علم الكتاب المقدس

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

إعلان الله
فى الإنجيل

إعلان ملكوت
الله

 

1- ملكوت الله فى العهد القديم:

كلمة
ملكوت فى العبرية هى “مالكوت” وفى الآرامية التى كتبت بها بعض أجزاء
العهد القديم والتى كان يتحدث به اليهود فى زمن السيد المسيح “مالكوتا”
وتعنيان فى العهد القديم والكتاب المقدس لكه حكم الله وسلطانه الشامل وسيادته على
الناس والأمم والزمن فى الماضى والحاضر والمستقبل، أى التاريخ الذى يحدد مساره
ويحقق فيه إرادته، والطبيعة والكون كله، فى السماء وعلى الأرض، فهو خالق الكون
ومدبره والمهيمن عليه:

“يحمدك
يا رب كل أعمالك ويباركك أتقياؤك بمجد مُلكك ينطقون وبجبروتك يتكلمون. ليعرّفوا
بنى أدم قدرتك ومجد جلال مُلكك ملك كل الدهور وسلطانك فى كل دور فدور(1)“،

“الرب
فى السموات ثبت كرسّيهُ ومملكتهُ على الكل تسود
باركوا
الرب يا جميع أعماله فى كل مواضع سلطانه باركى يا نفسى الرب(2)“،

“لأن
الله ملك الأرض كلها رنموا قصيدة. ملك الله على الأمم(3)“،

“ليكن
اسم الله مباركاً من الأزل وإلى الأبد لأن لح الحكمة والجبروت. وهو يغير الأوقات
والأزمنة يعزل ملوكاً وينصب ملوكاً(4)“،

“لكى
تعلم الأحياء أن العلى متسلط فى مملكة الناس فيعطيها من يشاء وينصب عليها أدنى
الناس(5)“،

“أن
الله العلى سلطان فى مملكة الناس وأنه يقيم عليها من يشاء(6)“،

“من
لا يخافك يا ملك الشعوب(7)“.

والكتاب
يبين لنا قوة الله وسلطانه بصورة علمية عندما يذكر لنا أعماله مثل إغراق الأرض
بالطوفان(8) وإرجاع الشمس للوراء(9) وشق البحر الأحمر وإغراق فرعون وجيشه فيه ونجاة
شعب الله(10) وأنبع الماء من الصخر(11) وحرك النجم لإرشاد المجوس إلى مكان ميلاد المسيح(12) وجعل الشمس تختفى فى الظهر وقت صلب المسيح(13) وجعل الملك نبوخذ نصر يعيش فترة من الزمن
كالحيوان(14) ويستخدمه كآلة لتأديب
شعبه وتحويلهم إلى سبايا(15) ويدعو الملك الفارسى كورش
ليعيدهم ثانية(16)، وهو الذى يسمح لأمة
بالنصر فى الحروب وأخرى بالهزيمة وذلك بحسب قصده ومشيئته وعلمه السابق.

ولكن
البشر كما يقول الوحى الإلهى؛ “حمقوا فى أفكارهم وأظلم قلبهم الغبى. وبينما
يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء وأبدلوا مجد الله الذى لا يفنى بشبه صورة الإنسان
الذى يفنى والطيور والدواب والزحافات
استبدلوا حق الله
بالكذب واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذى هو مبارك إلى الأبد(17)“. سقط البشر فى عبادة الأوثان وتركوا الإله
الحى ملك الملوك ووضعوا أنفسهم فى مجال ودائرة حكم الشيطان وسيادته وملكوته. ومن
ثم فقد أختار الله إبراهيم ودعاه ليخرج من أرضه ويترك أهله وعشيرته ويسير فى
الطريق التى رسمها له ليأتى منه ويخرج من صلبه شعباً خاصاً به يكون فى دائرة ومجال
حكمه المباشر. هذا الشعب يقوم دستوره على القداسة والبر والتبعية المطلقة لله وتدور
طقوسه وشعائره حول التطهير “وتكونون لى قديسين لأنى قدوس أنا الرب. وقد
ميزتكم من الشعوب لتكونوا لى(18)“،
ويعبد الله وحده باعتباره الإله الواحد الوحيد ولا إله غيره:

“أسمع
يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد(19)“،

“لا
يكن لك إلهة أخرى أمامى. لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما مما فى السماء من
فوق وما فى الأرض من تحت وما فى الماء من تحت الأرض وما فى الماء من تحت الأرض. لا
تسجد لهن ولا تعبدهن(20)“،

“أنا
الرب وليس آخر. لا إله سواى
ولا إله آخر غيرى ليس سواى أنا الله
وليس آخر. الإله وليس مثلى(21)“.

وكان
قصد الله أن يكون هذا الشعب، فى المستقبل، سبب بركة لجميع الأمم عن طريق النسل
الآتى، المسيح المنتظر، الذى سيقيم ملكوت الله فى العالم أجمع ويخضع كل ممالك
الأرض للرب ومسيحه، أو كما يقول الوحى الإلهى “لتصير بركة إبراهيم للأمم فى
المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح(22)“:

“وقال
الرب لإبر آم (إبراهيم) أذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى
أريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم أسمك. وتكون بركة. وأبارك مباركيك ولاعنك
العنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض(23)“.

وقطع
الله عهداً “ميثاقا” مع إبراهيم بواسطة الذبائح وكشف له عن المستقبل فى
رؤيا(24) وجدد العهد مع ابنه إسحق
“ولكن عهدى أقيمه مع إسحق(25)
ثم مع حفيده يعقوب الذى ظهر له فى حلم وقال له “أنا الرب إله إبراهيم أبيك
وإله إسحق

ويتبارك
فيك وفى نسلك جميع قبائل الأرض(26)“.

وجدد
الله هذا العهد ثانية مع الشعب بعد خروجه من مصر بواسطة موسى النبى وقال لهم
“أن سمعتم لصوتى وحفظتم عهدى تكونون لى خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لى كل
الأرض. وأنتم تكونون لى مملكة كهنة وأمة مقدسة(27)“.
وكان عهد الله معهم مشروطاً بحفظ وصاياه وسماع كلامه.

ولكن
الله لم يختر هذا الشعب لميزة فيه أو فصيلة لأنه أختارهم وهم فى صلب إبراهيم وإسحق
ويعقوب ورباهم بذاته كما يقول “ربيت بنين ونشأتهم(28)“.
وإنما أختارهم بنعمته وأحبهم فضلاً ليحقق من خلالهم مشورته الإلهية كما سبق أن وعد
إبراهيم وإسحق ويعقوب: “لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك. إياك قد أختار الرب
إلهك لتكون له شعباً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض. ليس من كونكم أكثر
من سائر الشعوب التصق الرب بكم وأختاركم لأنكم أقل من سائر الشعوب. بل من محبة
الرب إياكم وحفظه القسم الذى أقسم لآبائكم أخرجكم الرب بيد شديدة وفداكم من بيت
العبودية ومن يد فرعون ملك مصر(29)“.

فقد
وجدت هذه الأمة وتأسست وقامت على أساس لاهوتى ولهدف سامى كان فى قصد الله وهو فداء
العالم فى “ملء الزمان” عن طريق النسل الآتى والمسيح المنتظر الذى سيقيم
ملكوت الله وينشره فى جميع الأمم، وبالرغم من أنها عاشت أحداث زمنية وتاريخية فى
سياق التاريخ العام للعالم إلا أن هذه الأحداث كانت تسير بحسب قصد الله ومشيئته
وعلمه السابق وبسماح منه تعالى. فقد كشف الله ما سيحدث لها على مر العصور
لأنبيائه؛ كشف لإبراهيم فى رؤيا مدة عبوديتها فى مصر “أربع مئة سنة(30)” وكشف لسليمان عن انقسامها بعد موته(31) وكشف لأشعياء وإرمياء النبيين عن استخدامه
لنبوخذ نصر ملك بابل فى تأديبها وحمل شعبها سبايا إلى بابل وعن استخدامه لكورش ملك
فارس فى إعادة هذا الشعب ثانية إلى حيث كان بعد تمام سبعين سنة(32)،
وكشف لدانيال النبى عن الدور الذى ستلعبه الإمبراطوريات العالمية الأربع، بابل
وفارس واليونان وروما، فى تاريخ هذه الأمة(33).

ولم
يكن اختيار الله لإسرائيل يعنى أنه تنازل عن ملكه وسيادته على بقية الأمم، كلا،
فهو ملك كل الأمم “أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض(34)
وهو الذى “يعزل ملوكاً(35)
وينصب ملوكاً”.

وقد
أعطى لنبوخذ نصر ملك بابل حكم بلاد كثيرة “قد دفعت كل هذه الأراضى ليد نبوخذ
نصر ملك بابل عبدى(36)“، وسلط كورش ملك
فارس على أمم كثيرة ودعاه بمسيحه “هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذى أمسكت
بيمينه لأدوس أمامه أمماً وأحقاء ملوك أحلُّ لأفتح أمامه المصراعين والأبواب(37)” ودعى مصر وأشور وكوش بشعوبه وكما أخرج
إسرائيل من مصر فقد نقل أيضا شعوب أخرى من مكان إلى مكان: “مبارك شعبى مصر
وعمل يدى أشور وميراثى إسرائيل(38)“،”ألستم
لى كبنى الكوشيين يا بنى إسرائيل يقول الرب ألم أصعد إسرائيل من أرض مصر
والفلسطنيين من كفتور والآراميين من قير(39)“.
وبرغم أن هذه الأمم كانت غارقة فى الوثنية ولكن الله دبر فى قصده الإلهى ومشورته
الأزلية أن يفدى هذه الأمم ويعيدها إلى حظيرة ملكوته الروحى ثانية عن طريق النسل
الآتى من بنى إسرائيل. وقد رأى الله بعلمه السابق أن هذه الأمم ستعود ثانية إليه
كالابن الضال فى حين يخرج شعب إسرائيل، الأمة المختارة، من الملكوت بسبب تطلعهم
إلى ملكوت مادى يقوم على الحروب وسفك الدماء وبسبب رفضهم لابن الله الآتى ليملك
على القلوب ويقيم مملكة ليست من هذا العالم، أى روحية غير مادية “أن كثيرين
سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب فى ملكوت السموات.
وأما بنو الملكوت فيطرحون فى الظلمة الخارجية(40)“.

عاش
شعب إسرائيل تحت حكم الله المباشر وسيادته وسلطانه بواسطة الأنبياء والقضاة من
موسى إلى صموئيل ولكنهم رفضوا حكم الله وطلبوا من صموئيل النبى أن يقيم لهم ملك
يحكم عليهم مثل سائر الشعوب(41).
رفضوا حكم الله وفضلوا عليه حكم البشر، وبرغم أن الله قال “إياى رفضوا لكى لا
املك عليهم(42)” إلا إنه طلب من
صموئيل أن يمسح لهم ملكاً حسب إرادتهم، فمسح شاول البنيامينى ملكاً عليهم وحل
عليهم روح الله وتنبأ مع الأنبياء ودعى “مسيح الرب” وكان عليه أن يحكم
بحسب إرادة الله وشريعته(43) ولكنه فشل فى ذلك، فرفضه(44) الرب وأختار داود ولم يفارقه وأخذ داود يسبح
الله ويمجده ويتنبأ حتى دعى بالروح “الرجل القائم فى العلا مسيح إله يعقوب
ومرنم إسرائيل الحلو(45)“،
ودعى أيضاً بالرجل الذى بحسب قلب الله “أنتخب الرب لنفسه رجلاً حسب قلبه وأمره
أن يترأس على شعبه(46)“، “وجدت داود
بن يسى رجلاً حسب قلبى الذى يصنع كل مشيئتى(47)“،
وبالرجل “الذى وجد نعمة أمام الله(48)“،
وقيل عنه “وجدت داود عبدى. بدهن قدسى مسحته(49)“،
وكان داود نموذجاً أمام بنى إسرائيل فى كل العصور وقد وعده الله أن من صلبه سيأتى
النسل الآتى والمسيح المنتظر ليملك على كرسيه إلى الأبد:

“أقسم
من بعدك نسلط الذى يخرج من أحشائك وأثبتت مملكته
. أنا أكون
له أباً وهو يكون لى أبناً
كرسيك يكون ثابتاً إلى الأبد(50)“،

“وأجعل
على الأبد نسله وكرسيه مثل أيام السموات
مرة حلفت
بقدسى إنى لا أكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامى. مثل القمر
يثبت إلى الدهر(51)“.

قال
القديس بطرس بالروح عن وعد الله لداود أنه “كان نبياً وعلم أن الله حلف له
بقسم انهُ من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه(52)“.
وتطلع الأنبياء جميعاً إلى هذا الملك الآتى من نسل داود ليجلس على كرسيه ووصفوه
بالروح ب “الرب برنا(53)” و”الإله
القدير
رئيس
السلام(54)” و”الأزلى(55)” والذى سيكون “عادل ومنصور وديع(56)” و”ابن الإنسان” الذى تتعبد له
كل الشعوب والألسنة(57)“، وستكون قوته فى
“فمه” وسلاحه فى “شفتيه” ومنطقه هو “بره وأمانته(58)“، ولن يحارب بالسيف ولن يقود جيوش تغزو
وتهلك وتدمر بل يستولى على الأمم بالحب والسلام، ولا يضم الناس إلى ملكوته بالسيف
أو بقوة الجيوش بل بالروح القدس “سيعمد بالروح القدس ونار(59)“.

وقد
رأى دانيال النبى ملكوته يسود على كل الأمم ويكتسحها أمامه بقوة إلهية. فقد رآه
كحجر قطع من جبل بغير يدين وأكتسح جميع ممالك العالم “كنت تنظر إلى قطع حجر
بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فأنسحق حينئذ
الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعاصفة البيدر فى الصيف فحملتها
الريح فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذى ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ
الأرض كلها”، وبعد التفسير الخاص بالممالك التى يرمز إليها التمثال، والتى هى
إمبراطوريات بابل وفارس واليونان والرومان، قال الوحى أن الحجر الذى قطع بغير يدين
وأكتسح هذه الإمبراطوريات جميعاً وملأ الأرض كلها هو المسيح الآتى الذى سيقيم
ملكوت أبدي لا نهاية له؛ “وفى أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن
تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهى تثبت إلى
الأبد. لأنك رأيت أنه قد قُطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف
والفضة والذهب(60)“.

ورآه
دانيال فى رؤيا ثانية ولكن بصورة أوضح كابن الإنسان الذى يملك إلى الأبد على شعب
قديسى العلى فى ملكوت أبدى لا نهاية له:

“كنت
أرى فى رؤى الليل وإذا مع سحاب السماء مثل ابن إنسان آتى وجاء إلى القديم الأيام
فقربوه قدامه. فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم
والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لن ينقرض
والمملكة
والسلطان وعظمة المملكة تحت السماء تعطى لشعب قديسى العلى. ملكوته ملكوت أبدى
وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون(61)“.

 

2- ملكوت الله فى العهد الجديد:

كان
موضوع “ملكوت الله” أو “ملكوت السموات” هو جوهر ولب وأساس
ومحور كرازة السيد المسيح، الذى يقول الكتاب إنه جاء ليكرز “ببشارة ملكوت
الله(62)“، وأول كلمات يسجلها
الوحى الإلهى للسيد المسيح هى “قد كمل الزمان وأقترب ملكوت الله. فتوبوا
وآمنوا بالإنجيل(63)“. وكان “يطوف
المدن كلها والقرى يعلم فى مجامعها. ويكرز ببشارة الملكوت(64)“.
وقد أرسل تلاميذه الأثنى عشر ليكرزوا فى كل مكان “قائلين أنه قد أقترب ملكوت
السموات(65)“، كما عين سبعين
آخرين وأرسلهم لينادوا، أيضاً، “قد أقترب ملكوت الله(66)“.

وقد
وردت عبارة “ملكوت الله” فى العهد الجديد حوالى 72 مرة، خاصة فى
الأناجيل الأربعة، ووردت عبارة “ملكوت السموات” حوالى 32 مرة فى الإنجيل
للقديس متى فقط ولم ترد فى أى مكان آخر، وهذا يرجع لأن القديس متى قد دون إنجيله
بالروح القدس لليهود، وبصفة خاصة يهود فلسطين، والذين كانوا يتجنبون النطق أو
التفظ باسم الله يهوه خشية ورهبة(67)،
فراعى عادتهم هذه، كيهودى أصلاً، وأستخدم التعبير الذى كان شائعاً فى وسطهم وهو
“ملكوت السموات”، ومع ذلك فقد أستخدم تعبير “ملكوت الله”
حوالى ست مرات للتعبير عن طبيعة وجوهر “ملكوت الله(68)“.

كما
استخدم العهد الجديد أيضاً عبارات “الملكوت”، “ملكوتك”،
“ملكوته” التى تعود على الآب(69)،
أو على الابن(70) “المسيح”،
واستخدم أيضاً عبارات “ملكوت أبى(71)
و”ملكوت ابن محبته(72)“، أى المسيح،
و”ملكوت المسيح(73)” و”ملكوت ربنا
ومخلصنا يسوع المسيح(74)” و”ملكوت يسوع
المسيح(75)” و”صارت ممالك
العالم لربنا ومسيحه(76)“، أى الآب والأبن.
وهذا يعنى أن ملكوت الله هو ملكوت المسيح وملكوت الآب هو ملكوت الإبن، أو كما يقول
السيد المسيح “كل م للآب هو لى(77)“.
فالمسيح هو الملك “الآتى باسم الرب(78)“،
ملك الملوك، ملك الملكوت الذى تنبأ الأنبياء أنه سيجلس على عرش داود إلى الأبد،
الإله الأبدى القدير رئيس السلام.

وعندما
جاء المسيح إلى العالم فى “ملء الزمان(79)
و”ظهر فى الجسد(80)” أعلنت الملائكة أنه
الملك السمائى الآتى ليقيم ملكوت الله، فقال الملاك للعذراء مريم أثناء بشارته لها
“هذا يكون عظيماً وإبن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه. ويملك
على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية(81)“،
وهتف جند السماء عند ميلاده “المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس
المسرة(82)” وذلك لحلول ملك
السلام على الأرض، وجاء مجوس من المشرق مهتدين بنجم فى السماء ليسجدوا له كملك
“أين هو المولود ملك اليهود(83)
وقدموا له هدايا كملك، ولما رأى نثنائيل قدرته على معرفة الغيب، فى أول لقاء لهما،
قال له “يا معلم أنت أبن الله. أنت ملك إسرائيل(84)“،
وهو يقصد الملك الآتى الذى تنبأ عنه الأنبياء، ولما أشبع الجموع بخمسة أرغفة
وسمكتين آمنوا إنه هو الملك الآتى وأرادوا أن ينصبوه ملكا “فلما رأى الناس
الآية التى صنعها يسوع قالوا هذا هو بالحقيقة النبى الآتى إلى العالم. وأما يسوع
فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً أنصرف إلى الجبل وحده(85)“، لقد كان هو حقاً الملك الآتى ولكنه لم
يكن ملكاً أرضياً يحكم على مجرد شعب واحد بل ملكاً سمائياً روحياً لكل الأمم
والشعوب والقبائل والألسنة، كما قال هو لبيلاطس “مملكتى ليست من هذا العالم.
لو كانت مملكتى من هذا العالم لكان خدامى يجاهدون لكى لا أُسّلم إلى أيدى اليهود.
ولكن الآن مملكتى ليست من هنا(86)“.
مملكته هى مملكة “قديسى العلى” التى تنبأ عنها دانيال النبى(87)، “مملكة لا تنقرض أبداً ومُلكها لا يترك
لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهى تثبت إلى الأبد(88)“،
وملكوته “ملكوت أبدى وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون(89)“،
ملكوت يسود فيه على ما فى السماء وما على الأرض، كما قال هو “دفع إلى كل
سلطان فى السماء وعلى الأرض(90)“،
“كل شئ قد دفع إلى من أبى(91)“،
“الآب يحب الإبن وقد دفع كل شئ فى يده(92)
ومن ثم فقد دعاه الوحى فى سفر الرؤيا ب “رئيس ملوك الأرض(93)
و”ملك القديسين(94)” و”رب الأرباب
وملك الملوك(95)” و”ملك الملوك
ورب الأرباب(96)“.

وفى
حديثه عن “ملكوت الله” فى الدهر الآتى، فى المستقبل، بعد المجئ الثانى
قال أن “ملكوت الله” هو ملكوته هو “يرسل أبن الإنسان ملائكته
فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلى الإثم(97)“،
“الحق أقول لكم عن من القيام هنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان
آتياً فى ملكوته(98)” وقال لتلاميذه
“وأنا أجعل لكم كما جعل لى أبى ملكوتاً. لتأكلوا وتشربوا على مائدتى فى
ملكوتى(99)” وعندما قال له اللص
اليمين وهو على الصليب “أذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك. فقال له يسوع الحق
أقول لك أنك اليوم تكون معى فى الفردوس(100)“.

وعلى
الرغم من أن السيد المسيح رفض أن يُنصّب ملكاً على إسرائيل، لأنه ملك الملوك ورب
الأرباب، فقد قبل أن يدخل أورشليم كملك، ولكن ملك “وديع ومتواضع”
تحقيقاً لنبوءة زكريا النبى عنه “أبتهجى جداً يا أبنة صهيون اهتفي يا بنت
أورشليم. هوذا ملكك يأتى إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن
أتان(101)” والجموع هتفت له
“مبارك الآتى باسم الرب. مباركة مملكة أبينا داود الآتية (باسم الرب). أوصنا
فى الأعالى(102)“.

 

1- تأسيس الملكوت والكنيسة:

أختار
السيد المسيح تلاميذه الإثنى عشر “وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله” وقال
لهم “وفيما أنتم ذاهبون أكرزوا قائلين قد أقترب منكم ملكوت السموات(103)“. وقد أيد كرازتهم بعمل معجزات للبرهان
على اقتراب ملكوت الله “أشفوا مرضى. طهروا برصاً أقيموا موتى. أخرجوا شياطين(104)“. ثم عين سبعين آخرين وقال لهم أيضاً
“وأية مدينة دخلتموها وقبلوكم فكلوا مما يقدم لكم. وأشفوا المرضى الذين فيها
وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله(105)“.

وقد
أسس السيد المسيح كنيسته على صخرة الإيمان أنهُ “المسيح ابن الله الحى(106)” ووعد بأنها لن تقهر أبداً “على هذه
الصخرة ابنى كنيستى وأبواب الجحيم لن تقوى عليها”، وأعطاها مفاتيح ملكوت
السموات. فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً فى السموات. وكل ما تحله على الأرض
يكون محلولاً فى السموات(107)“. وقد أسماها
“كنيسة” وفى اليونانية “أكّليسيا
Ekklesia” وتعنى فى العهد الجديد “جماعة المؤمنين Congregation” وقد استخدمت فى ترجمة العهد القديم إلى اليونانية أكثر من
مئة مرة للإشارة إلى إسرائيل كشعب الله، ليؤكد أن الكنيسة هى جماعة المؤمنين، شعب
الله وإسرائيل الجديد، إسرائيل الروحى التى تضم جميع المؤمنين سواء من الذى كانوا
من اليهود أو من الأمم. وأصبحت الكنيسة هى دائرة ومجال عمل الله الفدائى فى
التاريخ، أى دائرة ملكوت الله ومجاله، ملكوت الله على الأرض.

كان
الهدف الأول لوجود إسرائيل كشعب الله المختار هو أن تكون بركة لجميع الأمم بواسطة
نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب، النسل الآتى الذى سيكون له السيادة، القضيب الذى يأتى
من سبط يهوذا، شيلون، والغصن الذى يأتى من بيت داود، المدبر الذى سيولد من بيت
لحم، الإله القدير رئيس السلام الذى سيأتي من إسرائيل بحسب الجسد(108)، مشتهى كل الأمم “ويكون أسمه إلى الدهر.
قدام الشمس يمتد أسمه. ويتباركون به. كل الأمم يطوبونه”، “والكتاب إذ
سبق فرأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم سبق فبشر إبراهيم أن فيك تتبارك جميع الأمم
لتصير بركة
إبراهيم للأمم فى المسيح”. ولأن اليهود توقعوا أن هذا النسل الآتى والمسيح
المنتظر سيكون ملكاً أرضياً وأنه سيؤسس بهم إمبراطورية عالية ويجعل منهم سادة على
كل الأمم. توقعوا أن يقيم لهم إمبراطورية سياسية استعمارية تسود على العالم كله
بالحروب وسفك الدماء متناسين أن أهم أسس ملكوت المسيح هى السلام والبر والحق
والعدل والوداعة “لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسى داود وعلى مملكته
ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد(109)“،
“هو عادل ومنصور وديع(110)“. كما توقعوا أن
يشبعهم بالخيرات المادية من أكل وشرب دون أن يعلموا أن “ملكوت الله ليس أكلاً
وشرباً. بل هو بر وسلام وفرح فى الروح القدس(111)
وأن “لحماً ودمأ لا يقدران أن يرثا ملكوت الله. ولا يرث الفساد عدم الفساد(112)“. كما رفضوا فكرة انضمام الأمم إلى ملكوت
المسيح وأرادوا ملكوتاً عنصرياً يتميزون فيه على سائر الأمم وحاولوا الحفاظ على
تميزهم وتراثهم ومن ثم فقد رفضوا يسوع المسيح ورفضوا الإيمان بأنه المسيح المنتظر
لأن الملكوت الذى جاء فيه وكرز به جاء مخيباً لأمالهم وقرروا قتله “إن تركناه
هكذا يؤمن الجميع به فيأتى الرومان ويأخذون موضعنا وأمتنا(113)“.

ولأنهم
رفضوا المسيح وصلبوه ومن قبله قتلوا ورجموا وجلدوا الأنبياء الذين أرسلهم الله
إليهم، كما قال السيد المسيح فى مثل الكرامين الذين قتلوا المرسلين إليهم، فقد رفضوا
من الملكوت “أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره(114)” وكان السيد المسيح قد أعلن أن كثيرين من
الأمم سينضمون إلى ملكوت الله “وأقول لكم أن كثيرين سيأتون من المشارق
والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب فى ملكوت السموات. وأما بنو الملكوت
فيطرحون فى الظلمة الخارجية(115)“.
وبكى السيد عليهم وعلى الخراب القادم على أورشليم مدينة الملك ولكنه يُعلم أنهم
سيعودون إليه وينضمون إلى حظيرة الكنيسة ودائرة ملكوت الله يوماً ما “يا
أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك
كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خراباً.
لأنى أقول لكم لا تروننى من الآن حتى تقولوا مبارك الآتى باسم الرب(116)“.

حلت
الكنيسة كشعب الله فى العهد الجديد محل إسرائيل، شعب الله فى القديم، وكما كانت
إسرائيل هى دائرة ومجال حكم الله وسيادته وملكوته أصبحت الكنيسة هى ملكوت الله على
الأرض، أو بمعنى أدق هى الدائرة والمجال الذى يعمل خلاله ملكوت الله، هى مملكة
المسيح الروحية التى آمنت به وتطهرت من خطاياها بدمه فصار أعضاؤها ملوكاً وكهنة فى
ملكوت المسيح “الذى أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكاً وكهنة لله
أبيه(117)“، مستحق أنت (أيها
المسيح) أن تأخذ السفر وتفك ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان
وشعب وأمة وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة فسنملك على الأرض(118)“.

وقد
بدأت الكنيسة وبدأت الكرازة بملكوت الله بعدد قليل جداً من التلاميذ الإثنى عشر
والرسل السبعين وبعض التلاميذ الآخرين، وقد وصفهم السيد “بالقطيع
الصغير”، “لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم سر أن يعطيكم الملكوت(119)” والمساكين بالروح “ورفع عينيه إلى
تلاميذه وقال طوباكم أيها المساكين لأن لكم ملكوت السموات(120)“،
وعلمهم دائماً أن يصلوا “ليأت ملكوتك كما فى السماء كذلك على الأرض(121)“، وأن لا يهتموا بالماديات ولا بالجسديات
بل بالروحيات “اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم(122)“، وكشف لهم أسرار ملكوت الله ” أعطى
لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت الله(123)“،
وأعطاهم سلطان الحل والربط كممثلين له “الحق أقول لكم كل ما تربطونه على
الأرض يكون مربوطاً فى السماء. وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السماء(124)“، ومغفرة الخطايا” ولما قال هذا نفخ
وقال لهم أقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه أمسكت(125)“.

وقد
وصف هذا القطيع الصغير الذى كان عليه أن يحمل الكرازة بملكوت الله لجميع الأمم
والشعوب والقبائل والألسنة بحبة الخردل المتناهية فى الصغر ولكنها عندما تزرع تصير
شجرة عظيمة تتآوى فى أغصانها طيور كثيرة “يشبه ملكوت السموات حبة خردل أخذها
إنسان وزرعها فى حقله. وهى أصغر جميع البذور. ولكن متى نمت أكبر البقول وتصير شجرة
حتى أن طيور السماء تأتى وتتآوى فى أغصانها(126)“.

ولأن
الكنيسة أصبحت، هى، مجال ودائرة ملكوت الله، أو ملكوت الله على الأرض، فقد أصبح
أعضاؤها، أعضاء الملكوت، أو كما يصفهم السيد المسيح “بنو الملكوت”، وصار
لهم نفس ألقاب “أبناء الملكوت” التى لقب بها، سابقاً، بنو إسرائيل، وذلك
إلى جانب الألقاب الجديدة التى صارت بحكم إنمائهم للملكوت، وأهمها “أبناء
الله” الذين يصلون لله الآب ويخاطبونه بلقب “أبانا”، “أبانا
الذى فى السموات”. يقول بطرس الرسول بالروح القدس وهو يخاطب أعضاء الكنيسة:

“وأما
أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكى أمة مقدسة شعب اقتناء لكى تخبروا بفضائل الذى دعاكم
من الظلمة إلى نوره العجيب. الذين قبلاً لم تكونوا شعباً وأما الآن فأنتم شعب
الله. الذين كنتم غير مرحومين وأما الآن فمرحومون(127)“.
وهذا ما سبق وقيل فى لبنى إسرائيل فى القديم.

 

2- ملكوت الله فى الحاضر والدهر الآتى:

فى
مثل الحنطة والزوان(128) وصف السيد المسيح ملكوت
الله بالزارع الجيد الذى زرع حنطة فى حقله وجاء عدوه ليلاً وزرع فى وسطه زواناً
ولما نما الزرع ووضع ثمراً نما الزوان أيضا مع الحنطة فأقترح عليه عبيده أن يجمعوا
الزوان ولكنه رفض لئلا تقلع الحنطة مع الزوان وقال لهم “دعوهما ينميان كلاهما
معاً (الحنطة والزوان) إلى وقت الحصاد”. وفى وقت الحصاد اجمعوا الزوان أولاً
وأحرقوه بالنار “وأما الحنطة فاجمعوها إلى مخزنى”. ثم فسر المثل هكذا
“الزارع الزرع الجيد هو ابن الإنسان (المسيح) والحقل هو العالم. والزرع الجيد
هو بنو الملكوت. والحصادون هم الملائكة. فكما يجمع الزوان ويحرق بالنار هكذا يكون
فى إنقضاء هذا العالم. يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر
وفاعلى الإثم. ويطرحونهم فى آتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. حينئذ
يضئ الأبرار كالشمس فى ملكوت أبيهم(129)“.

وفى
هذا المثل وتفسيره يوضح لنا السيد المسيح صورة ملكوته على الأرض، حيث يختلط بنو
الملكوت وبنو الشرير، فى العالم الحاضر، وملكوته فى السماء حيث الأبرار، بنو
الملكوت يضيئون كالشمس فى ملكوت أبيهم، بينما يلقى بنو الشر فى نار جهنم.

والعالم
الحاضر أو “هذا الدهر” أو “الدهر الحاضر”، كما يتكرر فى العهد
الجديد،يعبر عن الفترة التى تتركز حول وعند تجسد السيد المسيح وتمتد إلى الوراء
إلى بداية الخليقة وتمتد إلى الأمام إلى المجئ الثانى للسيد المسيح وقيامة الموتى
وانقضاء العالم، أى الفترة الزمنية التى يعيشها البشر على هذه الأرض حتى يوم
الدينونة. و”الدهر الآتى” أو “ذلك الدهر” هو ما يبدأ بعد
المجئ الثانى للمسيح فى المجد وقيامة الموتى وانقضاء العالم والدينونة ويمتد إلى
الأمام فى الأبدية التى لا زمن لها ولا نهاية. ويميز العهد الجديد بين حياتين؛
حياة “هذا الدهر” أو “العالم الحاضر” ولاذى لا يعنى به مجرد
المكان “الأرض”، بل بالدرجة الأولى “الزمان”، والذى يسميه
القديس بطرس بالروح “زمان غربتكم(130)
باعتبار أن بنى الملكوت “غرباء ونزلاء على الأرض(131)
كما يقول بولس الرسول بالروح، بدليل أن الكتاب عندما يقول “العالم
الحاضر” لا يستخدم كلمة “كوزموس
Kosmos” والتى تعنى “العالم” بل يستخدم كلمة “إيون _
Aiwn” والتى تعنى “الدهر” مما يؤكد أنه يقصد
“الزمان الحاضر”. وهذا “الزمان الحاضر” أو “العالم
الحاضر” أو هذا الدهر سينتهى تماماً بالمجئ الثانى والدينونة. وأما
“الدهر الآتى” أو “ذلك الدهر” والذى يبدأ بالمجئ الثانى
والدينونة ويدخل فى الأبدية أتلازمن فيمتد ببركاته ويذوق بنو الملكوت مواهبه
وينالون عربونه فى العالم الحاضر:

“ومتى
جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين مع فحينئذ يجلس على كرسى مجده.
ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم عن بعض كما يميز الراعى الخراف عن الجداء
ثم يقول
الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس
العالم(132)“.

“الذين
استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس وذاقوا كلمة الله
الصالحة وقوات الدهر الآتى(133)“،

“الذى
أعطانا أيضا عربون الروح(134)“،

“الذى
ختمنا أيضا وأعطى عربون الروح فى قلوبنا(135)“،

“روح
الموعد القدوس الذى هو عربون ميراثنا(136)“،

“الحق
أقول لكم ليس أحد ترك بيتاً أو أخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً
أو حقولاً لأجلى ولأجل الإنجيل إلا ويأخذ منه ضعف الآن فى هذا الزمان بيوتاً وأخوة
وأخوات وأمهات وأولاداً وحقولاً مع اضطهادات وفى الدهر الآتى الحياة الأبدية(137)“.

 

3- أبناء الملكوت والعالم الحاضر:

يختلط
أبناء الملكوت وأبناء الشرير، كما قال السيد المسيح فى مثل الحنطة والزوان، فى هذا
العالم الحاضر الذى يصفه القديس بولس بالروح ب “العالم الحاضر الشرير(138)“. فهذا العالم يقع تحت سلطان إبليس والذى
يسمى أيضا “بإله هذا الدهر”؟ “إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير
المؤمنين لئلا تضئ لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذى هو صورة الله(139)“، و”رئيس هذا العالم”
و”رئيس سلطان الهواء”. الذى يعمل فى الخطاة، أبناء المعصية “رئيس
سلطان الهواء الروح الذى يعمل الآن فى أبناء المعصية(140)“،
وفى أبناء الظلمة الذين يعيشون “فى الظلمة(141)
ويعملون “أعمال الظلمة(142)“،
فهو أيضا “سلطان الظلمة(143)
الذى طرحه الله مع جنوده “فى سلاسل الظلام(144)
وحفظ “لهم قتام الظلام(145)
كما قيده أيضاً “بقيود أبدية تحت الظلام(146)“،
ويوصف جنوده ب “أجناد الشر الروحية”؛ “فإن مصارعتنا ليست مع دم أو
لحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الهر مع أجناد الشر
الروحية فى السماويات(147)“، وهو يعمل جاهداً
لإسقاط أبناء الملكوت “إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو(148)“.

ولكن
المسيح قهره وهزمه وأنتصر عليه بتواضعه العجيب “أفتقر وهو غنى(149)“، “أخلى نفسه آخذاً صورة عبد
وضع نفسه
وأطاع الموت موت الصليب(150)“، وأذله ببره غير
المحدود “رئيس هذا العالم يأتى وليس له فىّ شئ(150)“،
وأدانه بموته الكفارى على الصليب “الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس
هذا العالم خارجاً. وأنا أن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع. قال هذا مشيراً إلى
آية ميتة كان مزمعاً أن يموت(152)“،
وأسقطه بأعماله الإعجازية وسلطانه غير المحدود “فرجع السبعون بفرح قائلين يا
رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من
السماء(153)“. ولهذا فإن أبناء
الملكوت يستطيعون هزيمته أيضاً لأن المسيح أعطاهم سلطان عليه “ها أنا أعطيكم
سلطاناً لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شئ(154)“،
كما أن من يدخل حظيرة ملكوت المسيح لا يمكن أن يتركه “من يقبل إلىّ لا أخرجه
حارجاً(155)“، “خرافى تسمع
صوتى وأنا أعرفها فتتبعنى. وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها
أحد من يدى(156)“.

ولكن
على أبناء الملكوت أن لا يتمثلوا بأهل العالم “لا تشاكلوا هذا الدهر. بل
تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هى إرادة الله الصالحة المرضية(157)“، وأن لا يكون لهم علاقة مع الظلمة
“أية شركة للنور مع الظلمة(158)“،
“ولا تشتركوا فى أعمال الظلمة(159)
لأنهم ملح الأرض ونور العالم “أنتم ملح الأرض
أنتم نور
العالم
فليضئ
نوركم هكذا قدام الناس لكى يروا أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذى فى السموات(160)“.

 

4- دخول ملكوت الله:

للدخول
إلى ملكوت الله شروط وهذه الشروط متعلقة بالولادة الروحية، الولادة من فوق، ونقاوة
القلب والقداسة والبر والوداعة واتضاع القلب وتنفيذ إرادة الله وعمل الأعمال التى
ترضى الله وتليق بأولاد ملكوت الله ورفض كل أعمال إبليس وعدم الاتكال على المال أو
على بنى البشر؛ قال السيد المسيح لنيقوديموس أحد معلمى ورؤساء اليهود “الحق
الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله. قال له
نيقوديموس كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ. ألعله يقدر أن يخل بطن أمه ثانية
ويولد. أجاب يسوع الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر
أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح(161)“. والولادة من فوق تتم بقبول المسيح
والإيمان به كالمخلص والفادى الذى قدم ذاته على الصليب نيابة عن كل البشرية، كل من
يؤمن به، والميلاد بالروح يتم فى المعمودية، بعد الإيمان؛ “من آمن وأعتمد خلص(162)“:

“أحب
المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكى يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء
بالكلمة لكى يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شئ من مثل ذلك بل
تكون مقدسة وبلا عيب(163)“.

ظهر
لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال فى بر عملناها نحن بمقتضى رحمته خلصنا بغسل
الميلاد الثانى وتجديد الروح الذى سكبه علينا بغنى بيسوع المسيح مخلصنا حتى إذا
تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية(164)“،

“كل
الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه. الذين
وُلدوا ليس من دم ولا مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله(165)“.

وهذه
الولادة الروحية تحول الإنسان إلى خليقة جديدة “إذا كان أحد فى المسيح فهو
خليقة جديدة(166)“، فقد “شاء
فولدنا بكلمة الحق لكى نكون باكورة خلائقه(167)“،
وتؤدى إلى نقاوة القلب والبر والقداسة والوداعة الذين هم أهم شروط دخول الملكوت
“طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات
طوبى
للجياع والعطاش إلى البر. لأنهم يشبعون. طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله
طوبى
للمطرودين من أجل البر. لأن لهم ملكوت السموات(168)“.

ويؤكد
السيد المسيح أن أنقياء القلب هم الذين لهم قلوب مثل قلوب الأطفال “من لا
يقبل ملكوت الله مثل ولد لن يدخله(169)“،
ولما سأله تلاميذه عمن هو الأعظم فى الملكوت “دعا يسوع إليه ولداً وأقامه فى
وسطهم وقال: الحق أقول لكم إن لم ترجعوا أو تصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت
السموات. فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم فى ملكوت السموات(170)“، ولما انتهر تلاميذه الأولاد الذين
تقدموا إليه ليباركهم، قال لهم “دعوا الأولاد يأتون إلىّ ولا تمنعوهم لأن
لمثل هؤلاء ملكوت السموات(171)“، كما أكد أن البر
مطلوب لدخول الملكوت ليس مجرد حفظ الوصايا “ليس كل من يقول لى يا رب يا رب
يدخل ملكوت السموات بل الذى يفعل إرادة أبى الذى فى السموات(172)“،
بل الاشتياق للبر “طوبى للجياع والعطاش إلى البر”. وعندما وجد السيد
المسيح أحد الكتبة يحفظ الوصايا ويجاوبه بعقل قال له “لست بعيداً عن ملكوت
الله(173)“، ولكنه لم يكن من
بنى الملكوت، لماذا؟ لأنه لم يبرره المسيح ولم يعطى السلطان ليصير أحد أولاد الله،
وهذا ما قاله السيد للشاب الغنى الذى كان حافظاً للوصايا منذ طفولته “يعوزك
شئ واحد. أذهب بع كل مالك وأعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال وأتبعنى
حاملاً الصليب(174)“. كان الكتبة
والفريسيون حافظين للوصايا ولكن برهم ناقص لذلك قال السيد لتلاميذه “إن لم
يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات(175)“.

ولا
يدخل ملكوت الله المتكلين على الأموال، قال السيد لتلاميذه بعد أن مضى الشاب الغنى
حزيناً “ما أعسر دخول ذوى الأموال إلى ملكوت الله. فتحير التلاميذ من كلامه.
فأجاب يسوع أيضاً وقال لهم يا بنى ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت
الله. مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله(176)“. وإنما يدخل الله الفقراء فى الماديات
والجسديات ولكنهم أغنياء فى الإيمان “أما أختار الله فقراْ هذا العالم أغنياء
فى الإيمان وورثة الملكوت الذى وعد به الذين يحبونه(177)“.

ولا
يدخل ملكوت الله ملكوت الله الجسدانيون والماديون الذين يعيشون بحسب الجسد وليس
بحسب الروح “فإنكم تعلمون هذا أن كل زان أو نجس أو طماع الذى هو عابد للأوثان
ليس له ميراث فى ملكوت المسيح والله(178)“،
“أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله. لا تضلوا لا زناة ولا عبد
أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعوا ذكور ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون
ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله(179)“،
“أما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة
الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم فى البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذى هو الموت
الثانى(180)“. والخلاصة أنه لن
يدخل ملكوت الله “شئ دنس ولا ما يصنع رجساً وكذباً إلا المكتوبين فى سفر حياة
الحمل (المسيح)(181) “.

إنما
يدخل الملكوت الذين يعيشون بحسب الروح وليس بحسب الجسد “أن لحماً ودماً لا
يقدران أن يدخلا ملكوت الله. لا يرث الفساد عدم الفساد(182)“،
وكما يحق للمسيح وإنجيله “ونشهدكم لكى تسلكوا كما يحق للذى دعاكم إلى ملكوته
ومجده(183)“، “عيشوا كما
يحق لإنجيل المسيح(184)“، ويتخذون من
المسيح ذاته نموذجاً لحياتهم “تعلموا منى. لأنى وديع ومتواضع القلب. فتجدوا
راحة لنفوسكم(185)“، ويتبعونه وينظرون
للأمام وليس للوراء؛ قال أحدهم للمسيح “يا سيد أئذن لى أن أمضى وأدفن أبى
أولاً. فقال يسوع دع الموتى يدفنون موتاهم وأما أنت فأذهب وناد بملكوت الله. وقال
أخر أيضاً أتبعك يا سيد ولكن أئذن لى أولاً أن أودع الذين فى بيتى. فقال له يسوع
ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر للوراء يصلح لملكوت الله(186)“.
وكذلك الذين يتحملون الضيق والاضطهاد لأجل اسم المسيح “طوبى للمطرودين من أجل
البر لأن لهم ملكوت السموات. طوبى لكم إذ عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة
شريرة من أجلى كاذبين أفرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم فى السموات(187)“، “أنه بضيقات كثيرة ينبغى أن ندخل
ملكوت الله(188)“.

 

5- ظهور ملكوت الله وانتشاره فى الحاضر:

ظهر
ملكوت الله منذ التجسد فى معمودية السيد المسيح على يد يوحنا المعمدان وفى تجليه
على الجبل وفى أعماله وصلبه وقيامته وصعوده وفى إرساله الروح القدس يوم الخمسين.
منذ ذلك ينتشر الملكوت فى العالم بقوة كلمة الله وعمل الروح القدس.

 

أ- المعمودية:

كان
الكتبة والفريسون، قبل كرازة السيد المسيح، سيدون طريق الملكوت أمام الناس بريائهم
ووقفهم كحجر عثرة فى طريق الدخول إليه، لذا قال لهم “ويل لكم أيها الكتبة
والفريسيون المرأوون لأمتكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا
تدعون الداخلين يدخلون(189)“. وكان ملكوت الله
يؤخذ بالقوة “ومن أيام يوحنا المعمدان إلى الآن ملكوت السموات يغضب والغاضبون
يختطفونه(190)“. ثم ظهر ملكوت
الله بقوة بتجسد السيد المسيح وظهوره وأصبح متاحاً للجميع، يهود وغير يهود، لكل
البشرية فى العالم أجمع. وكانت المعمودية هى بداية هذا الظهور.

فقد
“جاء يوحنا المعمدان يكرز فى برية اليهودية. قائلاً توبوا لأنه قد أقترب
ملكوت الله(191)“. وكانت غاية
رسالته هى المناداة بالتوبة “اصنعوا أثماراً تليق بالتوبة(192)“،
ليهيئ الناس للمسيح الآتى، أو كما قال الملاك ل “يهيئ للرب شعباً مستعداً(193)” و”كما هو مكتوب فى الأنبياء. ها أنا
أرسل أمام وجهك ملاكى (رسولى) الذى يهيئ طريقك قدامك(194)“.
وقال المعمدان نفسه “أنا أعمدكم بماء التوبة. ولكن يأتى بعدى هو أقوى منى
الذى لست آهلاً أن أحمل حذاءه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار(195)“.
ولما جاء السيد ليعتمد قال له المعمدان يعلم أنه القدوس البار، فبالرغم من أنه
اتخذ جسداً وصورة العبد إلا أنه، كما يقول الوحى، كان بلا خطية “مجرب فى كل
شئ مثلنا بلا خطية(196)“. ثم قال ليوحنا
“أسمح الآن. لأنه لا يليق بنا أن نكمل كل بر.” فسمح له يوحنا “فلما
اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. وإذا السموات انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل
حمامة وآتياً عليه. وصوت من السماء قائلاً: هذا هو ابن الحبيب الذى به سررت(197)“.

كان
على السيد المسيح، القدوس البار، أنم “يتمم كل بر” برغم أنه هو نفسه
“الرب برنا”، “كان ينبغى” كما يقول الوحى “أن يشبه أخوته
فى كل شئ لكى يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً فى ما لله حتى يكفر خطايا الشعب. لأنه
فيما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين(198)“.
وأمام هذا التواضع العجيب أعلنت السماء أنه ابن الله “هذا هو ابنى الحبيب
الذى به سررت”. وبعد هذا الإعلان كانت شهادة المعمدان للمسيح هى “وأنا
قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله(199)“.

وبعد
المعمودية ذهب الرب بالروح إلى البرية ليجرب من “رئيس هذا العالم(200)“، إبليس، “رئيس سلطان الهواء(201)” الذى تقدم إليه بعد أن صام “أربعين
نهاراً وأربعين ليلة” ليجربه فى ثلاثة أمور هى: احتياجات الجسد المادية
“إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً(202)“،
تجربة الله بعمل معجزات لا تمجده “إن كنت ابن الله فأطرح نفسك (من على جناح
الهيكل) إلى أسف. لأنه مكتوب أنه يوصى ملائكته بك. فعلى أياديهم يحملونك لكى لا
تصطدم بحجر رجلك(203)“، ثم طلبه الخضوع
لإبليس ليعطيه ممالك العالم “ثم أخذه إبليس على جبل عال جداً وأراه جميع
ممالك العالم ومجدها. وقال له أعطيك هذه جميعاً أن خررت وسجدت لى(204)“. وكان رد السيد الذى قهر الشيطان هو أن
ملكوت الله لا يعتمد، فى الحاضر، فقط على الطعام والشراب بل بالدرجة الأولى على
احتياجات الإنسان الروحية “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من
فم الله(205)“، أو كما يقول بولس
الرسول بالروح “لأن ملكوت الله ليس أكلاً أو شرباً. بل هو بر وسلام وفرح فى
الروح القدس(206)“، ولا يعتمد على
مجرد المعجزات الخارقة التى تتطلب لمجرد تجربة الله. ولا تهدف إلى مجده “لا تجرب
الرب إلهك(207)“، ولا على الخضوع
لإبليس لأن المسيح ما جاء إلا لينقض أعمال إبليس ويهدم ملكوت “لأجل هذا أظهر
ابن الله لكى ينقض أعمال إبليس(208)“،”لكى
يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت أى إبليس(209)“،
فقال له “للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. ثم تركه إبليس وإذا ملائكة فد جاءت
فصارت تخدمه(210)“.

 

ب- فى أعمال السيد المسيح:

كانت
أعمال السيد المسيح ومعجزاته وآياته التى تفوق الحد والوصف والخيال برهان إرساليته
من الآب، وهو لم يعمل أى معجزة لحد ذاتها أو لمجرد الإبهار، بل كانت برهاناً
لإعلان لاهوته ومجده ومجد الآب وظهور ملكوت الله:

“لأن
الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله وسيريه أعمالاً أعظم من هذه لتتعجبوا أنتم(211)“،

“صدقونى
إنى فى الآب والآب فى. وإلا فصدقونى لسبب الأعمال نفسها(212)“،

“ولكن
إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بى فأمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فىّ
وأنا فيه(213)“،

“وتبعه
جمع كثير لأنهم أبصروا آياته التى صنعها فى المرضى(214)“.

قال
السيد عن مرض لعازر “هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله
به(215)” وقال عن المولود أعمى “لا هذا أخطأ
ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه
ينبغى أن أعمل أعمال
الذى أرسلنى مادام نهار
مادمت فى العالم فأنا نور العالم(216)“. وأكد للفريسيين أن أعماله هى برهان
تراجع مملكة إبليس أمامه كما أنها برهان ملكوت الله “إن كنت أنا بروح الله،
بإصبع الله(217)” أخرج الشياطين فقد
أقبل عليكم ملكوت الله(218)“، ولما “رجع
السبعون بفرح قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رأيت الشيطان
ساقطاً مثل البرق من السماء(219)“.

 

ج- فى التجلى:

بعد
الإعلان عن حقيقة كونه “المسيح ابن الله الحى(220)“،
أعلن الرب عن حتمية آلامه وصلبه وقيامته وبدأ يتحدث عن مجيئه فى ملكوته، ملكوته
الآتى “فإن ابن الإنسان سوف يأتى فى مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل
واحد حسب عمله”. ثم أعلن لتلاميذه الإعلان التالى “الحق أقول لكم أن من
القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً فى ملكوته(221)“. ثم يقول الكتاب “وبعد ستة
أيام” من القول السابق “أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم إلى
جبل عال منفردين. وتغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء
كالنور. وإذا موسى وإيليا ظهرا لهم (للتلاميذ) يتكلمان معه(222)
ويقول القديس لوقا بالروح أنهما تكلما “عن خروجه الذى كان عتيداً أن يكمله فى
أورشليم(223)” ثم جاء “صوت
من السحابة قائلاً هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت له اسمعوا(224)“،
لقد منح الرب لمحات من مجده لتلاميذه وأظهر ملكوته كما وعد.

 

د- على الصليب وفى القيامة:

كان
مزود بيت لحم هو العرش الأول للملك، ملك الملكوت، على الأرض، وكان الصليب الذى كان
رُفع عليه فى الجلجثة هو عرش التتويج الذى توج من عليه ملكاً يجذب إليه الجميع
“وأنا أن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع. قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان
مزمعاً أن يموت(225)“. كان بعض
اليونانيين يريدون أن يروا المسيح وسألوا تلاميذه من أجل ذلك فقال لهم “قد
أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان” وأخذ يتكلم عن موته الوشيك على الصليب والذى
سيكون سبباً لانضمام الكثيرين إلى الملكوت ” الحق الحق أقول لكم إن لم تقع
حبة الحنطة فى الأرض وتمت فهى تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير(226)“. فهو ذاته البذرة التى كان يبج أن يموت
لكى بموته يجذب الكثيرين إلى ملكوته. قال ليوحنا ويعقوب ابن زبدى عندما طلبت أمهما
من السيد أن يجلسا واحد عن يمينه والآخر عن يساره فى ملكوته “أتستطيعان أن
تشربا الكأس التى سوف أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التى اصطبغ بها أنا
كما أن ابن
الإنسان لم يأتى ليُخدم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين(227)“،
فقد جاء ليبذل نفسه على الصليب لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة
الأبدية. قال فى العشاء الربانى “هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يسفك عن
كثيرين لمغفرة الخطايا(228)” وقال القديس بولس
بالروح “هكذا المسيح أيضاً بعدما قُدّم مرة لكى يحمل خطايا كثيرين سيظهر
ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه(229)
وأيضا “منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح
الذى بذل نفسه لأجلنا لكى يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً فى
أعمال حسنة(230)“.

وكما
كان موته على الصليب هو مجده والصليب هو العرش الذى يتجه إليه الجميع كانت
القيامة، التى لم يتحدث أبداً عن آلامه وصلبه دون ذكرها، هى برهان الحياة الأبدية
فى الملكوت وقد تحدث بعدها السيد مدة أربعين يوماً عن “الأمور المختصة بملكوت
الله(231)“، وبعدها صعد الملك
إلى السماء وجلس عن يمين الآب يقول بطرس الرسول بالروح “فيسوع هذا أقامه الله
ونحن جميعاً شهود لذلك. وإذا أرتفع بيمين الله وأخذ موعد الروح القدس من الآب سكب
هذا الذى أنتم تبصرونه وتسمعونه. لأن داود لم يصعد إلى السموات. وهو نفسه يقول قال
الرب لربى أجلس عن يمينى. حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك. فليعلم جميع بيت إسرائيل
أن الله جعل يسوع هذا الذى صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً(232)“.

من
على الصليب أجتذب المسيح، الملك المتوج على الصليب، الجميع إليه وبالقيامة والصعود
والجلوس عن يمين العظمة فى السموات صار موضوع عبادة الجميع باعتباره رب المجد، ملك
الملكوت، المعبود الذى يجب أن تقدم له العبادة:

“الذى
إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة
عبد صائراً فى شبه الناس وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت
الصليب. لذلك رفعه الله وأعطاه أسماً فوق كل اسم. لكى تجثوا باسم يسوع كل ركبة ممن
فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد
الله الآب(233)“.

 

ه- حلول الروح القدس وانتشار الملكوت:

شبه
السيد المسيح انتشار الملكوت بالخميرة الصغيرة التى تعمل بطريقة غير مرئية وتخمر
كمية كبيرة من العجين “يشبه ملكوت السموات خميرة أخذتها امرأة وخبأتها فى
ثلاثة أكيال دقيق حتى أختمر الجميع(234)“.
وهذا بالضبط هو عمل الروح القدس. فالروح القدس هو العطية العظمى للملك القائم من
الموت؛ الصاعد إلى السماء والجالس عن يمين الآب، وقد سكبه السيد على التلاميذ بعد
عشرة أيام من صعوده إلى السماء ليشهد له من خلالهم “فهو يشهد لى. وتشهدون
أنتم أيضاً(235)“، “ستنالون
قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لى شهوداً(236)“.
وكان حلوله على التلاميذ هو بداية انتشار ملكوت الابن، وقد بدأ فى الانتشار بقوة
منذ اليوم الأول لحلوله، فقد آمن فى ذلك اليوم وحده، كما يقول الكتاب، “نحو
ثلاثة آلاف نفس(237)“. كان الرسل يبشرون
بالأخبار السارة ويكرزون بملكوت الله وكان الروح القدس، الذى يؤيدهم بالآيات
والعجائب والقوات المتنوعة ومواهب الخاصة، يعمل فى القلوب بطريقة غير مرئية، مثل
الخميرة التى تعمل فى العجين، ويحرك القلوب للإيمان بالمسيح “وليس أحد يقدر
أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس(238)“.

 

 

 

(45)
1صم 13: 16

(46)
1صم 14: 13

(47)
أع 22: 13

(48)
أع 49: 7

(49)
مز 20: 89

(50)
2صم 12: 7-16

(51)
مز 29: 89،35-37

(52)
أع 30: 2

(53)
إر 16: 33

(54)
إش 6: 9

(55)
ميخا 2: 5

(56)
زك 9: 9

(57)
دا 14: 7

(58)
إش 1: 11-5

(59)
متى 11: 3

(60)
دا 34: 2-36، 44-45 رمز الوحى الإلهى بهذه المعادن المذكورة لممالك العالم الأربع
التى سادت على دول كثيرة وكونت أقدم الإمبراطوريات فى التاريخ وكان لها دوراً
مباشراً وغير مباشر فى علاقة الله بإسرائيل قديماً وفى علاقته بالكنيسة المسيحية
منذ تجسد ابن الله. وقد رمز بالذهب لإمبراطورية بابل، وبالفضة لإمبراطورية فارس،
وبالنحاس لإمبراطورية اليونان، وبالحديد والخزف لإمبراطورية الرومان.

(61)
دا 13،14،17

(62)
مر 14: 1

(63)
مر 15: 1

(64)
متى 35: 9

(65)
متى 7: 10

(66)
لو 1: 10،9

(67)
استخدم العهد القديم تعبير “الملكوت” للإشارة إلى ملكوت الله ولم ترد
عبارة “ملكوت الله” إلا مرة واحدة فى سفر الحكمة “
Basileia Tuo Theou” (حك 10: 10)، ووردت عبارة “ملكه” العائدة على
الله (حك 4: 6) وعبارة “ملك الدهور” فى سفر طوبيا (10: 13). وفى أدب
اليهود وكتبهم التى كتبت فى الفترة ما بين العهدين وردت عبارات
“الملكوت” و”ملكوتك” و”ملكوت إلهنا” وذلك فى كتاب
أخنوخ الأول (1: 41) وكتاب مزامير سليمان (18: 5؛ 3: 17). وفى كل الأحوال فالمعنى
المقصود هو الله “ملكوت الله”. ولكن فى الفترة السابقة لميلاد المسيح
مباشرة والفترة المعاصرة له استخدم اليهود فى فلسطين عبارة ” ملكوت الله –
مالكوت شمايم –

Basilei Ton Oranoon” وذلك تجنباً لذكر اسم الله.

(68)
متى 33: 5؛ 28: 12؛ 11: 13؛ 24: 19؛ 31: 21،43

(69)
متى 23: 4؛ لو 2: 11

(70)
متى 41: 13

(71)
متى 29: 26

(72)
كو 11: 4

(73)
أف 5: 5

(74)
2بط 11: 1

(75)

(76)
رؤ 15: 11

(77)
يو 15: 16

(78)
يو 13: 12

(79)
غل 4: 4

(80)
1تى 16: 3

(81)
لو 32: 1،33

(82)
لو 14: 2

(83)
متى 2: 2

(84)
يو 49: 1

(85)
يو 14: 6،15

(86)
يو 36: 19

(87)
دا 22: 7

(88)
دا 44: 7

(89)
دا 27: 7

(90)
متى 18: 28

(91)
متى 27: 11

(92)
يو 35: 3

(93)
رؤ 5: 1

(94)
رؤ 3: 15

(95)
رؤ 14: 17

(96)
رؤ 16: 19

(97)
متى 41: 13

(98)
متى 28: 16

(99)
لو 29: 22

(100)
لو 42: 23،43

(101)
زك 9: 9

(102)
مر 9: 11،10

(103)
متى 7: 10

(104)
متى 8: 10

(105)
لو 8: 10،9

(106)
متى 16: 16

(107)
متى 17: 16-19

(108)
رو 5: 96 مع إش 6: 9

(109)
إش 7: 9

(110)
زك 9: 9

(111)
رو 7: 14

(112)
1 كو 50: 15

(113)
يو 48: 11

(114)
متى 43: 21

(115)
متى 11: 8،12

(116)
متى 37: 23-39 ويؤكد القديس بولس الرسول بالوحى على حتمية خلاص إسرائيل وإيمانها
بالمسيح بعد إتمام الكرازة لجميع الأمم “ألعل الله رفض شعبه؟ حاشا … ألعلهم
عثروا لكى يسقطوا؟ حاشا. بل بزلتهم صار الخلاص للأمم لإغارتهم. فإن كانت زلتهم عنى
للعالم ونقصانهم غنى للأمم فكم بالحرى ملؤها … إن القساوة قد حصلت لإسرائيل
جزئياً إلى أن يدخل ملؤ الأمم. وهكذا سيخلص جميع إسرائيل” رو 1:
11،11،12،25،26

(117)
رؤ 5: 1،6

(118)
رؤ 9: 5،10

(119)
لو 32: 12 ويبدو أن السيد يشير إلى “البقية” التى تنبأ الأنبياء أنها
ستكون سبب بركة بل وباكورة للراجعين من إسرائيل والأمم “وتكون بقية يعقوب فى
وسط شعوب كثيرين كالندى من عند الرب” ميخا 7: 5

(120)
لو 20: 6

(121)
متى 10: 6

(122)
متى 33: 6

(123)
مر 11: 4

(124)
متى 18: 18

(125)
يو 22: 20،23

 

(127)
1 بط 31: 13،32

(128)
الزوان أو الزؤان اسم جمع يدل على النباتات الضارة مثل: الشوك والحنطة هى القمح.

(129)
متى 24: 13-30، 37-43

(130)
1 بط 17: 1

(131)
عب 13: 11

(132)
متى 31: 25-43

(133)
عب 4: 6،5

(134)
2كو 5: 5

(135)
2كو 22: 1

(136)
أف 14: 1

(137)
مر 29: 10،3

(138)
غل 4: 1

(139)
2كو 3: 4،4

(140)
أف 2: 2

(141)
1بط 9: 2

(142)
رو 12: 13

(143)
لو 53: 22؛ كو 13: 1

(144)
2بط 4: 2

(145)
2بط 17: 2

(146)
يه 6

(147)
أف 12: 6

(148)
1بط 9: 5

(149)
2 كو 9: 8

(150)
فى 7: 2،8

(150)
فى 7: 2،8

(152)
يو 31-33

(153)
لو 17: 10،18

(154)
لو 19: 10

(155)
يو 37: 6

(156)
يو 27: 10،28

(157)
رو 2: 12

(158)
2كو 24: 6

(159)
أف 11: 5

(160)
متى 13: 5-16

(161)
يو 3: 3-6

(162)
مر 16: 16

(163)
أف 25: 5-27

(164)
تى 4: 3-7

(165)
يو 12: 1،13

(166)
2كو 17: 5

(167)
يع 18: 1

(168)
متى 3: 5،6،10

(169)
لو 17: 18

(170)
متى 1: 18-4

(171)
متى 14: 19

(172)
متى 21: 17

(173)
مر 34: 12

(174)
مر 21: 10

(175)
متى 20: 5

(176)
مر 23: 10-25

(177)
يع 5: 2

(178)
أف 5: 5

(179)
1كو 9: 6،10

(180)
رؤ 8: 21

(181)
رؤ 27: 21

(182)
1كو 5: 15

(183)
1تس 12: 2

(184)
فى 27: 1

(185)
متى 29: 11

(186)
لو 59: 9-62

(187)
متى 10: 5-12

(188)
أع 22: 14

(189)
عب 17: 2،18

(190)
متى 12: 11

(191)
متى 1: 3،2

(192)
متى 8: 3

(193)
لو 17: 1

(194)
مر 2: 1

(195)
متى 11: 3

(196)
عب 15: 4

(197)
متى 15: 3-17

(198)
عب 17: 2،18

(199)
يو 34: 1

(200)
يو 11: 16

(201)
أف 2: 2

(202)
متى 3: 4

(203)
متى 6: 4

(204)
متى 9: 4

(205)
متى 4: 4

(206)
رو 7: 14

(207)
متى 7: 4

(208)
1يو 8: 3

(209)
عب 14: 2

(210)
متى 10: 4

(211)
يو 20: 5

(212)
يو 11: 14

(213)
يو 38: 10

(214)
يو 2: 6

(215)
يو 4: 11

(216)
يو 4: 9،5

(217)
لو 20: 11

(218)
متى 28: 12

(219)
لو 17: 10

(220)
متى 16: 16

(221)
متى 26: 16،27

(222)
متى 1: 17-3

(223)
لو 31: 9

(224)
متى 5: 17

(225)
يو 32: 12،33

(226)
يو 23: 12،24

(227)
متى 22: 20،28

(228)
متى 28: 26

(229)
عب 28: 9

(230)
تى 13: 2،14

(231)
أع 3: 1

(232)
أع 32: 2-36

(233)
فى 5: 2-11

(234)
متى 23: 13

(235)
يو 26: 15،27

(236)
أع 8: 1

(237)
أع 41: 2

(238)
1كو 3: 12

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى