علم المسيح

الفصل الثاني



الفصل الثاني

الفصل
الثاني

مسألة
الأصالة

 

مهمة
نقد العهد الجديد إيصالنا إلى رؤية يسوع كما كان يراه معاصروه بيد أنه لا يستطيع
أن يستنفد كل معنى الإنجيل. قد يقودنا النقد إلى يسوع ولكن “لا يقدر أحد أن
يقول: يسوع رب إلا بإلهام من الروح القدس” (1كور12: 3). مهمة النقد الحقيقية
هي فتح طرق جديدة لفهم سبل الله وأهدافه في التاريخ.

 

الأناجيل
ذاتها تشجع النقد، إذ كل حادثة في حياة يسوع مدونة في أكثر من إنجيل. وليس من
الضروري أن يكون الإنسان ناقداً كتابياً حتى يلاحظ التشابه والاختلاف بين
الإنجيليين في سرد الحادثة نفسها. عمل النقد هو تفسير تلك الاختلافات. وحتى في
تدوين كلمات يسوع نستطيع أن نلاحظ اختلافاً في التدوين واختلافاً في التركيز وذلك
لأن أعمال يسوع لا تقدم إلينا كوقائع مجردة، وكلماته لا تعرض من دون معناها.
فالوقائع مصحوبة بتفاسير له والكلمات مرتبطة بمعانيها.

 

الحدث
وتفسيره

الحدث
يلاحظ ثم يسجل. والوقائع لا تنقل بدون تفسير كما أن الرسالة النابعة من الحدث تنقل
مع رواية الحدث نفسه. في التقليد الإنجيلي يلاصق الحدث دوماً تفسيره ونتعلم
الوقائع مع معناها. فمثلاً في خبر موت المسيح (مر15: 37-38) هناك تقرير بالفعل عما
حدث بالإضافة إلى معنى هذا الحدث: “فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح، فأنشق
حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل”. عندما مات يسوع انشق حجاب الهيكل.
الحدثان حصلا معاً. ولكن عندما نأخذ موت يسوع على أنه موت بالمعنى الحقيقي للكلمة.
فلا ضرورة لأخذ حكاية انشقاق الهيكل إلى اثنين بحرفيتها. فلربما عنى الإنجيلي
بالحجاب ذاك الذي كان يفصل في هيكل أورشليم بين القدس، حيث كانت تقدم الذبائح
يومي، وبين قدس الأقداس الذي هو مكان حضور الله غير المنظور ويدخله رئيس الكهنة
مرة واحدة في السنة. بموت يسوع أزيل الحاجز الذي يفصل الإنسان عن الله والممثل
بالحجاب، ونقض “جدار العداوة” (أفسس2: 14-15). وتحققت النبوءات، فتم
العمل الخلاصي في اللحظة التي فيها “أسلم يسوع الروح”.

 

ولننظر
الآن في الحادثة نفسها كما رواها متى: “فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح،
وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل والأرض تزلزلت والصخور تشققت
والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته
ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين” (متى27: 50-53).

 

وحده
متى دون الآيات التي تلي انشقاق حجاب الهيكل. ولم يرد أن تؤخذ بحرفيتها ولو أخذت
كذلك لأرعبتنا. فالوصف ليس وصف شاهد عيان ولكنها وضعت لتنقل إلينا معنى موت يسوع.
وهكذا أضاف متى جوانب جديدة للمعنى الذي أعطانا إياه مرقس. أما صورة الأرض
المزلزلة والصخور المشققة في التقليد فهي صور وصف بها يوم يهوه (1). وهكذا أراد
الإنجيلي، والتقليد الإنجيلي الذي اعتمده متى في رسم صورته، أن يقولا بأن يوم الرب
قد أتى وهو حاضر الآن وأن ما أعلنه الأنبياء عن يوم الدينونة ويوم الخلاص قد ابتدأ
بموت الرب على الصليب. وأما صورة فتح القبور وقيامة قديسي العهد القديم فماذا
عنها؟ هل يشير هنا الإنجيلي إلى قيامة لعازر معمِّماً إياها على عدد كبير من
البشر؟ وهل يمكن أخذ هذا النص بمعناه الحرفي؟ لقد أضفى كثير من الآباء والشرّاح
المعاصرين على هذا المقطع صفة لاهوتية وليس مدلولاً تاريخياً (2). لأنه بتفسيرنا
هذا المقطع تفسيراً حرفياً نفقده كل معناه.

 

إذن
تفسير معاني موت يسوع هو جزء لا يتجزأ من سرد الحدث نفسه. وهذا يعني أنه لابد من
الحكم على أي تفسير آخر لموت السيد بالعودة إلى التفسير المعطى في الكتاب المقدس.
والتفسير الوارد في العهد الجديد هو المقياس لأي تفسير آخر لأن الإنجيليين وجدو،
في التقليد الإنجيلي الذي استقوا منه مادة أناجيلهم، الوقائع مصحوبة دوماً بتفاسيره،
وأن هذا التقليد يعود إلى يسوع نفسه وتفسيره هو لمعنى موته.

 

كلام
يسوع ومعناه

وكما
رأين، الأناجيل لا تعطينا وقائع مجردة عن حياة يسوع. فهل تنقل إلينا “كلماته
الأصلية” دون أية شائبة؟ الناقد المؤمن بمبدأ العصمة الحرفية للكتاب المقدس،
وكذلك الراديكالي، يملك كل منهما جواباً سهلاً. فالأول يجيب بالإيجاب المطلق وأما
الثاني فيجيب بالنفي دون تحفظ. وسيؤكد المتطرف في نقد الأشكال الأدبية أن كلام
يسوع لم يحفظ كما هو وأن ما دون في الأناجيل ما هو إلا كلام الجماعة المعبر عن
إيمانها. لا بد من التسليم معه بأن أقوال يسوع لم ندون في الأناجيل بحرفيتها. مثال
ذلك الروايات الأربع عن تأسيس سر الشكر. فهي لا تتناقض في الفحوى ولكننا نجد
اختلافاً في العبارات أحياناً. لقد تأملت الكنيسة بكلام يسوع في اجتماعات سر
الشكر، وكان الروح القدس هاديها إلى فهم معناه الحقيقي. لذلك نجد كلام يسوع في
الأناجيل مرفقاً بمعناه.

 

لقد
علم يسوع تلاميذه ودربهم وأقام الاثني عشر “ليكونوا معه” (مر3: 13-15).
ولعله كرر الأقوال نفسها مراراً خلال وجوده على الأرض ودعي تلاميذه إلى سماع كلامه
(مر4: 3) أي إلى حفظ هذا الكلام والعمل به: “فكل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها
أشبه برجل عاقل بنى بيته على الصخر” (متى7: 24) “طوبى للذين يسمعون كلام
الله ويحفظونه” (لو 1: 28). فكلام الله ينقل بكلام البشر. وكذلك الصوت الذي
أتى من السحاب عند التجلي دعا التلاميذ إلى أن يسمعوا: “هذا هو ابني الحبيب
فله اسمعوا” (مر 9: 7 وما يوازيها) (3).

 

وعندما
نقول بان التلاميذ “تذكروا” كلام يسوع فهذا يعني أنهم لم يرددوه مجرد
ترداد بل فهموه حق الفهم مما ألهب قلوبهم. وهكذا فننقل المعنى الذي يحمله كلام
يسوع والحقيقة التي يكشفها عن يسوع هو أهم من نقل الكلام حرفي وبدون تفسير. فكلمات
يسوع وكلمات الكنيسة مندمجة تعطي المعنى المطلوب (4). ومع أن كلمات يسوع الأصلية
لم تفقد، يلاقي العلماء، للأسباب المذكورة أعلاه، صعوبات جمة في اكتشاف الصيغة
الأصلية لأقواله (5). لقد وحد يسوع نفسه وكنيسته. وحافظت هذه الكنيسة على أعماله
وأقواله، كما نقلته ودونتها في الأناجيل. لذلك فالرواية الإنجيلية جديرة بالثقة
وإن لم ترتكز على تدوين حرفي للوقائع.

 

مع
ذلك تبقى المشكلة قائمة في إيجاد مقاييس يعتمد عليها للوصول إلى تمييز واضح بين
أقوال يسوع وبين صياغتها من الكنيسة، بين “الأصيل” و”غير
الأصيل” من هذه الأقوال، وكذلك بين عناصرها “القديمة” والعناصر
“الأقل قدما”، علما بان مفهوم الأصالة والقدم غالبا ما يقرره النقاد حسب
أهوائهم. فما هي الأسس التي يمكن للنقاد اعتمادها لنعت بعض العناصر بغير الأصيلة
وبأنها قد أدخلت في فترات زمنية لاحقة؟ احد الأجوبة عن هذا السؤال يكمن في دراسة
الألفاظ المتحدرة من أصل يوناني. لذلك لا بد لن، الآن، من بحث موضوع استعمال اللغة
اليونانية في فلسطين أيام يسوع.

 

اللغة
اليونانية في فلسطين

ينزع
عدد كبير ممن البحاثة إلى القبول بفكرة الفصل بين العناصر الهلينية والعناصر
السامية في الأناجيل وفي التقليد الذي ترتكز عليه. إنهم يفترضون أن يسوع علم
بالآرامية، وأن فلسطين كانت شبه منعزلة في القرن الأول عن التأثيرات اليونانية.
وكثيراً ما يعتبرون التأثيرات الهلينية غريبة عن التقليد الإنجيلي الأصيل وليست
ذات أهمية عظيمة، كونها “حديثة وغير أصلية”. وأما نحن قلا يمكننا أن
نأخذ بهذا الفصل لأن الشواهد الأدبية والاكتشافات الأثرية تثبت أن اليهودية
القديمة لم تكن منعزلة تماماً عن العالم الهليني المحيط بها. فاللغة اليونانية
كانت معروفة في كل فلسطين وكانت لغة التخاطب في بعض البيوت اليهودية. حتى أنه كان
يوجد في أورشليم مجمع خاص باليهود اليونانيين (أعمال 6: 9) (6). وهؤلاء هم غير
اليونانيين الوثنيين (الأممين) المذكورين في (يو12: 20). ويظهر أن يونانيين، صعدوا
إلى أورشليم كسواح، رغبوا في رؤية يسوع فتقدموا من فيلبس، أحد الاثني عشر، وعبروا
ه عن رغبتهم. فنقل فيلبس لاندراوس رغبة هؤلاء الوثنيين. إنه من الأهمية بمكان أن
يحمل اثنان من رسل يسوع، فيلبس واندراوس، اسمين يونانيين وأن يكونا مكلفين
بالاتصال باليونانيين. وهذا يعني إمكانية معرفتهما لليونانية والتحدث بها. وثمة
تلميذ ثالث كان ملماً باليونانية ألا وهو متى جابي الضرائب الذي قد يكون أيضاً على
شيء من معرفة اللاتينية (7).

 

تدل
الاكتشافات الأثرية على الانتشار الواسع لليونانية في فلسطين. وشواهد بعض القبور
في اليهودية كانت تحمل لغات ثلاث: العبرية والآرامية واليونانية (8). وهناك كتابة
باليونانية وجدت على مجمع في أورشليم يرجع عهدها إلى ما قبل خراب هيكل أورشليم
(سنة 70 م). وقد يكون هذا المجمع هو نفسه المذكور في (أعمال6: 9) (9).

 

على
ضوء الشواهد نستطيع افتراض أمرين: الأول هو أن الكنيسة المسيحية الأولى في أورشليم
كانت تضم بين أعضائها أناساً يجيدون اليونانية، والثاني أن التقليد التعلق بيسوع
وأقواله قد انتشر باللغتين الآرامية واليونانية، وأن اللغة اليونانية قد استعملت
في الحقل التبشيري قبل اهتداء بولس. يتضح إذن أن التقليد الإنجيلي لم يسكب منذ
البدء في قوالب سامية “دون شائبة”، وبالتالي لم يفقد أصالته عندما نقل
إلى اليونانية. ومن المرجح أن يكون هذا التقليد قد عبر (بضم العين) عنه باللغتين
منذ البدء. إن لهذا الأمر نتائج مهمة في مسألة أصالة التقليد الإنجيلي وتاريخيته
(10). ولهذا فمن الصعوبة بمكان أن نرفض أصالة كلام لمجرد كونه ذا صفة هلينية.

 

مقياس
عدم التشابه

هذا
المقياس يستخدمه، بشكل خاص، نقاد الأشكال الأدبية للحكم على أصالة الأقوال
الإنجيلية وللوصول إلى المادة “الأصلية” الجديرة بالاعتماد. ولا يكفي،
برأي أتباع بولتمان، الوصول إلى أقدم شكل لكلام يسوع لتأكيد أصالته. إذ لا يعتبر
القول أصيلاً إلا إذا ظهر أنه غير متشابه لأقوال الربابنة الأقدمين وللأقوال
المنسوبة إلى الجماعة المسيحية الأولى. يقول أحدهم: “لا نستطيع أن نعتبر أقدم
شكل لقول ما أصيلاً إلا إذا برهن على أنه غير متشابه لنقاط التشديد التي تميزت بها
اليهودية القديمة والكنيسة الأولى” (11). بهذا المقياس يحاول النقاد اكتشاف
شيء يمكن نسبه إلى يسوع. وهم يبحثون عن يقين مطلق وحكم واضح. وها نحن تجاه محاولة
ولدت في الشك لتنتصر على الشك ذاته.

 

 يمكن
استعمال مقياس عدم التشابه كنقطة انطلاق شرط الإقرار بمحدوديته عند التطبيق. وإذا
طبق هذا المقياس بدون تمييز فالقليل من أقول يسوع يعتبر أصيلاً. قلا يعقل ألا يكون
تشابه بين إيمان الكنيسة وتعاليم يسوع. يفترض الآخذون بهذا المقياس عدم وجود علاقة
بين يسوع وبين المسيح والكنيسة لأنهم يعتقدون بأن أقوال يسوع يجب أن تكون مختلفة
كل الاختلاف عن الصيغ الكنسية. وإذا اعتبرنا أن أقوال يسوع التي “تختلف عن
طابع إيمان الكنيسة” هي وحدها أصيلة نقع في خطر اعتبار أمر أساسي وكأنه
ثانوي، وذلك فقط لكون يسوه والكنيسة يشتركان في إعلانه. هذا المقياس يعكس محدودية
نظرة هؤلاء النقاد إلى عبقرية يسوع (12)، وموقفهم المشكك تجاه نوعية المادة
الإنجيلية والذين شهدوا لها.

 

لا
نقدر أن نكتفي بمقياس واحد للأصالة، خاصة إذا طبق على نص الإنجيل وهو متعارض
منظوريته. المنهج نفسه ليس مخطئ وإنما موقف العلماء وافتراضاتهم. كتب كبير أساتذة
المعهد الجديد المعاصرين اوسكار كولمان ما نصه: “نكون قد حققنا كسباً كبيراً
إذا ما بذلنا جهداً رصيناً في الابتعاد عن الأحكام الذاتية… يجب أن نحرر أنفسنا
من عادة قياس الحس النقدي عند مفسري العهد الجديد بعدد الأحكام التي يصدرونها ضد
أصالة نصوص كتابية” (13).

 

ويقترح
كولمان بعض المقاييس التي تسمح بتحديد ومعرفة الأقوال المدونة المنسوبة إلى
“فعل الجماعة” وليس إلى يسوع:

 

أن
يكون هذا القول متناقضاً مع أقوال أخرى تثبت نسبتها ليسوع.

أن
يدل هذا القول على وضع يستحيل حصوله في زمن يسوع.

أن
يكون هذا القول استناداً إلى نقد الأشكال الأدبية والمقارنة بين الأناجيل
السينابتية قد قيل في زمن لاحق ليسوع.

وينبهنا
كولمان إلى عدم كفاية هذه المقاييس وإلى أنها لا تقدم ضمانات أكيدة للتمييز بين
أقوال يسوع الأصيلة وبين أقوال الكنيسة. فليس من مقياس يسلم من تأثير الأحكام
الشخصية (14). لا تعتمد أعمال النقاد الراديكاليين والنتائج التي يتوصلون إليها
على رغبتهم في اكتشاف ما يريدون بل على المنظورية التي يستخدمونها في التطلع إلى
الأحداث الماضية، وإلى الفرضيات المعبر عنها وغير المعبر عنه، والمبادئ المتبعة في
التفسير. فهم لا يجدون، مثل، صعوبة في تأكيد صحة إسناد الأقوال التالية ليسوع:
“قال له يسوع (للرجل الغني) لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد
وهو الله” (مر10: 18). “ولكن ذلك اليوم وتلك الساعة لا يعرفها أحد ولا
الملائكة في السماء ولا الابن بل الآب فقط” (مر13: 32). “وصرخ يسوع بصوت
عظيم: الوي الوي لما شبقتني؟ الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني” (مر15:
34). هذه الأقوال ليست من وضع الكنيسة لأن الكنيسة، حسب زعمهم، لا يمكن أن تكون قد
ابتدعتها في صلواتها (15).

 

ويظن
هؤلاء النقاد أيضاً بأن بعض أقوال يسوع الأخرى قد تكون غير أصيلة، معتمدين على
فرضيتهم أن يسوع التاريخي لم يكن يستطيع التلفظ به، ضاربين عرض الحائط بالنقد
الأدبي والتاريخي. ومعظم هذه الأقوال ما يشير إلى تساوي يسوع مع الله. وهم يعتقدون
بأن كلام “يسوع التاريخي” وحده أصيل وجدير بالاحترام. ويفترضون تطوراً
تاريخياً في التقليد الإنجيلي من “الأدنى” إلى “الأعلى”، أي
من صورة يسوع البشرية البسيطة إلى صورته السماوية الإلهية. ويعتبرون أن كل ما هو
إنساني قديم وأصيل وأما ما هو إلهي فمستجد وغير أصيل. لذلك ينظرون إلى كلام السيد
الناهض من القبر على أنه غير أصيل، إذن هو غير تاريخي. وبالتالي فسلطة المسيح
الناهض أقل من “يسوع التاريخي”.

 

يبدأ
الباحث في مشكلة الأصالة عمله على أساس فرضيات مسبقة. وهذا لا يعني أنه يرى نتائج
بحثه مسبقاً لكنه يسير في بحثه معتمداً بعض المبادئ. وعلم الكتاب المقدس كسائر
العلوم يعتمد بعض الفرضيات المسبقة (16). ومن المعلوم أنه، في حقل البحث التاريخي،
لا يمكن الوصول إلى الموضوعية المطلقة مع وجوب السعي إليها دوماً. يقول الأب جورج
فلورفسكي: “على المرء أن يفحص فرضياته وآراءه المسبقة بحزم ودقة، دون أن يجرد
عقله من كل الفرضيات. فمحاولة كهذه ستكون بمثابة انتحار للعقل وتعطيل لإمكانياته
الفكرية” (17). وأخطر أنواع الفرضيات الظن بأن العقل خال منها. عندما لا
نوافق على فرضيات بعض المفسرين فهذا لا يعني أن ليس عندنا فرضيات أخرى. كل ما في
الأمر أننا نتبع أسساً تفسيرية مختلفة عما يتبعون، وهذه الأسس يجب أن نبينها بكل
وضوح.

 

المفسر
المسيحي حر في بحثه لكن ضمن إطار معين هو التقليد الكنسي برمته من كتابي وليتورجي
وعقائدي. الكتاب المقدس ليس حقلاً علمياً قائماً بذاته لأن معناه معلن في حياة
الكنيسة. ولذلك يجب، في رأين، أن يتبع كل مفسر للعهد الجديد المبادئ والفرضيات
التالية:


الكتاب المقدس معطى ويجب أن يفهم ضمن إطار التقليد الكنسي.


هناك وحدة بين العهد القديم والعهد الجديد، إنها الوحدة بين عهود الله وتحقيقها.


يسوع هو مؤسس الكنيسة التي هي جسده.


يسوه التاريخي هو نفسه الرب الناهض من بين الأموات.

 

الآن
سندرس كل من هذه المبادئ بإيجاز

 

الكتاب
المقدس والتقليد

إن
كمال الإيمان معطى في الكتاب المقدس. لذلك لم يتردد آباء الكنيسة في التكلم عن
“كفاية الكتاب المقدس”. فبالنسبة للقديس أثناثيوس، الكتاب المقدس
“كاف لإعلان الحقيقة”. وبعد تعداده لأسفار العهد الجديد ال 27 في رسالته
ال 39 سنة 376، يؤكد القديس على أن هذه الأسفار “هي ينابيع الخلاص فليقبل
إليها كل ظمآن ليرتوي بكلامها. إن فيها وحدها أعلنت عقيدة التقوى، فلا يزدن عليها
شيئ ولا ينقصن منها شيئاً” (18). لكن الآباء لم يعتبروا أن الكتاب المقدس يفسر
نفسه بنفسه لأن نظرتهم على الكتاب لم تكن تنفي بل بالعكس تؤكد الارتباط العضوي بين
الكتاب المقدس وبين الكنيسة وتقليدها. فالكتاب انبثق من التقليد. والكتاب والتقليد
كلاهما ملك الكنيسة. ليس عهد جديد بدون الكنيسة ولا كنيسة بدون وحي الإنجيل
وإعلانه. وما التقليد الشريف سوى تطبيق للكتاب المقدس في حياة الكنيسة. وما يميز
شهادة الكتاب المقدس من كل الشهادات اللاحقة هو أنه فيه دون (بضم الدال) الإعلان
الإلهي، وهو المقياس الذي بموجبه تحكم الكنيسة على كل التعابير اللاحقة للحقيقة
الإلهية.

 

يحيا
الكتاب المقدس في التقليد وفيه يظهر معناه لأنه منه أتى (19). لذلك لا يمكن للواحد
أن يناقض الآخر ويخضع له كما أنه لا يستطاع عزل الكتاب عن حياة الكنيسة (20). فقد
تعرضت الكنيسة دوماً في تاريخها لتجربة اعتبار الكتاب المقدس وكأنه “قائم
بذاته”، وبالتالي النظر إلى النمو العقائدي والليتورجي كعلامات ابتعاد عن
“صفاء الإنجيل ونقاوته”، في حين يأتي هذا النمو من بذوره الإنجيل ذاته.

 

الوحدة
بين العهد القديم والعهد الجديد

أعلن
مؤتمر الدراسات المسكونية الذي عقد العام 1949 في اكسفورد (انكلترا) “إن وحدة
العهدين القديم والجديد ليست قائمة على تطور طبيعي ولا على تماثل تعوزه الحياة
والحركة إنما على فعالية عمل الله الخلاصي في تاريخ شعب واحد بلغ كماله في المسيح.
لذا فمن المهم جداً أن نفسر العهد القديم على ضوء الإعلان الكامل في شخص يسوع
المسيح كلمة الله المتجسد الذي منه انبثق كل إيمان الكنيسة بالثالوث” (21).
يسوع لم ينقض العهد القديم ولم يبطله بل حققه. وهكذا فالعهد الجديد ليس ملحق
وفصلاً تفسيرياً للعهد القديم، إنما تتمته وتحقيق لوعده ومفتاح لمعناه. بعد تحقيق
الانتظار المسياني أصبح بالإمكان فهم العهد القديم في ضوء المسيح.

 

كثيراً
ما يعود الإنجيليين إلى نصوص العهد القديم لوصف حدث م ولتفسيره. والمسيحيون
الأولون كذلك كانوا ينطلقون من يسوع إلى العهد القديم مختارين مقاطع العهد القديم
الواجب استخدامها على ضوء تاريخ حياة يسوع. فيسوع كان المرجع بالنسبة إليهم
والكتاب المقدس شاهد لهذه الأولية. لقد نظروا إلى العهد القديم على ضوء المسيح
الذي حققه، وهذه هي النظرة الوحيدة التي كان بإمكان الكنيسة اتخاذها.

 

يسوع
والكنيسة

تؤكد
الأناجيل أن يسوع هو مؤسس الكنيسة. وما القصد من اختيار الرسل إلا الشهادة على أن
يسوع أراد الكنيسة أن تتابع عمله. وقد وعدهم بعد القيامة بأنه سيكون مع خاصته
“إلى انقضاء الدهر” (متى28: 20). الكنيسة هي جسد المسيح، فيها يحي
وعليها يسود (22). وهو الذي أودع كلماته وأعماله في الكنيسة التي أسس، وليس في
جماعة مجهولة اختلقت خرافات وأساطير عنه.

 

“يسوع
التاريخ” و”مسيح الإيمان”

كما
أننا لا نستطيع الفصل بين الكتاب المقدس والتقليد ولا الفصل بين يسوع وكنيسته،
كذلك لا يمكن الفصل بين “يسوع” و”المسيح”. فإذا لم يكن مسيح
الكرازة يسوع الناصري نفسه فلا بد أنه شخص أسطوري. وفي هذه الحال تكون البشارة
الإنجيلية غير متجذرة في حدث تاريخي، بل ناتجة عن تقرير خاطئ وخيالي.

 

لقد
بشر الرسل بالمسيح الناهض من بين الأموات دون أن يهملوا تاريخ حياة يسوع. ولهذا
كان موضوع بشارتهم لليهود وللأمم هو الرب القائم ويسوع التاريخي في آن واحد. ولما
أعلنوا لليهودية قيامة يسوع ركزوا على “يسوع هذا”: “يسوع الناصري
رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما
أنتم أيضا تعلمون، هذا أخذتموه مسلما بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي
أثمة صلبتموه وقتلتموه … يسوع هذا أقامه الله ونحن جميعا شهود لذلك”
(أعمال2: 22-23، 32).

 

“يسوع
هذا” كان أيضاً نقطة التركيز في البشارة إلى الأمم: “و نحن شهود بكل ما
فعل في كورة اليهودية وفي أورشليم. الذي أيضاً قتلوه معلقين إياه على خشبة. هذا
أقامه الله في اليوم الثالث وأعطى أن يكون ظاهراً” (أعمال 10: 38-40). لا
يوجد عند هؤلاء الشهود العيان للقيامة أي فصل بين يسوع الذي دعاهم عندما كان ماراً
على شاطئ بحر الجليل وبين الرب الذي عاينوه بعد القيامة وسجدوا له. ذلك يؤكدون أن
العلاقة بين يسوع التاريخي والمسيح الناهض من بين الأموات ليست نتيجة تطور تاريخي،
بل يسوع هو بالحقيقة المسيح.

 

بالرغم
من أن لقب “الرب”
Kyrios أطلق على يسوع بعد القيامة، ينسب إليه لوقا الإنجيلي هذا اللقب
حتى قبل الصلب والقيامة (لو 7: 13، 10: 39-41). في عمله هذ، لم يسع لوقا إلى تزوير
التاريخ، لكنه ارتكب الأخطاء نفسها التي يرتكبها المؤرخون عندما يتحدثون عن أحداث
ماضية على ضوء التجربة الحاضرة . فامتد نور القيامة إلى كل أحداث حياة يسوع
السابقة. عندما أعطى الإنجيلي لوقا لقب (الرب) ليسوع قبل موته وقيامته، عبر بذلك
عن إيمانه وإيمان الكنيسة بأن المسيح الناهض من القبر هو بالفعل يسوع الناصري. هذه
المبادئ الموجهة تعطي للمفسر المسيحي منظوريته بل وجهة نظر في دراسة للإنجيل، مما
يؤهله بعد ذلك إلى طرح الأسئلة التالية:

 

ما
هو الإنجيل وما الحاجة التي دعت إلى كتابته؟ ما هي القيمة التاريخية للأناجيل، وما
يمكننا أن نتعلمه منها عن يسوع وتعاليمه؟ وما نوع الشهادة التي تحملها عن يسوع؟
والأهم من كل ذلك، من هو يسوع؟ في معالجتنا لهذه المواضيع سنأخذ في حسابنا آراء
بعض النقاد الكبار المعاصرين.

—————–

حواشي
الفصل الثاني

(1)
راجع:

Pierre Benoit: The
Passion and Resurrection of Jesus Christ
، New York، Herder and
Herder
، 1969، p.199 ff.

يوم
يهوه موصوف في صفنيا 1: 15 ويؤئيل 2: 10، 3: 3-4، وعاموص8: 9-10، 9: 2.

 

(2)
“من الصعب أن نتصور إبراهيم خارجاً من القبر ومتجولاً في أورشليم لمدة يومين
وثلاثة، وعائداً بعد ذلك إلى الموت ” (المرجع نفسه ص203 و204). يلخص بونوا
آراء المفسرين القدامى والمعاصرين قائلاً أنه مع قيامة يسوع انفتحت طريق السماوات،
وأن “المدينة المقدسة” التي ظهر فيها القديسون يعني غالباً أورشليم
السماوية.

في
عبرانيين 11: 10، 12: 22-12 و13: 14 وفي رؤيا 3: 12، 12: 2-10 و22: 9 نرى أن
المدينة المقدسة هي أورشليم السماوية.

 

(3)
نجد في الأناجيل السينابتية الثلاثة أن كلمة “اسمعوا” في صيغة الأمر
الحاضر (
Akouete) تدل على الاستمرارية أي “اسمعوا إلي (بتشديد الياء)”.
راجع:

Ceslaus Spicq: Agape in
the New Testament
، St. Louis، B. Herder Book
Co. 1963
، I،
p.44.

 

(4)
يقارن “غير هاردسون” في كتابه
Memory and Manuscript
بين انتقال كلام يسوع في الكنيسة الأولى وبين انتقال التعليم الشفهي للربانية
الكبار، رابطاً بين ثلاثة عناصر في العهد الجديد (العهد القديم، كلمات يسوع
وأعماله، واستخدام الكنيسة لها) وثلاثة عناصر من اليهودية (الكتاب المقدس، الميشن،
والجمارا
Gemara). الميشنا هي مجموعة القوانين الشفهية القديمة التي حفظها تلامذة
المعلمين الكبار بواسطة الترديد. أما الجمارا فهي شرح الميشنا وتفسيرها. وقد ناقش
ديفيس وانتقد ببراعة فكرة “غيرهاردسون” هذه. راجع:

W.D.Davies: Reflection
on a Scandinavian Approach to “Gospel Tradition” Appendix XV pf his
Setting of the sermon on the Mount
،
Cambridge، Cambridge
University Press
، 1964، pp. 464-480.

يقول
ديفيس أنه في حين يسهل التمييز وتحديد ثلاثة اتجاهات في اليهودية فالوضع يختلف
بالنسبة للتقليد المسيحي، لأن ” الاتجاهات الثلاثة في المسيحية مندمجة مع
بعضها البعض، كونه نقطة الانطلاق والثقل في الكنيسة هي يسوع المسيح الذي جمع في
شخصه الكتاب والميشن والجمارا” (ص479).

إن
التقليد في اليهودية يوصلنا إلى الميشنا. أما التقليد في المسيحية فيقودنا إلى شيء
مختلف تماماً أن من حيث الشكل الأدبي والمحتوى! إنه يقود إلى الإنجيل. إنه لا يمكن
فصل يسوع والكنيسة، لأن يسوع وحد نفسه بها. فكلام يسوع الأصلي وتفسير الكنيسة له
هما الشيء ذاته بالنسبة للإنجيليين (ص478).

 

(5)
يختلف، مثل، متى ولوقا في التعبير عن التطويبة الأولى في الموعظة على الجبل. فهل
قال يسوع “طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات” (متى5: 3) أم
قال “طوبى أيها المساكين، لأن لكم ملكوت الله (لوقا6: 20)؟ متى يستعمل صيغة
الغائب أما لوقا فيستعمل صيغة المخاطب. فأية صيغة استخدم يسوع؟ إذا عدنا إلى مقاطع
أخرى من الكتاب المقدس سنجد أن صيغة الغائب هي أكثر شيوعاً في العهد القديم. يوجد
فارق آخر بين هذين المقطعين في استعمال كلمة “بالروح” عند متى.

حاول
البعض القول أن متى يشدد على الكمال الأخلاقي بينما يعني القديس لوقا الفقر بمعناه
العادي أي “الأوضاع المادية في هذه الحياة التي ستتغير في العالم
الآخر”.

قيل
أيضاً إن الشكل الأصلي للقول لا يضم كلمة “بالروح”، فإذا كان الأمر كذلك
يهمنا معرفة من أدخل هذه الكلمة على النص الأصلي محوراً بذلك معنى التطويبة؟ أهو
متى الإنجيلي أم الكنيسة؟

لعل
الجواب يوجد في معنى الكلمة العبرية “انويم” التي تشير إلى المساكين
والفقراء مادياً ولكنها تحمل أيضاً معنى ثانياً كثر استعماله في المزامير وسفر
أشعياء أل وهو الأتقياء والمؤمنون من شعب الله والذين يريدون قبل كل شيء أن يعيشوا
على علاقة مع الله. الأرجح أن متى الإنجيلي استخدم كلمة “المساكين
بالروح” بهذا المعنى الأخير. ولذلك فمن المحتمل أن يكون الشكل الأصلي
للتطويبة الأولى هو “طوبى للمساكين”. إن المعنيين لا يتعارضان بل يمكن
دعم كل منهما بالاستناد إلى أقوال أخرى تلفظ بها يسوع في مناسبات أخرى.

لو
كنا نملك تدويناً حرفياً لأقوال يسوع بدون تفسير وشرح كما هي الحال في الإنجيل،
لما كنا وصلنا إلى فهم أفضل لشخص يسوع وتعاليمه حيث أن الإنجيليين لم ينقلوا إلينا
فقط ما قاله يسوع وفعله، بل أعطونا ما هو أفضل أي قصد يسوع بالفعل. راجع:

Barnabas M. Ahern: New
Horizons: Studies in Biblical Theology
، Notre Dame، IndFides
Publishers
، 1966، p. 72.

 

(6)
“اليهود اليونانيون” هم على الأرجح اليهود المسيحيون الذين عاش أجدادهم
في الشتات حيث تعلمو وتكلموا اللغو اليونانية، ومن ثم، عاد بعضهم إلى أورشليم
وأقاموا فيه وحافظوا على اللغة اليونانية كونها لغة أجدادهم. يقول كولمان إن الفعل
اليوناني
Hellenizein الذي يشتق منه الاسم Hellenistai يعني “العيش وفق الطريقة اليونانية”. راجع:

O. Cullmann: The
Significance of the Qumran Texts for Research into tne Beginning of
Christianity
، Journal of Biblical Literature 74: 4، Dec،1955،
200.

لكن
“سيفنستر” يبرهن على نحو مقنع، أن المعنى الأصلي لهذا الفعل هو
“التكلم باللغة اليونانية” دون أن يستثني معناه الثاني أل وهو
“العيش وفق الطريقة اليونانية”. إذن فالهلينيون
Hellenistai لا يمثلون طريقة خاصة في الحياة والفلسفة، إنما هم الذين يجيدون
اللغة اليونانية. ويضيف سيفنستر أنه من الممكن أن يتكلم الهلينيون “اليونانية
فقط، وقلما يفهمون لغة أخرى” وأنه من الجائز أن يكون العبرانيين أي اليهود
المتكلمين الآرامية قد تكلموا اليونانية أكثر مما تكلم الهلينيون الآرامية” .

 

راجع:

J.N. Sevenster: Do you
know Greek? How much Greek Could the First Jewish Christians Have Know? Leiden
، E.J. Brill، 1968،
p. 37.

 

 (7)
هذا هو منظار ديفيد ستانلي في:

David M. Stanley: The
Gospel of St. Matthew
،
2nd،
edrev. and
enlarged
، Collegeville، Minn،. The Liturgical Press، 1963،
p. 6.

وفقاً
لرأي بونسيرفين
J. Bonsirven هناك أكثر من 1100 كلمة يونانية مستعملة في التلمود، وأن السبعينية
كانت معروفة في فلسطين نفسه، وقد وجدت مقاطع منها في مكتبة قمران وكان الربابنة
يزعمون أنه لا يمكن ترجمة التوراة ترجمة إلا إلى اليونانية. راجع:

W.D. Davies: Paul and
Rabbinic Judaism
، New York، Harper
Torchbooks
، 1965، pp. 5ff.

قبل
هدم الهيكل كان بالإمكان تلاوة الصلاة اليهودية باليونانية. ولكن بعد السنة 70 م
ومع انتشار الدعوة المسيحية منعت السلطات اليهودية تعليم اللغة اليونانية. (راجع
المصدر نفسه ص 6). راجع أيضاً:

J.N. Sevenster، op. citp. 178f.

يعطي
هذا التحريم دلالة على مدى انتشار اللغة اليونانية بين اليهود في فلسطين.

 

(8)
راجع:

Robert H. Gundry: The
Language Milieu of First-Century
Palestine: Its Bearing on the Authenticity of the
Gospel Tradition
، Journal of Biblical Literature 83: 4، Dec. 1964، pp. 404-408.

J.N. Sevenster، op. citpp. 96 ff.

 

(9)
هنالك بعض المعلومات المهمة قد يمكن اقتباسها من هذا الاكتشاف: فاسم رئيس المجمع
قد ذكر على أنه ثيودوتوس وهذا اسم يوناني. وكان لأبيه وجده علاقة بالمجمع نفسه
وكانا يشغلان المنصب ذاته. إن هذا المجمع بني لأجل دراسة الناموس والوصايا. لذلك
فمن المحتمل أن تكون اللغة اليونانية هي التي كانت تستعمل لقراءة الناموس وتعليم
الوصايا. من أجل المزيد عن هذه المخطوطة ودراستها راجع:

J.N. Sevenster، op. citpp. 96 ff.

 

(10)
في حين يزيد استعمال اللغة الآرامية في حدث ما من احتمال تاريخيته، فإن عدم وجودها
لا يقلل من أصالة هذا الحدث، لأنه من المحتمل “أن يكون العديد من أقوال يسوع
الموجودة في النص اليوناني الحالي للأناجيل أقرب بكثير من كلامه الأصلي مما كان
يظن سابقاً”. راجع:

R.H. Gundry: op. citpp. 404، 408.

 

(11)
راجع:

Norman Perrin:
Rediscovering the Teaching of Jesus
، London SCM Press، 1967،
pp.39.

 

(12)
من الممكن العثور على أقوال مشابهة لأقوال يسوع في الأدب الرباني. قال الربابنة
مثلاً: “السبت جعل لكم وجعلتم أنتم للسبت”، بينما قال يسوع: “السبت
إنما جعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت. إذن ابن الإنسان هو رب السبت
أيضاً”. (مرقس2: 27-28).

 

مع
ذلك يختلف يسوع عن الربابنة، لأنه وضع تعليمه بشأن السبت في حيز التنفيذ. أضف إلى
ذلك الحرية التي كان يتعامل بها مع الناموس: “سمعتم أنه قيل … أما أنا
فأقول لكم”. يقول شناكنبورغ بهذا الصدد أن كلام يسوع هذا يختلف عن أية صيغة
كان يستعملها الربابنة لأنه جابه بقوة كل التقليد الذي كان يعلم للأجيال السابقة
… بفهم جديد وصارم لإرادة الله وبتعليم جديد ذي سلطة. راجع:

R. Schanckenburg: The
Moral Teaching of the New Testament
، New-York، Herder and
Herder
، 1965، pp. 64-65.

لقد
تكلم يسوع وعمل “كمن له سلطان وليس كالكتبة”.

لابد
من وجود مقاطع مشابهة ومتطابقة بين أقوال يسوع والأدب الرباني. لكن كما يقول
جيرمياس، أحد كبار البحاثة في حقل الأدب الرباني، “كلما ازداد عدد هذه
التشابهات كلما اتضح أنه لا يوجد أي تشابه مع مضمون رسالة يسوع، ولا يوجد أي تعليم
يوازي تعليمه القائل بأن الله مهتم بالخطأة وليس بالأبرار وحسب، وأنه يهبهم في
الحياة الحاضرة نصيباً من ملكوته”. راجع:

J. Jeremias: The
Problem of the Historical Jesus
،
Philadelphia، Fortress Press، 1964،
pp. 20-21.

كتب
مونتيفيوري بهذا الصدد أن عظمة يسوع وفرادته “فتحا فصلاً جديداً من موقف
الناس من الخطيئة والخاطئين”. راجع:

C.G. Montefiore: The
Synoptic Gospels
، New-York، ktav Publishing
House
، 1967، I، p.55.

كان
الفريسيون ينتظرون مجيء ماسيا الذي “سوف ينقذ الخطأة بقوة كلمته” (مز:
17: 36). هؤلاء المنبوذون والمعتبرون “معاقبين من الله كانوا مدعوين أن
يبشرهم يسوع ويقترب منهم ويشفي مرضاهم. “يرتبط سر فرادة يسوع وقوته ارتباطاً
قوياً بمن هو وبما حققه من أجل أتباعه”. راجع:

Bruce M. Metzger: The
New Testament
، Its Background، Growth and
Content
، New York،
Abingdon Press، 1965،
p.166.

 

(13)
راجع:

O. Cullmann: Salvation
in History
، New York،
Harper and Row، 1967،
p. 192.

 

(14)
راجع المرجع نفسه ص 192-193.

 

(15)
يؤكد هنتر أنه، في حال تطبيق هذه القاعدة على الإنجيل الرابع، نستطيع اكتشاف عدد
أكبر من أقوال يسوع التي لا يمكن “اختراعها”. يعبر قوله: “أبي يعمل
حتى الآن وأنا أعمل” (يوحنا5: 17) عن موقف يسوع الجريء تجاه الكتاب المقدس
(تكوين2: 3)، ولا يمكن البتة أن يكون هذا القول من خلق الكنيسة الأولى. راجع:

A.M. Hunter: According
to John: A New Look at the Fourth Gospel
، Philadelphia، Westminster
Press
، 1968، pp.93-94.

 

(16)
يعتقد البعض بأن الفرق بين الدين المسيحي والعلم له علاقة بهذه المشكلة. يعتبرون
أن المسيحية مشحنة بالفرضيات بينما العلم لا يقبلها اطلاقاً.

ولذا
يقولون بأن العلم أسمى من أي نوع من الديانات. بالطبع لا يستطيع أي عالم أن يوافق
على أن العلم ينبذ كل الفرضيات، لأن “العلم بدون فرضيات” يصبح
“وصفاً سطحياً لنظامنا”. راجع:

Theodore Mommsen، quoted by C.A.
Coulson in Science and Christian Belief
، New-York، Oxford
University Press
، 1955، p. 54.

 

(17)
راجع:

The Predicament of the
Christian Historian in
W.
Leibrecht
، edReligion and
Culture: Essays in Honor of Paul Tillich
، New York، Harper and Bros1959،
pp. 148-149.

 

(18)
راجع:
Contra Gentes، 1،
1..

ومن
أجل الرجوع إلى نص رسالة اثناثيوس التاسعة والثلاثين انظر:

Edgar Henneche، edNew Testament
Apocrypha
، Philadelphia، Westminster
Press
، 1963، I، pp. 59-60.

 

(19)
راجع:

Georges Flocovsky:
Scripture and Tradition: An Orthodox point of View
، Dialog: A
Journal of Theology 2
،
Autumn 1963، pp. 298 ff.

يعتبر
فلاديمير لوسكي أن التقليد “بشكله الأصلي هو حياة الروح القدس في
الكنيسة”، إنه حقيقة المسيح المعلنة بالروح القدس. راجع:

V. Lossky: Tradition
and Traditions in L. Ouspensky and V. Lossky: The meaning of Icons
، Boston، Boston Book and
Art Shop
، 1952، pp.17 ff.

 

(20)
راجع مقالي حول علاقة الكتاب المقدس والتقليد والخلافات التي تثار بصددها بين
الأرثوذكس والبروتستانت. وحول المل الذي لا يزال موجوداً “لإخضاع التقليد
للكتاب” حتى عند البروتستانت الذين اقتنعوا بوجهة النظر الكاثوليكية.

Criticism، the Gospel and
the Church”
، St.Vladimir´s Seminary Quarterly 10: 3 (1966)، pp. 156-157.

 

(21)
راجع:

A. Richardson and W. Schweitzer، eds:
biblical Authority for today
،
London، SCK Press، 1951،
pp. 240-243.

 

(22)
المسيح هو رأس الجسد (كولوسي1: 18 وأفسس 4: 15) وكرأس للكنيسة يخلصها (أفسس5: 27).

وللكنيسة
كجسد المسيح “هي بالنسبة إليه في علاقة مشابهة لعلاقة البناء بالأساس والساق
بالجذر والكائن الحي بالحياة التي تحركه. الكنيسة تمد المسيح وتعبر عنه … بدونها
يكون المسيح كرأس بلا جسد … بالطبع لا يضيف هذا الكمال شيئاً جديداً على المسيح
لأن الجسد يستمد نموه كلياً منه”. راجع:

Emile Mersh: The Whole
Christ. The Historical Development of the Doctrine of the Mystical Body in
Scripture and Tradition
،
Milwaukee، Bruce Publishing
House
، 1936، p. 121.

يلخص
هذا الكتاب تعليم الرسول بولس حول علاقة المسيح بالكنيسة. الرأس يعلو الجسد، لكنه
لا ينفصم عنه أبداً.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى