علم التاريخ

السبي الأول لليهودية: (605 ق



السبي الأول لليهودية: (605 ق

السبي
الأول لليهودية: (605 ق.م)

فجأة
انقلبت موازين القوى في الشرق على الفرات ونواحيه، وكان من نتيجته أن وُضِعَت
اليهودية أمام تهديد خطر حاسم. إذ انقضَّ نبوخذناصر على معسكر المصريين في كركميش
بين النهرين حيث كانت سوريا تحت حكم مصر وهزمهم هزيمة شديدة، كما أخبرنا النبي
إرميا بدقة مذهلة هكذا:

+
“كلمة الرب التي صارت إلى إرميا عن الأُمم، عن مصر عن جيش فرعون نخو ملك مصر
الذي كان على نهر الفرات في كركميش الذي ضربه نبوخذراصر ملك بابل في السنة الرابعة
ليهوياقيم بين يوشيا ملك يهوذا” (إر 1: 46و2).

هنا
تحرَّج مركز اليهودية وانكشف ملك اليهودية العميل الرسمي لنخو ملك مصر.

 

البابليون
يتقدَّمون:

عاد
نبوخذناصر وكرَّر ضربته الموجعة للمصريين المعسكرين في حماة في منتصف أرض سوريا
وبهذا انكشفت له مناطق سوريا الجنوبية ومعها فلسطين! ففي أغسطس سنة 605 ق.م وقف
تقدُّم زحف البابليين إذ جاءتهم الأخبار بموت نابوبلاصر
Nabopolassar الذي أرغم نبوخذناصر بالعودة يطلب مزيداً من القوة، وكان ذلك في
سبتمبر من نفس السنة.

ولكن
استأنف البابليون زحفهم، وبنهاية سنة 604 ق.م ظهرت جيوش نبوخذناصر في سهول فلسطين
فاستولوا على أشقلون وهدموها (إر 5: 47) وسلبوا كل ما فيها إلى بابل مع جيادها
وبحَّاريها([1]).
وقد اكتشف في مصر خطابٌ باللغة الأرامية مُرسل من ملك اليهودية إلى الفرعون يطلب
النجدة([2]).
وأُعلن الصوم العام في اليهودية في ديسمبر سنة 604 ق.م: “وكان في السنة
الخامسة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا في الشهر التاسع (اليهودي) أنهم نادوا لصوم
أمام الرب كل الشعب في أُورشليم وكل الشعب القادمين من مدن يهوذا إلى أُورشليم

” (إر 9: 36) وكان
هذا النداء بدون علم الملك يهوياقيم، فلمَّا بلغه كلام هذا المكتوب “وكان
الملك جالساً في بيت الشتاء في الشهر التاسع والكانون قدَّامه متَّقد. وكان لمَّا
قرأ يهودي (الكاتب) ثلاثة سطور أو أربعة (من سفر إرميا) أنه شقَّه بمبراة الكاتب
وألقاه في النار التي في الكانون حتى فنى كل الدرج
” (إر 36: 2224). على أن الدرج كان يحمل نبوَّة
إرميا ضد اليهود وأُورشليم وضد الملك كما هو مكتوب في (إر 30: 36) وعن قضاء الله
المحتوم على البلاد.

وما
أن نزل نبوخذناصر إلى فلسطين حتى حوَّل يهوياقيم ولاءه من مصر إلى بابل سنة 603
ق.م، ولم يكن مقصد نبوخذناصر أن يستولي على البلاد بل كان مجرَّد إظهار قوته
وسلطانه. واستطاع جيش بابل أن يغطِّي أرض فلسطين كلها سنة 603 ق.م.

وغيَّر
يهوياقيم الجزية من نحو مصر إلى نبوخذناصر ببابل “في أيامه صعد نبوخذناصر ملك
بابل فكان له يهوياقيم عبداً ثلاث سنين ثم عاد فتمرَّد عليه فأرسل الرب عليه غزاة
الكلدانيين([3])
وغزاة الأراميين وغزاة الموآبيين وغزاة بني عمون وأرسلهم على يهوذا ليبيدها حسب
كلام الرب.. من أجل خطايا منسَّى حسب كل ما عمل” (2مل 24: 13)

وهكذا
تحرَّك نبوخذناصر في أواخر سنة 601 ق.م نحو مصر واصطدم بجيش مصر على الحدود
المصرية قرب بيلوزيوم (بورسعيد الآن) (انظر أدرشيم صفحة 272)، وتحمل الفريقان
خسائر فادحة عاد بعدها نبوخذناصر إلى بلاده وأمضى سنة 600 ق.م في تحسين جيشه.

أمَّا
يهوياقيم ملك اليهودية فاعتبر عودة نبوخذناصر شبه مهزوم إلى بلاده أنه انكسر
فتشجَّع وثار ضد نبوخذناصر ولم يدفع له الجزية، وكانت هذه جهالة قاتلة، علماً بأن
إرميا النبي حذَّرهم كثيراً جداً أن لا يعتمدوا على مصر وأن نبوخذناصر قادم بجيشه
وسيستولي على البلاد، فطلب الملك وجهلاء الشعب أن يقتلوه. فلو أن نبوخذناصر لم يكن
لديه نيَّة لدخول اليهودية ولكنه عسكر في النواحي القريبة- في بيلوزيوم على حدود
مصر سنة 600 إلى سنة 599 ق.م، ثم في سنة 599 إلى سنة 598 ق.م نزل على اليهودية حتى
لا يجعل يهوياقيم يفلت من العقاب. وفي سنة 598 تحرَّك جيش نبوخذناصر في شهر ديسمبر
ولكن في هذا الشهر مات يهوياقيم([4]).
ومعروف بحسب إرميا النبي أنه اغتيل هو وأشراف المدينة، ذبحهم نبوخذناصر وألقى بجثة
الملك أمام السور دون دفن وهكذا تمَّ كلام إرميا النبي بالحرف الواحد([5]):
“لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا لا يكون له جالس على كرسي داود
وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً وأعاقبه ونسله وعبيده على إثمهم وأجلب
عليهم وعلى سكان أُورشليم وعلى رجال يهوذا كل الشر” (إر 36: 30و31)

وبعد
موت يهوياقيم بعد أن عاش ستة وثلاثين سنة حكم منها إحدى عشرة سنة، أخذوا ابنه
يهوياكين (بالكاف)
Jehoiakin وأجلسوه عوض أبيه (2مل 8: 24)، وحكم ثلاثة أشهر وعشرة أيام. وفي
16 مارس سنة 597 ق.م أُخضعت اليهودية لجيوش نبوخذناصر وأخذوا الملك يهوياكين وأُمه
الملكة وكبار الضباط والموظفين وكل رؤساء وشيوخ الشعب وساقوهم إلى بابل، ثلاثة
آلاف نفس، وكان من بينهم النبي حزقيال الذي كان وقتها صغير السن. ولكن يقول
المؤرِّخ برايت إن هذا الرقم بحسب إرميا النبي يشمل الرجال البالغين فقط، ولكن
الرقم الحقيقي بحسب 2 مل 24: 14و16 هو بين عشرة آلاف وثمانية آلاف نفس([6]).

وأقام
الشعب عم يهوياكين ويُدعى ماتانيا
Mattaniah وهو صدقيا كحاكم للبلاد مكان الملك([7]).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى