اللاهوت الروحي

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل الأول

حكمة الكنيسة في ترتيب صلوات الأجبية

مقالات ذات صلة

3- حكمة الكنيسة في
ترتيب صلوات الأجبية

حكمة الكنيسة في ترتيب
صلوات الأجبية

أن مبدأ الصلوات
المحفوظة قدمه لنا ربنا يسوع المسيح نفسه عندما علمنا صلاة محفوظة هي الصلاة
الربانية، فعندما رأى التلاميذ معلمهم الأعظم يصلي بقوة وحرارة وعمق لكي يترك لنا
مثالا نتبعه في الصلاة “ترك لنا مثالا لكي تتبعوا خطواته” (1بط21: 2)،
أعجبتهم طريقته في الصلاة فتقدم إليه واحد منهم وطلب منه بلسانهم جميعاً قائلاً:
“أبانا الذي في السموات…” (لو1: 11، 2).

 

وكانت الكنيسة منذ أيام
الرسل تتلو المزامير في صلواتها كما يتضح من قول معلمنا بولس الرسول “بمزامير
وتسابيح وأغاني روحية” (كو6: 3) وقوله “متى اجتمعتم فكل واحد منكم له
مزمور” (1كو26: 14).

 

ولا شك أن الكنيسة
عندما وضعت لنا بارشاد الروح القدس صلوات الأجبية السبع إنما كانت تهدف من وراء
ذلك منفعتنا الروحية وتقدمنا في النعمة والقامة حتى نصل إلى قياس قامة ملء المسيح
(أف13: 4) ونتعمق في حياة الشركة معه والصلة القوية المقدسة به.

 

وقد أخذت الكنيسة صلوات
الأجبية من ثلاثة مصدار هي:

1. المزامير.

2. الأناجيل.

3. طلبات وصلوات رجال
الله القديسين.

تحتل المزامير المقام
الأول في هذه الصلوات إذ أن كل صلاة تحوي 12 مزموراً في العادة بينما تحوي فصلا
واحداً من الإنجيل وثلاث أو ست قطع من صلوات الآباء ثم تحليل واحد مناسب للصلاة من
صلوات الآباء القديسين أيضاً.

 

وقد أمر الآباء الرسل
باستعمال المزامير في الصلاة بدليل قول الرسول بولس “متى اجتمعتهم فكل واحد
منكم له مزمور له تعليم” (1كو26: 14)، وقد جاء في أوامر الرسل قولهم: لتكن
أكثر الصلوات في كل يوم ليلاً ونهاراً من المزامير لما فيها من الشكر والتسبيح
والتضرع والأقرار بوحدانية الباري والأعتراف له بالذنوب”.

 

وقد قال القديس
أثناسيوس الرسولي “التسبيح بالمزامير دواء لشفاء النفس”.. وقال مار اسحق
“ليكن لك محبة بلا شبع لتلاوة المزامير لأنها غذاء الروح”. وقال القديس
نيلس السينائي “دوام على تلاوة المزامير لأن ذكرها يطرد الشياطين”.

 

ولما كانت المزامير
موافقة لكل إنسان في كل زمان ومكان فقد أجتمعت الكنائس الرسولية شرقاً وغرباً على
استعمالها في العبادة، لأن في المزامير كل احتياجات الإنسان في كل الظروف.

 

وقد رتبت الكنيسة
الصلوات السبع اليومية، كما هو مدون في الأجبية بإرشاد إلهي حسب قول المرنم
“سبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك” (مز164: 119).

 

وضعتها الكنيسة لكي
تجعل أولادها يعيشون في حياة الصلاة والالتصاق بالله والصلة الدائمة به، إلى جانب
ما تحويه من تعاليم روحية نافعة وطلبات قوية رابحة.

 

وقد رتبتها الكنيسة على
أهم الحوادث الخاصة بالسيد المسيح مخلصنا الصالح حتى تجعل تدابير الخلاص والفداء
ماثلة دائماً ومعاشة في ذاكرة وحياة أولادها على الدوام.

 

ونورد هنا فكرة موجزة
عن كل صلاة من صلوات الأجبية السبعة:

 

4- صلاة باكر

وهي مرتبه لتذكار قيامة
رب المجد يسوع من بين الأموات، وفيها نشكر الرب الذي أجاز علينا الليل بسلام
وحفظنا سالمين إلى الصبح وأتى بنا إلى يوم جديد، ونسأله أن يحفظنا في هذا اليوم
بغير خطية وأن يجيزنا هذا النهار بسلام.

 

وقد أمر بها الآباء
الرسل في قوانينهم قائلين “كل مؤمن أو مؤمنه إذا قاموا باكراً من النوم وقبل
أن يمسوا شيئاً من العمل فليغسلوا أيديهم ووجوههم ويصلوا لله، وبعد ذلك فليتقدموا
لأعمالهم”.

وفي صلاة باكر تعلمنا
الكنيسة أن نصلي بلجاجة وإلحاح، فتبدأ الصلاة هكذا:

– هلم نسجد هلم نسأل
المسيح إلهنا. (درجة السؤال)

– هلم نسجد هلم نطلب من
المسيح ملكنا. (درجة الطلب وهي أقوى)

– هلم نسجد هلم نتضرع
إلى المسيح مخلصنا. (هنا درجة التضرع واللجاجة في السؤال وهي أقوى من سابقتها)

 

وذلك حسبما علمنا
مخلصنا الصالح قائلاً: “اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم، لأن كل
من يسأل يأخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له” (مت7: 7)

 

وكان أحد القديسين يقول
“عندي عادة أن استجمع أفكاري واستحضرها عند بدء الصلاة قائلاً: “هيا بنا
لنعبده.. هلمي إلى لنخر أمام المسيح إلهنا، تعالى إلى لنتضرع أمام المسيح
مخلصنا”.

 

– وترسم لنا الكنيسة في
هذه الصلاة أيضا خطة العمل والمعاملة خلال اليوم كله، فتوجه أنظارنا إلى ما جاء في
الإصحاح الرابع من رسالة معلمنا بولس الرسول إلى كنيسة أفسس حتى نتأمل فيه ونطبقه
في علاقاتنا ومعاملاتنا اليومية فيقول:

 

– أسالكم أنا الأسير في
الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتهم إليها (أي كمسيحيين).

– بكل تواضع القلب
والوداعة وطول الأناة.

– محتملين بعضكم بعضاً
في المحبة.

– مسرعين إلى حفظ
وحدانية الروح برباط الصلح الكامل.

– لكي تكونوا جسداً
واحداً وروحا واحداً كما دعيتهم إلى رجاء دعوتكم الواحد.

 

– ولأننا نتلو صلاة
باكر في بدء النهار نتلو فيها إنجيل “في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند
الله وكان الله الكلمة”…

 

– وإذ تشرق الشمس في
هذه الآونة تذكرنا بيسوع شمس البر والشفاء في اجنحتها وهو الله النور الحقيقي الذي
يضئ لكل إنسان آت إلى العالم، وهذا ما نقوله في القطعة الأولى من قطع صلاة
باكر” أيها النور الحقيقي…

 

– أما القطعة الثانية
فنطلب فيها من الرب أن ينير حواسنا وأفكارنا فنقول “عندما دخل إلينا وقت الصباح
أيها المسيح إلنها النور الحقيقي فلتشرق فينا الحواس المضيئة والأفكار النورانية
ولا تغطينا ظلمة الآلام.”

 

– أما في القطعة
الثالثة فنكرم العذراء والدة النور الحقيقي الآتي إلى العالم قائلين “أنت هي
أم النور المكرمة. من مشارق الشمس إلى مغاربها يقدمون لك تمجيدات يا والدة الإله
السماء الثانية.”

 

– ثم نتلو تسبحة
الملائكة مشتركين معهم في تمجيد الخالق قائلين “المجد لله في الأعالي وعلى
الأرض السلام وبالناس المسرة. نسبحك. نباركك. نخدمك”.

– يا حامل خطية العالم
أرحمنا.

– يا حامل خطية العالم
أقبل طلباتنا إليك.

 

– تحاليل صلاة باكر
نتضرع بها إلى الرب قائلين “ليشرق لنا نور وجهك، وليضئ علينا نور علمك
الألهي.. لكي نجوز هذا اليوم ببر وطهارة وتدبير حسن لكي نكمل بقية أيام حياتنا بلا
عثرة”.

 

كما نطلب إليه قائلين
“هب لنا في هذا اليوم الحاضر أن نرضيك فيه (بعمل صالح وسلوك مسيحي إنجيلي
حقيقي) وأحرسنا من كل شئ ردىء ومن كل خطية ومن كل قوة مضادة بالمسيح يسوع
ربنا”.

 

وهكذا يحرسنا الرب
ويرافقنا طيلة يومنا ويحفظنا في دخولنا وخروجنا وسفرنا وقعودنا حتى ياتي بنا إلى
المساء سالمين نفساً وجسداً وروحاً.

 

وأنت تصلي صلاة باكر
أذكر أن الرب يحب من يبكر إليه في الصلاة كدليل على محبته له وأهتمامه بالمثول في
حضرته فيقول “أنا أحب الذين يحبونني، والذين يبكرون إلى يجدونني” (1م
17: 8).

 

واذكر أيضاً داود النبي
الذي كان يداوم الصلاة في الصباح الباكر ويقول “يا الله إليك أبكر لأن نفسي
عطشت إليك” (مز 1: 63) وقوله: “يارب بالغداة تسمع صوتي. بالغداة أقف
أمامك وتراني” (مز3: 5)

 

وهذين المزمورين من
مزامير صلاة باكر.

 

أذكر أيضاً أن الرب
يسوع نفسه كان يمارس هذه الصلاة كما هو مكتوب عنه “وفي الصبح باكر جدا قام
وخرج إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك” (مر35: 1).

 

5- صلاة الساعة الثالثة

رتبت الكنيسة هذه
الصلاة لتذكارات ثلاثة للسيد المسيح ربنا:

 

أ) محاكمة يسوع المسيح
أما بيلاطس البنطي وصدور الحكم عليه بالصلب رغم شهادة بيلاطس ببراءته، وحالا بدأت
أجراءات وتجهيزات الصلب وفي كل ذلك كان يسوع محتملاً صامتا كشاة تساق إلى الذبح.
(مر25: 15 – أش7: 53).

 

ب) صعود ربنا يسوع
المسيح إلى السماء، لذلك يقول المصلي في أحد مزامير هذه الساعة “ارفعوا أيها
الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك
المجد. الرب العزيز القدير. الرب القوي في الحروب (مز23) وهذا المزمور هو مزمور
قداس عيد الصعود المجيد. كما يقول المزمور الأخير: صعد الله بتهليل.. الله جلس على
كرسيه المقدس..

 

ج) حلول الروح القدس
على التلاميذ (أع15: 2) وفي هذا يقول المصلي في مزامير الساعة الثالثة “اله
المجد أرعد.. في هيكله المقدس كل واحد ينطق بالمجد” (مز28).

 

– كما أن أنجيل الساعة
الثالثة يتكلم عن وعد الرب بإرسال الروح القدس على تلاميذه “ومتى جاء الروح
القدس الذي سيرسله الآب بأسمي فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم”.

 

– وفي القطع نطلب من
الرب ألا ينزع روح قدسه منا بل يجدده في داخلنا.

 

– كذلك نطلب من الروح
القدس المعزي بشفاعة أم النور والرسل الأطهار أن يطهرنا من كل دنس ويعطينا سلاحه
الإلهي الحقيقي.

 

– وفي التحليل نشكر
الرب إله كل الرأفات ورب كل عزاء ونسأله أن يرسل علينا نعمة الروح القدس لكي
يطهرنا من كل دنس الجسد والروح. آمين.

 

6- صلاة الساعة السادسة

 رتبت الكنيسة هذه الصلاة لكي تذكرنا بحادثة صلب
السيد المسيح لأجل خلاصنا بعد عذابات الجلد والضرب والبصق التي أوقعوها عليه.

 

لذلك نجد في مزاميرها
الكثير من العبارات التي تكشف لنا بروح النبوة مدى ما لحق بسيدنا الصالح من الآلام
الجسدية والنفسية مثل:

 

– بأسمك خلصني فإن
الغرباء قد قاموا على الأقوياء طلبوا نفسي (مز52)

 

– أسنان بني البشر سهام
وسلاح وألسنتهم سيف مرهف (مز56)

 

– أمل يارب أذنك
وأستمعني. في يوم شدتي صرخت إليك فأجبني (مز58)

 

– وكان الصليب هو كرسي
المجد الذي ملك عليه مخلصنا، فيقول المرنم في آخر مزامير الساعة السادسة
“الرب قد ملك ولبس الجلال” (مز92)

 

– أما أنجيل الساعة
السادسة الذي هو بداية العظة المشهورة على الجبل فيحدثنا فيه الرب عن البركات
والتطويبات التي ينالها كل مؤمن يشاركه في آلام صليبه، فمثلاً:

 

– كان المسيح على
الصليب في عمق المسكنة بالروح والأتضاع لذلك يعلمنا أن نشاركه هذه الفضائل فيقول
“طوبى (سعادة) للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات.”

 

– كان المسيح على
الصليب في عمق الحزن حتى قال “نفسي حزينة جداً حتى الموت” (مت31: 26)
لذلك يطوب الحزانى قائلا: “طوبى للحزانى لأنهم يتعزون”.

 

– كان المسيح على
الصليب في منتهى الوداعة “ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه” (أش7: 53) وهو
يريد أن يعلمنا هذه الوداعة فيقول: “طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض”.

 

– المسيح على الصليب
جاع وعطش لا إلى الخبز والماء لكن إلى خلاص نفوسنا حتى صرخ “أنا عطشان”
(يو28: 19) لذلك يطوب الجياع والعطاش قائلاً: “طوبى للجياع والعطاش إلى البر
لأنهم يشبعون”.

 

– صلب المسيح هو قمة
الرحمة الإلهية لجنسنا الساقط، فعلى الصليب “الرحمة والعدل تلاقيا، البر
والسلام تلائما” (مز83 من مزامير الساعة السادسة) لذلك يطوب الرب الرحماء
بقوله “طوبى للرحماء لأنهم يرحمون”.

 

– الرب يسوع هو صاحب
القلب النقي الخالي من أي شر، وقد تجلت هذه النقاوة على الصليب عندما طلب الغفران
لجلاديه وصالبيه قائلا: “يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا
يفعلون” (لو34: 22)، وهو يريد أن يشجعنا على حياة النقاوة لكي نكون على شبهه
فيقول “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله”.

 

– على الصليب صنع الرب
يسوع سلاماً عظيماً ووحد بين السمائيين والأرضيين “الله كان في المسيح
مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعاً فينا كلمة المصالحة”
(2كو19: 5) وهو يريد أن نكون صانعي سلام مثله لذل يقول في إنجيل السادسة
“طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون” (مت9: 5).

 

– عاش الرب يسوع كل
أيامه على الأرض مضطهداً ومطارداً من أجل الحق والبر الذي كان ينادي به، ووصلت قمة
الإضطهاد على الصليب، وهو في محبته يريد أن نشاركه آلامه حتى نتمجد معه فيقول في
إنجيل السادسة “طوبى للمطرودين (للمضطهدين) من أجل البر لأن لهم ملكوت
السماوات، ثم يوجه لنا الكلام معزياً “طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم
(اضطهدوكم) وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين.. افرحوا وتهللوا لأن أجركم
عظيم في السموات.

 

وإذا تركنا إنجيل
الساعة السادسة بكل هذه التأملات الرائعة، ووصلنا إلى القطع نجدها كلها تنصب على
حادثة صلب المسيح في الساعة السادسة، ونخاطب المصلوب قائلين:

 

– مزق صك خطايانا أيها
المسيح إلهنا ونجنا.

 

– أقتل أوجاعنا بألامك
الشافية المحيية، وبالمسامير التي سمرت بها أنقذ عقولنا من طياشة الأعمال الهيولية
والشهوات العالمية إلى تذكار أحكامك السمائية كرأفتك.

 

– وفي التحليل نشكر
الله الذي أقامنا نصلي أمامه في وقت تذكار آلامه وصلبه من أجلنا. ونطلب منه أن
يعطينا عمراً بهيا بلا عيب وحياة هادئة مقدسة لنرضيه كل حين.

 

– تذكر وأنت تصلي
الساعة السادسة أن الرب صلى في مثل هذه الساعة وهو معلق على الصليب طالباً الرحمة
لجلاديه وصالبيه قائلاً: “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا
يفعلون” (لو32: 23) وتعلم منه التسامح والحب.

 

– تذكر أيضاً وانت تصلي
هذه الصلاة أن الرب في الساعة السادسة قاد المرأة السامرية إلى التوبة بعد حياة
حافلة بالشر والنجاسه (يو4) واطلب إليه أن يعطيك التوبة قائلاً “توبني يارب
فأتوب” (ار18: 31)

 

7- صلاة الساعة التاسعة

رتبتها الكنيسة لتذكار
موت المسيح الكفاري على الصليب من أجل خلاصنا، وفيها انقشعت الظلمة التي سادت
الأرض كلها منذ الساعة السادسة، وهذا دليل على انتهاء مملكة الشيطان المظلمة بعد
انتصار المسيح عليه في المعركة الحاسمة على الصليب، ولذلك نقول في أحد مزامير هذه
الساعة “قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعدائك تحت قدميك”.

 

– إنجيل الساعة التاسعة
يسمى إنجيل البركة لأنه يحدثنا عن مباركة الرب يسوع للخمس خبزات والسمكتين، ويسمى
أيضاً إنجيل أشباع الجموع حيث أشبع الرب من هذا الطعام القليل خمسة الآف رجل ماعدا
النساء والأولاد.

 

– اختارت الكنيسة هذا
الإنجيل بالذات لصلاة الساعة التاسعة لأن غالبية أصوام الكنيسة تنتهي قانونا في
الساعة التاسعة (الثالثة بعد الظهر) حتى إذا أكلنا طعامنا نتذكر بركة الرب التي
تغني ولا يزيد معها تعب، فتطلب بركته على طعامنا وعلى كل ما تمتد إليه أيدينا.

 

– طلبات الساعة التاسعة
في منتهى القوة والروحانية نطلب فيها من الذي مات عنا وقام أن يميت شهواتنا
الجسدية وأن يهدينا ويدخلنا إلى الفردوس كما أدخل اللص اليمين التائب، وأن يتعهدنا
دائماً برحمته التي بدونها لا نساوي شيئاً، كل هذا نطلبه.

 

– في التحليل نطلب من
الرب أن يحول عقولنا من الاهتمامات العالمية الضارة والشهوات الجسدية المهلكة إلى
تذكار أحكامه ونواميسه السمائية المخلصة المحيية، وأن يقبل صلواتنا ويجعلنا أن
نسلك حسب دعوتنا المسيحية وكما يحق لإنجيل المسيح.

 

– حينما تصلي يا أخي
صلاة الساعة التاسعة تذكر كرنيليوس قائد المائة الذي كان يصلي في مثل هذه الساعة
التاسعة فظهر له ملاك الرب وكلمه قائلاً: “صلواتك وصدقاتك صعدت تذكاراً أمام
الرب، والآن أرسل إلى يافا رجالاً واستدع سمعان الملقب بطرس، أنه نازل عند سمعان
رجل دباغ بيته عند البحر، هو يقول لك ماذا ينبغي أن تفعل.. وفعلا أرسل كرنيليوس
أثنين من خدامه وعسكريا تقيا من الذين كانوا يلازمونه إلى بطرس الرسول، فحضر
وكلمهم عن الخلاص الذي صنعه الرب على الصليب وعن قيامته المنتصرة، فحل الروح القدس
على كرنيليوس ولك الحاضرين من أهل بيته وانسبائه وأصدقائه وآمنوا بالرب يسوع،
واعتمدوا جميعهم باسم الرب (أع10).

 

8- صلاة الغروب

رتبتها الكنيسة تذكاراً
لإنزال جسد المسيح له المجد من على الصليب عند غروب الشمس لتكفينه ودفنه، وهي
تعلمنا أيضاً أن شمس حياتنا لابد أن تغرب يوماً لكي تكون مع المسيح في الأبدية،
فلابد أن نكون مستعدين لهذا اليوم بكل حرص ويقظة وتوبة.

 

– يحكي لنا إنجيل الغروب
كيف أقام السيد المسيح حماة بطرس من حمتها الصعبة، وكيف أخرج شياطين من مرضى
كثيرين، فلننتهز هذه الفرصة ونطلب منه أن يشفينا من أمراضنا الجسدية والنفسية
والروحية، وأن يبعد عنا شياطين الشهوات والرذائل التي تحاربنا وتحاول اسقاطنا في
الخطايا والأمراض.

 

– في تحليل الغروب نشكر
الرب الذي قضى النهار بخير وأتى بنا إلى المساء شاكرين، ونسأله أن يقبل صلواتنا
وينجينا من حيل وفخاخ الشيطان المضاد، وينعم علنيا بليلة سالمة هادئة بدون تعب ولا
قلق ولا خيال فنجتازها بسلام وعفاف.

 

– وأنت تصلي صلاة
الغروب تذكر كلام المرنم:

“لتستقيم صلاتي
كالبخور قدامك.. ليكن رفع يدي كذبيحة مسائية” (مز2: 141) وقدم للرب صلاة
طاهرة وأرفع أمامه يديك مبتهلاً متضرعاً ومع يديك أرفع قلبك وفكرك ومشاعرك وكيانك
كله، وهكذا قدم له طيب صلواتك كما قدم له نيقوديموس الأطياب ولاحنوط في مثل هذه
الساعة لوضعها على جسده قبل دفنه.

 

9- صلاة النوم

– رتبتها الكنيسة
تذكاراً لدفن جسد الرب يسوع له المجد في القبر بعد موته وإنزاله من على الصليب
وتكفينه بعد وضع الأطياب والحنوط على جسده الطاهر، وتسمى أيضاً صلاة الساعة
الثانية عشر.

 

– رتبتها الكنيسة أيضاً
حسب قول المرنم “ذكرتك على فراش. في السهر الهج بك لأنك كنت عوناً لي وبظل
جناحيك أبتهج” (مز6: 63) وقوله أيضاً “بالنهار يوصى الرب رحمته وبالليل
تسبيحه عندي صلاة لإله حياتي” (مز8: 42) أي في النهار يوصى الرب رحمته بي
لتحفظني وترعاني في كل أعمالي وتحركاتي وأسفاري، وفي الليل قبل أن أنام أقدم له
صلاة الشكر والتسبيح على هذه الرحمة والعناية والحفظ والاهتمام.

 

– ولأنها آخر ساعة من
ساعات الإنسان قبل نومه، وبإعتبار أن النوم هو الموت الصغير كما يسمونه، لذلك يردد
المصلي في إنجيل صلاة النوم نفس كلمات سمعان الشيخ الذي رجا فيها الرب أن يستلم
فهيا روحه لينطلق إلى الأبدية السعيدة بسلام قائلاً: “الآن يا سيد أطلق عبدك
بسلام حسب قولك” (لو25: 2)، وقد تم له ما أراد وأنطلقت روحه بسلام وأنضم إلى
قومه.

 

– ولا يستطيع أحد أن
يطلب هذا الطلب إلا إذا كان مستعداً تماماً مقدما توبة نقية لها أثمار صالحة.

 

– إذن فصلاة النوم هي
صلاة التوبة، فيها يقدم الإنسان للرب في آخر كل يوم توبة قلبية عن كل خطاياه
وأخطائه التي صنعها خلال يومه، ويطلب من الرب الصفح والغفران كما يطلب من الرب أن
يتفضل ويحفظه في ليلته بغير خطية.

 

– يقدم الإنسان هذه
التوبة لله قبل أن ينام حسب نصيحة المرنم “الذي تقولونه في قلوبكم أندموا
عليه في مضاجعكم” (مز4: 40) وقوله “في العشاء يكون البكاء (بكاء التوبة
والندم على الخطية) وفي الصباح الترنم” (مز5: 30).

 

– لذلك نجد أن مزامير
صلاة النوم تميل دائماً إلى الصراخ واللجاجة والإنسحاق والتوبه مثل:

 

– من الأعماق صرخت إليك
يارب.. إن كنت للآثام راصدا يا رب، يا رب من يثبت لأن المغفرة هي من عندك”
(مز129).

 

– “يارب لم يرتفع
قلبي ولم تستعل عيناي” (مز130). والاتضاع هو أبو التوبة وأساسها.

 

– “بكينا عندما
تذكرنا صهيون” (مز136) وصهيون في أورشليم السمائية، والبكاء هو بكاء التوبة.

 

– “الرب يشفي
منكسري القلوب ويجب جميع كسرهم” (مز146). ومنكسرو القلوب هم أصحاب القلوب
التائبه النادمة على ما فرط منها من خطايا وزلات.

 

– أما قطع النوم فتفيض
كلها بمشاعر التوبة والانسحاق وتذكار الدينونة الرهيبة وحث النفس على القيام من
رقاد الكسل والتلذذ بالخطية لتقديم توبة نقية قبل فوات الأوان ثم استمطار مراحم
الله التي بدونها لن يخلص أحد ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض.

 

– أما قطعة “تفضل
يا رب” ففيها الكثير من مشاعر التوبة والانسحاق مثل:

– تفضل يا رب أن تحفظنا
في هذه الليلة بغير خطية.

– لتكن رحمتك علينا يا
رب كمثل أتكالنا عليك.

– أنا طلبت الرب وقلت
أرحمني وخلص نفسي فإني أخطأت إليك.

– فلتأت رحمتك للذين
يعرفونك وبرك لمستقيمي القلوب.

– جيد هو الاعتراف للرب
(أي تقديم توبة أمام الرب).

أما تحليل صلاة النوم
ففيه طلبات غاية في العمق إذا صلاها الإنسان بهدوء وتأمل فيقول:

 

يا رب جميع ما أخطأنا
به إليك في هذا اليوم:

إن كان بالفعل: قف
عندها وفكر في الخطايا التي صنعتها في هذا اليوم وقدم عنها توبة.

 

أو بالقول: قف عندها
وفكر في خطايا القول التي نطقت بها كالحلفان والكذب والشتيمة والإدانة والنميمة
وعبارات التذمر وقدم عنها توبة لله.

 

أو بالفكر: تذكر خطايا
الفكر التي صنعتها كأن تكون قد فكرت فكراً نجسا أو فكر غضب أو حسد أو إدانة على
أحد وقدم عنها توبة لله تقول: أخطأت يا رب أغفر لي فكر الإدانة أو الحسد ضد فلان
أو فلان. لأن الأفكار الردية خطايا يحاسبنا الله عليها حسب قوله “أنا أجازي
أعمالهم وأفكارهم” (أش18: 66).

 

أو بجميع الحواس: فكر
هل صنعت خطية باحدى حواسك. العين أو الأذن أو اللسان أو اليد، أذكرها وقدم عنها
توبة.

 

ثم أكمل صلاة التحليل
قائلاً فاصفح وأغفر لنا من أجل اسمك القدوس كصالح ومحب للبشر.. ألخ.

 

وليكن في عملك أن تقديم
التوبة اليومية بهذه الصورة لا يغني عن الأعتراف بهذه الخطايا أمام الأب الكاهن
وكيل أسرار الله لسماع الحل من فمه حسب السلطان المعطى له “كل ما تحلونه على
الأرض يكون محلولاً في السماء” (مت18: 18).

 

ملحوظة:

توجد بالأجبية صلاة
تسمى “صلاة السِتار” بكسر السين، وهي خاصة بالآباء الرهبان يصلونها بعد
صلاة النوم عند أنسدال ستار الظلمة في أول الليل، وهي صلاة طويلة وعميقة وممتعة.

 

10- صلاة نصف الليل

رتبتها الكنيسة في هذا
الوقت حسب قول المرنم “في نصف الليل أقوم لأشكرك على أحكام عدلك” (مز62:
199).

 

والغرض من صلاة نصف الليل
هو السهر للتأمل في الأقوال الإلهية، وهذا يقود الإنسان إلى حياة التوبة
والاستعداد للمجئ الثاني المخوف المملوء مجداً.

 

وتتكون صلاة نصف الليل
من ثلاث خدمات لأن الرب يسوع المسيح صلى في بستان جثسيماني ثلاث مرات متوالية
(مت36: 26 – 44) وهذه الخدمات الثلاثة مرتبة ترتيباً بديعاً ومتدرجة تدرجا رائعا
حتى تخدم الغرض المذكور سابقاً وهو السهر والتوبة والاستعداد لمجئ المسيح بكل دقة
وكفاءة.

أ- الخدمة الأولى

ب- الخدمة الثانية

ج- الخدمة الثالثة

 

11- الخدمة الأولى من
صلاة نصف الليل

يأتي المزمور الكبير
(119) الذي هو مختص بكلمة الله بمرادفاتها المختلفة مثل وصايا وأقوال وناموس وحقوق
أحكام وغير ذلك، ويوصى هذا المزمور في كل قطعة من قطعة الأثنتين والعشرين (حسب عدد
حروف الإبجدية العبرية) على وجوب الأهتمام بحفظ وصايا الله ووضعها موضع التنفيذ في
الحياة العملية المعاشة حتى نصلح طرقنا ونقوم سبلنا بحسب أحكام إلهنا.

 

ثم يقابلنا إنجيل العشر
عذراى، والغرض منه حث المؤمنين على السهر والاستعداد لاستقبال الختن الحقيقي ربنا
يسوع المسيح حسب قوله:

 

“فاسهروا إذا
لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي ياي فيها ابن الإنسان” (مت13: 25).
وهذا السهر في دراسة الوصية والاستعداد لمجئ الختن السماوي كالعذارى الحكيمات
يقودنا إلى حياة التوبة والنقاوة. وهذا هو موضوع الخدمة الثانية:

 

12- الخدمة الثانية من
صلاة نصف الليل

نجد مزامير صلاة الغروب
ما عدا المزمورين الأولين،

لأنهما جاءا ضمن مزامير
الخاطئة التي أحبت يسوع كثيراً،

وجاهدت بدموع غزيرة حتى
نالت غفران خطاياها (لو36: 7 – 50).

 

وتقودنا هذه المزامير
مع أنجيلها إلى التوبة التي هي هدف كل مؤمن،

 

وأن نتشبه بتلك المرأة
في توبتها، ونقاوم حتى الدم مجاهدين ضد الخطية (عب4: 12).

 

وبالتوبة وثمارها
الصالحة يتحول المؤمن إلى خادم أمين وعامل في كرم الرب ويصبح مستعداً لملاقاة الرب
يسوع في مجيئة الثاني حتى ينال الجعالة ويبلغ الهدف وهو أن يملك مع الرب في ملكوته
الأبدي.

وهذا هو هدف الخدمة
الثالثة.

 

13- الخدمة الثالثة من
صلاة نصف الليل

نجد مزامير صلاة النوم،
وفيها الكثير من مزامير التسبيح والتهليل لقرب مجئ الرب ليكافئ عبيده الأمناء
والساهرين العاملين.

 

وفي الإنجيل يطمئننا
الرب بقوله:

 

“لا تخف أيها
القطيع الصغير فإن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت، ولكنه لا يعطي الملكوت إلا
للعبيد الأمناء في مال سيدهم والمنفذين لوصاياه الساهرين على خلاص نفوسهم ونفوس
العبيد رفقائهم، أما العبيد المتهاونون المهتمون بملذات هذا العالم فقط المهملون
في واجباتهم الروحية فيأتي سيدهم فجأة فيقطعهم من خاصته وينفيهم من ملكوته ويجعل
نصيبهم مع الشياطين والأشرار.

 

ولذلك ينبه المؤمن نفسه
في قطع الخدمة الثالثة قائلا: بما أن الديان العادل حاضر فاهتمي يا نفس وتيقظي
وتفهمي تلك الساعة المخوفة لأنه ليس رحمة في الدينونة لمن لم ينصع رحمة.

وهكذا تنتهي صلوات
اليوم بسلام.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى