علم المسيح

المسيح يزور الفريسى



المسيح يزور الفريسى

المسيح يزور الفريسى

 

«وَسَأَلَهُ
وَاحِدٌ مِنَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ
ٱلْفَرِّيسِيِّ وَٱتَّكَأَ. وَإِذَا ٱمْرَأَةٌ فِي
ٱلْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي
بَيْتِ ٱلْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ وَوَقَفَتْ عِنْدَ
قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَٱبْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ
بِٱلدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ
قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِٱلطِّيبِ. فَلَمَّا رَأَى ٱلْفَرِّيسِيُّ
ٱلَّذِي دَعَاهُ ذٰلِكَ، قَالَ فِي نَفْسِهِ: «لَوْ كَانَ هٰذَا
نَبِيّاً لَعَلِمَ مَنْ هٰذِهِ ٱلْمَرْأَةُ ٱلَّتِي تَلْمِسُهُ
وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئِةٌ!» (لوقا 7: 36-39).

 

دعا
فريسي اسمه سمعان المسيح ليتناول الطعام على مائدته مع أناس آخرين، فلبّى المسيح
الدعوة. ونحن نجهل قصد سمعان من هذه الدعوة، لأننا نجهل صفاته. قد يكون قصده
بسيطاً لكي يكرم إنساناً شهيراً ويرى أعماله ويسمع أقواله. وقد يكون قصده خبيثاً
لكي يخدم أفكار زملائه فريسيي اليهودية ويصطاد يسوع بكلمة. أما قصد المسيح في قبول
الدعوة فواضح لأننا نعلم صفاته ومبادئه، فقد أحب خصومه مع أنهم قصدوا أن يهلكوه.
وبرهن على غيرته أنه يغتنم كل فرصة ليصيد النفوس، سواء كانت من أدنياء القوم أو
عظمائهم.

 

ومع
أن سمعان كان يحترم المسيح، بسبب معجزاته وانتشار صيته كنبيّ، إلا أنه كان يزدري
به بعض الازدراء بالنظر إلى أصله الناصري، وإلى عدم تخرُّجه من إحدى مدارسهم
العالية، وإلى معيشته الفقيرة.

 

وكان
يحتقره من الوجه الديني لعدم قيامه بالعوائد والتقاليد الفريسية. لذلك لم يقدم
للمسيح الاحترام والخدمة حسب العادات الجارية في الضيافة. ويظهر أنه اعتبر مجرد
دعوته شرفاً كافياً لهذا الناصري.

 

وانتشر
في المدينة خبر قبول المسيح دعوة سمعان، وربما انتشر أيضاً خبر تقصير سمعان في
إكرامه الواجب، فتحمست لذلك امرأة في المدينة كانت خاطئة، لم تتحمل معاملة التحقير
لهذا المعلم والنبي الفاضل، فقصدت أن تعوّض عن ذلك التقصير في إكرامه، فجاءت
بقارورة طيب ووقفت عند قدميه، لأنها تعرف مقامها الدنيء في أعين المجتمعين، وتشعر
بثقل خطاياها الماضية. فلم تجسر أن تتقدم لتسكب هذا الطيب الثمين على رأس المسيح،
فاستبدلت رأسه بقدميه. ألا يحق لنا أن نعتبرها من المتعَبين والثقيلي الأحمال،
الذين سمعوا دعوته السامية منذ ساعات قليلة، وأنها قبلت الدعوة وأتت إليه بالتوبة
والإيمان؟

 

نراها
واقفة وراء تدهن قدميه بالطيب. لكن أطيب من الطيب دموع توبتها السخية التي تتساقط
وتمتزج مع الطيب، لأن بعضها محزنة بسبب ماضيها المعيب وبعضها مفرحة بسبب شكرها
لأجل الغفران الجديد الذي وجدت فيه راحةً لنفسها. فعملها هذا الإكرامي مألوف عند
الناظرين. لكن غير المألوف رؤية امرأة شريرة تذرف دموع التوبة أمام عيونهم، مع
الاحترام الذي جعلها تمسح قدمي هذا المعلم بأعزّ ما لديها أي شعرها. ولعلهم نسبوا
ما فعلته إلى أنها سكرى بالخمر. ولم يدركوا أنها فعلت فعل المستعصي المتذلل، ثم الآخذ
الشكور، فقبلّت قدمي المسيح الذي قادها للتوبة والخلاص.

 

كان
سمعان الفريسي يتحاشى العشارين والخطاة تماماً، فاستاء جداً من دخول المرأة
الخاطئة بيته، ومن العمل الذي قامت به للمسيح – ولا بد أنه استغرب كيف يقبل المسيح
ما عملته به هذه المرأة. ألا يعلم من تكون؟ إن كان المسيح يعلم فقد أخطأ بقبول
لمساتها له. وإنْ لم يكن يعلم فهو ليس نبياً. دارت هذه الأفكار في عقل سمعان
الفريسي – ولكنه لم يقل منها شيئاً. وعرف المسيح ما جال في فكر سمعان، فوجَّه إليه
مثلاً، ثم سأله سؤالاً.

 

«فَقَالَ
يَسُوعُ: «يَا سِمْعَانُ عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ». فَقَالَ: «قُلْ يَا
مُعَلِّمُ». «كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى ٱلْوَاحِدِ خَمْسُ
مِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى ٱلآخَرِ خَمْسُونَ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا
يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعاً. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبّاً
لَهُ؟» فَأَجَابَ سِمْعَانُ: «أَظُنُّ ٱلَّذِي سَامَحَهُ
بِٱلأَكْثَرِ». فَقَالَ لَهُ: «بِٱلصَّوَابِ حَكَمْتَ». ثُمَّ
ٱلْتَفَتَ إِلَى ٱلْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ: «أَتَنْظُرُ هٰذِهِ
ٱلْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ
تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِٱلدُّمُوعِ
وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ
فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ
رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِٱلطِّيبِ رِجْلَيَّ. مِنْ أَجْلِ
ذٰلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا ٱلْكَثِيرَةُ
لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيراً. وَٱلَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ
قَلِيلاً». ثُمَّ قَالَ لَهَا: «مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ». فَٱبْتَدَأَ
ٱلْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: «مَنْ هٰذَا
ٱلَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضاً؟». فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «إِيمَانُكِ
قَدْ خَلَّصَكِ! اِذْهَبِي بِسَلامٍ» (لوقا 7: 40-50).

 

كان
لمداين مديونان، واحد مديون بخمسين ديناراً، والآخر مديون بخمسمئة. وسامح المداين
المديونيْن – فمَنْ منهما يحبُّ المداين أكثر؟ فأجاب سمعان: «أظن الذي سامحه
بالأكثر».

 

كان
المسيح يريد أن يقول لسمعان إنه هو المديون بالقليل، أما المرأة الخاطئة فهي
المديونة بالكثير. قارن المسيح دموعها التي سكبتها على رجليه ونشفتهما بشعر رأسها
بالماء الذي لم يقدمه سمعان لغسلهما. وقارن تقبيلها لقدميه بالقُبلة التي لم
يطبعها سمعان على وجنتيه. وقارن الطّيب الثمين الذي سكبته، بالزيت الرخيص الذي بخل
به سمعان عليه. وفسر قصدها الشريف بأنه طلب المغفرة منه على خطاياها الجسيمة، وأنه
منحها الضمان بأنه قد استجاب هذا الطلب. فشكْرُها الحبي للذي منح الغفران جاء
نتيجة لشعورها بعظم آثامها. وأما سمعان فلأنه لم يشعر بعظم آثامه، ولم يشعر أيضاً
بالشكر الحبيّ نظيرها، فلم يفهم شعورها.

 

وقول
المسيح: «قد غُفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيراً» يؤخذ مع المَثَل الذي أوضح
فيه المسيح لسمعان أن الخاطئ يحب كثيراً لأنه غُفر له كثير. فلا يستنتج أن محبة
الخاطئ لله تسبق المغفرة وتكون سببها، بل عكس ذلك هو الصحيح. في القولين ليس
المقصود أن الذي يحب كثيراً يُغفر له لأنه أحب، بل إن الذي يُغفر له كثيراً يحب
كثيراً لأنه غُفر له الكثير.

 

ثم
قال المسيح للمرأة: «مغفورة لك خطاياك». ولما عرف المسيح أن الحاضرين ينتقدونه،
كما سبق أن انتقده أهل كفر ناحوم على غفرانه لخطايا المفلوج، قال للمرأة: «إيمانك
قد خلَّصك. إذهبي بسلام». وكل من يغفر الله له الكثير يجتهد أَلا يعود إلى الخطية
التي غفرها الله له.

 

ولا
زال المسيح إلى يومنا، المخلِّص الذي يغفر للخاطئ ويردُّه عن ضلال طريقه. هل وجدت
هذا المخلِّص الذي ليس بأحدٍ غيره الخلاص؟

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى