اللاهوت الروحي

الفصل الثاني



الفصل الثاني

الفصل الثاني

الصوم والجسد

مقالات ذات صلة

14- تعريف الصوم

تعريف الصوم من الناحية الروحية سنذكره بالتفصيل
فيما بعد.

ولكن ما هو تعريف الصوم من الناحية الجسدية؟
الصوم هو إنقطاع عن الطعام فترة من الوقت، يعقبها طعام خال من الدسم الحيواني.

 

15- فترة الانقطاع في الصوم | الصوم الانقطاعي

لابد من فترة إنقطاع (الصوم الانقطاعي)، لأننا
لو اكلنا من بدء اليوم بدون انقطاع، لصرنا نباتيين وليس صائمين. وحتي الصوم في
اللغة هو الإمتناع أو الإنقطاع. فلا بد إذن أن نمتنع عن الطعام لفترة معينة.

 

فترة الإنقطاع عن الطعام تختلف من شخص لآخر.

 

وذلك لأسباب كثيرة نذكر من بينها:

1- يختلف الناس في درجتهم الروحية. فهناك
المبتدئ الذي لا يستطيع أن ينقطع عن الطعام لفترة طويلة. واكثر من هؤلاء الناسك
الذي يستطيع ان يطوي الأيام صوماً، كما كان يفعل آباؤنا الرهبان و المتوحدون و
السواح.

 

2- يختلف الصائمون في سنهم. فمستوي الطفل أو
الصبي في الصوم، غير مستوي الشاب أو الرجل الناضج، غير ما يستطيعه الشيخ أو الكهل.

 

3- يختلف الصائمون أيضاً في صحتهم، فما يحتمله
القوي غير ما يحتمله الضعيف. كما أن المرضي قد يكون لهم نظام خاص، أو يعفون من
الانقطاع حسبما تكون نوعية امراضهم وطريقة علاجهم.

 

4- يختلف الصائمون كذلك في نوعية عملهم. فالعض
يقومون بأعمال تحتاج إلي مجهود جسدي كبير. والبعض أعمالهم مريحة يجلسون فيها إلي
مكاتبهم بضع ساعات في اليوم. واحتمال هؤلاء للانقطاع غير احتمال أولئك.

 

5- هناك أيضا نظام التدرج. فقد يبدأ الصائم الأسبوع
الأول من صومه بدرجة إنقطاع معينة، تزداد علي مر الأسابيع، حتى يكون إنقطاعه في
آخر الصوم أعلي بكثير من نقطه البدء. وهذا التدرج نافع وينصح به الآباء الروحيون.

 

علي انه قد يوجد حد ادني لهذا الإنقطاع.

 

 وربما
يختلف هذا الحد الأدنى من صوم إلي آخر. فالصوم الكبير مثلاً يكون حده الأدني أعلي
من باقي الأصوام. والحد الأدني في أسبوع الآلام يكون أعلي مما في الصوم الكبير
نفسه . والبعض كانوا يطوون الفترة من بعد خميس العهد إلي قداس العيد. وأيام
البرامون في أصلها تطوي أيضا. أما الضعفاء فلهم تسهيل خاص. ومع كل ذلك، فيمكننا ان
نضع قاعدة هامة وهي:

 

فترة الإنقطاع تكون حسب إرشاد أب الاعتراف.

 

وذلك حتى لا يبالغ فيها البعض فتتبعهم جسدياً،
وقد تتعبهم روحياً أيضا إذ تجلب لهم أفكارًاً من المجد الباطل. كما أن العض من
الناحية الإخري قد يتهاون بطريقة تفقده فائدة الصوم. والأفضل ان يشرف أب اعتراف
علي هذا الأمر. علي أنه من جهة النظام العام للكنيسة في فترة الإنقطاع، نود أن
نسأل سؤالاً:

 

هل هناك علاقة بين الإنقطاع عن الطعام والساعة
التاسعة؟

 

يبدو أن هناك علاقة.. لنه في طقس الكنيسة الخاص
بصلاة الساعة التاسعة نلاحظ إختيار فصل الإنجيل الخاص بمباركة الطعام بعد فترة من
الجوع (لو 9: 10-17). وواضح أننا في صلاة الساعة التاسعة نذكر موت السيد المسيح
علي الصليب، فلماذا إذن هذا الفصل من الإنجيل الخاص بمباركة الطعام؟ يبدوا أن نظام
الإنقطاع كان عموماً إلي الساعة التاسعة، فيصلي الناس هذه الساعة بإنجيلها
المناسب، ثم يتناولون طعامهم. ولما كانت غالبية السنة صوماً، ولكي لا يتغير نظام
الصلاة اليومية بين الإفطار و الصوم، بقي هذا الفصل من الإنجيل علي مدار السنة..
حتى في الأيام التي ليس فيها إنقطاع، يذكرنا بمباركة الرب للطعام قبل الكل أياً
كان الموعد..

 

و المعروف ان الساعة التاسعة من النهار هي
الثالثة بعد الظهر، علي اعتبار أن النهار يبدأ علي الأغلب من السادسة صباحا. وعلي
آيه الحالات، لا داعي لاستفاضة في بحث هذه النقطة، مادامت فترة الإنقطاع تتغير من
شخص إلي آخر، كما إننا تركنا تحديدها لأب الإعتراف ولحالة الصائم الروحية…

 

والمهم عندنا هو الوضع الروحي لفترة الانقطاع.

 

فلا نريد ان ندخل في شكليات أو في قوانين خاصه
بفترة الانقطاع، إنما نريد أن نتحدث عن الطريقة التي يستفيد بها الإنسان روحياً من
فترة إنقطاعه عن الطعام. لأنه قد ينقطع إنسان عن الطعام إلي التاسعة من النهار أو
غلي الغروب أو إلي ظهور النجم، ولا يستفيد روحياً، إذ كان قد سلك بطريقة غير
روحية. فما هي الطريقة الروحية إذن؟

 

1- ينبغي أن تكون أن تكون فترة الانقطاع فترة
زهد ونسك.

 

فلا تهتم فيها بما للجسد. أي لا تكون منقطعاً عن
الطعام، وتظل تفكر متي تأكل.. إنما ينبغي أن تكون فترة الإنقطاع فترة زاهدة ناسكة،
ترتفع فيها تماماً عن مستوي الكل وعن مستوي المادة وعن مستوي الطعام.

 

2- وبعد فترة الإنقطاع لا تأكل بشهوة.

 

فالذي ينقطع عن الطعام، ثم يأكل بعد ذلك ما
يشتهيه، أو يتخير أصنافاً معينة تلذ له، هذا لا يكون قد أخضع جسده أو أمات شهواته.
وإذ يأكل بشهوة، أو إذ يأكل ما يشتهي، يدل علي انه لم يستفيد روحياً من فترة
الإنقطاع، ولم يتعلم منها الزهد و النسك..! أنظر ما قاله دانيال النبي عن صومه
” لم آكل طعاماً شهياً “(دا 10: 3). وهكذا يكون يهدم ما يبنيه، بلا
فائدة..! وليس الصوم هو أن نبني ونهدم ثم نبني ثم نهدم، بغير قيام..!

 

3- ولا تترقب نهاية فترة الانقطاع، لتأكل.

 

أن جاء موعد الكل، فلا تسرع إليه. وحبذا لو
قاومت نفسك، ولو دقائق قليلة وانتظرت. أو إن حل موعد تناولك للطعام، قل لنفسك:
نصلي بعض الوقت ثم نأكل، أو نقرأ الكتاب ونتأمل بعض الوقت ثم نأكل، ولا تتهافت علي
الطعام.. الزهد الذي كان لك أثناء فترة الإنقطاع، فليستمر معك بعدها. فهذه هي
الفائدة الروحية التي تنالها.

 

أجعل روحياتك هي التي تقودك، وليس الساعة.

 

وادخل إلي العمق. العمق الذي في الامتناع عن
الطعام. الذي الإرتفاع عن مستوي الكل، وعن مستوي الماده، وعن مستوي الجسد.
وبالنسبة إلي فترة الإنقطاع وموعدها، حبذا لو وصلت بك إلي الشعور بالجوع فهذا أفيد
جداً.. هنا ونحدثك عن عنصر الجوع في الصوم.

 

16- عنصر الجوع في الصوم

كثيرون ينقطعون عن الطعام، ثم يأكلون دون أن
يشعروا بالاحتياج إلي الطعام، ودون أن يشعروا بالاحتياج إلي الطعام، ودون أن يصلوا
إلي الشعور بالجوع، وغلي احتمال الجوع والصبر عليه واخذ ما فيه من فوائد روحية.
وقدم لنا الكتاب أمثله للجوع في الصوم:

 

السيد المسيح صام حتى جاع، وكذلك الرسل.

 

قيل عن السيد المسيح له المجد في صومه الأربعيني
إنه ” جاع أخيرا ” (مت 4: 2). وحسب روايه معلمنا لوقا البشير ” لم
يأكل شيئاً في تلك الأيام. ولما تمت جاع أخيراً ” (لو 4: 2). وذكر عن السيد
المسيح أنه جاع، في مناسبة أخري، في أثنين البصخة (مر11: 12). ولكت لعل البعض يقول
أن مستوي صوم السيد صعب علينا، فلنتحدث عن صوم البشر، وفيه أيضاً عنصر الجوع. قيل
عن القديس بطرس الرسول إنه ” جاع كثيرً واشتهي أن يأكل “(أع 10: 1). وفي
حديث القديس بولس الرسول عن خدمته هو وزملائه، قال ” في تعب وكد، في أسهار
مراراً كثيرة، في جوع وعطش، في أصوام مراراً كثيرة “(2كو 11: 27). وقال أيضا
” تدربت ان اشبع وان أجوع “(في 4: 12).

 

وقد طوب الله حالة الجوع فقال:

 

” طوباكم أيها الجياع الآن، لأنكم ستشبعون
“(لو 6: 21).

 

وأن كان جوع لعازر المسكين قد أهله للجلوس في
حضن أبينا إبراهيم، علي اعتبار أنه استوفي تعبه علي الأرض علي الرغم من أن ذلك كان
بغير إرادته، فكم بالأكثر ينال خيراً في الأبدية من قد جاع ههنا بإرادته، نسكاً
وزهداً،وتقرباً إلي الله.

 

 وقد درب
الرب شعبه في البرية بالجوع.

 

وقال لهذا الشعب ” وتتذكر كل الطريق التي
فيها سار بك الرب هذه الأربعين سنه في القفز.. فإذنك واجاعك وأطعمك المن الذي لم
تكن تعرفه ولا عرفه آباؤك لكي يعلمك انه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل ما
خرج من فم الرب يحيا الإنسان “(تث 8: 2،3) . إن الذي يهرب من عبارة
“أذلك وأجاعك”، ستهرب منه عبارة “واطعمك المن في البرية”… علي
أن بني إسرائيل تذمروا علي تدريب الجوع، فهلكوا في البرية

 

إن الصوم يصل إلي كماله، في الجوع واحتماله.

 

فإن كنت لا تجوع، فأنت لم تصل إلي عمق الصوم
بعد. وإن اطلت فترة إنقطاعك حتى وصلت غلي الجوع، ثم أكلت مباشرة، فأنت إذن لم
تحتمل الجوع ولم تمارسه. وبالتالي لم تنل الفوائد الروحية التي يحملها الجوع.

 

فما هي الفضائل الروحية التي يحملها الجوع؟

 

الذي يمارس الجوع، يشعر بضعفه عن الغرور و
الشعور بالقوة والثقة يذل الجسد، فتذل النفس، وتشعر بحاجتها إلي قوة تسندها، فتلجأ
غلي الله بالصلاة وتقول له: أسند يارب ضعفي بقوتك الإلهية، فأنا بذاتي لا أستطيع
شيئا.

 

صلاة الإنسان وهو جائع، صلاة أكثر عمقا.

 

أن الجسد الممتلئ بالطعام، لا تخرج منه صلوات
ممتلئة بالروح. ولذلك دائماً تمتزج الصلاة بالصوم، ويمتزج الصوم و الصلاة. وحينما
يريد الناس ان يصلوا في عمق، نراهم يصومون. وهكذا صلوات الناس في أسبوع الآلام لها
عمقها، وحتي القراءات كذلك حينما تقال بصوت خافت من الجوع.. إن تسجيل لحن من ألحان
البصخة، خلال أسبوع الآلام، يكون له عمق لن الذي سجله كان صائماً، وله روحيات
الصوم.. وتسجيل نفس اللحن في غير أيام الصوم، وصاحبة مفطر، يجعل اللحن يفقد الكثير
من عمقه الروحي، وربما يتحول إلي مجرد أنغام وموسيقي. إن الله يحب أن يشعر الإنسان
بضعفه، لكيما ينسحق قلبه. والجوع يساعد علي الشعور بالضعف. ولذلك تصلح فيه
المطانيات، ولا تصلح لمن هو ممتلئ بالطعام. نصيحتي لك: أن شعرت بالجوع فلا تأكل.
وإنما أحتمل وخذ بركة الجوع.إن السيد المسيح صام أربعين يوماً وجاع أخيرا. ولما
نصحه الشيطان ان يأكل رفض أن يأكل علي الرغم من جوعه. واعطانا بذلك درساً.. لذلك
أحتمل الجوع وأيضا:

 

إن شعرت بالجوع، لا تهرب منه.

 

لا تهرب من الشعور بالجوع، عن طريق الانشغال
ببعض الأحاديث، أو ببعض المسليات، أو عن طريق النوم، لكي تمضي فترة الجوع دون ان
تشعر بها.. فإنك بالهروب من الجوع، إنما تهرب من بركاته ومن فوائده الروحية، وتهرب
من التدريب علي فضيلة الاحتمال وفضيلة قهر الجسد.. إننا نريد أن نستفيد من الجوع،
وليس أن نهرب منه.

 

إن ضغط عليك الجوع، قل إنك لا تستحق الأكل.

 

قل لنفسك: أنا لا أستحق آكل بسبب خطاياي. وهكذا
تنسحق فسك من الداخل، في الوقت الذي يسحقها فيه أيضاً تعب الجسد. وهكذا تتخلي عنك
الكبرياء والخيلاء والعجب بالذات. وإن يصلي. أما الشبعان كثيراً ما ينسي الصلاة
ولذلك غالبية المتدينين يصلون قبل الأكل. وقليلون هم الذين يصلون بعد الانتهاء من
الأكل أيضاً، إلا في الرسميات..

 

تدريب الجوع في الصوم، ينبغي أن يكون بحكمة.

 

حقاً إن الذين شعروا بالفائدة الروحية التي تأتي
من الجوع، كانوا يطيلون مدته.. علي إني لا أقصد بهذا التدريب المبالغة فيه، بحيث
يصل الصائم إلي وضع لا يستطيع أن يقف فيه علي قدميه للصلاة من شدة الإعياء. وقد
يفضل أن يصلي وهو ساجد، ليس عن خشوع وإنما طلباً للراحة واسترخاء الجسد في تعب
إنما يجب السلوك في هذا التدريب بحكمة، في حدود احتمال الجسد. ومع ذلك أقول لك
كلمة صريحة وهي:

 

لا تخف من الجوع، فهو لا يستمر معك

 

فالمعدة كلما تعطيها أزيد من احتياجها تتسع
لتحتمل ما هو أكثر.. ويزداد اتساعها في حالا الترهل، مع ضعف جدران المعدة. وإن لم
تعطها ما يصل بها إلي الامتلاء تشعر بالجوع، فإن صبرت علي الجوع ولم تعط المعدة ما
يملؤها، تبدأ في أن تكيف نفسها وتنكمش. وبتوالي التدريب لا تعود تتسع لكثير.. ولا
يستمر الجوع، فالقليل يشعرها بالشبع. والإنسان الحكيم هو الذي يضبط نفسه، ويحفظ
نظام معدته، فهو لا يكثر من تناول الطعام حتى تترهل معدته، ولا يبالغ في منع
الطعام عنها بحيث تنكمش إلي وضع أقل من احتياج جسده.

فالإعتدال في هذا الأمر نافع وفيه حكمة.

 

17- الصوم والسهر

الامتلاء بالطعام يساعد علي ثقل الجسد، وبالتالي
علي النوم. أما الصائم فيكون جسده خفيفاً، غير مثقل بعمليات الهضم، ويمكنه السهر.
والصوم مع السهر يعطي استضاءة للفكر. وكل القديسين الذين اتقوا الصوم، اشتهروا
أيضاً بالسهر. نلاحظ ان التلاميذ بعد العشاءين، ثقلت عيونهم بالنوم وهم في
البستان، ولم يستطيعوا أن يسهروا مع الرب ولا ساعة واحدة (مت 26: 40). وأنت يا
أخي، ليس من صالحك أن يأتي الختن في نصف الليل فيجدك نائماً، بينما الكتاب يقول
” طوبي لأملئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين (لو 12: 37). تدريب
إذن علي الصوم، فالصوم يتمشي مع السهر. ونقصد بالسهر، السهر مع الله، وقضاء الليل
في الصلاة.

 

18- نوع الطعام في الصوم

تحدثنا في الصوم عن الجوع وفترة الإنقطاع، بقي
أن أحدثكم عن نوع الطعام. ويهمني هنا أن أذكركم بقول دانيال النبي عن صومه:

 

“لم آكل طعاماً شهياً” (دا 10: 3).
لذلك إن صمت، أعطيت جسدك ما يشتهيه، لا تكون قد صمت بالحقيقة. إبعد إذن عن
المشتهيات لكي تقهر جسدك وتخضعه لإرادتك. لا تطلب صنفاً مختاراً بالذات، ولا تطلب
أن تكون طريقه صنع الطعام بالأسلوب الذي يلذ لك. وإن وضع أمامك – دون أن تطلب –
صنف من الذي تحبه نفسك، لا تكثر منه في أكلك.. ولا أريد أن أقول لك كما قال أحد
الآباء القديسين ” إن وضع أمامك طعام تشتهيه، فافسده قليلاً ثم كله “.و
لعله يقصد بإفساده، أن تضيف عليه كمثال شيئاً يغير طعمه.. علي الأقل: مثل هذا
الصنف المشتهي، لا تاكل كل ما يقدم لك منه. وكما قال أحد الآباء ” إرفع يدك
عنه، ونفسك ما تزال تشتهيه “. أي أن جسدك يطلب أن يكمل أكله من هذا الصنف،
وأنت تضبط نفسك وتمنعها عنه.

 

هنا ونقف أمام أسئلة كثيرة يقدمها البعض:

 

هل النباتين و المسل الصناعي يحل آكله في الصوم
أو لا؟ هل الجبنه الديمكس طعام صيامي أم فطاري؟ هل السمك نأكله في هذا الصوم أم لا
نأكله؟ ما رأيك في الشوكولاته الصيامي؟.. إلخ

 

أسئله كثيرة يمكن الإجابة عليها من جهة تركيب
تلك الأطعمة، ويمكن من ناحية أخرى أن تٌبحَث روحيا: فالسمن النباتي، إن كانت مجرد
زيت نباتي مهدرج تكون طعاماً نباتياً يتفق مع حرفية الصوم. أما عن كنت تأكلها شهوة
منك في طعام السمن، فالأمر يختلف: تكون من الناحية الشكلية صائماً، ومن الناحية
الروحية غير مستفيد.

 

ونحن لا نريد ان ناخذ من الصوم شكلياته.

 

كذلك الجبنة الديمكس، المقياس هو: هل يوجد في
تركيبها عنصر حيواني؟ هذا من الناحية الشكلية. ولكن روحياً: هل أنت تحب الجبنة
وتصر علي أكلها منفذاً رغبات جسدك في الصوم ؟ وكذلك بالنسبة للشوكولاته الصيامي:
هل أنت تشتهي هذا الصنف بالذات؟ ولماذا لا تستبدله بكوب من الكاكاو؟ أما السمك،
فهو أصلاً طعام حيواني. وقد صرح به للضعفاء الذين لا يحتملون كثرة الأصوام. ولكن
لا يصرح به في أصوام الدرجة الأولي. ومع ذلك:

 

إن اشتهي جسدك سمكاً في الصوم، أي صوم، فلا
تعطه.

 

ليس فقط السمك، بل كل المشتهيات مهما كانت
حلالاً. لأنك في الصوم تضبط شهواتك.

 

أليس الزواج حلالاً؟ ولكن الصائمين يبعدون عن
المعاشرات الجسدية في الصوم ضبطاً لأنفسهم (1 كو 7: 5). بل هكذا فعل أيضاً الملك
دار يوس الأممي (دا 6: 8).

 

19- الطعام النباتي

تحدثنا في الصوم عن فترة الإنقطاع وعن الجوع،
بقي ان نتحدث عن الطعام النباتي في الصوم، ونشرح كيف انه نظام إلهي، وأنه الأصل في
الطبيعة، إذ أن أبانا آدم كان نباتياً، وامنا حواء كانت نباتية. وكذلك أولادهما
إلي نوح.

 

إن الله خلق الإنسان نباتياً.

 

فلم يكن آدم وحواء يأكلان في الجنة سوي
النباتات: البقول والثمار. وهكذا قال الله لآدم وحواء ” إني قد أعطيتكم كل
بقل يبذر بذراً علي وجه كل الأرض. وكل شجر فيه ثمر شجر يبذر بذراً، لكم يكون
طعاماً “(تك 1: 29). بل حتى الحيوانات إلي ذلك الحين كانت نباتية أيضا، إذ
قال الرب ” ولكل حيوان الأرض وكل طير السماء، وكل دابة علي الأرض فيها نفس
حية، أعطيت كل عشب أخضر طعاماً (تك 1: 30).

 

وبعد طرد الإنسان من الجنة، بقي أيضاً نباتياً.

 

ولكنه إلي جوار البقول وثمار الأرض، أعطي أن
يأكل من عشب الأرض، أي من الخضراوات، فقال له الرب بعد الخطية ” وتأكل عشب
الحقل “(تك 3: 18). ولم نسمع أن أبانا آدم مرض بسب سوء التغذية، ولا امنا
حواء. بل نسمع ان أبانا آدم – وهو نباتي – عاش 930 سنة (تك 5: 5). وهكذا طالت
أعمار أبنائه وأبناء أبنائه في هذه الأجيال النباتية..(تك5).

 

ولم يصرح للإنسان بأكل اللحم بعد فلك نوح.

 

وحدث ذلك في زمن مظلم كان فيه ” شر الإنسان
قد كثر علي الأرض ” حتى ” حزن الرب أنه عمل الإنسان وتأس في قلبه
“، واغرق العالم بالطوفان (تك 6: 5، 6). وهكذا بعد رسو الفلك، قال الله لأبينا
نوح وبنيه ” كل دابه حية تكون لكم طعاماً، كالعشب الأخضر، دفعت إليكم الجميع.
غير أن لحماً بحياته دمه لا تأكلوه ” (تك 9: 3،4). ولما قاد الله شعبه في
البرية، إطعامه طعاماً نباتياً.

 

وكان هذا الطعام النباتي هو المن ” وهو
كبذر الكزبره أبيض، وطعمه كرقاق بعسل ” (خر 16: 31). وكان الشعب يلتقطونه
ويطحنونه أو يدفونه في الهاون كما كانوا أيضاً يطبخونه في القدور ويعملونه ملأت.
وكان طعمه كطعم قطايف بزيت (عدد 11: 8).

 

ولما صرح لهم باللحم، فعل ذلك بغضب.

 

وكان ذلك التصريح بسبب شهوتهم، وتذمرهم علي
الطعام وطلبهم اللحم بدموع. فأعطاهم الرب شهوتهم، وضربهم ضربه عظيمة ” وإذ
كان اللحم بعد بين أسنانهم قبل أن ينقطع، حمي غضب الرب علي شعب، وضربهم ضربة عظيمة
جداً، فدعي أسم ذلك الموضوع قبروت هتأوة (أي قبور الشهوة) لأنهم هناك دفنوا القوم
الذين اشتهوا “(عدد11، 33، 34).

 

والأكل النباتي كانا أيضاً طعام دانيال النبي
وأصحابة.

 

إذ كانوا يأكلون القطاني أي البقول (دا 1: 12)،
هؤلاء الذين وضعوا في قلوبهم ألا يتنجسوا بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه (دا 10:
3).

 

وكان الطعام النباتي آكل حزقيال النبي في صومه.

 

وفعل ذلك بأمر إلهي، إذ قال له الرب ” وخذ
أنت لنفسك قمحاً وشعيراً وفولاً وعدساً ودخناً وكرسنة (حز 4: 9).

 

والطعام النباتي طعام خفيف، هادئ ومهدئ.

 

ليس فيه ثقل اللحوم،دهونها وشحومها، بكل تأثير
ذلك علي صحة الجسد ونلاحظ أنه حتى في الحيوانات: المتوحشة منها هي آكله اللحوم،
والأليفة منها هي آكله النباتات. والمعروف أن النباتيين أكثر هدوء في طباعهم من
آكلي اللحوم .. و العجيب أن غالبية الحيوانات التي نأكلها هي من الحيوانات آكله
النباتات كالبهائم والغنام و الماعز و الطيور الداجنة.

 

وتلك الحيوانات النباتية لم تضعف بالطعام
النباتي.

 

بل إننا قد نصف الإنسان بأن صحته كالجمل أو
كالحصان، وهما نباتيان. وكانوا قديماً يقيمون رياضة هي مصارعة الثيران، لإثبات
القوة بمصارعة هذه الحيوانات الجبارة في قوتها، وهي نباتية. إذن أكل النبات لا
يضعف الأجساد.

 

وقد طالت أعمار النباتيين، ومنهم المتوحدون و
السواح.

 

كان برنارد شو Bernard Shaw الكاتب المشهور نباتياً، وقد عاش 94 سنة ولم يصبه أي مرض طوال
حياته.. وما أكثر النباتيين الذين طالت أعمارهم. و القديس الأنبا بولا اول السواح،
عاش ثمانين سنة كسائح لم ير خلالها وجه إنسان، أي عاش حوالي المائة سنة. وغالبية
السواح عاشوا اعماراً طويلة. ولم يكن هؤلاء نباتيين فحسب، بل كانت حياتهم كلها
زهداً، وكانت أطعمتهم زهيدة. ومع ذلك كانت صحتهم قوية. و القديس الأنبا انطونيوس
أب جميع الرهبان عاش 105 سنة، وكانت حياته صوماً مستمراً، وكان قوياً في صحته يمشي
عشرات الأميال ولا يتعب..

 

موضوع الطعام النباتي لا أريد أن أبحثه علمياً
بل عملياً، في حياة البشرية منذ آدم..

 

حقاً إن الأحماض الأمينية الرئيسية موجودة بغني
في البروتين الحيواني أكثر مما في البروتين النباتي، التي توجد فيه علي أية
الحالات بنسب أقل، ولكنها كانت كافية لكل الذين ذكروناهم، وعاش بها الرهبان و
النباتيون في صحة قوية. ومع ذلك لا ننسي أن الكنيسة تسمح في بعض الأصوام بالسمك،
ولا شك أنه يحوي بروتيناً حيواناً. كما ان هناك فترات طويلة من الإفطار.

لا تخف إذن من الصوم، فالصوم يفيد الجسد.

 

20- فائدة الصوم للجسد

للصوم فوائد عديدة للجسد، نذكر بعضاً منها فيما
يلي:

 

1- الصوم فترة راحة لبعض أجهزة الجسد.

إنها فترة تستريح فيها كل الأجهزة الخاصة بالهضم
و التمثيل، كالمعدة والأمعاء و الكبد والمرارة، هذه التي يرهقها الأكل الكثير،
والطعام المعقد في تركيبه و بخاصة الأكل المتواصل أو الذي في غير مواعيد منتظمة،
كمن يأكل ويشرب بين الوجبات، في الضيفات وفي تنازل المسليات و الترفيهات وما أشبه.
فترتبك أجهزته إذ يدخل طعام جديد يحتاج إلي هضم، علي طعام نصف مهضوم،، علي طعام
أوشك أن ينتهي هضمه..! أما في الصوم ففي خلال فترة الانقطاع تستريح أجهزة الجسم
هذه. وفي تناول الطعام تصلها أطعمة خفيفة لا تتعبها. وكذلك يريحنا في الصوم تدريب
(عدم الأكل بين الوجبات). وما أجمل ان يتعود الصائم هذه التدريب، ويتخذه كمنهج
دائم حتى في غير أوقات الصوم، إلا في الحالات الاستثنائية. من فوائد الصوم أيضا
للجسد أن:

 

2- الطعام النباتي يريح من مشكلة الكوليسترول.

ما أخطر اللحوم بشحومها ودهونها في أزادة نسبة
الكوليستيرول في الدم، وخطر ذلك في تكوين الجلطات، حتى ان الأطباء يشددون جداً في
هذا الأمر، ويقدمون النصائح في البعد عن دسم اللحم و البيض والسمن وما إلي ذلك،
حرصاً علي صحة الجسد، وبخاصة بعد سن معينة وفي حالات خاصة، وينصحون أيضاً بالطعام
النباتي، ويحاولون علي قدر الطاقة إرجاع الإنسان إلي طبيعته الأولي وإلي طعام جنة
عدن.. ومن فوائد الصوم أيضاً للجسد أنه:

 

3- بالصوم يتخلص الصائم من السمنة و البدانه و
الترهل.

هذه البدانه التي يحمل فيها الإنسان كمية من
الشحوم و الدهون، ترهقه وتتعب قلبه الذي يضطر أيضاً أن يوصل الدم إلي كتل من
الأنسجة فوق المعدل الذي أراد له الله أن يعوله.. بالإضافة إلي ما تسببه السمنة من
أمراض عديدة للجسد. ويصر الأطباء من أجل صحة الجسد علي إنقاص وزنه. ويضعون له
حكماً لابد أن يسير عليه يسمونه الريجيم.
regime، ويأمرون الإنسان البدين – الذي يعتبرونه مريضاً – بان يضبط نفسه
في الأكل، بعد أن كان يأكل بلا ضابط.

 

إن الصائم الذي يضبط نفسه، لا يحتاج إلي ريچيم.

 

والصوم كعلاج روحي، أسمي من العلاج الجسدي، لأنه
في نفس الوقت يعالج الروح و الجسد و النفس معاً.. ليت الإنسان يصوم بهدف روحي، من
اجل محبته لله، وسيصلح جسده تلقائياً أثناء صومه. فهذا افضل من ان يصوم بأمر
الطبيب لكي ينقص وزنه.. حقاً إنها لمأساة، أن الإنسان يقضي جزاءاً كبيراً من عمره،
يربي أنسجة لجسمه، ويكدس في هذا الجسم دهوناً وشحوماً… ثم يقضي جزءاً آخر من عمره
في التخلص من هذه الكتل التي تعب كثيراً في تكوينها واقتنائها..! ولو كان معتدلاً،
ولو عرف من البدء قيمة الصوم و نفعه، ما أحتاج إلي كل هذا الجهد في البناء و
الهدم.. لعل هذا يذكرني بالتي تظل تأكل إلي أن يفقد جسدها رونقه. ثم ينصحها الأطباء
ان تصوم وتقلل الكل وتتبع الريجيم. وهكذا تقلل الأكل، ليس من اجل الله، وإنما من
أجل جمال الجسد .. فهي لا تآكل، وفي نفس الوقت لا تأخذ بركة الصوم، لأنها ليست
محبة في الله تفعل هذا..! أما كان الجدار بكل هؤلاء أن يصوموا، فتستفيد أجسادهم
صحياً، ولا تفقد رونقها، وفي نفس الوقت تسمو الروح وتقترب غلي الله. صوموا إذن
لأجل الله، قبل أن يرغمكم العالم علي الصوم بدون نفع روحي. ولعلمن فوائد الصوم
أيضاً، وبخاصة فترات الانقطاع و الجوع، أن:

 

4- الصوم يساعد علي علاج كثير من الأمراض.

 

ومن أهم الكتب التي قرأتها في هذا المجال، كتاب
ترجم إلي العربية سنة 1930 باسم (التطبيب بالصوم) للعالم الروسي ألكسي سوفورين
Anton
Alexei Souvorin
. وقد ذكر هذا
العالم أن الصوم يساعد علي طرد السموم من الجسم بعمليات الأخراج المختلفة، إلا أن
جزءاً قد يتبقي الصوم لطرده..ويقول هذا العالم أيضاً إن الجسم في صومه، إذ لا يجد
ما يكفيه من غذاء، تتحلل بعض أنسجته، وأولها الدهون و الشحوم والأنسجة المصابة و
المتقيحة، وهكذا يتخلص منها الجسد. وقد جاء هذا العالم أن الصوم الإنقطاعي الطويل
المدي، بنظام خاص، يعالج كثيراً من الأمراض. وغني اعرض بحثه للدراسة كرأي لعالم إختبر
ما ورد في كتابه.. هل هناك فوائد أخري يقدمها الصوم للجسد؟ نعم:

 

5- الصوم يجعل الجسد خفيفاً ونشيطاً.

 

آباؤنا الذين أتقنوا الصوم، كانت أجسادهم خفيفة،
وأرواحهم منطلقة. كانت حركاتهم نشطة وقلوبهم قوية، كانوا يقدرون علي المشي في
اليوم عشرات الكيلومترات دون تعب. يتحركون في البرية كالأياثل. ولم تثقل أذهانهم
بل كانت صافيه جداً. وهكذا منحهم الصوم نشاطاً للجسد و للروح وللذهن. وقد وجدوا في
الصوم راحتهم، ووجدوا فيه لذتهم، فصارت حياتهم كلها صوماً.

 

6- لا يقل أحد إذن إن الصوم أو الطعام النباتي
يضعف الصحة، لنه في الواقع يقويها. أليس الصوم مجرد علاج للروح، إنما هو علاج
للجسد أيضاً. ولم نسمع ابداً ان الطعام النباتي قد أضعف أحدا إن دانيال و الثلاثة
فتية لم يأكلوا لحماً من مائدة الملك، واكتفوا بأكل البقول فصارت صحتهم أفضل من
غيرهم (دا 1: 15). والآباء السواح، وآباء الرهبنة الكبار، كانوا متشددين جداً في
صومهم، ولم نسمع أبداً أن الصوم أضعف صحتهم، بل كانت قوية حتى في سن الشيخوخة.
وأبونا آدم لم يقل أحد إنه مرض وضعف بسبب الطعام النباتي، وكذلك أمنا حواء، وكل
الآباء قبل فلك نوح.. فاطمئنوا إذن علي صحتكم الجسدية

 

الذي يتعب الجسد ليس هو الصوم، بل الأكل.

 

تتعب الجسد كثرة الأكل، والتخمة، وعدم الضوابط
في الطعام، وكثرة الخلاط غير المتجانسة في الطعام، ودخول أكل جديد علي أكل لم يهضم
داخل الجسد. كما يتعب الجسد أيضا الطاقات الحرارية الزائدة التي تأتي من أغذية فوق
حاجة الإنسان. وما أكثر الأمراض التي سببها الأكل.

 

لذلك يجب أن تتحرروا من فكرة أن الصوم يتعب
الصحة.

 

إنها فكرة خاطئة، ربما نبتت أولاً من حنو
الأمهات الزائد علي صحة أبنائهن حينما كانت الأم تفرح إذ تري إبنها سميناً وممتلئ
الجسم، وتظن أن هذه هي الصحة! بينما قد يكون السمين أضعف صحة من الرفيع حنو
الأمهات الخاطئ كان يمنع الأبناء من الصوم، أو كان يخيفهم من الصوم. ونقول إنه حنو
خاطئ، لأنه لا يهتم بروح الإبن كما يهتم بجسده، كما لو كانت أولئك الأمهات أمهات
لأجساد أبنائهن فقط.وفي إشفاق الأم علي جسد إبنها كانت تهتم بغذاء هذا الجسد، دون
أن تلتفت إلي غذاء روحه!

 

ومع ذلك سمعنا عن أطفال قديسين كانوا يصومون.

 

ولعل من أمثله هؤلاء القديس مرقس المتوحد بجبل
أنطونيوس الذي بدأ صومه منذ طفولته المبكرة، واستمر معه كمنهج حياة. وكذلك القديس
الأنبا شنودة رئيس المتوحدين الذي كان في طفولته يعطي طعامه للرعاه ويظل منتصباً
في الصلاة وهو صائم حتى الغروب وهو بعد التاسعة من عمره. كان الصوم للكل كباراً
وصغاراً. منحهم صحة وقوة.

 

وقد خلص أجسادهم من الدهن و الماء الزائدين.

 

وهكذا حفظت لنا كثير من اجساد القديسين دون أن
تتعفن. بسبب البركة التي حفظ بها الرب هذه الأجساد مكافأة علي قداستها، هذا من
جهة. ومن جهة أخري لأن الأجساد كانت بعيدة عن أسباب التعفن، بسبب التعفن قلة ما
فيها من رطوبة ومن دهن. قد تحفظ اللحوم فترة طويلة بلا تعفن، إذا شوحوها (قددوها)
أي عرضوها للحرارة التي تطرد ما فيها من ماء وتذيب ما فيها من دهن، فتصبح في جفاف
يساعد علي حفظها. إلي حد ما هكذا كانت أجساد القديسين بالصوم، بلا دهن بلا ماء
زائد، فلم يجد التلف طريقاً إليها… ولكن لماذا نركز علي الجسد؟ هل الصوم فضيلة
للجسد فقط؟

 

21- الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد

الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد بعيداً عن الروح.
فكل عمل لا تشترك فيه الروح لا يعتبر فضيلة علي الإطلاق. فما هو عمل الجسد في
الصوم؟ وما هو عمل الروح؟ الصوم الحقيقي هو عمل روحي داخل القلب أولاً.

 

وعمل الجسد في الصوم، هو تمهيد لعمل الروح أو هو
تعبير عن مشاعر الروح.

 

الروح تسمو فوق مستوي المادة و الطعام، وفوق
مستوي الجسد معها في موكب نصرتها، وفي رغباتها الروحية. ويعبر الجسد عن هذا
بممارسة الصوم.

 

إن قصرنا تعريفنا للصوم علي إنه إذلال للجسد
بالجوع و الأمتناع عما يشتهي، نكون قد أخذنا من الصوم سلبياته، وتركنا عمله
الإيجابي الروحي.

 

الصوم ليس جوعاً للجسد، بل هو غذاء للروح.

 

ليس الصوم تعذيباً للجسد، أو استشهاداً للجسد،
أو صليباً له، كما يظن البعض، إنما الصوم هو تسامي الجسد ليصل إلي المستوي الذي
يتعاون فيه مع الروح.

 

ونحن في الصوم لا نقصد أن نعذب الجسد، إنما نقصد
ألا نسلك حسب الجسد، فيكون الصائم إنساناً روحياً وليس إنساناً جسدانياً. الصوم هو
روح زاهده، تشرك الجسد معها في الزهد والصوم ليس هو الجسد الجائع، بل الجسد
الزاهد.

 

وليس الصوم هو جوع الجسد، إنما بالأكثر هو تسامي
الجسد وطهارة الجسد ليس هو حالة الجسد الذي يجوع ويشتهي أن يأكل، بل الذي يتخلص من
شهوة الكل . ويفقد الأكل قيمته في نظره.. الصوم فترة ترفع فيها الروح، وتجذب الجسد
معها.

 

تخلصه من أعماله وأثقاله، وتجذبه معها إلي فوق،
لكي يعمل معها الرب بلا عائق. والجسد الروحي يكون سعيداً بهذا.

 

الصوم هو فترة روحية، يقضيها الجسد و الروح معاً
في عمل روحي. يشترك الجسد مع الروح في عمل واحد هو عمل الروح.

 

يشترك معها في الصلاة و التأمل و التسبيح و
العشرة الإلهية.

 

نصلي ليس فقط بجسد صائم، أنما أيضا بنفس صائمة.

 

بفكر صائم وقلب صائم عن الشهوات والرغبات، وبروح
صائمة عن محبة العالم، فهي ميتة عنه، وكلها حياة مع الله، تتغذي به وبمحبته.

 

الصوم بهذا الشكل هو الوسيلة الصالحة للعمل
الروحي. هو الجو الروحي الذي يحيا فيه الإنسان جميعه، بقلبه وروحه وفكره وحواسه
وعواطفه.

 

الصوم هو تعبير الجسد عن زهده في المادة و
الماديات، واشتياقه إلي الحياة مع الله. وهذا الزهد دليل علي اشتراك الجسد في عمل
الروح، وفي صفاتها الروحية وبه يصبح الجسد روحياً في منهجه، وتكون له صورة الروح.

 

في الصوم لا يهتم الإنسان بما للجسد به أيضاً في
حالته الروحية.

 

22- لا تهتموا بما للجسد

في حديث الرب عن الغذاء الروحي، نسمعه يقول:

إعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي
للحياة الأبدية (يو 6: 27). وبعد هذا يحدثهم عن الخبز النازل من السماء، الخبز
الحقيقي، خبز الله، خبز الحياة (يو 6: 32 – 35). إنه هنا يوجه إلي الروح وغذائها
ويقود تفكيرنا في اتجاه روحي، حتى لا ننشغل بالجسد وطعامه. وحينما ذكر عبارة
” ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ” (مت 4: 4). إنما أراد بهذا أنه ينبغي
للإنسان ألا يحيا جسدانياً يعتمد علي الخبز كطعام له، ناسياً الروح وطعامها. وعن
طعام الروح هذا قال لتلاميذه ” لي طعام لآكل لستم تعرفونه ” (يو 4: 32).
وهنا يخطر علي فكرنا سؤال هو:

 

هل كان المسيح علي الجبل صائماً أو يتغذي.

 

والجواب هو: كان صائماً من جهة الجسد. وكان
يتغذي من جهة الروح. كان له طعام آخر لا يعرفه الناس. وبهذا الطعام استطاعت الروح
أن تحمل الجسد الصائم طوال الأربعين يوماً، التي لم يهتم فيها الرب بطعام الجسد،
أو ترك الجسد يتغذي بطعام الروح… إنه يعطينا درساً أن نهتم بما للروح، وليس بما
للجسد. وفي هذا المجال نضع أمامنا كلام الوحي الإلهي علي فم معلمنا القديس بولس
الرسول إذ:

 

بشرح موضوع الاهتمام بما للجسد وما للروح.

 

فيقول ” أذن لا شي من الدينونة الآن علي
الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح ” . وهذا ما
نريد أن نسلك فيه في الصوم وفي كل حياتنا. ويتابع الرسول شرحه فيقول (فإن الذين هم
حسب الجسد، فبما للجسد يهتمون. ولكن الذين هم حسب الروح، فبما للروح يهتمون ”
(رو 8: 5).

 

فهل أنت يهتم بما للروح أم بما للجسد؟

 

هل يهمك نموك الروحي، أم رفاهية بصحة الروح،
فسيمنحك الرب صحة الجسد أيضاً في فترة الصوم كما شرحنا قبلاً ولكن الخطورة في
الاهتمام بالجسد هي تلك العبارات الصعبة:

 

لأن اهتمام الجسد هو موت، لأن اهتمام الجسد هو
عداوة لله (رو 8: 6، 7) من يستطيع |أن يحتمل هذا الكلام، ويظل سالكاً حسب الجسد؟!
هوذا الرسول يقول أيضاً ” فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله
” (رو 8: *). ” فإذن أيها الأخوة نحن مديونون ليس للجسد لنعيش حسب
الجسد..

 

” لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون ”

 

” أما إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد
فستحيون “(رو 8: 12، 13). حسن قول الرسول هذا. فنحن في الصوم لا نميت الجسد،
إنما نميت أعمال الجسد، نميتها بالروح لنحيا. نحن لا نعذب الجسد، أنما لا نسلك حسب
الجسد..لا نعطي للجسد نعطي للجسد شهوات ورغبات، إنما نعطيه تسمياً، وأرتفاعاً عن
المادة، وتسليم ذاته لروح. لأن الرسول يقول: “ولكن اهتماماً الجسد هو حياة
وسلام ” (رو 8: 6). هذا هو الصوم. لذلك أمام عبارات الرسول نسأل:

 

هل أنت في الصوم تهتم بما للروح؟

 

هذا ما نود إن نخصص له الفصول المقبلة، لكي يكون
صومنا روحانياً ومقبولاً أمام الله. ولكي لا نركز إهتماماً في الجانب الجسدي من
الصوم، ونغفل العمل الروحي، ولكي نفهم الصوم بطريقة روحية، ويكون لنا فيه منهج
روحي لنفعنا.. وإن كان الصوم ليس هو مجرد جوع للجسد، إنما هو بالأحرى غذاء للروح.
فلنبحث عن أغذية الروح فما هي؟ وهل تنالها الصوم أم لا؟

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى