أيها المؤمنون الملتمسين خلاص الرب العظيم، أنظروا أنه اليوم الذي فيه أظهر دينونة كذب البشر وكشف ثوبهم البالي، بمشرط الجراح الماهر الذي وصل لأصل الداء الأول الذي ورط الإنسان في الشرّ وأنتج الفساد، وهو داء الحية القديم عديم الشفاء، ولا يستطيع إنسان أن يعالجه، أنه الكبرياء المُرّ الذي طرح كثيرين صريعي المتكأ الأول وحب التسلُّط والسيادة على الآخرين، أنه الشهوة المُرّة التي تعمي البصيرة عن التدبير الإلهي الفائق !!! وها هي أم ابني زبدي لمَّا لم تكن كُفؤاً لسرّ تدبيرك الذي لا يوصف، يا سيدي وإلهي القدوس، التمست منك أن تمنح ابنيها إكرام مُلكك، التي نظرت إليه ملكاً أرضياً إذ سعت لكرامة ولديها وسط الناس ليتعظموا مثل الملوك وعظماء الدهر. ولكنك عوضاً عن ذلك قدمت صبغتك لهم، وهي كأسك التي استلمتها من الآب كالتدبير، هذه التي قلت أنك ستشربها لنهايتها، لأنك لأجلها أتيت، هذه الكأس التي لأجل خلاصنا نحن الخطاة الأثمة الذي إلى اليوم كثيراً ما لا نهتم بصنعة يديك لنا ونهتم فيما لأنفسنا وللناس، متغاضين عن شخص جلالك ناسين أنك فوق الكل وأعلى من العلويين ولا يوجد من يشبهك او يستحق أن يبقى جوارك ايها القدوس البار وحيد الآب الذي اشتهيت أن تجوز الموت الذي وجدته في طريق خلاصنا !!!
لننظر إلى أنفسنا يا إخوتي ولنطرح عنا شهوة المتكآت الأولى، والمناصب التي نشتهيها في داخل بيت الله، أنظروا لأم ابني زبدي كيف طاقت أن يكون ابنيها على يمن ويسار ملك الملوك ورئيس الحياة، فكان رد الرب عليها أن يشربا الكأس، ومع شربهما الكأس لا يكون يمين ويسار إلا للذي أُعطي لهما، لأن حتى شرب كأس آلام الصليب مع المسيح الرب يُميت شهوة يمين ويسار والمتكأ الأول، لأنه لن يكون اهتمام لكراسي وكرامة لمن يحمل آلام الصليب ليموت، لأن الميت لا يسعى لكرامة بل ينظر لما هو أعظم وهو أن يحيا إلى الأبد مع سيده الذي قَبِلَ أن يموت معه، لا كلاماً مثلما فعل القديس بطرس حينما تسرع قائلاً مستعد أن أموت معك، ولكنه أمام جارية أنكر وهرب، لأن الكلام يختلف عن الفعل، والحديث عن الألم والصليب يأتي ونحن في راحة على كراسي التعليم أو كاتبي الشروحات والتفسيرات، أما شرب كأس الألم للثمالة ببذل حقيقي للذات وقبول التعيير لأجل المسيح، وقبول الموت من أجله بمسره، فهذا شانٌ آخر لا يقوى عليه إلا من باع نفسه لسيده، وطرح ثوبة المزركش في الأرض وارتمى عند قدمي مخلصه الصالح، لذلك أتى يوم الأحد بداية بصختنا المقدسة، وهو يتميز بطرح أعلى وأنظف الملابس أرضاً، لأنها ملابس عيد، وطرحها الكثيرين أرضاً بمسرة، ولكننا اليوم لا ينبغي أن نطرح ثوب مزركش أعددناه للاحتفال بالعيد السيدي، بل لنا أن نطرح نفوسنا عند أقدام مخلصنا ونُعفر هامتنا في التراب، تراب مزلة التعيير، سائرين في طريق الجلجثة…
وطريق الجلجثة يا إخوتي لا يتفق مع الكبرياء والزهو البطال للنفس، لذلك في اليوم الثاني من البصخة أتى موقف التينة لفضح خفايا النفس التي تعرت من النعمة وصنعت لنفسها أوراق لتغطي تجردها من ثمر النعمة التي من الله، لأن أن لم تقع حبة الحنطة وتمت فأنها لن تأتي بثمر، لذلك كل من يكون مجرداً من ثمار الروح لا ينبغي أن يغطي خزي عاره بأوراق تظهره رائع، لأنه في النهاية وأن خدع الناس فهو يغش نفسه، ولن يخدع الله الحي الذي عيناه كلهيب نار تفحصان أستار الظلام…
فلا الخدمة ولا الشكل الظاهر لها، ولا حتى الثوب الأسود وشهوه لبسه للمظهرية أمام الناس وحتى أمام الله ينفعنا بشيء، لأن هذه كلها شهوة أم ابني زبدي التي تريد واحد عن اليمين وآخر عن اليسار، ولكن الله الحي أمات هذه الشهوة وقدم الصليب والألم والموت، لذلك كثيرين يرفضون هذا بشدة، ويقاومون علامة ابن الإنسان، لأنها غُصة ألم وفضيحة وعار، تلغي الكرامة وتضعها تحت الأقدام، فمن يستطيع أن يحتمل ذلك !!! من يستطيع ان يُتهم أنه خارج عن قانون الناس، أو أنه يصير حقيراً من الكل مُداساً من الجميع، ألم يكن هذا معاناة أولاد الله وانبياءه على مر التاريخ كله، ألم يكن هذا ما اتصف به الخدام الأمناء على مر التاريخ حينما يقدمون التوبيخ بالروح القدس حسب موهبة الله وعطيته، ألم يرفضهم الناس ويتهمونهم أبشع التهم، ولا يريدون ان يسمعوا لهم، بل الناس صارت تسمع لمن يكلمهم بالناعمات ويُصفق لهم ويضع على رؤوسهم أكاليل الغار ويمدح أعمالهم!!!
يا إخوتي طريق الرب هو طريق الآلام والشوك، الفضيحة والعار عند الناس، لأن الرب يضع الصليب فوق الأكتف، يُعري النفس من مجدها الزائف، يخرجها من قوقعة عبادتها التي لا تنفعها بل تُهلكها، لأن كثيرين ظنوا أن بمجرد تلوينهم حسب الشكل الذي لعابدي الله أو لخدامه يصبحون مبررين، غير عالمين أن هذا الشكل يضع عليهم وهق أعظم، وموت اشد عنفاً، إذ يطيح بهم للهلاك الأبدي سريعاً، لأنه ثوب الرياء العديم الشفاء، لذلك أمر الرب قديماً أن يحرص الشعب على عدم وجود الخمير في البيت في عيد الفصح، لذلك ينبغي أن ننقي قلبنا من خمير الفريسيين الذي هو الرياء، هذا الذي يجعلنا نلبس ثوب الخدمة لنُكرَّم عند الناس، وندخل أسبوع البصخة لابسين السواد وكأننا نقف أمام الله وبتصنع نقول أننا نبكي خطايانا، ولم يفكر أحد فينا بضمير صالح ونية صادقة أن يقبل أن يوضع على كتفه صليب العار، مستعداً للموت مع المسيح الرب، ليقول مع الرسول عن جد: [ مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ – أفتخر في الآلام والضعفات – لأعرفة وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته ] …
آه أيها السيد الرب، إلى متى أحيا أنا، وأطلب مجد المتكأ الأول، وأسعى للخدمة بكرامة الكراسي الأولى وحب الصدارة، وأكون أنا الأول بين الجميع !!! متى انكسر عند قدميك وانطرح بتواضع لكي أحمل صليبك المُحيي على كتفي الذي تقبلت عليه النياشين وارتضيت أن يعلو رأسي أكاليل المجد والغار بقبول مدح الآخرين، طارحاً المجد الذي منك !!! ألم يحن الوقت الآن، لأتخلى عن هذا كله، وأقبل إكليل شوكك العظيم، وقصبة الهُزء والتعيير، وبُصاق التحقير، لكي أموت عن غش هذا العالم الباطل الذي يُكرم من يعرفهم وطبعه فيهم وسمته على جبهتهم !!! إني الآن أيها السيد أطرح قلبي عند قدميك بتواضع للتراب، مصغياً لصوتك الذي صار لطالبي المتكآت الأولى: أتستطيعون أن تشربا الكأس التي أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها الآن يا سيدي إني أنظر لتعليمك الشافي لنفسي مصغياً لصوت روحك في داخلي وهو يصرخ فيَّ قائلاً: أترك المتكآت الأولى ولا تصغي لمديح أو زماً من أحد، اسعى للصليب ومت مع المسيح، أن أردت أن تكون أولاً أجلس تحت القدمين وأغسل في صمت أقدام العابرين أمامك بالحب، وابذل نفسك مع ربك وسيدك ومخلصك إلى الموت فيكون لك حياة فيه وتنظر مجد قيامته فتفرح مع القديسين وكل أهل بيته…
فلننظر يا إخوتي ونرفع أعيننا حيث مجد ابن الإنسان، ومجد صليب العار المُحيي، هذا الذي فيه شفاء نفوسنا الحقيقي، أتوسل إليكم أن تتطلعوا إليه لكي لا تخدعكم نفوسكم ولا يخدعكم أحد، بإغراء المتكأ الأول، حتى لو كان في الخدمة لأجل تمجيد الله كما تظنون ويظن الناس، لأن هذا لابد من أن يكون وفق من يراه الله وحسب حُسن تدبيره هو، لأنه يطلب الأموات عن أنفسهم والعالم ليتمجد فيهم ويشع من خلالهم قوة قيامته وبره…
يا إخوتي أن الحية القديمة التي خدعت حواء وسببت في سقوط جنسنا كله، وأن كنا لم نُخطأ على شبه تعدي آدم، ولكننا كلنا أخطأنا بإرادتنا وحريتنا الكاملة، ولا يوجد من يستطيع أن يُبرر نفسه أمام ضميره – أن كان حياً – وأمام الله، فكلنا مُدانين، أنها هي التي تبث سُم الكبرياء فينا لتُهلكنا، فهي التي رأت يوسف في عفه، فأرادت أن تُعرقل تقواه بإغواء المرأة الشريرة بأقوال التملقات والوعود بالعظائم وكراسي السيادة المثيرة للكبرياء، إلا أنه غادر الثوب وتركه بين يديها وفرَّ من الخطية، ولم يخجل من العُري مثلما خجل آدم في المعصية الأولى، لذلك لنطرح عنا الثوب المدنس من الجسد، ولا نخجل من أن نتعرى من أي مجد زائل وعظمة كرامة مراكز الكراسي حتى لو كانت الخدمة نفسها، لأن الخدمة لا تُثمر إلا بالصليب وحده فقط… ولننظر للتينة اليابسة ولتكن أمامنا مثالاً حياً دائماً، ولنُقرِّب ثماراً أهلاً للتوبة للمسيح الرب المانح إيانا الرحمة العُظمى، هذا الذي يُأدبنا بقضيب الاستقامة والحق، ولنصرخ كلنا قائلين بتواضع وطرح نفوسنا أمام المصلوب الحي : أيها المسيح الرب أرحمنا …