علم المسيح

ظهور المسيح بعد القيامة لعشرة تلاميذ



ظهور المسيح بعد القيامة لعشرة تلاميذ

ظهور المسيح بعد
القيامة لعشرة تلاميذ

 

«وَلَمَّا
كَانَتْ عَشِيَّةُ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ
ٱلأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ ٱلأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ
ٱلتَّلامِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ ٱلْخَوْفِ مِنَ
ٱلْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي ٱلْوَسَطِ، وَقَالَ لَهُمْ:
«سَلامٌ لَكُمْ». وَلَمَّا قَالَ هٰذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ،
فَفَرِحَ ٱلتَّلامِيذُ إِذْ رَأَوُا ٱلرَّبَّ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ
أَيْضاً: «سَلامٌ لَكُمْ. كَمَا أَرْسَلَنِي ٱلآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». وَلَمَّا
قَالَ هٰذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «ٱقْبَلُوا ٱلرُّوحَ
ٱلْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ
خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» (يوحنا 20: 19-23).

 

وفي
مساء هذا اليوم المجيد اجتمع التلاميذ سراً، خوفاً من أن يتعقَّبهم الرؤساء
ليهلكوهم كما أهلكوا سيدهم، ولا سيما أن خبر قيامة المسيح هيَّج الرؤساء كثيراً،
فغلَّقوا الأبواب تحفُّظاً. وكان توما غائباً عن هذا الاجتماع لأسباب نجهلها.

 

في
هذا الاجتماع حكى بطرس لرفاقه خبر ظهور المسيح له. وفي أثناء ذلك وصل كليوباس
ورفيقه، فوجدا المجتمعين يتحادثون في أن المسيح قام بالحقيقة وأنه ظهر لبطرس.
فأخبراهم بما حدث في الطريق، وكيف عرفاه عند كسر الخبز. ويظهر أن بعض الحاضرين
كانوا لا يزالون يشكُّون في حقيقة قيامته، ويفسِّرون ظهور المسيح للمجدلية ثم
للنساء ثم لبطرس أنه وهمي، فقيل: «إنهم لم يصدقوا ولا هذين».

 

ففي
هذا الاجتماع مساء يوم قيامته، ظهر المسيح فجأة، ودون فتح بابٍ لدخوله. ووقف في
الوسط وقال لهم: «سلام لكم». لم يقل: «سلام عليكم» كأنه سلام خارجي زمني بل «سلام
لكم» لأنه سلام داخلي روحي يهبه هو لهم في وسط الجزع والاضطراب. هذا السلام هو
الميراث الذي تركه لهم في خطابه الوداعي لما قال: «سَلاماً أَتْرُكُ لَكُمْ.
سَلامِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي ٱلْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا»
(يوحنا 14: 27) كان السلام هو أول ما كلَّمهم به في اجتماعه الأول بهم كجماعة..
فسكّن اضطراب قلوبهم بقوله: «السلام لكم»، كما سكَّن سابقاً بكلمة منه اضطراب
البحيرة. به وحده يحصل المؤمن على سلامٍ مع اللّه، ومع ضميره الذي يدينه، ومع
البشر في المعاشرة اليومية، وفقاً للوصية الرسولية: «حَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا
جَمِيعَ ٱلنَّاسِ» (رومية 12: 18).

 

لم
يكن التلاميذ مستعدين لهذا السلام المقدَّم لهم بسبب ضعف إيمانهم، فجزعوا وخافوا
وظنوا أنهم رأوا روحاً. فعَذَرهم لأن هيئته غير معروفة عندهم. كان ظهوره كل مرة
بعد قيامته، بهيئة غير القديمة، ضرورياً ليؤكد لهم التغيير العظيم الذي حصل لجسده
في قيامته. فلا عجب أنه حيَّر التلاميذ جداً، لأنه كان يظهر ويختفي فجأة، ويظهر كل
مرة بهيئة جديدة.

 

وبما
أن المسيح كان يكلّمهم كثيراً بأمثال، فقد حسبوا كلامه عن موته وقيامته من
الأمثال، فلم يكترثوا له كثيراً، ولا اكترثوا لشهادة النساء، لأنهم حسبوهنَّ أكثر
عُرضة للأوهام. فلأسباب كهذه كان شكُّهم أقربَ إلى المعقول، وكان توبيخُ المسيح
لهم لطيفاً. قال: «ما بالكم مضطربين؟» ونفى أنه خيال كما توهموا بسبب كيفية دخوله،
وتلطَّف بدعوتهم ليلمسوه قائلاً: «أنظروا يديَّ ورجليَّ. إني أنا هو. جسُّوني
وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي». وأراهم جنبه أيضاً.

 

هذه
مرة أخرى أكرم فيها المسيح شهادة الحواس إثباتاً للحقيقة، وأيَّدها في أهم
القضايا، وهي قيامته. أضاف المسيح على ما سبق أنه طلب طعاماً. ولما ناولوه من
العسل والسمك المشوي الجاهز لديهم، أخذ وأكل قدامهم. ثم فعل مع هؤلاء المجتمعين ما
فعله مع التلميذين في طريق عمواس، لأنه فتح ذهنهم ليفهموا الكتب، وذكَّرهم
بالنبوات القديمة وبإنباءاته هو المتكررة. فجاز له الآن بعد أن سكَّن خوفهم أن
يوبخهم على عدم إيمانه وقساوة قلوبهم، لأنهم لم يصدقوا قول الذين كانوا قد رأوه
بعد ما قام، لا سيَّما وأن شهادة هؤلاء كانت تطابق أقوال التوراة.

 

ثم
أكد المسيح أهمية الكرازة باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم، مبتدئاً من
أورشليم، وأنهم يكونون شهوداً في كرازتهم لِمَا عاينوه وسمعوه وتيقنوه، وأعاد لهم
وعده بأن يرسل لهم الروح القدس الذي وعدهم به الآب أيضاً، وأوصاهم أن لا يبرحوا من
أورشليم بعد صعوده قبل أن يُلبِسهم هذا الروحُ قوة من الأعالي، وسلَّمهم وظيفته في
قوله: «كما أرسلني الآب أرسلكم أنا».

 

ثم
قال لهم: «اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تُغفَر له، ومن أمسكتم خطاياه
أُمسكت». هذا هو «الكلمة» الذي «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ
شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا 1: 3). والذي به أيضاً عمل اللّه العالمين (عبرانيين
1: 2). فكما نفخ في الإنسان الأول نسمة الحياة الطبيعية، نفخ الآن في هؤلاء
اليائسين نسمة الحياة الروحية الجديدة.

 

أتحبني
أكثر؟

«فَبَعْدَ
مَا تَغَدَّوْا قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا،
أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هٰؤُلاءِ؟» قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ
أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: «ٱرْعَ خِرَافِي». قَالَ
لَهُ أَيْضاً ثَانِيَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟» قَالَ لَهُ:
«نَعَمْ يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: «ٱرْعَ
غَنَمِي». قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟»
فَحَزِنَ بُطْرُسُ لأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ:
«يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ».
قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ٱرْعَ غَنَمِي» (يوحنا 21: 15-17).

 

كطبيب
روحي جرح المسيح بطرس ليشفيه، فسأله: «أتحبني أكثر من هؤلاء؟» أي أكثر مما يحبني
رفقاؤك التلاميذ، الذين مع أنهم تركوني خوفاً، لكنهم لم ينكروني؟ فأجابه على النصف
الأول من سؤاله: «نعم يا رب، أنت تعلم أني أحبك». لم يقُلْ: «أحبك أكثر من هؤلاء».
يسأل المسيحُ عادةً عن الأساس قبل البناء، وعن الأصل قبل الفرع. لذلك لا نسمعه
يسأل بطرس عن أعماله، ولا عن معارفه، ولا عن مقاصده، بل عن أصل كل هذه وأساسها: أي
عن حالة القلب. سأله عن شعوره الداخلي. لو سأله عن أعماله لما نال بطرس غير
الدينونة والخجل. ولصمَتَ عن الجواب، لأن ظواهره كانت سيئة.. الإنسان الذي ظواهره
الحسنة تخالفُ بواطنَه السيئة هو المرائي. أما بطرس فكانت ظواهره الضعيفة تخالف
بواطنه الصالحة واستعدادته الطيبة.

 

ولما
كانت حالة القلب تستلزم أعمالاً تناسبها وتبرهنها، لم يكتفِ المسيح بأن يعلِنَ
بطرسُ حبَّه له، بل طلب منه العمل أيضاً، فقال له: «ارع خرافي» معِيداً له بهذا
الكلام الوظيفة الرسولية التي سقطت عنه بسقوطه، ومُبْدلاً صورة صياد النفوس بصورة
راعي النفوس، لأن بطرس أخطأ، ليس فقط في تَرْكه صَيْد النفوس ليصيد السمك، بل
أيضاً في تركه رعاية غيره لأجل رعاية ذاته. في هذه الوصية بالخراف، نرى درساً
لجميع الرعاة الروحيين، أن يبتدئوا في خدمتهم بالصغار، صغار السن وصغار النفوس،
كالفقراء والضعفاء واليائسين.

 

ثم
كرر المسيح سؤاله لبطرس، وقال: «ارع غنمي». فأخذ ذات الجواب الأول. لقد قال بطرس
ثلاث مرات إنه لن ينكر المسيح، ثم كرر إنكاره ثلاث مرات. فالآن يكرر المسيح ثلاث
مرات سؤال الإمتحان. جَرَحت المرةُ الثالثة بطرس أكثر، فحزن وأجاب بانفعالٍ ممتزجٍ
بالحب: «يا رب أنت تعلم كل شيء، أنت تعرف أني أحبك». لأن المحب لا يمكن إلا أن
يطيع إلهاً يحبُّه، ولا يمكن أن يفعل إلا الخير لقريبه المحبوب، ولا زال المسيح
يسألك: «أتحبني؟». فماذا ستقول له؟.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى