علم

الرسالة السابعة



الرسالة السابعة

الرسالة
السابعة

السقوط والنعمة:

ابنائي
“انكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح انه من اجلنا افتقر وهو غنى لكي نستغني
نحن بفقره” (2كو 8: 9). انظروا انه قد صار عبداً، فجعلنا احراراً بعبوديته،
وضعفه قد شددنا واعطانا القوة، وجهالته قد جعلتنا حكماء. وايضاً بموته صنع قيامة
لنا. حتى نستطيع أن نرفع صوتنا عالياً ونقول “وان كنا قد عرفنا المسيح حسب
الجسد لكن الآن لا نعرفه بعد كذلك، ولكن أن كان أحد في المسيح فهو خليقة
جديدة” (2كو 5: 16-17).

حقاً
يا ابنائي الأحباء في الرب، اني اخبركم انه فيما يخص نواحي الحرية التي تحررنا بها،
فلا يزال عندي اشياء اخرى كثيرة لأقولها لكم، ولكن ليس هناك وقت الآن لذلك. الآن
احييكم جميعاً يا ابنائي الأعزاء في الرب، ايها الأبناء القديسون الاسرائيليون في
جوهركم العقلي (حسب حياتكم الروحية). حقاً انه من المناسب لكم، يا من اقتربتم من
خالقكم، أن تطلبوا خلاص انفسكم بواسطة ناموس العهد المغروس (في الداخل). ذلك
الناموس الذي جف وتوقف بسبب كثرة الأثم، وإثارة الشر، واشتعال الشهوات، وانعدمت
حواس النفس، ولذلك لمن نعد قادرين على ادراك الجوهر العقلي المجيد (الإنسان
الباطن)، بسبب الموت الذي سقطنا فيه. لذلك كما هو مكتوب في الكتب الالهية
“كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيُحيا الجميع” (1كو 15: 22).
لذلك فإنه هو الآن حياة كل طبيعة عاقلة مخلوقة على مثال صورته، وهو نفسه (المسيح)
عقل الآب وصورته غير المتغيرة (عب 1: 3). أما المخلوقات المصنوعة على صورته فإنها
من طبيعة متغيرة لأن الشر قد دخل فينا، وبه متنا جميعاً، حيث انه غريب عن طبيعة
جوهرنا العقلي (الروحي). ومن خلال كل ما هو غريب عن طبيعتنا، صنعنا لأنفسنا منزلاً
مظلماً ومملوءاً بالحروب. وأشهد الآن لكم أننا قد فقدنا كل معرفة الفضيلة. ولذلك
فإن الله أبونا رأى ضعفنا، ورأى اننا اصبحنا غير قادرين أن نلبس لباس الحق بطريقة
سليمة، لذلك جاء لكي يفتقد خلائقه بواسطة خدمة قديسيه.

مقالات ذات صلة

محبة الله غير المحدودة:

أتوسل
اليكم جميعاً في الرب، يا أحبائي، أن تفهموا ما أكتبه لكم، لأن محبتي لكم ليست
محبة جسدية، بل محبة روحية الهية. لذلك أعدوا انفسكم للمجيء إلى خالقكم،
“ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم” (يؤ 2: 13)؛ وأسألوا انفسكم ماذا نستطيع
“ان نرد للرب من أجل احساناته لنا” (مز 116: 11)، الذي حتى ونحن في
مسكننا هنا، وفي مذلتنا، ذكرنا في صلاحه العظيم وحبه غير المحدود “ولم يصنع
معنا حسب خطايانا” (مز 103: 10)، وهو الذي سخر لنا الشمس لتخدمنا في بيتنا
المظلم هذا، وعين القمر وجميع الكواكب لأجل خدمتنا، وجعلهم يخضعون للبطل الذي
سيبطل (انظر رو 8: 20) وذلك لأجل تقوية اجسادنا. وتوجد ايضاً قوات أخرى كثيرة قد
جعلها لخدمتنا، وهي قوات لا نراها بالعين الجسدية.

والآن
بماذا سنجيب الله في يوم الدينونة، واي خير ينقصنا، وهو لم يهبنا اياه؟ ألم يتألم
رؤساء الآباء لأجلنا ألم يمت الأنبياء لأجل خدمتنا؟ أو لم يُضطهد الرسل من أجلنا؟
أو لم يمت ابنه المحبوب لأجلنا أجمعين؟ والآن ينبغي أن نعد انفسنا لملاقاة خالقنا
في قداسة. لأن الخالق رأى خلائقه – وحتى القديسين – لم يستطيعوا أن يشفوا الجرح
العظيم الذي لأعضائهم. لذلك لكونه أب المخلوقات، فإنه عرف ضعف طبيعتهم جميعاً،
واظهر لهم رحمته، بحسب محبته العظيمة. ولم يشفق على ابنه الوحيد لأجل خلاصنا
جميعاً بل بذله لأجل خطايانا (انظر رو 8: 32). وهو مسحوق بآثامنا وبجلداته شفينا
(اش 53: 4). وجمعنا من كل الجهات بكلمة قدرته، حتى يصنع قيامة لعقولنا (ارواحنا)
من الأرض، معلماً ايانا اننا “اعضاء بعضنا لبعض” (اف 4: 25).

معرفة تدبير يسوع لأجلنا:

لذلك
يجب علينا في اقترابنا من الله أن ندرب عقولنا وحواسنا لنفهم ونميز الفرق بين
الخير والشر، ولكي نعرف تدبير يسوع الذي صنعه في مجيئه، كيف انه جُعل مثلنا في كل
شيء ما عدا الخطية وحدها (عب 4: 14). ولكن بسبب اثمنا العظيم، واثارة الشر،
وتقلباتنا المحزنة، فإن مجيئ يسوع صار جهالة في نظر البعض، وللبعض عثرة، وأما
للبعض الآخرين فهو ربح، وللبعض حكمة وقوة، وللبعض قيامة وحياة (1كو 1: 23-24).
وليكن هذا واضحاً لكم، أن مجيئه قد صار دينونة لكي العالم. لأنه يقول “ها
أيام ستأتي يقول الرب، وسيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم، ولا يعلمون كل واحد قريبه
وكل واحد أخاه قائلاً إعرف الرب؛ وسأجعل اسمي يصل إلى كل أطراف الأرض: لكي يستد كل
فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله؛ لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه
كاله” (ار 31: 34، رو 3: 19، 1: 21). وبسبب غباوتهم لم يستطيعوا معرفة حكمته،
بل أن كل واحد منا باع نفسه لعمل الشر بارادته وصار عبداً للخطية.

الحرية بالمسيح:

لهذا
السبب أخلى يسوع نفسه وأخذ صورة عبد (في 2: 7)، لكيما يحررنا بعبوديته. ونحن قد
صرنا اغنياء، وفي غباوتنا وجهالتنا ارتكبنا كل انواع الشر، ولذلك اخذ شكل الجهالة
حتى بجهالته نصبح حكماء. وقد صرنا فقراء وفي فقرنا افتقرنا إلى كل صلاح وفضيلة،
لذلك اخذ شكل الفقر لكي بفقره نصبح اغنياء في كل حكمة وفهم (2كو 8: 9). وليس هذا
فقط بل انه أخذ شكل ضعفنا حتى بضعفه نصبح أقوياء. وأطاع الآب في كل شيء حتى الموت
موت الصليب (في 2: 8)، لكي بموته يقيمنا جميعاً. لكي يبيد ذاك الذي له سلطان الموت
أي ابليس (عب 2: 14). فإذا تحررنا بالحقيقة بواسطة مجيئه وتشبهنا بتواضعه فإننا
نصير تلاميذ للمسيح، ونرث معه الميراث الإلهي.

حقاً
يا أحبائي في الرب انني منزعج جداً ومضطرب في روحي لأننا نلبس ثوب الرهبنة ولنا
اسم القديسين، ونفتخر بهذا أمام غير المؤمنين. وانني اخشى لئلا تنطبق علينا كلمة
بولس الذي يقول لهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها” (2تي 3: 5). وبسبب
المحبة التي عندي من نحوكم، اصلي إلى الله من أجلكم، أن تفكروا بعمق في حياتكم،
وان ترثوا الأمجاد غير المنظورة.

حقاً
يا أبنائي اننا حتى إذا أكملنا عملنا بكل قوتنا في طلب الله فأي شكر نستحق؟ لأننا
نطلب فقط مكافأة لنا؛ نحن فقط نطلب ما يتفق مع طبيعة حياتنا الروحية وجوهرنا
العقلي. لأن كل انسان يطلب الله ويخدمه بكل قلبه، فانما يفعل ذلك وفقاً لجوهره
وهذا طبيعي بالنسبة له. أما إن صدرت منا خطية، فإنما هي غريبة عن طبيعة جوهرنا
(الروحي).

الذبيحة والآلام:

يا
أبنائي الأعزاء في الرب يا من انتم مستعدون لتقديم انفسكم ذبيحة لله بكل قداسة،
اننا لم نخف عنكم أي شيء نافع، بل اظهرنا لكم كل ما قد رأيناه: أن اعداء الصلاح
يدبرون الشر دائماً ضد الحق. وخذوا من هذا كلمة منفعة بأن “الذي حسب الجسد
يضطهد الذي حسب الروح” (غل 4: 29). “وجميع الذين يريدون أن يعيشوا
بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون” (2تي 3: 12).

ولأن
يسوع عرف كل الآلام والتجارب التي ستأتي على الرسل في العالم، وانهم بصبرهم سيقضون
على قوة العدو، أي عبادة الأوثان، لذلك عزاهم بقوله “في العالم سيكون لكم ضيق
ولكن ثقوا انا قد غلبت العالم” (يو 16: 33). وعلمهم قائلاً “لا تخافوا
من العالم لأن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا. أن
كانوا قد اضطهدوا الأنبياء الذين قبلكم، فسيضطهدونكم، وان كانوا يبغضونكم
فسيبغضونكم ايضاً. ولكن لا تخافوا: لأنكم بصبركم ستبطلون كل قوة العدو” (رو
8: 18، مت 5: 12، يو 15: 20، لو 21: 19).

ما نحتاج أن نعرفه لنتحرر:

أما
عن معاني الحرية التي نلناها فعندي الكثير، ولكن أعط فرصة للحكيم فيصير أوفر حكمة
(ام 9: 9). ومع ذلك فإننا نحتاج إلى التعزية المتبادلة بكلماتنا البسيطة. ولمحبتي
فيكم كلمتكم بهذه الكلمات القليلة الروحانية لتعزية قلوبكم، لأني أعلم انه إذا كان
العقل قد بلغ الإدراك الحقيقي فلا يحتاج إلى كثرة الكلام الجسداني. ولكنني أفرح
بكم جميعاً ايها المحبوبون في الرب، انتم الابناء القديسون الاسرائيليون في جوهركم
العقلي. لأن أول ما يحتاج إليه الإنسان العاقل هو (أ) أن يعرف نفسه. (ب) ثم بعد
ذلك يحتاج أن يعرف أمور الله، وكل الهبات السخية التي تهبها نعمة الله دائماً
وأبداً للإنسان. (ج) وبعد ذلك يحتاج أن يعرف أن كل خطيئة وكل اثم انما هي غريبة عن
طبيعة جوهره العقلي (الروحي). واخيراً اذ رأى الله انه باختيارنا قد صارت لنا هذه
الأشياء الغريبة عن طبيعتنا الروحية واصبحت هي سبب موتنا هنا، لهذا السبب تحرك
بالرحمة نحونا وبصلاحه اراد أن يرجعنا ثانية إلى تلك البداية التي بلا نهاية، (اي
حالتنا الأولى التي لا موت فيها) وافتقد خلائقه، ولم يشفق على نفسه لأجل خلاصنا
جميعاً. لقد بذل نفسه لأجل خطايانا (غل 1: 4) وصار مسحوقاً بسبب آثامنا، ولكننا
بجلداته شفينا (اش 53: 4). وبكلمة قدرته جمعنا من كل مكان من اقصاء الأرض إلى
اقصائها، وعلمنا اننا اعضاء بعضنا لبعض (اف 4: 25). لذلك فإن كنا قد تهيأنا وعزمنا
أن نحرر أنفسنا بواسطة مجيئه الينا، فلنمتحن انفسنا كأناس عاقلين لنرى ماذا يمكننا
“ان نرد للرب من اجل حسناته التي صنعها معنا” (مز 116: 11). وهكذا أنا
ايضاً، المسكين البائس الذي أكتب هذه الرسالة، اذ قد نبه عقلي من نوم الموت
بنعمته، قد صرفت معظم زمان عمري على الأرض باكياً منتحباً وأنا أقول “ماذا
يمكنني أن أرد للرب من أجل كل حسناته التي صنعها معي”. فليس هناك شيء ينقصنا
إلا وقد تممه لنا وعمله لأجلنا ونحن في مذلتنا. فقد جعل ملائكته خداماً لنا. وأمر
أنبيائه أن يتنبأوا، ورسله أن يكرزوا لنا بالإنجيل. والتدبير الذي هو أعظم كل
تدبيراته أنه جعل ابنه الوحيد يأخذ صورة عبد لأجلنا.

لنطهر قلوبنا بالتوبة لنرث الميراث
والروح المعزي
:

لذلك
فإني أتوسل اليكم، يا أحبائي في الرب، انتم الوارثون مع القديسين، أن تنهضوا عقولكم
في مخافة الله. لأنه يجب أن تكون هذه الكلمة واضحة لكم، أن يوحنا السابق ليسوع عمد
بالماء للتوبة لمغفرة الخطايا ليجتذبنا إلى معمودية ربنا يسوع الذي عمد بالروح
القدس والنار. فلنستعد الآن بكل قداسة أن ننقي ذواتنا جسداً وروحاً لنقبل معمودية
ربنا يسوع المسيح، لكي نقدم ذواتنا ذبيحة لله. والروح المعزي يعزينا ليردنا ثانية،
إلى حالتنا الأولى فنستعيد الميراث وملكوت ذلك الروح المعزي نفسه. واعلموا أن
“كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح، ليس ذكر أو انثى، ليس عبد ولا
حر” (غل 3: 27، 28). وحينما ينالون تعليم الروح القدس تبطل منهم حركات
الأفكار الجسدانية في ذلك الوقت، حينما ينالون الميراث المقدس ويسجدون للآب كما
يجب بالروح والحق (يو 4: 24). ولتكن هذه الكلمة واضحة لكم، ولا تنتظروا دينونة
آتية عندما يأتي يسوع ثانية، لأن مجيئه (الأول) قد سبق وصار دينونة لنا أجمعين.

لذلك
اعلموا الآن أن القديسين والأبرار، الذين لبسوا الروح، يصلون دائماً لأجلنا لكيما
ننسحق أمام الله ونتحد بربنا ونلبس ثانية ذلك الثوب الذي خلعناه، والذي كان لنا
منذ البدء أي صورته الأولى الروحية التي خلعناها بالمخالفة. لأنه كثيراً ايضاً ما
جاء ذلك الصوت من الله الآب إلى كل الذين لبسوا الروح قائلاً لهم: “عزوا عزوا
شعبي يقول الرب. أيها الكهنة كلموا قلب اورشليم” (اش 40: 1،2س). لأن الله
دائماً يفتقد خلائقه ويسكب عليهم صلاحه.

بالحقيقة
يا أحبائي، انه يوجد معاني للحرية التي بها قد تحررنا ويوجد اشياء اخرى كثيرة
لأخبركم بها. ولكن الكتاب يقول: “اعطي فرصة للحكيم فيكون أوفر حكمة” (ام
9: 9). ليت اله السلام يعطيكم نعمة وروح الإفراز، لتعرفوا أن ما اكتبه اليكم هو
وصية الرب. وليحفظكم اله كل نعمة مقدسين في الرب إلى آخر نسمة من حياتكم، اني اصلي
إلى الله دائماً لأجل خلاصكم جميعاً، يا احبائي في الرب. نعمة ربنا يسوع المسيح
تكون معكم جميعاً. آمين.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى