اللاهوت الروحي

الفصل العاشر



الفصل العاشر

الفصل العاشر

إختبار الإيمان | هل أنتم في الإيمان؟

مقالات ذات صلة

“جربوا أنفسكم: هل أنتم في الإيمان؟
امتحنوا أنفسكم” (2 كو 13: 5).

هناك طرق كثيرة لاختبار الإيمان، يمكن استنتاجها
من كل ما سبق. ونريد أن نقول ههنا إن الرسول – في حياة الإيمان – لا يتكلم عن مجرد
الإيمان، أى الإعتراف باسم الرب، وإنما يذكر بالتخصيص:

1- الإيمان العامِل بالمحبة

2- الأعمال

3- نقاوة القلب

4- ما يمنحه من قوة

5- في الضيقة

6- بعض الوصايا

7- مدى اهتمامك بالأبدية

8- صحة العقيدة

9- صفات الإيمان السليم

 

1) الإيمان العامل بالمحبة

إختبر إذن إيمانك بالمحبة حسبما شرحها الرسول في
(1 كو 13).. المحبة تتأنى، وتترفق، ولا تحسد، ولا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تقبح،
ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم.. وتحتمل كل شئ،
وتصدق كل شئ، وترجو كل شئ، وتصبر على كل شئ” (1 كو 13: 4 – 7).

 

فهل توجد فيك كل هذه الصفات، ليكون إيمانك
سليماً؟ لقد قال الرسول “إن كان لى كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليست لى
محبة، فلست شيئاً” (1 كو 13: 2). بهذه المحبة يمكنك أن تختبر إيمانك..

بل إنك تختبر الإيمان بالأعمال عموماً.

 

2) تختبر الإيمان بالأعمال عموماً

 ذلك لأن
الرسول يقول “وأنا أريك بأعمالى إيمانى” (يع 2: 18). فبالأعمال تختبر
إيمانك هل هو إيمان حى أم ميت لأن “الإيمان بدون أعمال ميت” (يع 2: 20).
والإيمان الميت لا يقدر أن يخلص أحداً (يع 2: 14). والقديس بولس الرسول أكثر من
تحدث عن أهمية الإيمان، نراه يقول:

 

“يعترفون بأنهم يعرفون الله، ولكنهم
بالأعمال ينكرونه” (تى 1: 16).

 

وفى رسالته إلى تيموثاوس يشدد كثيراً على هذه
النقطة، فيقول إن “الذى لا يعتنى بخاصته.. قد أنكر الإيمان وهو شر من غير
المؤمن” (1 تى 5: 8). وإن الأرمل اللائى رفضن نذر البتولية قد “رفضن
الإيمان الأول” (1 تى 5: 12). وإن الذين يحبون المال، قد “ضلوا عن
الإيمان” (1 تى 6: 10). وإن المهتمين بالكلام الباطل الدنس “قد زاغوا من
جهة الإيمان” (1 تى 6: 21).

 

إذن سلوك الإنسان يمكن أن يكون اختباراً لإيمانه.

 

هوذا القديس يوحنا الرسول يقول “من قال قد
عرفته، وهو لا يحفظ وصاياه، فهو كاذب وليس الحق فيه” (1 يو 2: 4)، “من
قال إنه ثابت فيه، ينبغى أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضاً” (1 يو 2: 6). وبهذا
نقول:

 

3) نختبر إيماننا بنقاوة القلب

ولماذا؟ لأن الذى يؤمن أن الله كائن أمامه، وأن
الله قدوس يكره الخطية، وأنه عادل يجازى كل إنسان حسب أعماله، هذا يخاف أن يخطئ
أمام الله، ويستحى أن يخطئ، كما يستحى أن يجرح قلب الله المحب، إن كان يؤمن بمحبة
الله. هوذا الرسول يقول “كل من يخطئ، لم يبصره ولا عرفه” (1 يو 3: 6).
يقيناً إن الذى يخطئ، لا يكون في فكره أثناء الخطية أن الله يرى ويسمع ويسجل..
ويقيناً أن الذى يظلم، لا يكون مؤمناً تماماً أن هناك إلهاً موجوداً “يحكم
للمظلومين” (مز 146: 7).

 

ولذلك إذا قيل لظالم “ربنا موجود”
يخاف ويرتعش. ويقيناً إن المتكبر، أو المنتفخ بالمديح، لا يشعر مطلقاً أنه قائم
أمام الله. إن هيرودس لما خاطب الشعب ومدحوه قائلين “هذا صوت إله، لا صوت
إنسان” فابتهج بهذا المديح، لم يكن عنده إيمان أن الله أمامه، ذلك “ضربه
ملاك الرب، لأنه لم يعط مجداً لله. فصار يأكله الدود ومات” (أع 12: 21 – 23).
المؤمن الحقيقى يمكن اختباره أيضاً بالزهد وعدم اشتهاء الأمور التي في العالم،
فالمؤمنون مكتفون بما هم فيه (فى 4: 11).

وبالنسبة لاحتياجاتهم، لا يحتجون على شئ، ولا
يحتاجون إلى شئ.

نقطة أخرى في حياة الإيمان هى:

 

4) يُختبر الإيمان بما يمنحه من قوة

هل لديك قوة الإيمان التي تشعر بها أن كل شئ
مستطاع؟

وكما قال الرب “كل شئ مستطاع للمؤمن”
(مر9: 23). هل تشعر أن هناك شيئاً صعباً أو مستحيلاً، أو لا يصدق إيمانك بأن الله
يمكن أن يعمله؟ هل تقف في شك أمام الأشياء التي تحتاج إلى معجزة؟! هل يمكنك أن
تقول كما قال القديس بولس الرسول “أستطيع كل شئ في المسيح الذى يقويني”
(فى 4: 13). هل تهزك العقبات والصعوبات بحيث تقول “لا فائدة”؟! هل
يحاربك اليأس؟

 

إن اليأس ضد الإيمان، وضد الرجاء، من كل ناحية.

 

لاشك إن المنتحرين فقدوا إيمانهم ورجاءهم،
وشعروا أنه لا حل، كما فقدوا الإيمان بحقيقة الحياة بعد الموت في الأبدية ومصير
المنتحرين فيها. وكذلك الذين استسلموا للأمر الواقع، أو للضغوط الخارجية، وخضعوا
للخطية، لم يؤمنوا إطلاقاً أن هناك قوة يمكن أن تسندهم وتخلصهم. إن الإيمان قوة
لمن يستطيع أن يستخدمه في ثقة بلا شك.

 

أخشى أن يكون الإيمان في أيدى البعض كعصا أليشع
في يد جيحزى (2 مل 4: 31). وأخشى أن يكون الصليب في أيدى البعض كذلك: يحسنون حمله
ورشمه وليس الإيمان به. معهم الصليب وليست معهم قوته التي هى كامنة في الإيمان به
وبعمله.. هل تظنون أن عصا موسى هى التي شقت البحر الأحمر؟ أم هو إيمان موسى حامل
هذه العصا ومستخدمها باسم الرب؟

 

فهل لك الإيمان التي كانت لموسى حينما ضرب البحر
بعصاه؟

 

إنك كثيراً ما تصلى. ولكن هل في صلاتك الإيمان
الذى يعطى لهذه الصلاة قوة؟ ما أعجب قول الكتاب حين قال عن إيليا إنه “صلى
صلاة” (يع 5: 17). وهذه الصلاة لم تكن عادية كصلوات باقى الناس، إذ أنها
استطاعت أن تغلق السماء مرة، وأن تفتحها مرة أخرى..

إختبر إيمانك إذن بالقوة التي لك نتيجة علاقتك
بالله.

 

6) اختبار الإيمان في الضيقة

الضيقات تحل بكل أحد. ولكن هناك فرقاً كبيراً
بين المؤمن وغير المؤمن في الروح التى تستقبل بها الضيقة.

إن كانت الضيقة تفقدك سلامك، فاعرف أن إيمانك
ضعيف.

المؤمن يستقبل الضيقة مؤمناً أنها للخير، وأن
الله سيحلها. فلا يتضايق في داخله، ولا يضطرب، ولا تنشغل أفكاره بها، ولا يتعب
قلبه بالحزن والألم. إنما يواجه الضيقة بثلاث آيات هى “كل الأشياء تعمل معاً
للخير، للذين يحبون الرب” (رو8: 28)، و” إحسبوه كل فرح ياخوتى، حينما
تقعون في تجارب متنوعة” (يع 1: 2). وأيضاً “كل شئ مستطاع للمؤمن”
(مر9: 23). وبهذا الإيمان يفرح قلبه في الضيقة، ويتعزى الناس بفرحه.

 

المؤمن يضع بينه وبين الضيقة، فتختفى الضيقة
ويظهر الله.

 

ويذكر يد الله التي كانت مع القديسين في كل
ضيقاتهم “وملاك حضرته خلصهم” (اش 63: 9). ويذكر ما حدث لموسى ويوسف
وداود وأيوب ودانيال وللثلاثة فتية. وكل هذه الذكريات تزيده إيماناً بالله وثقة في
تدخله وعمله. وهكذا لا يتزعزع فى الضيقة، ولا شك ولا يحزن ولا يحمل هماً.. بل يقول
مع المرتل “نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصادين. الفخ انكسر ونحن نجونا،
عوننا من عند الرب الذى صنع السماء والأرض” (مز 124).

 

يقول للرب: مادمت أنت موافق على الضيقة، فأنا
أفرح بها.

 

ليس فقط أقبلها، أو أرضى بها، إنما أحسبه كل فرح
أن الرب يعطيني بركة هذه الضيقة.. ما أجمل ما قيل عن الآباء الرسل بعد أن جلدوهم
“وأما هم فذهبوا فرحين.. لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل إسمه”
(أع 5: 41).

 

المؤمن مهما بدت كل الأبواب مغلقة، يرى باب الله
مفتوحاً.

 

إنه يؤمن بالله، الذى بيده مفاتيح السماء والأرض
“الذى يفتح ولا أحد يغلق” (رؤ3: 7). ويرتل هذا المؤمن مع القديس يوحنا
الرائى قائلاً “بعد هذا نظرت، وإذا باب مفتوح في السماء ” (رؤ5: 1). بل
اختبار اٌلإيمان بأن ترى جميع الأبواب مفتوحة أمامك. وكلما ترى أمامك باباً مغلقاً:
ليس هذا هو الباب الذى يريدنى الله أن أدخل منه. هناك أبواب أخرى كثيرة مفتوحة عند
الله. وهناك أبواب مغلقة الآن سيفتحها فيما بعد.. وبهذا الإيمان تستريح.

 

6) اختبار الإيمان ببعض الوصايا

أ – من الوسائل التي يختبر بها الإيمان: العشور
أو العطاء عموماً. وبخاصة إذا كان هذا المؤمن محتاجاً، أو مطلوب منه أن يعطى من
أعوازه. ضعيف الإيمان يقول “إن كان المرتب كله أو الإيراد كله أو لا يكفى،
فكيف يكون الحال إن نقص أيضاً عشرة؟!. أما المؤمن فإنه يقول: إن إعطائى العشور،
يجعل الباقى مباركاً فيكفى ويزيد..

 

إن العشور إختبار روحى عرضه الرب نفسه في سفر
ملاخى فقال:

 

هاتوا جميع العشور.. وجربونى بهذا، قال رب
الجنود: إن كنت لا أفتح لكم كوى السماء، وأقيض عليكم بركة حتى لا توسع.. (ملا 3: 10).
فإن كان الشخص – على الرغم من هذا الوعد الإلهى – لا يدفع،، فلا شك أن إيمانه يكون
ضعيف في وعد الله وفى بركته. وقبل ذلك في وصيته..

 

إن كان هذا في العشور، فماذا عن وصيته: “مَنْ
سألك فأعطه”؟ (متى 5: 42). وماذا عن وصية “إذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء”
(متى 19: 21). وماذا عن وصية “بيعوا أمتعتكم [ أو مالكم ] واعطوا صدقة”
(لو 12: 33)؟ بهذا يختبر إيمانك: هل الله قادر أن يعولك بما يبقى بعد دفع نصيب
الفقراء؟ وأيضاً هل هو قادر أن يعولك دون أن تكنز لك كنوزاً على الأرض (متى 6: 19).

 

ب – من الوصايا التي يختبر بها الإيمان أيضاً: حفظ
يوم الرب.

 

هل أنت تفرح بيوم الرب لكى تقضيه مع الرب؟ أم
أنت تفضل عليه مشغوليات أخرى عديدة؟ هل أمورك العالمية أهم في نظرك؟ وهل تأجيلها
أمر لا تحتمله ولا تستطيع ترتيبه بتنظيم وقتك؟ إنه إختبار لإيمانك.

 

ج – وكذلك من الإختبارت الهامة: مدى محبتك
للصلاة:

 

هل تنساها وتمر عليك أوقات كثيرة لا تصلى فيها؟
وهل إذا وقفت للصلاة، تفكر كيف تنتهى منها لتنشغل بأمور أخرى تهمك بالأكثر؟ وهل
أثناء صلاتك تسرح في أمور أخرى، وتنسى أنك واقف أمام الله تخاطبه؟ إن كنت كذلك فلا
يكون إيمانك قوياً بالله وبعشرته وبلذة الحديث معه.. وهكذا إن وضعنا باقى أمور
الصلاة، وباقى بنود العمل الروحى، لتكون مجالاً لاختبار إيمانك.

 

7) اختبر إيمانك بمدى اهتمامك بالأبدية

هل أنت مركز كل فكرك وقلبك في هذا العالم الحاضر،
ومدى نجاحك فيه، ومدى تمتعك به؟ أم أنت تهمك أبديتك، ويهمك مصيرك في العالم الآخر،
وتعد العدة لتلك الحياة كما يقول الرب “لتكن أحقاؤكم ممنطقة، ومصابيحكم موقدة.
وأنتم تشبهون أناساً ينظرون سيدهم متى يرجع من العرس، حتى إذا جاء وقرع يفتحون له
للوقت. طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم ساهرين” (لو 12: 35 – 37).

 

إن السهر الروحى إختبار عميق للإيمان.

 

أما الغافل عن أبديته، فأين هو إيمانه؟! أين
إيمانه بالحياة الأخرى، والإستعداد لها بالتوبة والعمل الصالح، وبعشرة الله ومحبته،
وبالزيت جاهز في مصباحه..؟!

 

8) اختبر إيمانك بصحة العقيدة

هل هو إيمانك سليم بعيد عن البدع وأخطاء العقيدة،
وعن المفاهيم الخاصة؟ وهل هو “الإيمان المسلم مرة للقديسين” (يه 3).
الذى أودعه الرسل أناساً أمناء كانوا أكفاء أن يعملوا آخرين أيضاً (2تى 2: 2). وهل
هو موافق لكل تعليم الكتاب، أم تتبع فيه أناساً يعلمون فكرهم الخاص؟ بهذا إختبر
إيمانك.

 

أقول هذا لأن العقيدة لها تأثير عملى في حياة
الإنسان الروحية.

 

9) اختبر إيمانك بصفات الإيمان السليم

هل إيمانك إيمان عملى؟ هل هو ثابت لا تزعزعه
الظروف؟ هل هو لا يضعف ولا يشك؟ هل هو مملؤ بالسلام لا يعرف خوفاً؟ وهل تعرف حياة
التسليم وطاعة الإيمان، وهل إيمانك إيمان حى مثمر؟ وهل هو ينمو ويزداد؟ وهل.. لست
أريد أن أذكر باقى صفات الإيمان لتمتحن بها نفسك.

إنما إن أردت مزيداً من الموازين، يمكن أن تعيد
قراءة هذا الكتاب من أوله.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى