اللاهوت الروحي

الفصل التاسع



الفصل التاسع

الفصل التاسع

ما يُضعِف الإيمان

مقالات ذات صلة

الشيطان يعمل باستمرار، وبكل جهده، على إضعاف
إيمان المؤمنين.

ويحاول هو وأعوانه “أن يضلوا ولو أمكن
المختارين أيضاً” (متى 24: 24). ولا يكفى هؤلاء مجرد إضعاف الإيمان، بل
يحاولون أن يوصلوا فريستهم حتى إلى الإرتداد. وهكذ في آخر الأيام يرتد كثيرون عن
الإيمان “تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شياطين” (1 تى 4: 1). وما أخطر
قول الكتاب في المجئ الثانى للمسيح “ولكن متى جاء ابن الإنسان، ألعله يجد
الإيمان على الأرض (لو 18: 8).

فما هى وسائل الشيطان في إضعاف الإيمان؟

إنها كثيرة: بعضها عنيف جداً. وبعضها هادئ قد لا
يحسه أحد:

1- الذات

2- سيطرة الحواس

3- إخضاع الإيمان للعقل

4- معاشرة الشكاكين

5- الانقياد وضعف الشخصية

6- الخوف

7- الشهوة

8- الظروف الخارجية

9- ضلالات الشيطان

10- الشك

 

1) الذات

كثيراً ما تقف الذات ضد الله، وترفضه لأنه ضد
رغباتها الخاطئة:

تشعر الذات أن الله يحد حريتها، التي تشتهى
أشياء لا يوافق الله عليها فلكى تتمتع بهذه (الحرية) أو بهذا التسيب، تنفصل عن
الله، كما انفصل الإبن الضال عن بيت أبيه (لو 15: 11 – 14)، لكى ينفق ماله حسب
هواه.. أو ترفض الله. ولعل الوجوديين الملحدين من أمثلة الرافضين لله. وهؤلاء صار
شعارهم هو:

 

من الخير أن الله لا يوجد، لكى أوجد أنا..

 

وهؤلاء قد أخطأوا فهم المعنى الحقيقى للوجود،
والمعنى الحقيقى للحرية. فليست الحرية هى أن يفعل الإنسان ما يشاء، فقد تكون
مشيئته خاطئة. إنما الحرية الحقيقية هى أن يتحرر الإنسان من كل شئ يشينه.. يتحرر
من العادات الرديئة التي تستعبده، ومن الشهوات الدنسة التي تنجسه. ويتحرر من سيطرة
المادة عليه، هذه التي تمنع روحه من إنطلاقها ومن العشرة مع الله التي هى الجود
الحقيقى.. ومن معوقات الذات للإيمان، رغبة الإنسان في الشعور بذاته، في القوة
والعظمة والكبرياء.. وهنا يرى الله منافساً له..

 

وهكذا وجد هيرودس أن مولود بيت لحم سينافسه
الملك، فرفض الإيمان به، وحاول أن يتخلص منه بقتله.. وكان من أمثال هيرودس أيضاً،
الكتبة والفريسيون، الذين رأوا أن المسيح قد أخذ مكانتهم وشعبيتهم كمعلم. فقال
بعضهم لبعض “أنظروا إنكم لا تنفعون شيئاً. هوذا العالم قد ذهب وراءه”
(يو 12: 19). ومن أجل الذات أيضاً رفض كل هؤلاء الإيمان بقيامة المسيح، لئلا تكون
دليلاً يجلب عليهم دم ذلك البار (أع 5: 28).. إن الذات من أكبر معرقلات الإيمان،
لذلك قال الرب:

 

“من أراد أن يتبعنى، فلينكر ذاته..”
(متى 16: 24).

 

وقال أيضاً “من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع
حياته من أجلى يجدها” (متى 10: 39). وهكذا نجد أن القديس بولس الرسول، من أجل
الإيمان، يقول “لست أحتسب لشئ، ولا نفسى ثمينة عندى” (أع 20: 24)،
“بل أنى أحسب كل شئ أيضاً خسارة، من أجل فضل معرفة المسيح يسوى ربى، الذى من
أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية، لكى أربح المسيح وأوجد فيه” (فى 3: 8،
9). فهل أنت كذلك؟ أم..

 

هل إيمانك يتعطل بسبب ذاتك؟ بسبب رغباتك وغرائزك
وأفكارك وشهواتك؟!

 

هل هناك تعارض بين الله وذاتك؟ إن كان كذلك،
إنكر ذاتك. قاومها. إنتصر عليها. لأن مالك روحه خير من مالك مدينة (أم 16: 32). إن
الكتبة والفريسيين والكهنة والشيوخ، كانوا يحرصون على ذاتهم حرصاً خاطئاً. كانت في
ذات كل منهم عيون، وكان المسيح يكشفها، حتى دون أن يتكلم عنها. بمجرد المقارنة
تنكشف. لذلك كانوا يكرهونه، ولم يؤمنوا به، لأنه نور يهتك ظلمتهم.. ووقفت ذاتهم –
التي تود أن تتغطى – عقبة في طريق إيمانهم.

 

لا ننس أن الشيطان نفسه، كانت سبب في ضياع
إيمانه.

 

وذلك حين فكر كيف تكبر هذه الذات.. كيف يصعد إلى
السموات، ويرتفع فوق كواكب الله، ويصير مثل العلى (اش 14: 14). فوقفت (عظمة) ذاته
ضد الإيمان بالله. أما الملائكة الأطهار فاحتفظوا بمكانتهم، لأنهم في إيمانهم
بالله حسبوا أنفسهم “خدامه العاملين مرضاته “(مز103: 21).

 

كثيرون أنفسهم جميلة في أعينهم. ذاتهم هى صنمهم.

 

يمنعهم عن حياة الإيمان: محبة الذات، والإعتداد
بالذات، والرغبة في تكبير الذات وتفخيم الذات، وتحقيق شهوات الذات، والهروب من كل
من يكشف هذه الذات أو يظهر مساوئها.. وهكذا ير يدون أن تحيا ذاتهم في جو من
التدليل والمجاملة والمديح. يتضايقون من كل كلمة صريحة ومن كل تأنيب وكل تأديب.
فكيف يمكنهم أن يحيوا في الإيمان؟!إن كنت كذلك أصلح ذاتك لكى تتضع أمام الله، فتحي
في الإيمان.. كذلك من الأمور التي تضعف الإيمان:

 

2) سيطرة الحواس

وفى هذا وقع القديس توما الرسول حينما رفض
الإيمان بقيامة الرب، وقال “إن أبصر فى يديه أثر المسامير، وأضع يدى في جنبه،
لا أؤمن” (يو 20: 25) وقد تنازل الله لضعف توما، وسمح له أن يتأكد بحواسه
قائلاً له “ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً “، ووبخه قائلاً “لأنك
رأيتنى يا توما آمنت؟! طوبى للذين آمنوا دون أن يروا” (يو 20: 27، 29). هذا
الذى يبصره الإنسان، نسميه عياناً لا إيماناً. ولكنه فد يؤدى إلى الإيمان..

 

أهدا إيمان ضعيف؟ هناك ما هو أسوأ: أى الذى يرى
ولا يؤمن.

 

مثال ذلك: الكهنة الذين رأوا القبر الفارغ ولم
يؤمنوا بالقيامة. والكتبة والفريسيون الذين رأوا معجزات المسيح كشفاء المولود أعمى
وإقامة الموتى ولم يؤمنوا. هؤلاء رافضون للإيمان لأسباب في قلوبهم. وينطبق عليهم
قول أبينا إبراهيم لغنى لعازر “ولا إن قام واحد من الموتى يصدقون” (لو
16: 31).

 

3) إخضاع الإيمان للعقل

وقد قلنا قبلاً إن العقل له حدود لا يتعداها،
وإن الإيمان مستوى أعلى منه. ولكن هناك أشخاصاً يريدون أن تعى عقولهم اللا محدود،
والمعجزات، وما هو فوق إدراكهم، وإلا فانهم يرفضون كل هذا!.. يريدون أن تخضع
اللاهوتيان كلها للفحص العلمى.. وهذا غير ممكن منطقياً. وليس من العقل، أن يخضع
غير المحدود للعقل الذى هو محدود!

 

ولعل من أمثلة هذا في أيامنا ما يعرف في بعض
المعاهد باسم علم اللاهوت الجديد
New Theology حيث يريدون إخضاع الوحى والمعجزة للبحث العلمى البحث، أو لمجرد
التفسير الرمزي. وبهذا ينكرون كثيراً من المعجزات ومن قصص الكتاب، ويدخلونه في علم
الأساطير
Mythology!!

 

حقاً إن العقل يضل، إذا حاول أن يرتئى فوق ما
ينبغى له أن يرتئى (رو 12: 3). وبهذا ينحرف عن الإيمان، ويحاول أن يقود غيره في
نفس الإنحراف.

 

4) معاشرة الشكّاكين

كما أن معاشرة رجال الإيمان تقوى الإيمان، كذلك
معاشرة الشكاكين تغرس الشك في العقول والقلوب، إن كانت بمداومة، أو من النوع
العميق التأثير، أو كان المستوى الخاضع للشكوى أقل في المعرفة أو المستوى العقلى،
أو كان غير عميق في الإيمان.

 

ولهذا فإن الكتاب يمنع من مخالطة المنحرفين في
إيمانهم وفى أفكارهم.

 

يقول القديس يوحنا الرسول “إن كان أحد
يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم، فلا تقبلوه فى البيت، ولا تقولوا له سلام. لأن من
يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة “(2يو 10، 11). وهكذا منعت الكنيسة الخلطة
بالهرطقة والمبتدعين.. وكم من أناس خالطوا جماعات غير مسيحية مثل شهود يهوه
والسبتيين، فكانت النتيجة أنهم انحرفوا فى تياراتها. وكم من أعضاء في الكنيسة
خالطوا طوائف غريبة أو ملحدين، فتأثرت معتقداتهم بهم إلى حد بعيد.

 

وحتى من جهة السلوك والروحيات، مخالطة الشكاكين
تضعف الإيمان:

 

قد تحدث لك تجربة أو مشكلة وتقبله في إيمان،
وتسلم الأمر لله شاكراً إياه على كل حال. ثم يزورك شخص قليل الإيمان، فيظل يشرح لك
خطورة الموضوع، ويخيفك جداً من نتائجه، حتى تفقد سلامك القلبى، ويضعف إيمانك في
حفظ الله وتقلق.. لذلك كن حريصاً جداً فى اختبار من تعاشرهم وتختلط بأفكارهم. وهذا
يقودنا إلى نقطة أخرى تضعف الإيمان وهى:

 

5) الانقياد وضعف الشخصية

من هذا النوع، مريم المجدلية: لقد رأت القبر
الفارغ، وسمعت بشارة الملاك، بل إنها رأت السيد المسيح نفسه بعد قيامته، وأمسكت
بقدميه، وسمعت صوته، وكلفها برسالة.. ولكنها مع ذلك قالت ثلاث مرات “أخذوا
سيدى، ولست أعلم أين وضعوه” (يو 20: 2، 13، 15). وفى هذا إنكار للقيامة. فما
السر في هذا التحول؟ وكيف ضعف إيمانها بعدما رأت المسيح وكلمته؟ (مر16: 9، مت 28: 9)
كانت المجدلية صغيرة في سنها. وقد ضعفت شخصيتها أمام الشائعات التي نشرها كهنة
اليهود ضد القيامة. كما ضعفت أمام عدم تصديق التلاميذ أولاً للقيامة (مر16: 11، 13،
14).

فبدأت تلعب بها الشكوك والأوهام، ورددت بفمها ما
سمعته من شائعات.

لم يستطيع إيمان المجدلية أن يصمد أمام الشائعات
وكلام الناس..

فاهتزت من الداخل بسبب التأثير الخارجى الضاغط،
وانقادت إليه..! وكثير من الناس يهتزون من الداخل، ويتحولون عن إيمانهم الأول،
عقيدة أو سلوكاً، بسبب استهزاء الناس. وبسبب أن شخصيتهم أضعف من أن تصمد. إن الله
يريد أن تكون شخصياتكم قوية. وكما يقول الرسول:

 

“مستعدين كل حين، لإجابة كل من يسألكم عن
سبب الرجاء الذى فيكم” (1 بط 3: 15). إن أولاد الله لا يليق بهم أن يكونوا
ضعفاء، من النوع الذى يهتز إيمانه، أو تهتز رو حياته، وينقاد لأى فكر خارجى. بل
إنهم يعملون بقول الرسول “إذن يا إخوتى الأحباء، كونوا راسخين غير متزعزعين..”
(1كو 15: 58). أيضاً من النوع الذى تحول عن إيمانه بسبب الإنقياد: أمنا حواء.
فالكلام الذى سمعته من الحية، جعلها تتحول عن إيمانها، وينتهى الأمر بطردها من
الجنة!

 

ما أكثر الذين ينقادون وراء الشائعات ويصدقونها.
وما أكثر من يرددون كلاماً عن المجئ الثانى ويصدقه الناس. ويقولون إن (المسيح
الدجال)
Anti
Christ
قد ولد، وأنه في ولاية
بأمريكا، وأن عمره الآن (وقت كتابة هذا الكتاب عام 1948) 17 سنة!! وأن العالم
سينتهى في هذه السنه أو غيرها!! وما أكثر التواريخ التى حددها شهود يهوه والسبتيون
عن المجئ الثانى، ولم يتم منها شئ..

 

وقد يضعف إيمان البعض وينقادون وراء من يدعى
الرؤى والأحلام.

 

ويظنون أن ما يدعيه من الرؤى والأحلام، كلها
حقيقية ومن الله! ثم ينخدعون بما يقوله من كلام، ولو ضد معتقداتهم أو مبادئهم
الروحية. ولقد حذر الرب من هؤلاء منذ أيام موسى النبى فقال: “إذا قام في وسطك
نبى أو حالم حلماً، وأعطاك آية أو أعجوبة، ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك
عنها، قائلاً: لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها. فلا تسمع لكلام ذلك النبى
أو الحالم ذلك الحلم. لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكى يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل
قلوبكم.. “(تث 13: 1– 3)

إن الإنقياد من الإسباب التي تضعف الإيمان.
وكذلك من أسبابه:

 

6) الخوف

الخوف يضعف الإيمان يؤدى إلى الخوف.

القديس بطرس، الرسول العظيم، لما خاف أنكر
المسيح، وسب ولعن وحلف أنه لا يعرف الرجل (متى 26: 74). وهكذا ضعف إيمانه. بل قال
له المسيح قبلها “طلبت من أجلك لئلا يفنى إيمانك” (لو 22: 32). كثيرون
فقدوا إيمانهم بسبب خوفهم. ولهذا فإن سفر الرؤيا وضع الخائفين في مقدمة الهالك
فقال “وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون.. فنصيبهم في البحيرة المتقدة
بالنار والكبريت” (رؤ21: 8). ووضعه الخائفين قبل غير المؤمنين، ربما المقصود
بها الخائفين الذين الذين بسبب خوفهم يصيرون غير مؤمنين. بيلاطس البنطى، كان مؤمن
في أعماقه أن يسوع الناصرى برئ من التهم التي ألصقها به اليهود. وكان واثقاً أنهم
أسلموه حسداً. وقد حاول أن يطلقه. وقال عنه “هذا البار “.. ولكنه أخيراً
استلم لضعفه، وأسلم المسيح للصلب، إذ خاف أن يقال عنه إنه ضد قيصر.. أما الإنسان
الروحى، فهو يفقد إطلاقاً، لأنه لا يخاف.. ومن الأمور التي تضعف الإيمان أيضاً:

 

7) الشهوة

كثيرون فقدوا إيمانهم بسبب الشهوة. ولعل من
أمثلتهم ديماس مساعد بولس الرسول في الكرازة والتبشير، الذى قال عنه القديس بولس
أخيراً “ديماس قد تركنى، لأنه أحب العالم الحاضر” (2 تى 4: 10). ومحبة
العالم تضعف الإيمان، لأنها عداوة لله (يع 4: 4). ومن أمثلة الذين فقدوا إيمانهم
بسبب الشهوة: الشاب الغنى.. هذا ترك المسيح “ومضى حزيناً” لأنه
“كان ذا أموال كثيرة” (متى 19: 22). إذن شهوة المال يمكن أن تضعف
الإيمان: وما أكثر الذين تركوا المسيح من أجل إمرأة أو منصب..

 

شهوة النساء ضيعت إيمان سليمان الحكيم، أحكم أهل
الأرض..

 

وذلك أنه “أحب نساء غريبة” (1 مل 11: 1).
وكان في زمان شيخوخة سليمان وأن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى. ولم يكن قلبه
كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. فذهب سليمان وراء عشتاروت الهة الصيدونيين،
وملكوم رجس العمونيين. وعمل سليمان الشر في عينى الرب..” (1مل 11: 3 – 6)..
إلى هذا الحد سقط هذا الحكيم العظيم، ولو أننا نؤمن أنه تاب في أواخر أيامه. وكان
سفر الجامعة من دلائل توبته.

 

وشهوة المال أضاعت إيمان حنانيا وسفيرا، فهلكا.

 

فوقعا فى “الكذب على الله” (أع 5: 4)،
وأيضاً في “تجربة روح الرب” (أع 5: 9). ومات الإثنان هالكين..

 

وشهوة المال أيضاً ضيعت إيمان بلعام. وكان نبياً
وله نبوءات جميلة عن المسيح (عدد22 – 24). وأخيراً وقع في ضلالة لأجل أجرة
الإثم” (2بط 2: 15). وهكذا كان معثرة لكل الشعب، وعلم بالاق طريق الخطية (رؤ2:
14).. فهلك وأهلك غيره..

 

وشهوة العظمة والتقدم على الآخرين، أضاعت إيمان
كثيرين:

 

لعل من بين هؤلاء “ديوتريفس “الذى كان
“يحب أن يكون الأول”. لذلك قاوم القديس يوحنا الحبيب، وطرد إخوة كثيرين
من الكنيسة (3يو10).

 

وشهوة الألوهية ضيعت إيمان كاروب عظيم، فتحول
إلى شيطان، وكان من قبل ملاكاً من نور، له بهاء ومجد.. إن الشهوات من أكبر الأمور
التي تضعف الإيمان أو تضيعه. ومن الأسباب التى تضعف الإيمان، الضيقات وضغط الظروف
الخارجية.

 

8) الظروف الخارجية

ولعل من أمثلة هذا الأمر جدعون لما ضعف إيمانه
في عناية الله: قال له الملاك “الرب معك يا جبار البأس. فقال له جدعون: أسألك
يا سيدى إذا كان الرب معنا، فلماذا أصابتنا كل هذه (البلايا)؟ وأين كل عجائبه التي
أخبرنا بها آباؤنا.. والآن قد رفضنا الرب وجعلن في كف مديان” (قض 6: 12، 13).

 

وهكذا قد تضعف الإيمان الضيقة إذا طالت، أو إذا
اشتدت.

 

التلاميذ لما اشتدت عليهم الأمواج في السفينة،
ضعف إيمانهم وشكوا قائلين للرب “أما يهمك أننا نهلك” (مر 4: 38 – 40).
وبنو إسرائيل لما طالت بهم المدة في عبودية فرعون، صغرت نفوسهم وضعف إيمانهم في
الخلاص (خر 4: 1). هناك سبب خطير آخر يسبب ضعف الإيمان، وهو:

 

9) ضلالات الشياطين

ومن هذه الضلالات: الرؤى الكاذبة. فإن الشيطان –
لكى يخدع البشر- يستطيع أن “يغير شكله إلى شبه ملاك نور” (2 كو 11: 14).
بل يستطيع أن يقدم عجائب كاذبة كما قيل عن المقاوم ضد المسيح في آخر الزمان
“الذى مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في
الهالكين” (2 تس 2: 9، 10). وقال الرسول إن كل هذا سوف يسبب الإرتداد قبل مجئ
المسيح (2 تس 2: 3)، أى ضياع الإيمان بسبب هذه الضلالات الشيطانية التي تخدع الناس.
إن الشيطان قد يخدع الناس بأحلام وبنبوءات كاذبة، وبأفكار ضلالات وبدع، لكى يحطم
الإيمان في قلوبهم.. بل قد يرسل إليهم “مسحاء كذبة وأنبياء كذبة. ويعطون آيات
عظيمة وعجائب (متى 24: 24). وقد يقول لهم هذا هو المسيح. ولذلك سبق الرب فأنذر
وقال “إن قال لكم أحد: هوذا المسيح هنا أو هناك، فلا تصدقوا “(متى 24: 23).
وكل هذا يحتاج إلى إفراز، وكما قال الرسول “لا تصدقوا كل روح. بل امتحنوا
الأرواح هل هى من الله. لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم” (1يو 4:
1).

ومن الأشياء الأساسية التي تحارب الإيمان:

 

10) الشك

الشك يضعف الإيمان. وضعف الإيمان يولد الشك..

تماماً كما قلنا عن الخوف. وكلاهما يسبب الآخر،
أو ينتج عنه.

 

أ – وكان الشك من الحروب التى حارب بها الشيطان
أبوينا الأولين ليضيع إيمانهما. فقال لهما “أحقاً قال لكما الله..؟! كلا، لن
تموتا” (تك 3: 1 – 4).

 

فإن حاربتك الشكوك من جهة وجود الله أو بعض
العقائد الأساسية، فلا تخف. هذه محاربات من العدو، وليست إنكاراً منك للإيمان.

 

وبخاصة إن كان قلبك رافضاً لها. لذلك في مثل هذه
الحالات يجب أن تصلى لكى يرفع الرب عنك هذه الحروب. وأن تغير مجرى تفكيرك بأن تنقل
أفكارك إلى موضوع آخر تنشغل به. أما إن كانت الشكوك منك، وأنت مقتنع بها، فعليك أن
تعالجها بفهم إيمانى سليم، بسؤال المتخصصين في اللاهوت، وبقراءة الكتب المفيدة في
موضوعك. على أن هناك حروباً أخرى للشك أخف من هذه، نذكر منها:

 

ب – الشك في معونة الله، أو في أن الله قد تخلى
عنك.

إن الرب يوبخ على هذا الشك قائلاً “يا قليل
الإيمان، لماذا شككت” (متى 14: 31). وهنا يربط بين الشك وقلة الإيمان. لأن
الإنسان القوى الإيمان لا يمكن مطلقاً أن يشك في محبة الله ورعايته. ولكن الضيقات
الكثيرة المستمرة، قد تضغط على القلب أحياناً فيقول: “لماذا يا رب تقف بعيداً،
لماذا تختفى في أزمنة الضيق” (مز 10: 1). أنه عتاب، وليس ضعف في الإيمان. وقد
يبدو للمرتل أن الرب يقف بعيداً. ولكنه يرقب بكل حب، وبكل حرص على سلامة أولاده.
كالنسر الذى يعلم فراخه الطيران، وكالأب الذى يعلم إبنه العوم. يتركه قليلاً ليتدرب
ويكسب خبرة. ويرقبه بكل حرص. فإن رأى خطراً يحيق به، يسرع إلى حمله وإنقاذه. هناك
أيضاً مثال الأم التي تعلم إبنها المشى. فتتركه ليقوم ويسقط وتشتد عظامه وتقوى
عضلاته ويتعلم. أما إن كانت في كل صرخة منه، تسرع وتحمله على كتفها فإنها بهذا
ستضره. لأنه لن يتعلم، ولن تقوى عظامه كما ينبغى..

 

إن أزمنة الضيق، هى مدرسة لنا، نتدرب فيها على
الصلاة والتمسك بالله. ونتدرب فيها على الإيمان، ونرى فيها كيف أن الله يعمل،
وبقوة..

 

ويقيناً أن الله يعمل، مهما كنت لا تراه ولا
تلمس عمله. إن الإنسان قد يشك إن نظر فقط إلى المتاعب، وليس إلى الله. وهكذا نرى
أن بطرس قد شك حينما نظر إلى الماء الذى تحت قدميه، ولم ينظر إلى المسيح الذى يمسك
بيديه. وإذ هبط إيمان بطرس، هبط هو أيضاً إلى الماء، ولكن إلى لحظة، وأنقذه الرب.
قد يكون أولاد الله “كحملان وسط ذئاب”، ولكنهم لا يشكون ولا يخافون.
فمادام الراعى الصالح وسط الحملان، فلن تقوى عليهم الذئاب ولا حتى الأسود. إن
أبانا إبرام لم يشك في محبة الله وعنايته، على الرغم من صعوبة الأمر الصادر اليه
بتقديم إبنه إسحق محرقة. وكأنه يقول:

 

إن قلبى ليس أحن من قلب الله على إبنى إسحق،

ولا أنا أستطيع أن أدبر مستقبل إسحق كما يدبره
الله،

فمادام الرب موافقاً على شئ، فلا بد أن أوافق
أنا عليه أيضاً بالضرورة، لأنى لست فى حكمة الله ول في محبته. لتكن إذن مشيئته.

 

إن الذى لايشك، يعيش دائم في راحة وفى سلام.

يحيا دائماً مطمئناً، لا تتعبه العوامل الخارجية.
ولا يفرض على الله حلولاً معينة، يتضايق إن لم ينفذها الله! بل هو يرضى بكل حل
يأتى من عند الله حسب وافر حكمته الإلهية. ما أكثر المتاعب التي تولدها الشكوك في
القلب وفى الفكر.. مثل القلق والخوف والاضطراب وقلة المحبة. مجرد الشك نفسه هو تعب.
نار تحرق..

 

الشك يعالج بالثقة ويعالج بالحب. فمن يحب شخصاً
لا يشك فيه. وهكذا نحن مع الله، لا نشك فيه، لأننا نحبه ونثق به. وإيماننا به لا
يسمح لنا مطلقاً أن نشك في معاملاته الإلهية لنا وفى معاملاته الأبوية لنا. مبارك
هو في كل ما يعمله.

 

إن الإيمان يقتل الخوف والشك. والخوف والشك قد
يقتلان الإيمان.

 

تمسك إذن بإيمانك، لأنه هو العنصر الأقوى، وهو
العنصر المنتصر دائماً. حينئذ سوف تحي في فرح وسلام واطمئنان، بلا خوف، بلا شك، كل
أيام حياتك.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى