علم المسيح

استفحال المعارضة



استفحال المعارضة

استفحال المعارضة

.
” الآخرون يكونون أولين، والأولون آخرين! ” (متى 20: 16). هذه العبارة
التي ختم بها يسوع كلامه في ” عمال الحادية عشرة “، لم يكن ليمتعض من
سماعها أكثر اليهود المتزمتين. فلقد كانوا يراعون، بأشد تدقيق، جميع مراسيم
الشريعة، ويثقون من كونهم ورثة العهود المقطوعة بين الله وإسرائيل، ويأبون كل
الإباء أن يدخل غيرهم من الشعوب في الملكوت الذي يثيب فيه الله أنصاره. وكان لا بد
أن تنثلم انثلاماً دامياً، لمثل تلك الأقوال، عزتهم القومية – وكانت هي ركيزة
إيمانهم – كما كان لابد أن يغتاظوا، في قرارة معتقدهم، لما كانوا يشاهدونه في
تصرفات يسوع وأتباعه من استخفاف بالمراسيم ” الجليلة ” التي كان
الرابيون قد زينوا بها متون الشريعة الموسوية

 

.
ويبدو أن قضية السبت قد باتت هي المحك، في اليهودية كما في الجليل. وكان اليهود في
أورشليم يعمدون إلى تطبيق نواهي الراحة السبتية، تطبيقاً حرفياً، ويتزيدون فيها،
ويبزون، في ذلك، إخوانهم في الأقاليم الشمالية، حيث كان الفريسيون، على ما يبدو،
أقل عدداً. ولئن كان من الغلواء أن نقول على اليهود إنهم كانوا يحكمون في المرء من
طريقة مراعاته لشريعة السبت لا غير، فإنه من الثابت، على كل حال، أنهم كانوا
يدينون المخلين بها

مقالات ذات صلة

 

.
” ففيما يسوع مجتازاً (يوماً) رأى رجلاً أعمى منذ مولده “. وكان ذلك،
ولا ريب، في جوار الهيكل، حيث كان يتكفف المتكففون، على حد ما جاء في أعمال الرسل
(3: 2). ولا ريب أيضاً أنه كان يطلق في السماء توسلاته. فتحنن عليه يسوع، ”
وتفل في الأرض، وصنع من تفلته طيناً، وطلى بالطين عيني الأعمى، وقال له: ”
امض واغتسل في بركة سلوام (أي المرسل). فمضى واغتسل، ورجع وهو يبصر بجلاء ”
(يوحنا 9: 1 – 7). كان يعتقد القدامى أن للريق، ولاسيما ريق الصباح خواص علاجية
موصوفة في أحوال الرمد؛ وقد ذهب إلى إلى ذلك بلينس وسويتون. وكان يسوع، قبل ذلك،
قد وضع أيضاً من ريقه على عيني أحد العميان في بيت صيدا. وأما العلاج بالطين فنقع
على وصفته في قصيدة طبية من الجيل الثالث بعد المسيح، منسوبة إلى سيرينس سمونيكس.
وأما مياه سلوام فكانوا يتبركون بها، من يوم ورد ثناؤها في سفر أشعياء (8: 6).
وكان كل اليهود على علم بأن مياه البركة الحسناء كانت تفد إليها في النفق الذي حفر
في الصخر، في عهد الملك حزقيا، والذي أطلق عليه اسم ” سلوام ” أي
المرسل، وسمي النفق كذلك لأنه ” يرسل المياه في البركة “.. ولكن هل كان
اليهود يعتقدون قدرتها الأعجوبية، كما يعتقدون ذلك لمياه بيت حسدا؟ لقد ورد في نص
إسلامي من الأجيال الوسطى أن كل من يحج إلى أورشليم، يجب أن يستحم في ماء سلوام
” فهي ترد من الفردوس “. وتشاهد اليوم آثار الكنيسة التي شيدتها الملكة
إفذوكسيا، بقرب البركة..

 

بيد
أن الذي أجراه المسيح كان أكثر من علاج طبيعي. وإننا لنتبين بجلاء في النص
الإنجيلي، الهدف الرمزي من استعمال الجناس ما بين لفظتي ” المرسل ”
و” والمرسَل “. وهكذا فقد استخدم يسوع، لإجراء المعجزة، نفس المياه التي
كان يعترف منها الكهنة لفرائضهم الطقسية، وافرغ بذلك – مرة أخرى – معنى جديداً على
شعائر قديمة..

 

.
ورجع الأعمى، في تلك الأثناء، إلى المدينة مستبشراً. وإذا بلبال عظيم.” أليس
هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي؟ “؛ فكان بعضهم يقول: ” إنه هو! “،
وآخرون يقولون: ” لا! ولكنه يشبهه “. وأما هو فكان يقول: ” أنا هو!
“؛ فهبوّا يستنطقونه في شأن المعجزة: كيف صارت، ومن صنعها؟ ” وكان اليوم
سبتاً “؛ وتلك هي العقُدة! وأقبل الفريسيوّن، هم أيضاً، يستجوبون الرجل.
ولعلهّم بالجهد أعفوه من تهمة الاستشفاء نهار السبت! وعلى كل فالذي جبل الطين
بتفلته، في ذاك النهار المقدّس – ويا للمعثرة!- لا يمكن أن يأتي من الله. فأجابهم
الاعمى: بل إنه نبي! “. فاستدعوا أبويه وأوشكوا أن يلصقوا التهمة بهما،
فتملّصا.. ألا فليقرّ الرجلُ إذن أن الذي أبرأه لا يمكن أن يكون إلاّ خاطئاً.
فأجاب: ” أيكون خاطئاً!.. لست أعلم! إنما أعلم فقط أني كنت أعمى، والآن أبصر!
“. وكاد الفريسيوّن يتميزّون من شدة الغيظ، ولا سيما بعد إذ قذفهم الرجل،
هازئاً، بهذه الملاحظة المسننّة: ” لم تلحوّن علي السؤال؟ ألعلكم تريدون أنتم
أيضاً أن تصيروا له تلاميذ؟ “. وأمّا يسوع فما حاول أن يتسترّ عن كونه صاحب
المعجزة، بل انتهى إلى التصريح بهذه الكلمات السرّيةّ التي عَرفتْ أين تتوجّه:
” لقد أتيت إلى هذا العالم لكي يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون!
“. فقال له الفريسيوّن: ” أوَ نكون نحن أيضاً عمياناً؟ “؛ فأجاب
يسوع: ” لو كنتم عمياناً، لما كان عليكم خطيئة! ولكن بما أنكم تقولون:
“إنا نبصر! ” “فخطيئتكم ثابتة! ” (يوحنا 9: 13 – 41)

 

. ذاك
المثل الذي انطلق من حيزّ الحدث المعين، إلى رحاب درس عظيم، يجلو – بأقوى بيان –
الصراع المتحفزّ، وما كان يتفجرّ في صدور الًفريسيين من اضطراب وغيظ. ويشبه حادثة
الأعمى، ما يرويه البشير لوقا، في شأن المرأة الحدباء.” فقد كان يسوع يعلم في
أحد المجامع، يوم السبت. وكان هناك امرأة بها روح سقم، منذ ثماني عشرة سنة. وكانت
منحنية لا تستطبع البتة أن تنتصب.فلما أبصرها يسوع، دعاها وقال لها: ” يا
امرأة، إنك مُطلْقة من.دائك “. ثم وضع يديه عليها، فاستقامت في الحال، وجعلت
تمجّد الله. بيد أن رئيس المجمع اغتاظ لأن يسوع ابرأ في السبت، وقال للجمع: ”
إن لكم ستة أيام للعمل، ففيها تأتون وتستشفون، لا في يوم السبت! “. قال هذا
بأعلى صوته، وكأنه لا يوجّه الكلام إلى يسوع. فأجابه الرب وقال: ” يا مراؤون!
أليس كل واحد منكم يحلّ في السبت ثوره أو حماره من المذود، وينطلق به فيسقيه..
وهذه المرأة، ابنة ابراهيم، التي ربطها الشيطان، منذ ثماني عشرة سنة، أما كان
ينبغي أن تطلق من هذا الرباط يوم السبت؟ ” (لوقا 13: 10 – 17)

 

! هي
نفس أسباب النزاع، ونفس الصراع القائم بين الآخذين بالحرف، والآخذين بالروح. وليس
هناك بينهم أي مجال للتفاهم. ولا غرو، فهم قاطنو عالمين متبابنن

 

. بيد
أن تلك المنازعات اللاهوتية لم تكن لتثير في المستمعن من السخط ما أثاره موقف يسوع
تجاه تعصب ذاك الشعب، وانطوائه العنصري. لقد ارتكب، ولا شك، عصياناً بخروجه على
شريعة السبت، وعصياناً أفدح، بما كان يدّعيه من الاستعلاء على الناموس. ولكنه كان
يجرح نفس إسرائيل، في صميمها، جرحاً أبلغ، كل مرّة كان يؤكد أن المسيح لن يكون
وقفاً على الشعب المختار، وأن الابن الشاطر ينعم بما ينعم به أخوه الفاضل من حق
على عطف الآب، وأن هناك نعاجة أخرى سوف تاوي إلى الحظيرة

 

سوف
نرى، فيما بعد، إلى أي حدّ، وبأيّ معنىً، كان الشعب الاسرائيلي قد انفتح لفكرة
الشمول الديني. وأمّا في عهد المسيح، فما كانت تلك المذاهب الانفتاحية لتصادف كبير
رواج في نظر أمّة مذلّلة، خاضعة، على مضض، لسلطة المُشركين. لقد كانً المشركون،
عند رجل الشارع، في حكم الأبناء الشاطرين، لا يليق بهم إلاّ التقوّت بقوت
الخنازير. هذا، ولم يكن، في نظره، من حظيرة ترعاها عين الله، سوى الأرض المقدّسة،
ومن قطيع سوى الأسباط الاثني عشر. وقد نفذ يسوع إلى نفسيةّ، ذاك الشعب، فهبّ
يتصدى، – صراحة أو تلميحا- لنزعته الاحتكارية.

 

.
فعندما يروي لنا البشير لوقا – مثلا- شفاء العشرة البرُص، عن يد المسيح، إذ كان،
ذات يوم، شاخصا من الجليل إلى أورشليم، وأن السامريّ وحده، من بينهم، رجع يشكر
للمسيح جميله، فالغاية من ذلك بينة! فهو إذ يقارن بين موقف ذاك الغريب ”
الكافر “، وموقف التسعة الآخرين الذين نالوا الشفاء مثله، يعرف إلى من يهدف!
(لوقا 17: 11 – 19). كذلك الأمر في مثل ” السامريّ الصالح “؛ فهو ينطوي،
في آن واحد، على عرسٍ في المحبة، وعلى حُكم صريح! فقد سأل يسوعَ واحدٌ من علماه
الناموس، قائلا: ” يا معلم، ماذا عليّ أن أعمل لأرث الحياة الأبدية؟، فقال له:
” ماذا كُتب في الناموس؟ ماذا تقرأ فيه؟ “؛ فأجاب: ” أحبب الربّ
إلهك، بكل قلبك، وكل نفسك، وكل قدرتك، وكل ذهنك، وقريبك كنفسك! “. فقيه، لا
بأس به! فقد جمع بين الوصيةّ الأولى الجوهرية، والوصيةّ المدرجة في سفر اللاويين
(19: 18) والقاضية بمحبة القريب. بيد أن كاتب الناموس أردف مستفهماً: ” ومن
قريبي؟ “. فأجاب يسوع بمثَلٍ، صوّر فيه، بأسطر وجيزة، واحدة من تلك المآسي
التي كثيراَ ما كانت تروّع الطريق بين أورشليم وأريحا. وكانت تلك الطريق – وهي
قصيرة لا تعدو35 كيلومراً- تنحدر انحدارا سريعاً جدّ اَ (من علوّ ألف متر وأكثر،
وسط صحراء موحشة، وهضاب جافية، وصخور مبلبلة، يجتازها عرق جيولوجي من المنجنيز
القاني، فيزيدها هولاً ورهبة. وكان الناس، إلى أمد قريب، يهابون التورّط فيها، وقد
باتت معقلاً لبنات آوى وأبناء الليل! واتفق أن رجلاً دُوهم قي تلك المهلكة، وترُك
مرَيضّاً على حاشية الطريق، محشرِجاً، بين حيّ وميت. ولم يكن المارة ليستسيغوا
كثيراً التريثّ في تلك الاماكن. فمرّ كاهن ثم لاوي، فما أنجداه. ” ثم إن
سامريّاً، في سفرَ، مرّ به، فتحننّ عليه. فدنا إليه، وضمد جروحه، وصبّ عليها زيتاً
وخمراً، ثم حمله على دابته الخاصة، وأتي به الفندق، واعتنى به “. ولم يكتف
بذلك، بل أنفق عليه من ماله، ما يضمن له العناية من بعد انصرافه..

 

. في
منتصف الطربق، بين أورشليم وأريحا، عند منعطفٍ ما بين الفجاج، يقوم اليوم ”
خان ” قديم متهدّم، كان قد اتخذ حصناً، في عهد البيزنطيين والصليبيين، ولا
يزال يرُف، حتى اليوم، بفندق السامري الصالح. وأمّا مداواة الجروح بمزيج من الخمر
والزيت، في علاج تقليدي شائع جداَ، ولا يزال مستعملاً قي الشرق، حتى أيامنا. وأماّ
مغزى القصة فقد استخلصه المسيح بكلمة وجيزة: ” أي هؤلاء الثلاثة كان قريباً
للجريح؟ “. سؤال لا مناص منه: هو السامريّ، ذاك ” الكافر “!..
فتصوّر أي حكم هذا! بمقدار ما نشعر أن المسيح، في الجليل، قد تحاشى، جهده، عن
إثارة البلبال، واستعجال الصراع، نشعر أن كلامه قد بات في اليهوديةّ – بالعكس –
صارماً. فهو يتحدى سامعيه، أحياناً، بأقوال هي باللطمات أشبه: ” سوف تموتون
في خطاياكم!.. أنتم من أسفل وأنا من فوق! ” (يوحنا 8: 21 –25). وما زالت
تشتد، مع الأيام، قسوة أحكامه، إلى أن كان ذاك اليوم الرهيب الذي أعْلنَهَم فيه
بخراب أورشليم، تلك النبوءة الكبرى التي كان لا بد للتاريخ أن يحققها – أيما
تحقيق! – على يد الرومان وشفارهم. وكأني بيسوع، في جميع تصرفاته هذه، قد أيقن
حتميّة الصراع المتحقز فعدل عن كل وسيلة لمجانبته. ولم تكن هناك حتمية وحسب بل
ضرورة موجبة: فلقد بدت تلك المعارضة المستفحلة كأنها، بين يديَ العناية الإلهية،
آلةً لتنفيذ مقصد علوي قد خفي عن أصحاب تلك المعارضة: ألا وهو، بالذات، مقصد
الفداء!..

 

.. وقد
باتت تلك المقاومة، بعد قليل من الزمن، تنتهز كل فرصة مؤاتية للمجاهرة بذاتها.
فعندما وقع عيد التجديد، في كانون الأوّل، وعاد الناس ثانية إلى المدينة، راحوا
يتحلقون حول يسوع، ويطرحون عليه الأسثلة. ولم يكن يسوع ليعمد إلى التهرّب، لا بل
كان يندمج في تلك العادات التي باتُ يجلّها، ويفقه معناها أكثر من كل إنسان آخر؟
وقد أكّد يوماَ ” أن الخلاص يأتي من اليهود “. فلا بأس إذن آن يحتفل
الشعب بذكرى تطهير الهيكل، عن يد يهوذا المكّابي، بعد هزيمة اليونانيين، وينصرف
إلى إضاءة المنازل.. ولكن علام يأبى الرضى بنتائج تلك التقاليد التي مازال مقيماً
على ولائها؟.

 

.
وراحوا يلجئون يسوع – أعن هزء أم استطلاع أم اختتال؟- إلى التَصريح نهائياً
بهويتّه الماسويةّ. فأجاب: ” لقد قلته لكم، ولا تصدقون. والأعمال التي أعملها
باسم أبي، هي تشهد لي. غير أنكم لا تصدّ قون لأنكم لستم من خرافي ” (يوحنا
10: 21- 30). فقذفوه، ولا شك، مرّة أخرى، بتلك التهمة القديمة التي قُذف به في
الجليل: أنّ به شيطاناً، وأنّ قدرته مستمدّ ة من إبليس. فبعل زبول – ذاك الإله
الكنعاني الذي أمسى شيطاناً في جحيم اليهود – هو الذي يعمل بواسطة يسوع! فأجابهم،
هادئا: ” ليس بي شيطان! ” (يوحنا 8: 49). وقد حدث يوما، إذ كان يعلّم في
الهيكل، أنّ قوماً من الحاضرين أخذوا حجارة وهموّا برجمه. وأما أتباعه فقد فكّر
اليهود أن يجروا في حقهم قراراً شرعياً يقضي بتنحيتهم عن المجمع: وتلك التنحية (أو
الحرم الاكبر) هي عقاب شديد لا يستتبع فقط حجب المذنب عن دخول المجمع، والاشتراك
في الصلاة الجماعية، بل حجز أمواله وإعلان نجاسته

 

ومع
ذلك لم يكن كل اليهود عند هذا الحدّ من التكالب على إهلاك يسوع. ففضلاً عن أولئك
الذين استجابوا لندائه، وأولئك الاصدقاء الذين سوف يخلصون له الوفاء والتضحية، كان
في حزب الفريسيين ذاته نفوس صادقة اتضحت لها براءة النبي. منهم أولئك الذين كانوا
قد قصدوه، وهو بعد في الجليل، وأعلموه أن هيرودس أنتيباس الوالي يلتمس اغتياله.
(لوقا 13: 31). ومنهم أيضاً نيقودمس، ذاك الذي جاء يسوع ليلاً، لدى مروره الأول
بأورشليم، قبل سنة. وإذ كان عضواَ في المجمع، وكانوا ذات يوم يتباحثون في قضية
يسوع – ساعة رجع الشرط من غير ان يَلقوا القبض عليه – تجرّأ وقال: ” هل تحكم
شريعتنا على إنسان من غير أن تسمع منه أولاً، وتحيط علماً بما فعل؟ “.
فاستنزل عليه ذاك الدفاع تهكّمات المتعصبين من زملائه: ” ألعلك أنت أيضاَ من
الجليل؟! ” (يوحنا 7: 50- 52). بيد أن جرأته هذه قد حسبت له – ولا شك، – في
يوم الدين.

 

.
وأمّا المسيح فكان يوالي السير في وسط تلك المكائد التي لم يكن ليغفل أمرها. ولم
يكن عنف الناس ليزُيله عن التوصية بالرحمة، وعن تعهّد أولئك الذين ما فتئوا
يتنكرّون له، بالإحسان والعجائب. وحسب اللّه الحيّ أن يستجيب لندائه صوت واحد، حتى
يؤانس في تلك الاستجابة ثوابَ بذله. ففي أخريات أيامه، عندما شخص إلى أورشليم
ليلقى فيها مصيره، حانت له أيضاً فرصة لإجراء إحدى المعجزات

 

كان
ذلك عند أبواب أريحا الجديدة، تلك المدينة المغرية التي أهداها أنطونيسُ مصَيفاً
للملكة كليوباترة، والتي وسّعها هيرودس وزينّها. ولربما كانت قائمة في جوار
الينابيع الرقراقة التي تشاهد فيها حتى اليوم. وكان هناك أعمى، مع رفيق له، وقد
سما كلاهما إلى المسيح العابر، بذاك الوجه المظلم الذي نتوسّم ملامح ضراعته
الحارّة قي إحدى لوحات ” بوسّان ”

 

.
الشهيرة. وصاح أحدهما قاثلاً: ” يا يسوع ابن داود ارحمي! “؛ وازداد
صياحأ: ” يا ابن داود ارحمي! “. ولم يقوَ أحد على ردعه. وكان اسمه
برتيماوس، على ما جاء في إنجيل مرقس. ولا بدّ أن هذا الانجيلي قد تعرف به ما بين
جماعة المؤمنن الأولين. فسأله يسوع: ” ماذا تريد أن أصنع لك؟ “، قال:
” أن أبصر، يا سيدي! “، فقال له يسوع: ” أبصر! إن إيمانك قد خلّصك!
“. فإذا بالأعمى يطرح رداءه ويثب آتياً إلى يسوع! إيمانك قد خلّصك! هكذا أبصر
النورَ رجال كانوا من أشد الناس عمىً، بل هكذا نبت، في صحاري اليهودية، بذار سوف
يكون له ثمن عظيم (لوقا 18: 35؛ متى 20: 29؛ مرقس 10: 6 4)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى