البنيان

السم القاتل للنفس، لنحذر وننتبه لحياتنا – كلمة للبنيان

كل شخص في هذا العالم له حياته وطريقة التي يختارها بإرادته ووعيه ليسير فيها، فهناك من هم من أهل هذا العالم، مولودين فيه وهو ساكن قلبهم فيحبونه وينتمون إليه ويحبون كل ما فيه ويضحون بكل شيء لكي يحققوا ذواتهم فيه، وهذا مقبول لأن كل واحد يحيا وفق طريقه، وهناك آخرين مولودين من فوق يعيشون في العالم لكنهم ليسوا منه لأن لهم عالم آخر ينتمون إليه ويسيرون وفق قانونه الخاص المُعلن بالإنجيل، وكل واحد من الفريقين له حياته الخاصة التي تتوافق مع العالم الذي ينتمي إليه، لأن كل واحد سفير عالمه ويُعبِّر عنه بسلوكه واتجاهاته التي تظهر في واقعه المُعاش…

ولكن الكل مدعو في الأساس للمجد الفائق للطبيعة بشركة الحياة الجديدة في المسيح يسوع، وغير مطلوب منه أن يخرج خارج العالم أو لا يستخدمه، بل يكون عائش في العالم لكن قلبه وفكره لا ينتمي لهذا العالم محباً للأشياء التي فيه، مع أنه يستخدمها لكن قلبه لا ينبغي أن يكون متعلقاً بها حتى يحزن لخسارتها، لذلك الإنجيل ينبهنا أنه حينما يعمي الشر البصيرة ويسود الموت ويتسلط على النفس، فأن الإنسان في هذه الحال لا يستطيع أن يعرف أسرار الله، ولا يقدر على أن يفهم طبيعة العالم السماوي، لأن عنده جهالة من جهة معرفة الله الحي، لذلك يُخطئ البعض – بسبب عدم الاستنارة – في حق نفسه أولاً ثم في حق أولاد الله الحي الذي يحملون اسمه القدوس في قلوبهم وعلى شفتيهم، فيتعدون عليهم ويكيلون لهم كل إهانة وتحقير…

فكل بعيد عن الله يحيا طبيعياً حسب أركان هذا العالم الضعيف فأنه يقول: [ حياتنا قصيرة بائسة ولا من دواء للموت، كذلك لا نعلم أحداً رجع منه. وُلدنا مُصادفةً وبعد موتنا يكون كما لو لم نكن. وما النسمة التي نتنفسها إلا دُخان، وما الحس إلا شرارة في خفقان قلوبنا، فإذا انطفأت، عاد الجسم رماداً وتلاشت الروح كنسمة واهية. وبعد حين يُنسى اسمنا ولا يُذكر أحدٌ أعمالنا، وتزول حياتنا كغيمة بلا أثر، وتتبدد كضباب يسوقه شُعاع الشمس ويُلاشيه حرها. فأيامنا ظل عابر ولا رجوع لنا بعد الموت، لأنه يُختم أبواب قبورنا فلا يعود منها أحد.
فتعالوا نتمتع الآن بالملذات الحاضرة وسريعاً كما يفعل الشباب، نرتوي من الخمور الفاخرة، وبالطيوب نتعطر، ولا تفُتنا زهرة في ربيع. نتكلل بالورد قبل ذبوله، ولا يُحرم أحدنا نصيبه من اللذات، ولا نترك مكاناً إلا ولنا فيه أثر من لذةٍ. فهذا حظنا ونصيبنا في الحياة ] (الحكمة 2: 1 – 9 حسب الترجمة السبعينية)

ولذلك يقول الناس الغير عارفي الله عن الأتقياء محبي اسمه العظيم: [ فلنتحين الفرصة للانقضاض على الأتقياء لأنهم يضايقوننا ويقاومون أعمالنا ]، طبعاً الأتقياء يدينون الشرّ بأعمالهم وأفعالهم، ولكن الغير مؤمنين والغير عارفي الحق لا يقبلون أن يقال عن ما يفعلونه أنه شرّ، أو يجدوا أحد مخالفاً لأعمالهم ولا يشترك معهم فيها:

[ ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها ] (أفسس 5: 11)
[ ثم سمعت صوتاً آخر من السماء قائلاً: اخرجوا منها يا شعبي لئلا تشتركوا في خطاياها ولئلا تأخذوا من ضرباتها ] (رؤيا 18: 4)

لذلك علينا أن ننتبه يا إخوتي ونكون صاحين فاهمين مملوئين من كل حكمة ونفهم طبيعة هذا العالم وكل من يحيا غريب عن حياة الله، لا نهاجمه لكن بمحبة نصلي لأجله ونعطي حياتنا مثالاً، وتأكدوا أننا لن نصير مقبولين بسهولة، كما ينبغي أن لا نساعد أحد ان لا يقبلنا، بل نكون أتقياء محبين للجميع، سفراء عن ملكوت الله وسط هذا العالم: [ إذاً نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله ] (2كورنثوس 5: 20)

لكن مع هذا فأن كل من لا يُريد أن يحيا مع الله سيقاومنا بشدة ويلفظنا تماماً، ولكن الله وضعنا هنا في وسط العالم لكي نكون شهادة حسنة لهُ، وأعلموا أن كل من يحاول أن يعرف مدى صدق إيماننا سيحاول أن يمتحنا قائلين: [ فلننتظر لنرى هل أقوالهم هذه حق، وكيف تكون عليه نهايتهم في الحياة. فأن كان الأتقياء أبناء الله، أفلا يُعينهم ويُنقذهم من أيدي خصومهم؟ فلنمتحنهم بالإهانة والتعذيب لنعرف مدى وداعتهم ونختبر صبرهم. ولنحكم عليهم بالموت في العار لنرى إذا كان الله يرد عنهم ] (حكمة 2: 17 – 20 حسب الترجمة السبعينية)

طبعاً [ هذا ما يتوهمون لكنهم يَخدعون أنفسهم لأن الشرّ أعمى بصائرهم، هم لا يعرفون أسرار الله، ولا يرجون للقداسة جزاء ولا لطهارة النفوس أملاً بثواب ] (حكمة 2: 21 – 22 حسب السبعينية)

لذلك يا إخوتي ينبغي أن نكون صاحين متعقلين فاهمين ما هي مشيئة الله، ولا نتذمر على ضيق أو نشك في الله الحي وعمله فينا، لأن كثيرين في بداية الطريق والحياة مع الله لا يفهمون ما هو التدبير الفائق الذي للنعمة، وعند الألم يضجرون، وتبدأ الشكوى لماذا الألم ولما هذا الضيق الشديد !!! ولماذا يفعل الأشرار فينا هكذا والله يتركنا تحت هذا الضيق العظيم، وبذلك يجد إبليس له مكاناً في قلوبنا فنبدأ في فقدان إيماننا ونعود إلى العالم مرة أخرى لنلتصق به لكي نهرب من هذا الضيق الشديد، لأننا كلنا سمعنا قول الرب: [ قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام، في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم ] (يوحنا 16: 33)، ولذلك يقول الرسول: [ كل من ولد من الله يغلب العالم، وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا ] (1يوحنا 5: 4).

ولكن علينا أن نحذر جداً، أن لا نكون نحن من يتسبب في آلامنا أو وضع حياتنا تحت الضيق لأن القديس بطرس الرسول يقول: [ فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو متداخل في أمور غيره، ولكن أن كان كمسيحي فلا يخجل بل يُمجد الله من هذا القبيل ] (1بطرس 4: 15).

فيا إخوتي انتبهوا لما أقول، وأنا أعلم أنكم حكماء تعرفون الطريق وتفهمون مقاصد الله الحي: [ خلق الله الإنسان لحياة أبدية، وصنعه على صورته الخالدة، ولكن بسبب حسد إبليس دخل الموت إلى العالم. فلا يذوقه إلا الذين ينتمون إليه. أما نفوس الأتقياء فهي بيد الله فلا يمسها عذاب. لكن الجهلاء يعتقدون خطأ أن الأتقياء إذا ماتوا يُعانون الموت في شقاء عظيم، وأن رحيلهم عنا نكبة، بينما هُم في واقع الحال في سلام. ومع أنهم في نظر الناس يُعاقبون، فرجاؤهم أكيد أنهم خالدون. وإذا أصابهم التأديب، فهم يُجازون خيراً كبيراً، لأن الله امتحنهم فوجدهم أهلاً لهُ. مَحَّصَهُمُ (التمحيص) كالذهب في النار، وقَبِلَهمُ كما يَقبَلُ المُحرقات ] (حكمة 2: 23 إلى حكمة 3: 1 – 6)؛ [ فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ] (رومية 12: 1)

فيا إخوتي صلاتنا ينبغي أن تكون دائماً مع المزمور: [ اختبرني يا الله واعرف قلبي، امتحني واعرف أفكاري. وانظر ان كان فيَّ طريق باطل واهدني طريقاً أبدياً ] (مزمور 139: 23 و24)، وذلك لكي ينقي الله قلبنا لكي نستطيع أن نُعاين مجده: [ إنما صالح الله لإسرائيل لأنقياء القلب ] (مزمور 73: 1)، [ طوبى للأنقياء القلب لأنهم يُعاينون الله ] (متى 5: 8).

فاحذروا دائماً من سم الشك القاتل للنفس وسط آلامكم وكل ضيق تعبرون فيه عن دون إرادة منكم، لأن كثيرين ارتدوا عن الإيمان حينما دخلوا في طريق الضيق وساروا وسط الأشواك التي تسبب ضيق النفس.

[ وإنما نهاية كل شيء قد اقتربت فتعقلوا واصحوا للصلوات. ولكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة ،لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا. كونوا مضيفين بعضكم بعضاً بلا دمدمة. ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضاً كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة. أن كان يتكلم أحد فكأقوال الله، وأن كان يخدم أحد فكأنه من قوة يمنحها الله، لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين ] (1بطرس 4: 7 – 11)

أن عُيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لأن روح المجد والله يحل عليكم، أما من جهتهم (أولاد العالم) فيجدف عليه، وأما من جهتكم (أولاد النعمة أبناء الله في المسيح) فيُمجد، والقادر أن يحفظكم غير عاثرين ويوقفكم أمام مجده بلا عيب في الابتهاج (1 بطرس 4: 14؛ يهوذا 24)، يُعطيكم كل نعمة ويثبتكم في الإيمان الحي آمين

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى