اللاهوت الطقسي

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

الدار الخارجية ومحتوياتها The Court of Tabernacle

مقالات ذات صلة

الدار
الخارجية هى التي تحيط بالخيمة من سائر نواحيها، وكان مسموحاً لعامة الشعب أن
يدخلوها ماداموا طاهرين.. أما محتوياتها فهى:

(أ) مذبح المحرقة

(ب) المرحضة

 

(أ) مذبح المحرقة: (خروج 27: 1-8 و38: 1-7) Altar
of burnt offering

مذبح
المحرقة

كلمة محرقة في الأصل العبري الذي دُوّن به العهد
القديم هى
Olah
(عُوْلَه) وهى تعنى حرفياً صعيدة”
Ascending، والسبب إن كل ما كان يُحرق عليه كان يصعد للسماء “رائحة
سرور للرب” (لاويين 1: 13).

هو أول ما يُقابل الداخل إلى الدار الخارجية
أمام مدخل القدس وشرقى الخيمة، مما يؤكد العلاقة الأساسية بين الدخول إلى الله
بغية المثول في حضرته وبين ضرورة التقابل أولاً مع المذبح حيث الذبيحة والكفارة
والفداء.. باعتبار الذبائح التي تقدم عليه والتي كانت ترمز للمسيح، الذي قال:
“ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بي” (يوحنا 14: 6). فالمذبح كان هو
طريق الإسرائيلي إلى أقداس الله.

كان المذبح مربعاً ضخماً- طوله خمس أذرع
(2.25متر)، وعرضه 5 أذرع (2.25 متر)، وارتفاعه 3 أذرع (1.35 متر) (خروج 27: 1)،
مصنوعاً من خشب السنط ومغشى بالنحاس، له قرون على زواياه الأربع مصنوعة قطعة واحدة
مع المذبح. وله عصوان مصنوعتان أيضاً من خشب السنط المغشى بالنحاس تدخل في حلقات
على جانبيه لحمله أثناء الارتحال، وكانت الذبائح تُربط في قرون المذبح.
وكانت
تُثبت فى وسط المذبح شبكة من النحاس.

ويُلاحظ أن المذبح لم يكن له درج([1])
(خروج 20: 26) أى ليس له (سلالم) مصنوعة باليد ليصعد عليها الإنسان. وهذا
إشارة إلى الوسائط المستخدمة، فإنها لا تقرب الإنسان إلى الله. وإنما التقرب هو
بدم الذبيحة التي ترمز إلى ذبيحة المسيح ودمه.

كان يحمله الكهنة أينما رحلوا وانتقلوا ومتى
حلوا في مكان ملاؤه تراباً فصار مذبحاً وعلى هذا الاعتبار كان المذبح الحقيقي من
التراب وخشب السنط قالبه فزال بذلك عدم الفهم بين قول الله لموسى: “تصنع
المذبح من خشب السنط” (خروج 27: 1)، وقوله في موضع آخر
“مذبحاً
من تراب تصنع لى” (خروج 20: 24). أما جميع الآنية المتعلقة بالمذبح
فكانت مصنوعة من نحاس وهي:

 

1- القدور Pans: جمع قدر، وهى أوعية كانت تُستخدم لرفع الرماد والبقايا المتخلفة
عن الذبائح، كان بعضها يُستخدم لطبخ أجزاء من الذبائح. (الخاصة بنصيب الكهنة من
الذبيحة).

2- الرفوش Shovels: جمع رفش، وهو لكسح الرماد أو تنظيمه أو رفعه.

3- المراكن Basins: جمع مركن، أوعية (كالطشوت) يُوضع فيها الدم لاستعماله في الأغراض
المقدسة.

4- المناشل Forks: جمع منشل، أدوات ذات ثلاثة فروع كالشوكة، وكانت تُستعمل في ترتيب
قطع الذبيحة.

5- المجامر Fire Pans: لنقل النار من على مذبح المحرقة إلى مذبح البخور، يُرجح أنه كان
منها مجمرة كبيرة تُحفظ فيها النار المقدسة التي نزلت من عند الرب عند تنظيف
المذبح أو الارتحال، لكى تبقى النار موقدة. (هناك مجمرة ذهبية لرئيس الكهنة
لاستعمالها يوم الكفارة).

كان يجب أن تظل النار متقدة دائماً على المذبح
“نار دائمة تتقد على المذبح. لا تُطفأ” (لاويين 6: 13). ولكن من
أين جاءت تلك النار؟ من الله نفسه كما نقرأ “وخرجت نار من عند الرب
وأحرقت على المذبح المحرقة والشحم. فرأى جميع الشعب وهتفوا وسقطوا على
وجوههم” (لاويين 9: 24)، وقد حُفظت هذه النار “النار على المذبح
تتقد عليه. لا تُطفأ ويشعل عليها الكاهن حطباً كل صباح ويرتب عليها المحرقة” (لاويين
6: 12)
. (انظر أيضاً النار التي نزلت من السماء في عهد داود في بيدر أرنان (أخبار
الأيام الأول 21: 26)،
ومرة أخرى في الهيكل عند التدشين (أخبار الأيام
الثانى 7: 1)
).

وفي وقت السبي البابلى خبأها أحد الكهنة في جب
وبقيت إلى أيام نحميا فردها إلى المذبح فاشتعلت ويؤيد هذا التقليد ما جاء في سفر
المكابيين الثاني حيث قيل “فأنه حين أُجلى آباؤنا إلى فارس آخذ بعض أتقياء
الكهنة من نار المذبح سراً وخبأوها في جوف بئر لا ماء فيها وحافظوا عليها بحيث بقى
الموضع مجهولاً عند الجميع. وبعد انقضاء سنين كثيرة حين شاء الله أرسل ملك فارس
نحميا إلى هنا فبعث أعقاب الكهنة الذين خبأوا النار لالتماسها إلا أنهم كما حدثونا
لم يجدوا ناراً بل ماء خاثراً فأمرهم أن يغرفوا ويأتوا به، ولما أُحضرت الذبائح
أمر نحميا الكهنة أن ينضحوا بهذا الماء الخشب والموضوع عليه.فصنعوا كذلك. ولما
برزت الشمس وقد كانت محجوبة بالغيم اتقدت نار عظيمة حتى تعجب الجميع” (مكابيين
الثانى 1: 19-22)
. هذا لم يكن إلا رمزاً لنيران حب الله اللانهائى، فقد اشتعلت
على المذبح الجديد خلال الصليب، وتبقى غير منطفئة حتى تدخل بالبشرية إلى مقدسات الله.

وهى أيضاً علامة نيران محبتنا لله المقدمة خلال
الذبيحة غير الدموية بدون توقف، والتي لا تستطيع الخطية أن تطفئها كقول الحكيم
“مياه
كثيرة لا تستطيع أن تطفيء المحبة” (نشيد الأناشيد 8:
7).

كانت تلك النار على المذبح لا تشبع أبداً، شهادة
على أن تلك الذبائح الحيوانية لم تكن كافية وأنها لا تستطع أن تنزع خطايا، لكن رب
المجد إذ قدم نفسه عن الخطايا مرة واحدة وأكمل إلى الأبد المقدسين وأطفأ نار
الدينونة بالنسبة لهم “إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح
يسوع” (رومية 8: 1).

كان مذبح المحرقة له صفة خاصة به، إذ فيه يعلن
الله ذاته في بره وقداسته وهو في نفس الوقت مكان التقاء الخاطىء بالله. وفي
استحقاق الذبيحة التي صعدت إلى الله يستطيع الخاطىء أن ينال القبول لدى الله فكان
المذبح هو الحد الفاصل بين العالم وديار الرب.

كان مصنوعاً من خشب السنط كالتابوت والمائدة ومذبح
البخور ولكنه مغشى بالنحاس عوضاً عن الذهب، وخشب السنط يشير إلى طبيعة الرب
الإنسانية الطاهرة غير القابلة للفساد وبالتبعية غير الخاضعة لحكم الموت، أما
النحاس الذي يغشيه فيشير إلى بر الله في تعامله مع شر الإنسان ولذلك نجد النحاس
مرتبطاً بالدينونة، كما نرى في منظر الرب القضائى “ورجلاه شبه النحاس النقى
كأنهما محميتان في أتون” (رؤيا يوحنا 1: 15).

ومن مميزات النحاس القوة والصلابة والمتانة،
لذلك النحاس في مذبح المحرقة يعلن عن بر الله وقوة دينونته وعدم إمكان الإفلات
منها، كما يعلن الحماية التامة لمن يلجأ إليه كقول الرب لإرميا: “وأجعلك لهذا
الشعب سور نحاس حصيناً فيحاربونك ولا يقدرون عليك لأنى معك لأخلصك وأنقذك” (إرميا
15: 2)
.

أما الشبكة فكانت في منتصف المذبح من الداخل،
وكانت لتصفية الذبيحة أثناء حرقها، وهى تشير إلى آلام المسيح الداخلية التي كانت
هى أقسى الآلام “نفسى حزينة جداً حتى الموت” (متى 26: 38)
“إلهى إلهى لماذا تركتنى” (متى 27: 46). فلقد تحمل المسيح ما هو
أقسى جداً من ألم الاستهزاء والبصق على الوجه وإكليل الشوك والجلد والصلب، ألا وهو
عار الخطية ولعنتها وترك الآب له واحتجاب وجهه عنه.

والحلقات
الأربع التي كانت تدخل فيها العصوان لحمل التابوت في البرية تتحدث إلينا عن قصد
ثابت وعزم أكيد به يرافق الرب شعبه في كل خطوة من رحلتهم في البرية، وكأن تلك
الحلقات تشير إلى رابطته بشعبه الذي احتمل الدينونة من أجله، وكون الحلقات أربعاً
يشير إلى أن في الرب سد كل احتياج في الأرض، لأن أربعة هو رقم كل الأرض.

كانت كل الذبائح تُقدم على مذبح النحاس دون
سواه. وكانت تُذبح إلى الجهة الشمالية منه (لاويين 1: 11) ثم يأخذ الكاهن
الواقف في الجهة الجنوبية الدم ويرشه على المذبح مستديراً بحسب التعليمات ثم يرتب
قطعها على النار لُتحرق وقوداً للرب.

فمذبح المحرقة في جملته هو إعلان الله في بره
وفي محبته، ولذلك كان هو المكان الذي فيه يلتقى الله بالخاطىء كما أنه في الصليب:
“الرحمة والحق التقيا. البر والسلام تلاثما” (مزمور 85: 10). كان
حجم مذبح النحاس كبيراً بصورة ملفتة للنظر، لكى يُناسب المهمة التي أُعدّ لأجلها،
مشيراً إلى اتساع مراحم الله التي بدت بكل جلاء على الصليب.

وكما تحمل
مواد المذبح الشهادة لحقيقة الكفارة العظيمة كذلك تشير مقاساته إلى نفس تلك
الحقيقة، فكان طول المذبح خمس أذرع وعرضه خمس أذرع لأن الذبيحة مقدمة لتقديس
حواسنا الخمس.. هذا ورقم خمس يُذكرنا بالذبائح والتقدمات في العهد القديم كما جاءت
في سفر اللاويين وهى تمثل جوانب مختلفة لذبيحة الصليب. وكون المذبح مربعاً يشير
أيضاً إلى أن المسيح قد مات لأجل كل العالم.

كان ارتفاع
المذبح ثلاثة أذرع ورقم ثلاثة هو رقم الله المثلث الأقانيم، وكان للمذبح أربعة قرون
منه على زواياه الأربع، وكانت تلك القرون تتجه الى أربعة أقاصى الأرض تحمل رسالة
مزدوجة تذيعها:

 

أولاً – أن كل العالم تحت
القصاص من الله (رومية 3: 19)

ثانياً – أن هناك كفارة إلهية
قد قُدمت لأجل العالم لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية، فكما
أن الذنب هو ذنب كل العالم هكذا العلاج الإلهى مُقدم لكل الأجناس وكل الطبقات.

والقرون في الكتاب ترمز إلى القوة “ارتفع
قرنى بالرب” (صموئيل الأول 2: 1)، فقرون المذبح تشير إلى قوته ولذلك
كان دم ذبيحة الخطية يُرش عليها (انظر خروج 29: 12، لاويين 4: 25 و30 و8: 15).
إشارة إلى أن كل قوة الدم هى لصالح الخاطىء الذي يتقدم بالإيمان “لأن المسيح
إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعيّن لأجل الفجار” (رومية 5: 6).

كانت قرون المذبح أيضاً بمثابة ملجأ للذين
يلجأون إليها بحق ليحتموا بالدم المرشوش عليها وقد تمسك بها أدونيا خائفاً من
الملك سليمان فنال النجاة (ملوك الأول 1: 5) ولكن يوآب إذ لجأ إليها بدون
حق قُتل لأنه سفك دماً زكياً (ملوك الأول 2: 28 – 34) كما هو مكتوب في
الشريعة: “إذ بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدر فمن عند مذبحى تأخذه
للموت” (خروج 21: 14).

ولكن إن كانت قرون مذبح الرب هى مكان الرحمة
الإلهية للذين يلجأون إليها بالتوبة والإيمان فإن قرون مذابح الأوثان تشهد ضد
انحراف الشعب وتنقش عليهم خطيتهم “خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد برأس من
الماس منقوشة على لوح قلبهم وعلى قرون مذابحكم” (إرميا 17: 1) لأنه لا
قوة في تلك القرون ولا رحمة بل هى نفسها ستقطع كقول الرب “أعاقب مذابح بيت
إيل فتقطع قرون المذبح وتسقط إلى الأرض” (عاموس 3: 14).

كانت الذبائح تُربط في قرون المذبح قبل ذبحها
“أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح” (مزمور 118: 27) ويالها
من رُبط تلك التي ربطت الذبيحة العظمى بالصليب! إنها لم تكن المسامير بل حبال
المحبة التي هى أقوى من الموت (نشيد الأناشيد 8: 6) ويقول الرسول أنه
“من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزى” (عبرانيين
12: 2).

لم يكن للشعب غير مذبح واحد، أما كل المذابح
الأخرى فكانت بلا قيمة لأن النار التي عليها ليست نار الله. وفي هذا نرى أن رب
المجد يسوع هو المخلص الوحيد “ليس بأحد غيره الخلاص” (أعمال الرسل 4:
12).

كان مذبح المحرقة في الفناء الخارجي لخيمة
الاجتماع، إشارة إلى المسيح الذي تألم خارج المحلة. فقد صار الصليب هو المذبح الذي
قدَّم عليه المسيح نفسه ذبيحة مرة واحدة لأجل خلاصنا، ثم “بدم نفسه دخل مرة
واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً” (عبرانيين 12: 9).

وفي استحقاقات هذه الذبيحة الواحدة المقدسة
والقائمة كل حين تشفع فينا، صار “لنا مذبح لا سلطان للذين يخدمون المسكن أن
يأكلوا منه” (عبرانيين 13: 10). وعلى مذبحنا الجديد نقدم الذبيحة
المقدسة غير الدموية من الخبز والخمر التي هى جسد ربنا يسوع المسيح ودمه الأقدسين،
لكي نتحد بهما في الجسد الواحد ونقدم نحن أيضاً أجسادنا ذبيحة حية مقدسة مرضية عند
الله عبادتنا العقلية (رومية 12: 1)، كما “نقدم به في كل حين لله
ذبيحة التسبيح أي ثمر شفاه معُترفة باسمه” (عبرانيين 13: 15). بل إن
كل ما نقدمه من خير باسْمِ الرب يُحسب ذبيحة، كقول الرسول: “ولا تنسوا فعل
الخير والتوزيع، لأنه بذبائح مثل هذه يُسر

الله”
(عبرانيين 13: 16).

يليق بنا
أيضاً أن نلاحظ مذبح المحرقة وهو خارج قدس الأقداس كإنما يعلن عجز الذبائح
الحيوانية بالدخول بالإنسان إلى السماء. أما المذبح الجديد فيقام وسط الهيكل في
قدس الأقداس معلناً دخولنا إلى السماء عينها بالمسيح يسوع الذبيح!

وحين نرى الكيفية التي كان المذبح يُحمل بها
أثناء الارتحال في البرية. يقول الرب “ويرفعون رماد المذبح ويبسطون عليه ثوب
أرجوان ويجعلون عليه جميع أمتعته التي يخدمون عليه بها.. ويبسطون عليه غطاء من جلد
تخس ويضعون عصيه” (عدد 4: 13و 14).

ما أجمل
المذبح وفوقه ثوب الأرجوان مباشرة! الآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها –
الصليب ثم العرش. ولكن المذبح كان في البرية ومن ثم كان مغطى من الخارج بجلد التخس
– وفيه نرى المسيح مرفوضاً ومحتقراً، لم يأت وقت تبوئه عرش ملكه.

 

(ب) المرحضة: (خروج 30: 18 و38: 8) Laver

المرحضة

كانت كبيرة وتسع رجلاً بجملته أن يغتسل فيها..
وكانت بين مذبح النحاس ومدخل المسكن. فالداخل إلى القدس كان يضع خطيته على مذبح
المحرقة أولاً ثم يغتسل في المرحضة..

كانت مصنوعة من نحاس وقاعدتها من نحاس. والنحاس
الذي صُنعت منه المرحضة هو من مرائي ([2]) المتجندات ([3])
اللوائى تجندن عند باب خيمة الاجتماع (خروج 38: 8) ولم يُحدد للمرحضة شكل
ولا حجم ولكن البحر فى هيكل سليمان (وهو الذي تقابله المرحضة في الخيمة) كان
مدوراً مستديراً (ملوك الأول 7: 23، أخبار الأيام الثانى 4: 2).

كذلك لا يُذكر إلى أية عشيرة من عشائر اللاويين
قد عُهد حملها في البرية، ولا ذُكرت ترتيبات حملها كباقي القطع، وإنما ذُكرت مرة
واحدة عندما مسحها موسى هي وقاعدتها بدهن المسحة لتقديسها (لاويين 8: 11).

 

والمرحضة لها استعمال مزدوج:

الأول.. يأتى ضمن الممارسات
التي حددها الله لتكريس الكهنة.. فلكي يصبح الشخص كاهناً له حق مباشرة خدمته ككاهن
كان لابد من أمور معينة منها أن يغتسل جسده اغتسالاً كاملاً بمياه المرحضة
(استحماماً)([4])..
وهذا أمر يحدث له مرة واحدة في حياته حين يُكرس للخدمة الكهنوتية ولا يتكرر أبداً
مرة أخرى.

الثاني.. ففي موقعها في الدار
الخارجية بين مذبح النحاس ومدخل المسكن، كان يمر عليها الكهنة في طريقهم إلى مذبح
النحاس لتقديم الذبائح، أو حين دخولهم إلى القدس سواء لتغيير خبز الوجوه أو لإصلاح
سرج المنارة الذهبية أو لرفع البخور العطر من فوق مذبح البخور الذهبي أن يأتي
أولاً للمرحضة ويغسل يديه وقدميه بمائها.. وإلا عوقبوا بالموت (خروج 30: 20
و21).
وحينما نتذكر كلمات الرب لبطرس حين غسل قدميه نلمس التطابق الُمبدع بين
كلمات الرب وما ذكره سفر الخروج بشأن استخدامات المرحضة.. يقول الرب: “الذي
قد اغتسل (استحم) ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه بل هو طاهر
كله” (يوحنا 13: 10).

إمعاناً في تأكيد هذا الربط لم تستخدم الترجمة
السبعينية
Lxx
(قام بها اليهود قبل ميلاد المسيح فترجموا العهد القديم من العبرية إلى
اليونانية)، والتى لأهميتها استخدمها الرسل أنفسهم.. لم تستخدم كلمة واحدة للغسل
بالنسبة لاستخدامات المرحضة، بل لقد استخدمت نفس الكلمتين اللتين استعملها الرب في
حديث مع بطرس:

V كلمة Louo
التي تفيد الاستحمام (الغسل الكامل)
bathing وقد استخدمتها في ترجمتها للنصوص الخاصة بتكريس الكهنة (خروج
29: 4 و40: 12، لاويين 8: 6)
والذي يتم لهم مرة واحدة.

V كلمة nipto
والتي تعني الغسل الجزئي، ووردت عند الحديث عن الغسل المستمر للأقدام والأرجل (خروج
30: 18و 19 و40: 30و31).

هذا
الاغتسال الأول يشير إلى المعمودية التي بدونها لا يقدر أحد أن يتمتع بالقدسات
الإلهية – التي يُرمز لها بالمسكن في خيمة الاجتماع – أما كونها بين المذبح
النحاسي وباب الخيمة فلأنه لا تطهير بمياه المعمودية إلا من خلال ذبيحة المسيح
الكفارية.

أما الاغتسال اليومي للتطهير قبل خدمتهم في القدس،
فهو يشير إلى غسل الأرجل والتوبة ومراجعة النفس اليومية على نور كلمة الله، تلك
التي يقول عنها القديس بولس الرسول “لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان،
مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي.” (عبرانيين 10:
22).

وفي المسيح المصلوب على الصليب نرى المذبح
والمرحضة معاً. فلقد خرج من جنبه دم وماء “هذا هو الذي آتى بماء ودم يسوع
المسيح. لا بالماء فقط بل بالماء والدم” (يوحنا الأولى 5: 6).

لقد كان النحاس الذي صُنعت منه المرحضة هو من
مرائي المتجندات (خروج 38: 8)، والمرائي تتحدث عن المشغولية بالذات وبالباطل
التي تُولد الكبرياء، وفي (إشعياء 3: 23) نجد المرائي ضمن أدوات الزينة
التي كانت تفتخر بها بنات صهيون “ينزع السيد في ذلك اليوم زينة الخلاخيل
والضفائر والأهلة والحلق والأساور.. والمرائي والقمصان”، فيالها من نعمة غنية
عملت في قلوب أولئك المتجندات، وياله من شعور عميق بفضل الرب جعلهن يضحين
اختيارياً بما هو بحسب الطبيعة يقود إلى العجب والكبرياء، ليقدمن ما يُستعمل
للتأهيل للشركة مع الله. إن نعمة الله وحدها هي التي تستطيع أن تصوغ من مرائي
العجب مرحضة للتطهير.

أما كونه لا يذكر شيء عن شكل المرحضة وقاعدتها
ولا عن حجمها، فهذا يشير إلى عمل كلمة الله في التطهير بلا قياس أو حدود، لأنه ليس
للقداسة حدود: “كونوا قديسين، لأني أنا قدوس” (بطرس الأولى 1: 16).



اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى