بدع وهرطقات

القداسة



القداسة

القداسة

لا
نخالف المعمدانيّين بأنّ العهد الجديد سمّى المؤمنين المجاهدين
“قدّيسين”. ولكنّنا نخالفهم حول أمور عديدة، منها: سبل تحقيق القداسة،
وحقّ الكنيسة في إعلان قداسة الذين انتصروا على الخطيئة والموت، وتاليًا الصلاة
إلى القدّيسين المنتصرين أو معهم (فنلي م. جراهم، اللاهوت النظاميّ، صفحة 234؛
روبرت أ. بايكر، سير المعمدانيّين في التاريخ، صفحة 138).

 

من
قرأ الكتب المقدّسة بفهم، لا يخفى عليه أنّ الله، الذي أعلن أنّ المؤمنين
المندمجين في حياة الكنيسة إنّما هم مقدّسون به، حثّ أخصّاءه على أن يوافقوا هذا
الإعلان في حياتهم بتفصيلها وتفاصيلها (1تسالونيكي 4: 3؛ 1بطرس 1: 15 و16).
فالقداسة التي هي صفة من صفات الله، الذي أرسل ابنه وفدانا بدمه، لنلتحف بنوره
السنيّ (متّى 13: 43؛ 2كورنثوس 4: 6؛ رؤيا 21: 9- 22: 5)، ونرتقي إلى مجده (يوحنّا
17: 22؛ 2كورنثوس 3: 18؛ أفسس 2: 6 عبرانيّين 2: 10)، من مقتضياتها الثابتة أنّها
إرادة الله الوحيدة في هذا الوجود. والذي يريده الله، لا يحقّقه أحد غيره.
ويحقّقه، في آنٍ واحد، بنعمته وبتطويع المؤمنين أنفسهم أحرارًا له. ولهذا التحقيق
سبل أكّدها الله في وحيه، ومنها الولادة الجديدة (المعموديّة) “من الماء
والروح” (يوحنّا 3: 5؛ 1كورنثوس 6: 11)، والاتّحاد بجسد المسيح ودمه
المباركين (يوحنّا 6: 22- 58)، وتاليًا في حياة الشركة وطاعة الله في الحياة، أي
في المحبّة ببعديها العموديّ والأفقيّ، وفي الشهادة لمجده في العالم. ومَن سَلَكَ
بمخافة الله يومًا فيومًا بفهم وإخلاص لا يشوبهما عيب، كان قدوة في الجماعة
(1كورنثوس 4: 16، 11: 1؛ فيلبي 3: 17، 4: 9؛ 1تسالونيكي 1: 6؛ 2تسالونيكي 3: 9؛1
تيموثاوس 4: 12؛ طيطس 2: 7؛ عبرانيّين 6: 12، 13: 7). وحقّ للكنيسة أن تستحليه،
وتعلن قداسته، في حيّز هذا الوجود، لتستضيء بفضائله، وتحاول، في مسيرة جهادها، أن
تتمثّل به.

مقالات ذات صلة

 

ثمّ
يحلو لنا، في سياق الردّ على المعمدانيّين، أن نركّز على شركة المؤمنين. وهذا،
بدءًا، يفترض توضيحًا بالغ الأهمّيّة، وهو أنّ الكنيسة المقدّسة عندما تطلب أن
يصلّي أعضاؤها بعضهم من أجل بعض، لا تنكر ما يقوله المعمدانيّون، وهو أنّ
“الله شخص”، وأنّه، تاليًا، “يقابل شخصيًّا من دون أيّ وساطة
بشريّة”. فالصلاة إلى (أو مع) الذين انتصروا على الخطيئة والموت، ليست
تجاوزًا لوساطة المسيح (1تيموثاوس 2: 5؛ عبرانيّين 9: 15، 12: 24)، أو شفاعته
(رومية 8: 34؛ عبرانيّين 7: 24 و25؛ 1يوحنّا 2: 1)، وليست هي “وساطة
بشريّة”. المؤمنون المجاهدون لا يعتبرون أنّ الإخوة المنتصرين أقرب إليهم من
الله. وعلاقتهم بهم لا تحكمها درجات، أو منطق أهل الدنيا، بل شركة الكنيسة. فمن
انتسب إلى عضويّة الجماعة المفتداة بات “من أبناء وطن القدّيسين ومن أهل بيت
الله” (أفسس 2: 19). صحيح أنّ هذه العبارة الرسوليّة (“وطن
القدّيسين”)، تعني المؤمنين المجاهدين في الأرض أوّلاً. ولكنّ الصحيح، أيضًا،
أنّها تخصّ، في كلّ جيل، الذين انتصروا على الخطيئة والموت. وذلك بأنّ وطن الله
واحد وأهل بيته واحد. ومن انتسب إليه ودخله وبقي أمينا له، لا يخرجه ربّه خارجًا،
أو يقصيه، بعد رقاده، من عضويّة جسده. وهذا ما يؤكّده القدّيس يوحنّا الذهبيّ
الفم، بقوله: “إنّ محبّة القدّيسين لا تنقص بموتهم، ولا تنتهي بخروجهم من هذا
العالم، بل إنّهم، بعد موتهم، يكونون أعظم قدرة (على الشفاعة) منهم وهم
أحياء”. فجسد المسيح، الذي هو صفة من صفات الكنيسة الواحدة، هو جسد المنتصرين
والذين ما زالوا يجاهدون في العالم. ولا أحد منطقيًّا يمكنه أن يقسّم الجسد، أو
يفصل بين أعضائه، ويبقى أمينًا لوحي الله (1كورنثوس 10: 17؛ رومية 12: 5؛ 1كورنثوس
12 و13 و20 و27؛ أفسس 2: 16، 4: 12؛ كولوسي 3: 15). وهذا إنّما يعني أنّ كلّ إطار
العلاقة بين أعضاء شعب الله جميعًا، لا يفهم فهمًا صحيحًا إلاّ على ضوء هذه
الحقيقة المذهلة.

 

إلى
هذا، لا يجهل عارف أنّ العلاقة الوثيقة بين المؤمنين المجاهدين والقدّيسين، الذين
يشفعون بنا في السماء، استوحتها الكنيسة الأرثوذكسيّة من رؤيا

 

الرسول
يوحنّا. نقرأ: “رأيت تحت المذبح نفوس الذين ذبحوا في سبيل كلمة الله والشهادة
التي شهدوها. فصاحوا بأعلى صوتهم: حتّام، يا أيّها السيّد القدّوس الحقّ، تؤخّر
الإنصاف والانتقام لدمائنا من أهل الأرض! فأعطي كلّ منهم حلّة بيضاء، وأُمروا بأن
يصبروا وقتًا قليلاً إلى أن يتمّ عدد أصحابهم وإخوتهم الذين سيقتلون مثلهم”
(6: 9- 11، أنظر أيضًا، في السفر عينه، ما يبيّن أنّ القدّيسين المنتصرين يصلّون
دائمًا أمام عرش الله: 5: 8، 8: 3- 5، 7: 9- 12، 15: 1- 4). فالله، الذي يشعر نحو
صلوات القدّيسين بحنوّ خاصّ (كما يكشف سفر الرؤيا)، هو أمرنا بأن نصلّي بعضنا من
أجل بعض، وكشف لنا قوّة أدعية القدّيسين من أجلنا (4ملوك 2: 14؛ 2مكابيّين 15: 12-
14).

 

إنّ
الكنيسة الأرثوذكسيّة، التي تصرّ على شركة المؤمنين المجاهدين والمنتصرين، لا
تعتبر أنّ لها مخلّصًا آخر غير يسوع المسيح. هذا ثابت في الكتب المقدّسة (أنظر
مثلاً: لوقا: 2: 11؛ يوحنّا 4: 42؛ أعمال 4: 12؛ رومية 5: 9 و10؛ أفسس 5: 23؛
فيلبي 3: 20؛ 2تيموثاوس 1: 10؛ تيطس 1: 4، 2: 13؛ 2بطرس 1: 11؛ 1يوحنّا 4: 14).
وما تكريمها القدّيسين، الذين هم أيقونات حيّة لله ودلالة من الدلائل المبرورة على
فعله الدائم في التاريخ، إلاّ صورة أكيدة عن هذا التجاوب الذي ينتظره الله من
الناس الذين ارتضى ربّهم أن يكونوا حيث هو موجود، ليخدموه، ويستحقّوا تكريم الآب
وقداسته (يوحنّا 12: 26) في “الحياة الحاضرة والمستقبلة” (1تيموثاوس 4:
8).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى