علم الاخرويات

الباب الرابع



الباب الرابع

الباب
الرابع

ما
بين الممجيء الأول والثانى للسيد المسيح

 

نأتى
الآن إلى تساؤل لماذا يختلف المجيء الأول للسيد المسيح عن مجيئه الثانى؟!

جاء
السيد المسيح فى ظهوره الأول ليخلص العالم باعتباره هو الله الظاهر فى الجسد. ولكن
كان ينبغى أن يخفى مجده المنظور لكى يكون من الممكن إتمام الفداء.

لو
ظهر السيد المسيح فى ملء مجده لما احتمل البشر النظر إليه. فلا تلاميذه كان من
الممكن أن يقتربوا منه ويتتلمذوا على يديه، ولا الأشرار من اليهود أو من الرومان
كان من الممكن أن تمتد إليه أيديهم ليسمّروه على الصليب.

لقد
أخلى الله الكلمة ذاته “آخذاً صورة عبد.. وإذ وُجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه
وأطاع حتى الموت موت الصليب” (فى 2: 7،8). هزم السيد المسيح كبرياء الشيطان
بتواضعه وطاعته للآب السماوى.

مقالات ذات صلة

كذلك
حرر البشر من خطية الكبرياء، وعلّم تلاميذه “تعلّموا منى لأنى وديع ومتواضع
القلب فتجدوا راحة لنفوسكم” (مت11: 29).

لقد
أظهر لنا السيد المسيح أن فى الكبرياء ضعف، وفى التواضع قوة. لهذا تتغنى الكنيسة
فى لحن أومونوجينيس الذى يقال فى الجمعة العظيمة، وفى تقديس الميرون، وفى سيامة
الأب البطريرك وتقول
}
قدوس الله الذى أظهر بالضعف ما هو أقوى من القوة
{.

 

ظهوره
الثانى المخوف المملوء مجداً

أما
المجيء الثانى فهو للدينونة فى نهاية العالم. لذلك فسوف يأتى السيد المسيح فى مجد
أبيه مع ملائكته القديسين ويدين الجميع ويحاسب الأشرار على شرورهم.

لقد
أعطاهم الفرصة للخلاص وانتهى زمان التوبة. وكما دفع ثمن الخطية على الصليب فسوف
يأتى ليطالب بثمن الدم الذى سفكه حباً فى خلاصنا.

قال
معلمنا بولس الرسول “من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلثة شهود يموت بدون
رأفة. فكم عقاباً أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس ابن الله وحسب دم العهد الذى
قدّس به دنساً وازدرى بروح النعمة” (عب10: 28، 29).

فى
المجيء الأول احتمل العار لأجلنا، وفى مجيئه الثانى سوف يطالبنا بثمرة محبته وإلا
فسنحمل نحن عار أنفسنا.

لذلك
قيل فى مجيئه الثانى المخوف المملوء مجداً إن الأشرار سوف “يقولون للجبال
والصخور اسقطى علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش” (رؤ6: 16).

وقيل
فى نبوة زكريا النبى “فينظرون إلىّ الذى طعنوه” (زك12: 10).

بمعنى
أنهم سيتعجبون من مجده العظيم بالرغم من أنه هو نفسه الذى طعنوه فى جنبه بالحربة
ليتأكدوا من موته.

وقيل
أيضاً فى مجيئه الثانى “تنوح جميع قبائل الأرض” (مت24: 30). بمعنى أن
مجده المرهوب سوف يجعلهم يبكون على موقفهم قبالته، ينوحون لأنهم يرتعبون من مصيرهم
بعد الشرور التى ارتكبوها.

وليس
معنى هذا النوح إنهم شعروا بمشاعر التوبة الحقيقية عند مجيء الرب لأن الكتاب يقول
“ثم سكب الملاك الرابع جامه على الشمس، فأعطيت أن تحرق الناس بنار. فاحترق
الناس احتراقاً عظيماً، وجدّفوا على اسم الله الذى له سلطان على هذه الضربات، ولم
يتوبوا ليعطوه مجداً. ثم سكب الملاك الخامس جامه على عرش الوحش، فصارت مملكته
مظلمة. وكانوا يعضون على ألسنتهم من الوجع. وجدّفوا على إله السماء من أوجاعهم ومن
قروحهم، ولم يتوبوا عن أعمالهم” (رؤ16: 8-11). بمعنى أن الضربات التأديبية من
الله على الأشرار لم تقتادهم إلى التوبة بل على العكس ازدادوا زيغاناً بالرغم من
الآلام التى وقعت عليهم. لذلك فإن دينونتهم الأبدية هى نتيجة لعدم توبتهم لا
بواسطة الحب والرفق من قبل الله ولا بواسطة التأديبات إذ قد استمروا فى عنادهم
وعدم توبتهم مثل الشيطان.

لذلك
يقول القديس يوحنا فى رؤياه “وسمعت ملاك المياه يقول: عادل أنت أيها الكائن
والذى كان والذى يكون، لأنك حكمت هكذا. لأنهم سفكوا دم قديسين وأنبياء، فأعطيتهم
دماً ليشربوا، لأنهم مستحقون. وسمعت آخر من المذبح قائلاً: نعم أيها الرب الإله
القادر على كل شئ حق وعادلة هى أحكامك” (رؤ16: 5-7).

وقال
أيضاً “وبعد هذا سمعت صوتاً عظيماً من جمع كثير فى السماء قائلاً: هللويا
الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا. لأن أحكامه حق وعادلة، إذ قد دان
الزانية العظيمة التى أفسدت الأرض بزناها، وانتقم لدم عبيده من يدها. وقالوا ثانية
هللويا ودخانها يصعد إلى أبد الآبدين” (رؤ19: 1-3).

 

يدين
المسكونة بالعدل

من
الواضح أن يوم الدينونة هو يوم لاستعلان دينونة الله العادلة. بعد أن أطال أناته
كثيراً على الخطاة لعله يقتادهم إلى التوبة.

فمن
الواجب أن نحترس من قساوة القلب التى تمنع التوبة. فالكتاب يحذر الإنسان غير
التائب قائلاً: “من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضباً فى يوم
الغضب واستعلان دينونة الله العادلة” (رو2: 5).

ينبغى
أن نتذكّر باستمرار أن لطف الله إنما يقتادنا إلى التوبة وأن نكون دائماً ساهرين
على حياتنا الروحية مستعدين لاستقبال العريس كما أوصانا هو بنفسه.

 

النبوة
التى وردت فى سفر ملاخى

سفر
ملاخى وهو آخر أسفار العهد القديم. يتكلم فى آخر آيات منه عن مجيء الرب فيقول
“هأنذا أرسل إليكم إيليا النبى قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، فيرد
قلب الآباء على الابناء وقلب الابناء على آبائهم لئلا آتى وأضرب الأرض بلعن”
(مل4: 5-6).

وفى
بداية الإصحاح الرابع والأخير يقول “فهوذا يأتى اليوم المتقد كالتنور وكل
المستكبرين وكل فاعلى الشر يكونون قشاً ويحرقهم اليوم الآتى قال رب الجنود فلا
يبقى لهم أصلاً ولا فرعاً.ولكم أيها المتقون اسمى تشرق شمس البر والشفاء فى
أجنحتها.. اذكروا شريعة موسى عبدى التى أمرته بها فى حوريب على كل إسرائيل الفرائض
والأحكام” (مل4: 1-2، 4).

إنها
كلمات رائعة لأنه يتكلم عن المجيء الأول وعن المجيء الثانى فى نفس الوقت. فحينما
يقول “يوم الرب اليوم العظيم والمخوف” هذا يشير إلى المجيء الثانى
بالأكثر لكن هذا لا يمنع أنه فى المجيء الأول أيضاً كان هناك يوم صلب السيد المسيح
يوماً عظيماً ومخوفاً. قال بطرس الرسول فى عظة يوم الخمسين “
هذا ما قيل
بيوئيل النبى يقول الله ويكون فى الأيام الأخيرة إنى أسكب من روحى على كل بشر
فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً وعلى عبيدى أيضاً
وإمائى اسكب من روحى فى تلك الأيام فيتنبأون وأعطى عجائب فى السماء من فوق وآيات
على الأرض من أسفل دماً وناراً وبخار دخان، تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم
قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الشهير، ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص
” (أع2: 16-21).

من الواضح هنا أنه يتكلم عن يوم الصليب
لأنه يقول “تتحول الشمس إلى ظلمة” وهذا حدث بالفعل فى يوم الصلب. وحينما
يقول “دماً وناراً وبخار دخان” فالدم كان هو دم السيد المسيح، والنار
لأن السيد المسيح قدّم نفسه صعيدة ومحرقة على الصليب فتنسم رائحة ذبيحته أبوه
الصالح وقت المساء على الجلجثة، فالدم والنار وبخار الدخان تشير إلى الصعيدة التى
اُصعدت واشتمها الآب رائحة رضا وسرور.

ويقول معلمنا بولس الرسول فى (عب9: 14)
عن السيد المسيح “الذى بروح أزلى قدّم نفسه لله بلا عيب”. الروح الأزلى
هو الروح القدس. وحينما أصعد السيد المسيح نفسه على الصليب بالروح القدس كان هذا
هو معنى النار التى أصعدت الذبيحة.

لكن كما أن هذه الآيات تشير إلى المجيء
الأول فإنها تشير إلى المجيء الثانى أيضاً. لأنه يقول عن المجيء الثانى “منتظرين
وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذى به تنحل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة
تذوب” (2بط3: 12). وأيضاً “سيأتى كلص فى الليل يوم الرب الذى فيه تزول
السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التى فيها”
(2بط3: 10). فالمجيء الثانى سوف يكون مهوباً ومرهوباً ومخوفاً أكثر من الزلزلة
التى حدثت فى وقت الصلب. إن ما حدث فى يوم الصلب كان مقدمة وإنذارًا لما سوف يحدث
فى المجيء الثانى.

حينما
رأى التلاميذ إيليا وموسى على جبل التجلى سألوا السيد المسيح “فلماذا يقول
الكتبة إن إيليا ينبغى أن يأتى أولاً” (مت17: 10) رد السيد المسيح “
إن إيليا قد
جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا

(مت17: 12) “حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان” (مت17:
13). وفى البشارة بميلاد يوحنا المعمدان قال الملاك إنه “يتقدم أمامه بروح
إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الابناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكى يهيئ للرب
شعباً مستعداً” (لو1: 17). وما قاله الملاك عن يوحنا المعمدان هو ما ورد فى
نبوة ملاخى “فيرد قلب الآباء على ا
لأبناء وقلب الأبناء
على آبائهم لئلا آتى وأضرب الأرض بلعن” (مل4: 6). وعلى الرغم من أنه فى هذه
الآية يؤكد على المجيء الثانى لكنها تشير رمزياً إلى المجيء الأول، لأن يوحنا
المعمدان كان يرمز إلى إيليا، وكانت له شخصية وأسلوب إيليا، أو المواهب التى
يمنحها الروح القدس للأنبياء.

إن
إيليا النبى الذى صعد حياً إلى السماء سوف يأتى قبل مجيء الرب المخوف والمرهوب فى
مجيئه الثانى. هو صعد حياً إلى ما قبل أزمنة رد كل شئ لأنه فى قصد الله أن يكون
لإيليا وأخنوخ رسالة معينة فى مسلسل العمل الإلهى بواسطة قديسيه.

إن
هذا التداخل
إذا صح هذا التعبير بين العهد القديم والعهد الجديد هو أمر رائع. فقد نقل الله إثنين
من أنبياء العهد القديم المميزين وحفظهم عنده فى السماء أحياءً ليدخلهم فى نسيج
العمل الروحى والتدبير الخاص بمقاصد الله فى حياة الكنيسة فى العهد الجديد. وسوف
تتضح الصورة فى النهاية حينما تكتمل الأحداث.

الله يأخذ من أنبياء
العهد القديم للعمل فى العهد الجديد، لأنه هو إله العهدين، ولأنه يريد أن يعرفنا
أن شهادة يسوع هى روح النبوة، ويعرفنا أن ما قاله بطرس الرسول “الخلاص الذى
فتّش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التى لأجلكم، باحثين أى وقت أو ما
الوقت الذى كان يدل عليه روح المسيح الذى فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التى للمسيح
والأمجاد التى بعدها، الذين أعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه
الأمور التى أخبرتم بها أنتم الآن بواسطة الذين بشروكم فى الروح القدس المرسل من السماء،
التى تشتهى الملائكة أن تطلع عليها” (1بط1: 10-12).

أتى يوحنا المعمدان
كشاهد على مسح السيد المسيح وعمّده فى نهر الأردن. كان هذا كاهناً من نسل هارون،
لكنه كان شاهداً لاستعلان المسيا فى يوم الظهور الإلهى. وقال “الذى أرسلنى
لأعمد بالماء ذاك قال لى الذى ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذى يعمد
بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله” (يو1: 33-34).

 

موسى
وإيليا على جبل التجلى

هذا
عن يوحنا المعمدان لكنه شئ جميل أن نرى موسى وإيليا هما أيضاً على جبل التجلى،
واحد أتى بالروح والآخر روحاً وجسداً لأنه لازال حياً إلى الآن. جاءا ليتكلما مع
السيد المسيح أمام ثلاثة من الآباء الرسل عن صلبه وتدبير الفداء والخلاص. كانت
زيارة من جوف التاريخ لمعايشة الحدث فى روعته فى حالة من التجلى مع صوت الآب
والسحابة النيرة.

 

قيامة
أجساد الراقدين ودخولهم أورشليم

هذه الزيارات من العهد
القديم هى شئ فى منتهى الروعة. ويصل الموقف إلى ذروة الروعة حينما “قام كثير
من أجساد القديسين الراقدين” (مت 27: 52) فى يوم قيامة السيد المسيح من بين
الأموات بعد أن تمم الفداء “ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين” (مت27:
53). لكى يعلنوا إنهم نقلوا من الجحيم إلى الفردوس وإنهم يأتون الآن بالجسد والروح
لكى يشهدوا للمخلص المسيح إنه رب القيامة ورب الحياة، قيامتهم المؤقتة جاءت كعربون
ومقدمة للقيامة العامة فى اليوم الأخير، لكى نعرف أن الراقدين بيسوع سيحضرهم أيضاً
معه، كشهادة حية ملموسة لقيامة الأبرار، لئلا يظن أحد أن المسيح فقط هو الذى قام.
جاء هؤلاء ليشهدوا “بالحياة الأبدية التى كانت عند الآب وأظهرت لنا”
(1يو1: 2). وكأن الزمن قد اجتمع فى نقطة واحدة. هذا نوع آخر من الاختراق من العهد
القديم فى العهد الجديد.

إن
هذا التلاشى للفوارق الزمنية يعطينا فكرة عن خروجنا خارج دائرة الزمن حينما يأتى
المسيح فى مجيئه الثانى ويأخذنا لنحيا معه فى الأبدية.

 

الزيتونتان
والمنارتان

تكلمنا
عن يوحنا المعمدان كحلقة اتصال بين العهدين وعن التجلى وعن قيامة القديسين الذين
شهدوا بالقيامة. والآن نتأمل فى الإصحاح الحادى عشر من سفر الرؤيا:

“وسأعطى لشاهدىّ
فيتنبآن ألفاً ومئتين وستين يوماً لابسين مسوحاً. هذان هما الزيتونتان والمنارتان
القائمتان أمام رب الأرض. وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما، تخرج نار من فمهما وتأكل
أعداءهما، وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما، فهكذا لابد أنه يقتل. هذان لهما السلطان
أن يغلقا السماء حتى لا تمطر مطراً فى أيام نبوتهما ولهما سلطان على المياه أن
يحوّلاها إلى دم وأن يضربا الأرض بكل ضربة كلما أرادا. ومتى تمما شهادتهما فالوحش
الصاعد من الهاوية سيصنع معهما حرباً ويغلبهما ويقتلهما” (رؤ11: 3-7).

هناك
إشارات تدل على أن أحد المذكورين فى هذا الأصحاح هو إيليا النبى، لأن إيليا كان له
سلطان أن يجعل السماء لا تمطر مطراً فى أيام نبوته، ونزلت نار من السماء وأكلت
أفواج الجنود الذين أرسلهم الملك إليه فى كبرياء. والدليل على أنهما إيليا وأخنوخ
أنه قيل “هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض”.
فإيليا وأخنوخ هما الأحياء والقائمين أمام رب الأرض. وأيضاً ذكر أنهما لابسين
مسوحاً وهذا ما نعرفه عن إيليا النبى. أما أخنوخ فلا نعرف عنه الكثير، فقد ذكر عنه
الكتاب “وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه” (تك5: 24). لكن ذكر
فى رسالة يهوذا أن له نبوة تدل على قوته فقيل “وتنبأ عن هؤلاء أيضاً أخنوخ
السابع من آدم قائلاً: هوذا قد جاء الرب فى ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع
ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التى فجروا بها وعلى جميع الكلمات
الصعبة التى تكلم بها عليه خطاة فجار” (يه14-15). وهو هنا يتكلم عن المجيء
الثانى والنبوة أيضاً تشير إلى المجيء الأول لأن المجيء الأول فيه أيضاً ملامح
للدينونة مع أنه مجيء للخلاص. فقد قيل عن الروح القدس إنه “يبكت العالم على
خطية وعلى بر وعلى دينونة” (يو16: 8).

إن
دخول أخنوخ وإيليا إلى صراع الكنيسة ضد الوحش قرب نهاية الأيام هو تدبير إلهى عجيب
يتواصل فيه العهد القديم مع العهد الجديد لأن الرب نفسه هو إله العهدين ولابد أن
من بقى حياً من العهد القديم أن ينال بركات العهد الجديد. ويحيا بمقتضى شريعة
الكمال ويجاهد مع الكنيسة المفتداه بدم الحمل.

 

هل يتباطأ الرب عن موعد مجيئه؟

عالج
القديس بطرس الرسول مشكلة الذين يعتبرون أن الرب قد تباطأ عن موعد مجيئه فقال إنه
“سيأتى فى آخر الأيام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات أنفسهم، وقائلين: أين
هو موعد مجيئه لأنه من حين رقد الآباء كل شئ باقٍ هكذا من بدء الخليقة.. ولكن لا يخفَ
عليكم هذا الشئ الواحد أيها الأحباء: أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة وألف سنة
كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا وهو
لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة.
ولكن سيأتى كلص فى الليل
يوم الرب الذى فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض
والمصنوعات التى فيها” (2بط 3: 3،4،8-10).

 

الله
فوق الزمن

بالطبع
لا أحد يعرف متى سيحدث المجيء الثانى حتى بطرس الرسول نفسه الذى أوحى إليه الروح
القدس بكتابة هذه التعاليم، من الواضح أنه يتكلم عن مبادئ وليس عن أوقات. بدليل
قوله كما أوردنا “أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم
واحد” وهذا شئ طبيعى لأن الله فوق الزمن أى غير زمنى وحاضر فى كل زمان كما
أنه حاضر فى كل مكان.

وقد
كتب الشاعر الفرنسى دى لامارتين عبارة جميلة قال فيها [ إن كينونة يهوه لا تقاس بالشهور
والأيام، فيومه يوم أزلى وهو الكائن على الدوام ].

ويقول
القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات فى قداسه المشهور مخاطباً ابن الله الوحيد
} أنت الكائن فى كل زمان أتيت إلينا على الأرض أتيت إلى بطن العذراء
{.

وكتب
القديس يوحنا الإنجيلى فى رؤياه عن الله الكلمة “أنا هو الألف والياء،
البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذى كان والذى يأتى، القادر على كل شئ”
(رؤ 1: 8). بمعنى أن الرب كائن فى الماضى وفى الحاضر وفى المستقبل الذى يأتى. لأن
الرب لا يعبر زمناً بل نحن الذين نذهب إليه عبر الزمان لنجده فى انتظارنا فى
الأبدية. أما عن مجيئه الثانى فيقول “وها أنا آتى سريعاً وأجرتى معى لأجازى
كل واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر”
(رؤ22: 12،13). فإن مجيئه بالجسد الممجد الذى صنع به الخلاص لأجلنا هو للدينونة فى
اليوم الأخير، ولكى يأخذ قديسيه ويدخل بهم إلى المجد.

وقد
لخّص الله الكلمة مفهوم كينونته الدائمة غير المحدودة بزمان عند ظهوره لموسى فى
صورة نار مشتعلة فى عليقة، والعليقة لا تحترق، إذ قال لموسى حينما سأله عن اسمه
“أهيه الذى أهيه” (خر3: 14) أى “أكون الذى أكون” بمعنى الكائن
على الدوام أو الكائن الذى هو كائن أى الكائن الضرورى فوق حدود الزمان والمكان..

 

طالبين
سرعة مجيء يوم الرب

بالرغم
من أن القديس بطرس الرسول قد أوضح
كما أوردنا- أن الرب فى
مجيئه الثانى لا يشاء أن يهلك إنسان، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. بمعنى أنه
يطيل أناته على العالم بصورة تؤكد عدم تسرعه فى إهلاك الناس الذين يتجاهلون
الدينونة العتيدة أن تأتى على العالم. كما أنه يعطى فرصة للمجاهدين ليكملوا جهادهم
ولأصحاب الرسالة الروحية أن يكملوا رسالتهم.. إلا أن القديس بطرس من جانب آخر يحث
المؤمنين أن ينتظروا وأن يطلبوا سرعة مجيء يوم الرب كعلامة لاشتياقهم للقاء العريس
وتقديرهم لروعة الملكوت المعد للقديسين.

إن
من يسلك فى حياة التوبة وفى حياة القداسة لابد أن تتطلع روحه باشتياق لمجيء السيد
المسيح. كذلك فإن انتظار مجيء الرب هو من علامات حياة الاستعداد المؤكدة.

لهذا
قال بطرس الرسول بعدما تكلم عن زوال السماوات واحتراق الأرض والمصنوعات التى فيها
“فبما أن هذه كلها تنحل، أى أناس يجب أن تكونوا أنتم فى سيرة مقدسة وتقوى؟
منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب، الذى بل تنحل السماوات ملتهبة، والعناصر
محترقة تذوب” (2بط3: 11،12).

 

نبوة
بالروح القدس:

لم
يكن ممكناً فى العصر الذى كتب فيه القديس بطرس رسالته الثانية أن يوجد من يفهم
معنى الانفجار النووى وتحطيم الذرة. ولكن القديس بطرس أورد أقوالاً لا يمكن
تفسيرها عملياً إلا فى ضوء المكتشفات العلمية الحديثة فى عالم العناصر والذرات
المكونة لها.

قال
بطرس الرسول “ولكن سيأتى كلص فى الليل يوم الرب الذى فيه تزول السماوات بضجيج
وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التى فيها” (2بط3: 10). وقال
أيضاً “تنحل السماوات ملتهبة، والعناصر محترقة تذوب”.

إن
انحلال العناصر واحتراقها بضجيج هو أمر غير ممكن إلا عن طريق انشطار نواة الذرة
للعنصر وهو الأمر الذى لا يتحقق إلاّ فى التفجيرات والتفاعلات النووية وهو ما لم
يكن ممكناً فى عصر بطرس الرسول.

كذلك
فإن احتراق العناصر لم يكن أمراً ممكناً فى عصر القديس بطرس الرسول. كيف يحترق
الحديد أو ينحل؟ كيف يحترق الذهب أو ينحل؟ كيف يحترق الكالسيوم أو ينحل؟ وكيف
تحترق الأحجار والصخور وكيف تنحل؟.. كل ذلك من الممكن أن يحدث بواسطة التفجيرات
النووية التى تنحل بواسطتها العناصر محترقة وينتج عن ذلك ضجيج هائل مدوى وطاقة
حرارية وإشعاعات مروعة.

حينما
قال القديس بطرس عن الأجرام السماوية إنها سوف تنحل بضجيج ملتهبة فإن الروح القدس
هو الذى أوحى إليه بهذه الكلمات التى لا تناسب على الإطلاق عصره البسيط.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى