الراهبين، واعتصم هذا الحزب في
كنيسة الدير، ومنعوا دخول أي أسقف، وامتنعوا عن العبادة الجماعية.

هرب
الإخوة الطوال إلى فلسطين وفي صحبتهم الأب إيسيذورس وجماعة من الرهبان بلغوا حوالي
الثمانين، فوجدوا في قلب الأسقف الأورشليمي يوحنا المُعجب بأوريجينوس ملجأ لهم.
اضطر البابا أن يبعث رسالة مجمعية إلى 17 أسقفًا بفلسطين و15 أسقفًا بقبرص يعلن
فيه أخطاء أتباع أوريجينوس اللاهوتية والسلوكية، هذه الرسالة أثارت أتباع أوريجينوس
بينما رطبت قلب القديس جيروم وأيضًا القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص. ترك
الأوريجينيون فلسطين إلى القسطنطينية، ففتح لهم القديس يوحنا ذهبي الفم صدره،
الأمر الذي أثار البابا ثاوفيلس جدًا، واستغلته الإمبراطورة لنفي ذهبي الفم، حيث
انعقد مجمع السنديان تحت رئاسة البابا ونٌفيّ القديس ذهبي الفم. فصار ذلك يمثل
كارثة أفسدت تاريخ البابا ثاوفيلس تمامًا. وقد سبق لنا الحديث في ذلك بشيء من
التفصيل في كتابنا (القديس يوحنا ذهبي الفم).

حبه
للبرية

إن
كنا قد رأينا الجانب الرديء من جهة علاقته ببعض الإسقيطيين أو بالإخوة طوال القامة
لكننا لا نستطيع ان ننكر أن البابا ثاوفيلس قد امتاز بحبه الشديد للبرية، فكان
كثير الزيارات للآباء، يسألهم ويتحاور معهم ويطلب صلواتهم، نذكر هنا القليل مما
ورد عنه في لقائه مع بعض آباء البرية.

إذ
ذهب إلى جبل نتريا سأل كاهن: “أي امتياز تجد في هذا الطريق؟” أجابه
الكاهن : “إنني اتهم نفسي وألومها في كل شيء”. قال له البابا:
“حقًا هذا هو الطريق الحق”.

جاء
البابا ثاوفيلس إلى الإسقيط، وإذ اجتمع الإخوة قالوا للأب بيمن (بامبو): “قل
كلمة للأسقف ليكون لنا بنيان في هذا الموضع”. أجاب الشيخ: “إن لم ينتفع
بصمتي فإنه لن ينتفع بكلماتي”.

مع
راهب شيخ بسيط

جاء
في بستان الرهبان أن الأنبا دانيال روى قصة راهب شيخ كان بسيطًا للغاية وكان يدّعى
أن ملشيصادق هو ابن الله. سمع البابا ثاوفيلس عنه فاستدعاه، وإذ تحدث معه اكتشف
بساطته الشديدة، وعلم أن ما يقوله عن ملشيصادق ليس عن عناد وإنما عن عدم إدراك.
لذا تصرف البابا بحكمة، إذ قال له إنه يريد أن يعرف من هو ملشيصادق، طالبًا منه أن
يسأل الله ليريه الحقيقة. في بساطة قال له الراهب: “انتظر ثلاثة أيام فإنني
أسأل الرب وعندئذ أخبرك عن ملشيصادق من هو”. وبالفعل تركه الراهب وعاد بعد
ثلاثة أيام ليقول له أن الرب أظهر له جميع الآباء واحدًا فواحدًا، وتعرّف عليهم من
آدم إلى ملشيصادق، وقد عرف أنه إنسان، عندئذ فرح الطوباوي ثاوفيلس جدًا.

القديس
يوحنا الذهبي الفم، 1980، ص 64 – 94 (لنفس المؤلف).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى