علم

الفصل الثانى عشر: شرح نصوص



الفصل الثانى عشر: شرح نصوص

الفصل
الثانى عشر: شرح نصوص

ثانياً:
مزمور 7: 45، 8 “من أجل ذلك مسحك الله إلهك”

 

46-
أن هذا الشرح كما كتبه الرسول، إنما يدحض هؤلاء العديمى التقوى. وما قاله المرنم
له أيضاً نفس المعنى المستقيم الذى أساء هؤلاء فهمه. فى حين أن منشد المزامير يوضح
التقوى لأنه هو أيضاً يقول “عرشك يا الله إلى الدهور، صولجان استقامه هو
صولجان ملكك أحببت البر وأبغضت الأثم، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الإبتهاج
أكثر من شركائك” (مز7: 45-8).

مقالات ذات صلة

 

أنظروا
أيها الآريوسيون وميزوا الحقيقى هنا أيضاً. فالمرنم يقول، أننا جميعاً
“شركاء” الرب. فلو كان اللوغوس من العدم. وكان هو واحداً من المخلوقات،
لكان هو أيضاً واحداً من الشركاء، وحيث أن المرنم سبح له بإعتباره الإله الأبدى
قائلاً “عرشك يا الله إلى دهر الدهور” وقد أعلن أن جميع الأشياء الأخرى
تشاركه. فماذا يجب أن يفهمه الواحد منا، غير أنه آخر غير المخلوقات (مختلف عن
المخلوقات). وأنه هو وحده كلمة الله الحق. وهو البهاء والحكمة التى تشارك فيه جميع
المخلوقات، وهى تتقدس منه بالروح؟ ولذلك فهو هنا “يمسح” (بضم الياء) لا
لكى يصير إلهاً، لأنه كان إلهاً حتى قبل أن يمسح، ولا لكى يصير ملكاً، لأنه قد كان
هو المالك على الدوام، إذ أنه صورة الله كما يقول الوحى (أنظر 2كور4: 4، كولوسى
15: 1). بل أن هذا أيضاً (أى أنه مسح) قد كتب من أجلنا. لأنه عندما كان الملوك –
أيام أسرائيل – يمسحون، فعندئذ فقط كانوا يصيرون ملوكاً، حيث أنهم لم يكونوا
ملوكاً قبل مسحهم، وذلك مثل داود وحزقيا ويوشيا وغيرهم. أما المخلص فهو على العكس،
حيث أنه إذ هو الله، يزاول دائماً حكم مملكة الآب ولما كان هو نفسه مانح الروح
القدس. إلا أنه يقال الآن أنه يمسح (بضم الياء). لكنه كإنسان يقال عنه أنه يمسح
(بضم الياء) بالروح وذلك حتى يبنى فينا نحن البشر سكنى الروح وألفته تماماً مثلما
وهبنا الرفعة والقيامة. وهذا ما عناه هو نفسه عندما أكد الرب عن نفسه فى الإنجيل
بحسب يوحنا “أنا قد أرسلتهم إلى العالم ولأجلهم أقدس أنا ذاتى ليكونوا هم
أيضاً مقدسين فى الحق” (يو18: 17، 19). وقد أوضح بقوله هذا أنه ليس هو المقدس
(بتشديد وفتح الدال) بل المقدس بتشديد وكسر الدال). لأنه لم يقدس من آخر بل هو
يقدس ذاته. حتى نتقدس نحن فى الحق. وهذا الذى يقدس ذاته إنما هو رب التقديس. كيف
إذن حدث هذا؟ وماذا يريد أن يقول بهذا سوى أنه: “كونى أنا كلمة الآب، فأنا
نفسى أعطى ذاتى الروح. أنا الصائر إنساناً. وأنا الحق. (لأن “كلمتك أنت هى
الحق” يو17: 17).

 

47-إذن
فإن كان يقدس ذاته من أجلنا. وهو يفعل هذا لأنه قد صار إنساناً، فمن الواضح جداً
أن نزول الروح عليه فى الأردن، إنما كان نزولاً علينا نحن، بسبب لبسه جسدنا. وهذا
لم يصر من أجل ترقية اللوغوس، بل من أجل تقديسنا من جديد، ولكى نشترك فى مسحته،
ولكى يقال عنا “ألستم تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم”
(1كو16: 3) فحينما أغتسل الرب فى الأردن كإنسان، كنا نحن الذين نغتسل فيه
وبواستطه.

 

وحينما
أقتبل الروح، كنا نحن الذين صرنا مقتبلين للروح بواسطته. ولهذا السيد، فهو ليس
كهارون. أو داود أو الباقين – قد مسح بالزيت هكذا – بل بطريقة مغايرة لجميع الذين
هم شركاؤه – أى “بزيت الإبتهاج” – التى فسر أنه يعنى الروح – قائلاً
بالنبى “روح الرب على لأنه مسحنى” (أش 1: 61). كما قال الرسول أيضاً
“كيف مسحه الله بالروح القدس” (أع38: 10). متى قيلت عنه هذه الأشياء –
إلا عندما صار فى الجسد وأعتمد فى الأردن. “ونزل عليه الروح”؟ (مت16:
3). وحقاً يقول الرب لتلاميذه أن “الروح سيأخذ مما لى” (يو16: 14).
و”أنا أرسله” (يو7: 16). و “أقبلوا الروح القدس” (يو22: 20).
إلا أنه فى الواقع هذا الذى يعطى للآخرين ككلمة وبهاء الآب، يقال الآن أنه يتقدس
وهذا من حيث أنه قد صار إنساناً، والذى يتقدس هو جسده ذاته.

 

إذن
فمن ذلك قد بدأنا نحن الحصول على المسحة والختم، مثلما يقول يوحنا “أنتم لكم
مسحة من القدوس” (1يو20: 2) والرسول يقول “أنتم ختمتم بروح الموعد
القدوس” (أفسس13: 1). ومن ثم فإن هذه الأقوال هى بسببنا ومن أجلنا. فأى تقدم
فى الأرتقاء، وأى أجر فضيلة أو عموماً أى أجر عمل للرب، يتضح من هذا؟.

 

فلو
أنه لم يكن إلهاً، ثم صار إلهاً، ولو كان قد رقى إلى ملك وهو لم يكن ملكاً، فإنه
يكون لقولكم بعض الظل من الإحتمال.

 

أما
إن كان هو الله، ويكون “عرش ملكه أبدى” فإلى أى مدى يمكن أن يرتقى
الله؟. أو ماذا ينقص هذا الذى هو جالس على عرش الآب؟ وكما قال الرب نفسه، إن كان
الروح هو روحه. والروح أخذ منه، وهو نفسه أرسل الروح (أنظر يو14: 16، يو7: 16)،
إذن، فلا يكون اللوغوس بإعتباره اللوغوس والحكمة هو الذى يمسح من الروح، الذى
يعطيه هو ذاته، بل الجسد الذى قد أتخذه، هو الذى يمسح فيه ومنه، وذلك لكى يصير
التقديس الصائر إلى الرب كإنسان، يصير (هذا التقديس) إلى جميع البشر به. لأن يقول:
“إن الروح لا يتكلم من نفسه” (أنظر يو13: 16). بل اللوغوس هو الذى يعطى
هذا (الروح) للمستحقين. فإن هذا يشبه ما سبق من قول، لأنه كما كتب الرسول
“الذى إذ كان فى صورة الله، ولم يحسب خلسة أن يكون مساوياً لله، ولكنه اخلى
نفسه أخذاً صورة عبد” (فيلبى6: 2، 7). وبالمثل يرنم داود للرب. إنه إله وملك
أبدى، مرسل إلينا ومتخذاً جسدنا الذى هو مائت. لأن هذا هو المقصود فى المزمور
بالقول “مر وعود وقرفة تفوح من ثيابك” (مز8: 45) ويتضح نفس الشئ مما
فعله نيقوديموس والنسوة اللائى مع مريم حينما جاء نيقوديموس حاملاً “مزيج مر
وعود نحو مئة رطل” (يو39: 19). وكانت النسوة قد أعددن الحنوط لجسد الرب (لو1:
24).

 

48-
فأى تقدم هو إذن بالنسبة لغير المائت عندما يتخذ ما هو مائت؟ وأى أرتقاء هو للأزلى
عندما يلبس ما هو وقتى وأى أجر يمكن أن يكون بالنسبة لله والملك الأبدى الذى هو فى
حضن الآب؟ إلا تدركون أن هذا قد صار وكتب بسببنا ومن أجلنا، لأنه إذ قد صار الرب
إنساناً، لكى يصوغنا نحن المائتين والوقتيين ويجعلنا غير مائتين. ولكى يدخلنا إلى
ملكوت السموات الأبدى؟ ألا تستحون وأنتم تزيفون الأقوال الإلهية؟ لأنه بنزول ربنا
يسوع المسيح وأقامته بيننا، فإننا بالحقيقة قد أرتقينا لأننا تحررنا من الخطيئة،
أما هو فهو باقٍ هو هو ولا يتغير بصيرورته إنساناً (لأنه يلزم أن نكرر نفس القول)،
بل كما هو مكتوب فإن “كلمة الله يبقى إلى الأبد” (أش8: 40).

 

إذن،
مثلما كان قبل تأنسه – إذ أنه كان اللوغوس، فإنه منح الروح للقديسين بإعتباره
خاصاً به – وهكذا عندما صار إنساناً فإنه قدس الجميع بالروح وقال لتلاميذه،
“اقبلوا الروح القدس” (يو22: 20)، وقد أعطى (الروح) لموسى وللسبعين
الآخرين (أنظر عدد16: 11). والذى به صلى داود للآب قائلاً: روحك القدوس لا تنزعه
منى” (مز11: 51).

 

أما
عندما صار إنساناً فقد قال “سأرسل لكم المعزى روح الحق” (يو26: 15)،
وبالفعل أرسله، لأن كلمة الله منزه عن الكذب. إذن فإن “يسوع المسيح هو هو
بالأمس واليوم وإلى الأبد” (عب8: 13) وحيث أنه يظل غير متغير وهو ذاته العاطى
والآخذ: فهو يعطى ككلمة الله، ويأخذ كإنسان. وتبعاً لذلك فليس اللوغوس – بإعتباره
بالحقيقة لوغوس – هو الذى أرتقى، إذ كانت له دائماً. وله على الدوام – كل الأشياء.
أما البشر – الذين يأخذون البداية منه وبسببه. – فهؤلاء هم الذين يرتقون. لأنه
حينما يقال بحسب الوجهة البشرية أنه الآن يمسح (بضم الياء) – نكون نحن، الذين نمسح
فى شخصه. حيث أنه حينما أعتمد، نكون نحن الذين نعتمد فى شخصه. ويوضح المخلص
بالأحرى كل هذه الأمور حينما يقول للآب: “وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى
ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد” (يو22: 17). وتبعاً لذلك فإنه كان يطلب
المجد أيضاً من أجلنا. وبسببنا أيضاً أستخدم كلمة “أخذ” وكلمة
“أعطى” وكلمة “مجد مجداً عالياً. وذلك لكى نأخذ نحن أيضاً. ولكى
يعطى لنا، ولكى نمجد نحن فيه مجداً عالياً. وذلك كما يقدس ذاته من أجلنا، لكى
نتقدس نحن فى شخصه.

 

49-
وإن كان هؤلاء – بسبب ما جاء فى المزمور “من أجل هذا مسحك الله إلهك”
(مز8: 45) يستخدمون التعبير “من أجل هذا” من أجل رغباتهم الخاصة، فليعرف
هؤلاء الذين يجهلون. الكتب المقدسة، والذين انكشف عدم تقواهم، أن تعبير “من
أجل هذا” هنا أيضاً، لا يعنى أجر فضيلة أو سلوكاً خاصاً باللوغوس، بل يعنى
السبب الذى من أجله نزل إلينا، ويعنى السبب فى مسحة الروح التى مسح بها من أجلنا.
لأنه لم يقل “من أجل مسحك” لكى يصير هو إله أو ملك أو ابن أو لوغوس.
لأنه كان هكذا وهو دائماً هكذا من قبل أن يمسح، كما سبق أن أظهرنا، بل بالأحرى،
بما أنك أنت إله وملك، من أجل ذلك أيضاً مسحت. حيث أنه لم يكن فى وسع أحد أخر أن
يوجد الإنسان بالروح القدس، سواك أنت الذى هو صورة الله. تلك الصورة التى يحسبها
خلقنا منذ البدء، لأن الروح هو روحك أنت. وكل هذا حدث لأن طبيعة المخلوقات لا يركن
إليها بخصوص هذا الأمر. ففى حين تمرد الملائكة، فإن البشر كانوا عصاة. لذلك كان
الأمر يحتاج بالضرورة إلى تدخل الله – “لأن اللوغوس هو الله” (يو1: 1)،
وذلك لكى يحرر الذين صاروا تحت عبء اللعنة. فلو كان هو من العدم لما كان هو
المسيح، لكونه واحداً بين الجميع وشريكاً لهم.

 

ولكن
بما أنه إله لكونه ابن الله، فهو ملك أبدى، نظراً لأنه بهاء الآب وصورته. من أجل
ذلك فمن اللائق أن يكون هذا هو المسيح المنتظر، الذى وعد الآب البشر به، كما كشف
عنه لأنبيائه القديسين، لكى كما خلقنا به، يصير به هكذا أيضاً خلاص الجميع من
خطاياهم، ولكى تكون كل الأشياء تحت حكمه. وهذا هو سبب المسحة التى صارت له، وسبب
“الحضور المتجسد للوغوس”. وهذا السبب هو الذى تنبأ به مرنم المزامير
مسبحاً بألوهيته وملكوته الأبوى، عندما هتف قائلاً “عرشك يا الله إلى دهر
الدهور، صولجان استقامه هو صولجان ملكك” (مز6: 45)، ثم يعلن نزوله إلينا
بقوله: “من أجل ذلك، مسحك الله، الهك، بزيت الابتهاج أكثر من شركائك”
(مز7: 45).

 

50-
لماذا يكون مثيراً للدهشة، أو بعيداً عن الإعتقاد، ان كان الرب، وهو واهب الروح،
يقال عنه الآن أنه مسح بالروح حينما تستلزم الحاجة ذلك، فإنه لا يرفض القول عن
نفسه أنه هو أدنى شأناً من الروح – بسبب طبيعته البشرية – لأنه عندما قال اليهود
أنه “يخرج الشياطين بيعلزبول” (متى24: 12) فإنه لكى يكشف تجديفهم، أجاب
وقال لهم “أنى بروح الله أخرج الشياطين” (متى 28: 12). فها هوذا واهب
الروح يقول الآن أنه يخرج الشياطين بالروح، وهذا القول لم يكن ليقال لأى سبب آخر،
سوى من ناحية الجسد. لأنه كما أن طبيعة الإنسان لم تكن كافية من ذاتها أن تطرد
الشياطين بدون قوة الروح، من أجل هذا كان كإنسان يقول “أنى بروح الله أخرج
الشياطين”. وطبيعى أن التجديف الذى صار ضد الروح القدس، أعظم من التجديف الذى
ضد ابن الإنسان يغفر له” (متى55: 13). أما الذين يجدفون على الروح القدس،
وينسبون أعمال اللوغوس للشيطان فهؤلاء سيكون لهم عقاب لا مناص منه. إذن فإن الرب قال
مثل هذه الأقوال لليهود كإنسان، أما التلاميذ فقد بين لهم ألوهيته وجلاله، مشيراً
إلى ذاته أنه ليس أقل إطلاقاً من الروح بل مساوٍ له. وأعطاهم الروح وقال:
“أقبلوا الروح القدس” (يو22: 20) وأيضاً “أنا أرسله” (يو7:
16)، و”ذاك 13: 169. وبالمثل إذن فإن الرب مانح الروح نفسه، لا يكف عن القول
أنه بالروح يخرج الشياطين كإنسان، وبنفس الطريقة، حيث أنه هو ذاته واهب الروح،
فإنه لا يتوقف عن القول: “روح الرب على لأنه مسحنى” (أش1: 61) وذلك بسبب
أنه قد صار جسداً (يو14: 1)، كما قال يوحنا، لكى يتضح أنه فى هذين الأمرين، أننا
نحن الذين نكون محتاجين لنعمة الروح لكى نتمجد، وأنه ليس فى وسعنا أن نخرج
الشياطين بدون قوة الروح.

 

بواسطة
من إذن، وممن كان يجب أن يمنح (بضم الياء) الروح إلا بواسطة الإبن. وهو الذى يعتبر
الروح أيضاً روحه.؟ ومتى كان فى استطاعتنا نحن الحصول على الروح إلا عندما صار
اللوغوس إنسانا؟ (يو16: 1). وهذا ما يتضح تماماً من قول الرسول، أننا لم نحصل على
الفداء ولا على التمجيد مجداً عالياً، لو لم “يتخذ صورة عبد، ذاك الذى كان فى
صورة الله” (فى6: 2، 7).

 

هكذا
يرينا داود أيضاً أنه ليست هناك طريقة أخرى، لكى نشارك الروح، ونتقدس لو لم يقل
اللوغوس ذاته، واهب الروح. بأنه هو ذاته، مسح بالروح من أجلنا، ولهذا السبب طبعاً
أخذنا الروح، إذ أنه هو الذى قيل فيه أنه قد مسح بالجسد. حيث أن جسده الخاص هو
الذى تقدس أولاً. وإذ قيل عنه كإنسان. أن جسده قد أتخذ هذا (الروح)، فلأجل هذا،
فنحن نمتلك نتيجة لذلك، نعمة الروح، أخذين أياها “من ملئه” (أنظر يو16:
1).

 

51-
وأما الآية الواردة فى المزمور: “أحببت البر، وأبغضت الأثم” (م7: 45)،
فهى ليست مثلما تفهمونها أنتم أنها تبين أن طبيعة اللوغوس متغيرة، بل بالأحرى
فإنها تعنى أن اللوغوس غير متغير. لأنه بما أن طبيعة المخلوقات متغيرة والبعض
تعدوا الوصية، والبعض الآخر قد تمردوا، كما سبق أن قيل فإن أعمالهم ليست أكيدة، بل
يحدث كثيراً أن ذلك الذى هو صالح الآن، يتحول بعد ذلك ويصير شيئاً آخر. فمثلاً هذا
الذى يكون الآن عادلاً، فبعد قليل يكون ظالماً لذا أيضاً، كان هناك احتياج إلى
واحد غير متغير، لكى يحصل البشر على عدم تغير بر اللوغوس، كصورة ومثال لأجل تحقيق
الفضيلة. أما مثل هذا التفكير فله أيضاً سبب معقول للذين يفكرون بإستقامة، لأنه
بما أن الإنسان الأول آدم (1كو45: 15) تعرض للتغير، وبسبب الخطية دخل الموت إلى
العالم (رو12: 5) من أجل هذا وجب أن يكون آدم الثانى غير متغير، حتى ولو استمرت
الحية تزاول عملها، فإن خداعها يضعف، أما الرب، فلكونه غير متغير وثابت، تصير
الحية عاجزة عن مساعيها ضد الجميع. لأنه مثلما سقط أدم فى العصيان. فإن الخطية
“قد إجتازت إلى جميع الناس” (رو12: 5)، وهكذا حينما صار الرب إنسانا،
وحطم الحية. فإن قوته العظيمة هذه قد إنتقلت إلى جميع الناس، حتى يقول كل واحد منا
“لأننا لا نجهل أفكاره” (2كو11: 2).

 

ومن
الصواب إذن، فإن الرب، الذى هو دائماً بحسب طبيعته غير متغير -. وهو الذى يحب
البر، ويبغض الأثم، مسح (بضم الميم) وأرسل هو ذاته، لكونه هو ذاته. وهو باق هو هو،
بإتخاذه جسداً متغيراً، لكى يدين الخطية فى الجسد (أنظر رو3: 8)، ولكى يجعل ذات
هذا الجسد حراً، ولكى يستطيع من الآن فصاعداً أن يتمم به حكم الشريعة، ولكى نستطيع
أن نقول “نحن لسنا فى الجسد فى الروح، أن كان حقاً روح الله ساكناً فى
داخلنا” (رو9: 8).

 

52-
أيها الآريوسيون، قد صار عبثاً مثل هذا الشك الذى صار فيكم، وعبثاً ما تدعونه وما
تتعللون به من أقوال الإنجيل، لأن اللوغوس الذى هو كلمة الله إنما هو غير متغير،
وهو مستمر دائماً فى حالة واحدة، ليس كيفما أتفق، بل هو مثل الآب. لأنه كيف يكون
مثله، أن لم يكن هو نفسه كذلك؟

 

أو
كيف يكون كل ما هو للآب، هو للابن أيضاً (أنظر يو15: 16) ان لم يكن للإبن صفة عدم
تغير الآب ودوامه؟. وبما أنه غير خاضع للقوانين الطبيعية بأن ينحاز لواحد ضد آخر.
فإنه إذن لا يحب الواحد ويكره الآخر.

 

فلو
أنه بسبب الخوف من السقوط ينحاز إلى واحد، فإنه حينئذ سينكشف من الجهة الآخرى، أنه
متغير. ولكنه لكونه إله وكلمة الآب، فهو قاض عادل ومحب للفضيلة، وبالأحرى هو مانح
الفضيلة. إذن فهو عادل وقدوس بطبيعته. فلهذا يقال أنه يجب البر ويبغض الأثم (أنظر
أش8: 61). وهذا يعادل القول القائل أنه يحب الصالحين ويمينهم. أما الظالمون فإنه
ينفر منهم ويبغضهم لأن الكتب المقدسة تقول نفس القول عن الآب: “الرب عادل
ويحب العدل” (مز7: 11). و”يبغض كل فعلة الأثم” (مز6: 5)، وأحب
أبواب صهيون أكثر من جميع مساكن يعقوب” (مز2: 87)، وأحب يعقوب وأبغض
عيسو” (ملاخى2: 1، 3) وفى أشعياء كان صوت الرب أيضاً قائلاً “أنا هو
الرب محب العدل ومبغض الاختلاس الناتج عن الظلم” (أش8: 61) فينبغى إذن عليهم.
أما أن يفسروا تلك الأقوال بنفس المعانى التى تعنيها هذه الأقوال أيضاً – لأن تلك
الأقوال قد كتبت عن صورة الله – وأما فإنهم بإساءتهم تفسير هذه الأقوال كتلك،
أيضاً، فإنهم سيضطرون إلى القول أن الآب هو متغير أيضاً.

 

ولكن
بما أن مجر سماع الآخرين يقولون هذا القول، هو أمر له أخطار كثيرة، لهذا فإننا
نفكر بالصواب بقولنا أن “الله يحب العدل ويبغض الاختلاس بالظلم”. وهذا
لا يعنى بأنه له ميل تجاه الواحد أو تجاه الآخر، ويقبل ما هو مضاد، لدرجة أنه يفضل
هذا ولا يفضل ذاك، فهذه هى سمة المخلوقات، بل يعنى أنهن كقاض، يحب الأبرار ويعينهم
ويعزف عن الأشرار. وتبعاً لهذا إذن، ينبغى أن نفكر بمثل هذه الأفكار عن “صورة
الله” أيضاً بأنه هكذا يحب ويكره، لأن هذا ما يجب أن تكون عليه طبيعة
“الصورة” مثل طبيعة الآب، حتى ولو كان الآريوسيون – لأنهم عميان – لا
يرونها ولا يرون شيئاً آخر من الأقوال الإلهية.

 

وبسبب
تناقص الأفكار فى قلوبهم أو بالأحرى سوء أفكارهم وخبلهم. فإنهم يلوذون مرة أخرى
بنصوص الكتب المقدسة، التى عادة لا يشعرون بها، فلا يدركون معناها الصحيح – ولكنهم
جعلوا من عدم تقواهم الذاتى قاعدة طابقوا عليها كل هذه الأقوال الإلهية وحرفوها.
وعند مجرد ذكر مثل هذا التعليم فإنهم لا يستحقون سماع شئ آخر سوى “تضلون
لأنكم لا تعرفون الكتب ولا قوة الله” (متى29: 22). وأن تشبثوا بكلامهم فمن
الواجب أن نسكتهم بالقول “أعطوا ما للناس للناس. وما لله لله” (أنظر
متى21: 22).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى