علم المسيح

المسيح يخرج الشياطين



المسيح يخرج الشياطين

المسيح يخرج
الشياطين

 

«وَٱنْحَدَرَ
إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، مَدِينَةٍ مِنَ ٱلْجَلِيلِ، وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ
فِي ٱلسُّبُوتِ. فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لأَنَّ كَلامَهُ كَانَ
بِسُلْطَانٍ. وَكَانَ فِي ٱلْمَجْمَعِ رَجُلٌ بِهِ رُوحُ شَيْطَانٍ نَجِسٍ،
فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «آهِ مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ
ٱلنَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ:
قُدُّوسُ ٱللّٰهِ». فَٱنْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً:
«ٱخْرَسْ وَٱخْرُجْ مِنْهُ». فَصَرَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فِي
ٱلْوَسَطِ وَخَرَجَ مِنْهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئاً. فَوَقَعَتْ دَهْشَةٌ
عَلَى ٱلْجَمِيعِ، وَكَانُوا يُخَاطِبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ:
«مَا هٰذِهِ ٱلْكَلِمَةُ! لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ يَأْمُرُ
ٱلأَرْوَاحَ ٱلنَّجِسَةَ فَتَخْرُجُ». وَخَرَجَ صِيتٌ عَنْهُ إِلَى
كُلِّ مَوْضِعٍ فِي ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ» (لوقا 4: 31-37).

 

عندما
كان المسيح في كفر ناحوم ذهب إلى المجمع، وكان من جملة المجتمعين للعبادة في أحد
أيام السبت شخص به روح نجس، كان مصاباً بالحلول الشيطاني فيه، جعله يصرخ بصوت عظيم
قائلاً: «آه. ما لنا ولك يا يسوع الناصري. أتيت لتهلكنا. أنا أعرفك من أنت، قدوس
الله». فظهر روح العداوة الشيطاني في قوله: «ما لنا ولك؟». ودلَّ استعمال صيغة
الجمع على أن في المتكلم شخصاً آخر يتكلم فيه. وفي القول: «أتيتَ لتهلكنا» اعترافٌ
بسطوة المسيح عليه وعلى الشيطان الحال فيه. والقول الآخر: «أعرفك من أنت؟» يدلُّ
على معرفة عجيبة ليست لهذا الرجل البسيط، بل للشيطان الذي يفوق أكثر البشر في
المعرفة العقلية.

 

هجم
إبليس على المسيح في انفراده في البرية، وهاجمه أيضاً في تهييجه أهالي الناصرة
عليه، وبقي إبليس متخفياً. أما الآن فهجم على هذا المعلم الجديد هجومه الأول
العلني. ولم يرْضَ أن يسكت بينما كان المسيح يُظهر الحقائق الروحية، ويشرح طريق
الخلاص، وينادي بملكوت الله، ويُوضّح شروط الدخول فيه. علم إبليس أن المسيح قد جاء
لكي يحاربه، وينقض أعماله ويدمّر ملكوته الفاسد ويسحق رأسه، فكيف يمكنه أن يسكت

 

لربما
نستغرب شهادة إبليس الصريحة للمسيح بأنه «قدوس الله». لعلها كانت النتيجة الأولى
من سطوة المسيح عليه ثم طرده من هذا الرجل. وبما أن لشهادة العدو قيمة مضاعفة،
أراد المسيح أن يعترف الجمهور أن الشيطان أيضاً مضطرٌّ أن يشهد له. وهذه شهادة
الشيطان الأولى للمسيح أمام الناس ولكنها ليست الأخيرة. حالما أدّى المصاب هذه
الشهادة الواضحة، انتهر المسيح الشيطان قائلاً: «اخرس واخرج منه» فانتظر الجمهور
كله ليرى ماذا يحدث. ففي الحال صرع الشيطان الرجل وصاح بصوت عظيم وخرج منه، ولم
يضرّه شيئاً – فلا عجب إذ وقعت دهشة على الجميع وتحيّروا كلهم. وظهرت في ذلك
المجمع اليهودي حركةٌ لم تحدث فيه قبلاً. وصاروا يتساءلون: من هو هذا الشخص المقتدر
الذي أتى ليسكن بينهم؟ وما هو هذا التعليم الجديد المقرون بمعجزات كهذه؟ ومن أين
حصل ابن النجار على سلطةٍ تمكّنه من أن يجعل الأرواح الشريرة تطيعه.

 

أثبت
المسيح في معجزته الأولى (وهي تحويل الماء إلى خمر) سلطته على النواميس الطبيعية،
وفي معجزته الثانية (وهي شفاء ابن خادم الملك) أظهر سلطته على الأمراض الجسدية، في
هذه المعجزة الثالثة أعلن سلطته على القوات الشيطانية. وهذه المعجزات الثلاث في
بداءة خدمته برهنت أهليَّته لأن يكون مخلِّصاً للبشر بكل معاني الكلمة.

 

تطاير
سريعاً هذا الخبر عن أول واقعة علنية حدثت بين «رئيس بيت داود» و «رئيس هذا
العالم» فيها ذلَّل المسيح إبليس وقهره. «فخرج صيت عنه للوقت في كل الكورة المحيطة
بالجليل». في البرية دافع المسيح عن نفسه في محاربته إبليس، وفي كفر ناحوم دافع عن
غيره وأبان لتلاميذه الجُدد، ولإبليس ذاته، ولسكان الجليل، ولكل أجيال البشر أنه
قادر أن يقهر إبليس، ليس في صدره هو فقط، بل أيضاً في صدور الآخرين.

 

لا
يسعنا السكوت تجاه هذا الحادث الغريب، دون طلب توضيح أمر السكن الشيطاني الذي
يُذكَر كثيراً في أيام المسيح وبعده، كأنه من أهم الأمور. والمرجَّح أن الشيطان
بمناسبة مجيء المسيح مخلصاً إلى العالم ضاعف قوته، وتسلط على البشر فوق المعتاد.
ولم يكن ذلك إلا بسماح من الله. لتكون غلبة المسيح عليه أبهج، ونتيجتها أعظم. لما
كان الشيطان يعرف قيمة قوة العقل في الإنسان، كان الجنون رفيقاً لاستيلاء الشيطان
على البشر. وكثيراً ما كان المصاب يُسمَّى مجنوناً فقط، فهل كان ما يسميه الإنجيل
«الاحتلال الشيطاني» هو مجرد الاختلال العقلي الذي نسمِّيه الآن «جنوناً».

 

كان
يجوز هذا التفسير لو كان المسيح من الذين ينقادون إلى الخرافات الجارية، أو لو كان
من الذين يتساهلون في الأوهام الدينية، ويستخدمونها لأغراض يعتبرونها حسنة..
فعندما نسمعه يخاطب الشيطان كشخص غير الشخص الذي يقف أمامه، ويقول: «اُخرج منه
أيها الروح النجس». «اِخرس واخرج منه» – نعلم أن المسيح العاقل المستقيم لا يمكن
أن يقول ذلك لو كانت الإصابة هي مرض الجنون المعهود. ولو كان كلام الشخص الذي به
شيطان كلام اختلال عقلي فقط، لَما كان ينطق بشهادات عجيبة في مواضيع لم يكن أحد
يعرفها في ذلك الوقت، ولا يوجد في شفاء الجنون ما يشبه الصرع والآلام المرافقة
لإخراج الشياطين.

 

ويُلاحظ
أيضاً أن إخراج الشياطين كان فرعاً خاصاً من أعمال المسيح ورسله، مستقلاً عن شفاء
الأمراض. بناء على أسباب كهذه، نقول إن هذا النوع من الإصابات التي لا يسمّيها
الإنجيل «شفاء» بل يسميها «إخراج شياطين» لا يجوز اعتباره مجرد مرض الجنون
المألوف.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى