اللاهوت العقيدي

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

المراحل الكنسية التي عبرت عليها وليمة الأغابي

أولاً: في “الديداخي”
أو تعليم الرسل الاثني عشر

يُعتبر كتاب “الديداخي” didac» الآن أقدم الوثائق التي وصلت إلى أيدينا ويحمل نصوصاً
إفخارستية من القرن الأَول. وكان لاكتشاف العالِم “براينيوس
Bryennios([1]) لهذه
الوثيقة البدائية جداً ضجة في الوسط العلمي، فقد غيَّرت كثيراً جداً من الاتجاهات
العلمية من نحو التقدير العلمي لوثيقة أخرى مناظرة لها، وهي “تعاليم الرسل
وقوانينهم”، والتي تحمل نصوصاً إفخارستية كثيرة.

مقالات ذات صلة

وقد بدأت هاتان
الوثيقتان تحظيان باهتمام بالغ من علماء الإفخارستيا في العالم كله.

وقد
لاحَظ العلماء أن لغة هذه الوثيقة هي لغة الرسل أنفسهم أو الآباء الرسوليين على
وجه أدق([2]).

كما يُلاحَظ أن رسالة
“برنابا” وكتاب “الراعي لهرماس”، وهما من مدوَّنات أوائل القرن الثاني سنة 125م
ذات صلة بهذه “الديداخي”.

ولكن أيهما أخذ من
الآخر؟ في يقيننا أن “الديداخي” أقدم من رسائل “برنابا” و“هرماس”([3])،
لأنها تستخدم اصطلاحات أكثر انحداراً إلى اليهودية، وكاتبها يُعتقد أنه من رجال
الكنيسة الأَوائل الذين صاروا مسيحيين من بعد يهودية([4])،
فهو ينقل لنا اصطلاحات ليتورجية نصفها من المستخدم في صلوات المجامع اليهودية
ونصفها من أنفاس العهد الجديد. فهي بهذا تنقل لنا التقليد الرسولي البدائي للأغابي
ولليتورجيا الإفخارستيا.

و“الديداخي” ذات صلة
قوية بالكتاب السابع من “كتب الرسل وتعاليمهم” بيد كليمندس وبكتاب هيبوليتس في
“نظام الكنيسة” أيضاً. وقد استشهد بها القديس أثناسيوس الرسولي في رسالته الفصحية
رقم 39، والمؤرخ روفينوس أيضاً يتكلَّم عن “الديداخي” وسمَّاها ب“الطريقين”،
وسمَّاها أيضاً “أحكام بطرس”. وكذلك استخدم كلٌّ من العلاَّمة كليمندس الإسكندري
الذي تنيح سنة 215م، والقديس إيرينيئوس الذي استشهد سنة 202م؛ كلٌّ منهما استخدم
الاصطلاحات الواردة بالديداخي مما يفيد أن كلاًّ منهما كان ذا معرفة ب“الديداخي”([5]).
كما أشار إليها صراحةً القديس أثناسيوس الرسولي باعتبارها كتاباً من الكتب “غير
القانونية” ولكن النافعة للتعليم.

وإن استخدام الكتاب
السابع من تعاليم وقوانين الرسل لكليمندس لنفس تعاليم الديداخي وإيراده صفحات
كاملة منها إنما يدل على أقدمية وأصالة الديداخي بالنسبة لكتاب
» تعاليم
الرسل
«بيد كليمندس، من حيث التأليف. ومعروف أن كتب كلمندس ولو أنها
من مدوَّنات ما بعد سنة 300م([6])،
إلاَّ أنها تحوي تعاليم وتقليداً رسولياً من القرن الأول.

ويقرِّر
العالم
» ردل «المختص بفحص “الديداخي”
ضمن مجموعة كتب الباترولوجيا، أن تاريخ “تدوين” الديداخي لا يمكن أن يكون
إلاَّ في حدود سنة 120م ولكنه يعود ويقرر أن مادة الديداخي تشير إلى تاريخ أسبق!

وبساطة الديداخي تقف
سدًّا منيعاً ضد أي محاولة للإدِّعاء بأن الوثيقة نتيجة الاختراع أو التزوير، فلغة
“الديداخي” هي لغة أهل الكنيسة الأتقياء جداً والأَوائل جداً الذين يمكن تحديد
زمانهم بالعصر ما بعد الرسولي مباشرة([7]). وهي تخلو
خلواً تاماً من أي انحراف عقيدي أو أي هرطقة أو أي تخريج من التعليم الإنجيلي
الأَول، فهي تُعبِّر عن الحياة المسيحية أكثر مما تعبِّر عن التعليم، وهذا طابع
العصر بعد الرسولي مباشرةً، أو حتى الرسولي نفسه في أواخره.

و“الديداخي” توصي
ضمن ما توصي بقبول الأنبياء المعلِّمين المتنقلين، وهذا يمثِّل
نشاطاً كنسياً محدوداً كان هو طابع الكنيسة في نهاية القرن الأول وبداية القرن
الثاني ثم انقطع نهائياً منذ منتصف القرن الثاني.

وقد قام مؤخراً جماعة
من العلماء الإنجليز والأمريكان يرجِّحون أن “الديداخي” من مدوَّنات سنة 80م([8])،
بل ويعتقد العالِم الألماني شيرمان أنها من مدوَّنات سنة 40م([9])
(نقلاً عن كتاب “الآباء الرسوليون” ترجمة البطريرك إلياس معوض
منشورات النور لبنان). وهذا يكشف لنا عن مدى أهمية هذه الوثيقة
الكنسية الممتازة.

ويرجِّح بعض العلماء أن
“الديداخي” مدوَّنة في مصر([10])
(ربما في الإسكندرية)، وهنا ينتفي
الاعتراض بخصوص معرفة
الكاتب بخصائص أرض مصر عندما قال إن القمح يُزرع على التلال، لأن هذه هي طبيعة
الأراضي المتاخمة للإسكندرية والتي كان يعيش فيها “الأسينيون”. وهذا بدوره نرجِّحه
نحن أكثر، لأن “الديداخي” ذات صلة كبرى بالطقس والتقليد الكنسي في مصر مثل نظيرتها
“كتب الرسل الثمانية” لكليمندس وكتاب هيبوليتس. وهذا أيضاً يرجِّحه العالِم
الألماني ليتزمان في كتابه عن الإفخارستيا حيث يقول:

[وإن ليتورجية سيرابيون
(صديق أنطونيوس وأسقف تمي الأمديد بمصر) تستخدم نفس عبارة الصلاة (الأوشية) من أجل
وحدة الكنيسة كما جاءت في الديداخي … وهذا يؤكِّد لنا علاقة ثابتة بين
الليتورجيا القديمة في مصر وليتورجية الديداخي!
وفي اعتقادنا أن خروج
الليتورجية القبطية
عن الحدود التي وضعها
هيبوليتس تماماً وهذا الخروج صار إحدى مميزات الليتورجية القبطية
مأخوذ من الديداخي (كمصدر أقدم).]([11])

 

النصوص الخاصة

بالحدود بين الأغابي
والإفخارستيا

كما وردت في “الديداخي”

 

فصل 9:

[1 أمَّا
بخصوص الإفخارستيا فاشكروا هكذا:

2 أولاً
على الكأس: “نشكرك يا أبانا من أجل كرمة عبدك داود([12])المقدَّسة، التي أعلنتها لنا بواسطة يسوع «فتاك». لك المجد إلى دهر
الدهور”.

3 أمَّا
بخصوص “المكسور” (أي الخبز المكسور)
kl£sma فهكذا: “نشكرك يا أبانا من أجل الحياة والمعرفة التي أعلنتها لنا
بواسطة يسوع «فتاك». لك المجد إلى دهر الدهور”.

4 “وكما كان
هذا «المكسور» (أي الخبز المكسور) مبعثراً فوق التلال ثم جُمع معاً وصار
واحداً، هكذا اجعل كنيستك أن تجتمع معاً من أقاصي الأرض إلى ملكوتك
([13]) لأن لك
المجد والقوة بالمسيح يسوع إلى دهر الدهور”.

5 ولكن لا
تجعلوا أحداً “يأكل” أو “يشرب من إفخارستيتكم” إلاَّ الذين اعتمدوا
باسم الرب، لأن بهذا الخصوص قد قال الرب أيضاً: لا تعطوا القدس للكلاب.

فصل 10:

6 فإذا
امتلأتم (أي شبعتم) اعطوا شكراً هكذا (1: 10):

(أ) “نحن نشكرك أيها الآب
القدوس
([14])
من أجل اسمك القدوس الذي جعلته يسكن([15])
(يصنع لنفسه خيمة) في قلوبنا، ومن أجل المعرفة والإيمان، ومن أجل عدم الموت،
هذه التي أعلنتها لنا بواسطة يسوع «فتاك»، لك المجد إلى دهر الدهور” (2: 10).

7 (ب) “أنت
السيد المقتدر الذي خلقت كل شيء من أجل اسمك، وأنت الذي تُعطي “الطعام
والشراب”
للإنسان للمسرة حتى يقدِّموا لك الشكر، أمَّا لنا فقد أعطيتنا
مجاناً “طعاماً روحياً وشراباً” وحياة أبدية بواسطة يسوع
«فتاك»
” (3: 10).

8 “ونحن، قبل
كل شيء،
نشكرك لأنك مقتدر. ولك المجد إلى دهر الدهور” (4: 10).

9 (ج)
“اذكر يا رب كنيستك. نجِّها من كل شر واجعلها كاملة في محبتك واجمع شملها من
الرياح الأربع لتكون مقدَّسة، لملكوتك الذي أعددته لها، لأن لك القوة
والمجد إلى دهر الدهور” (5: 10).

10 “ليت
النعمة تأتي، وليت العالم ينتهي”.

11
“أوصنَّا لإله داود”.

12 كل مَنْ
هو طاهر فليتقدَّم، والذي ليس طاهراً فليتُبْ. ماران أثا (أي تعالَ يا ربنا)([16]).
آمين (مرد الشعب) (6: 10).

13 ولكن
اسمحوا للأنبياء أن يقدِّموا صلوات شكر بقدر ما يشاءون! (7: 10)]

فصل 14: بدء حدود سر
الإفخارستيا:

[1kat¦
kuriak¾n d
Kur…ou وترجمتها بحسب المعنى “وكل يوم (أحد) الذي للرب”…

2اجتمعوا
معاً “واكسروا الخبز”،
وصلُّوا “الإفخارستيا” بعد أن تعترفوا بخطاياكم
حتى تكون ذبيحتكم طاهرة.

3 ولكن لا
تسمحوا لأحد أن يكون في خلاف مع أخيه أن يجتمع معكم حتى يتصالحا معاً، لئلاَّ
تتنجس ذبيحتكم.

4
لأن هذه هي الذبيحة التي قال عنها الرب:
» لأن في كل مكان وفي كل وقت قدِّموا لي ذبيحة طاهرة لأني ملك كبير،
يقول الرب، واسمي عجيب بين الأمم.
«(ملا 1: 11و14)

فصل 16:

1 أقيموا
لأنفسكم أساقفة وشمامسة يكونون لائقين بالرب، أناساً ودعاء، غير محبين للمال،
مؤتمنين ومختبرين، لكي يقيموا هم أيضاً لكم خدمة الأنبياء والمعلِّمين.

2 ولا
تحتقروهم، بل ليكونوا مكرَّمين مثل الأنبياء والمعلِّمين أيضاً …].

ملاحظة:

(هنا بدء عصر الانتقال
من خدمة الليتورجيا والإفخارستيا في الكنيسة من رجال ملهمين بالروح مختارين
ومعيَّنين من قِبَل الله بواسطة المواهب والنِعَم التي تزكِّيهم، إلى خدَّام
رسميين يختارهم الشعب بعد تزكية واختبار وفحص وتدقيق أساقفة وشمامسة).

هذه النصوص بوضعها هذا
تكشف لنا طقس وليمة الأغابي في الفصلين التاسع والعاشر، أي على مدى الأرقام من 113
وهو طقس عشاء على ما يبدو داخل البيوت ينتهي بإفخارستيا.

أمَّا الفصل الرابع عشر
ببنوده الأربعة والفصل السادس عشر ببنديه الأَول والثاني، فهما يختصان بوضوح بسر
الإفخارستيا داخل الكنيسة وفي اليوم المحدد له “يوم الرب”، حيث يقوم
بالخدمة الأسقف مع الكهنة والشمامسة.

وهنا
يشدِّد الكاتب على أن التقدمة هي ذبيحة، ويذكر ذلك ثلاث مرات مؤكِّداً كلامه بآية
ملاخي النبي التي استشهد بها القديس يوستينوس أيضاً للدلالة على أن الإفخارستيا
ذبيحة طاهرة (حوار 116).

كما يشدِّد الكاتب على
ضرورة الاعتراف قبل التناول، ثم المصالحة الكاملة لكي تكون وحدة الكنيسة وطهارة
المؤمنين سبباً لقبول الإفخارستيا كذبيحة طاهرة.

وإن كانت قد حصلت
منازعة علمية قديمة بين علماء الإفخارستيا فيما إذا كانت النصوص الواردة في
الفصلين 9و10 تشير أيضاً إلى الإفخارستيا، وقد انحازت أولاً المدرسة الألمانية
وعلى رأسها العالم الألماني “ليتزمان” إلى القول إنها تشير إلى الإفخارستيا فعلاً
بسبب الاصطلاحات المستخدمة مثل كلمة “الإفخارستيا” ومثل شرط عدم اشتراك
غير المعمَّدين،
ومثل قوله عن الخبز والكأس أنه طعام روحي وشراب روحي؛
إلاَّ أن علماء الإفخارستيا الكاثوليك وعلى رأسهم “باتيفول” و“دوشين”، وكذلك بعض
الألمان السابقين مثل “هارناك”، وشاركهم “جريجوري دكس”([17])
العالم الأنجليكاني، قالوا بأن نصوص “الديداخي” في الفصلين التاسع والعاشر هي عن
وليمة أغابي منفردة.

وأخيراً قام العالم
الألماني “دبليوس”([18])
الدقيق والمشهور في أبحاثه عن الإفخارستيا حديثاً وقرر مع علماء آخرين([19])
أن نصوص الديداخي تشير إلى أغابي مرتبطة بإفخارستيا بعدها، وهذا طبعاً واضح من
البند رقم 12 من هذه النصوص. وقد حبَّذ هذا الرأي العالِم يواكيم إرميا والعالِم
المشهور لايتفوت
Lightfoot. وهذا ما نوافق عليه نحن ونحبِّذه أيضاً.

أمَّا سبب الخطأ الذي
وقع فيه الألمان القائلون بأن هذه إفخارستيا وليست أغابي، فهو كالآتي:

أولاً: عدم أخذهم
بقِدَم الوثيقة،
فالممارسات التي تسردها الوثيقة هي من القرن الأَول، وربما
في الربع الأخير من القرن الأول، حيث كانت الأغابي أيضاً لها نفس الصبغة السرية
الخالصة التي للإفخارستيا بحكم التقليد اليهودي المتوارث، والصلوات والكلمات
والأفعال التي كانت تستخدم فيها منقولة من صلوات الإفخارستيا نفسها، أو بعبارة أدق
هي نفس الصلوات والكلمات التي كانت تُستخدم في الموائد الرسمية الطقسية حسب
التقليد اليهودي القديم([20]).
وهذا واضح أشد الوضوح في صلاة الشكر على الكأس حيث تسجِّل لنا الديداخي نفس
الاصطلاح المستخدم في الطقس اليهودي القديم “كرمة داود” و“عبدك (فتاك) المسيا”.

ثانياً: أمَّا بخصوص
كرمة داود، فعندما وصفها الكاتب بكلمة “المقدسة” رفعها في الحال من
اصطلاح يهودي لا يصلح إلاَّ للعهد القديم إلى اصطلاح مسيحي سرِّي للغاية. فهو هنا
يشير إلى المسيح رأساً وربما تخصيصاً لدمه([21]).
والإشارة هنا إلى قول الرب عن نفسه في الإنجيل:
» أنا هو
الكرمة

الحقيقية وأبي الكرَّام.
«(يو 1: 15)

فالكأس هنا تشير إلى
المسيح وإلى المحبة الكائنة في مفهوم وليمة الأغابي التي تربط المؤمنين بالمسيح.

ثالثاً: وأمَّا عن
استخدام كلمة «الإفخارستيا»،
فينبغي أن نشير إلى أنها مجرد ترجمة لكلمة
“بركة” العبرية القديمة، التي كانت تُترجم هي نفسها إلى “أولوجيا” أو إلى
“إفخارستيا” بنفس المعنى. فوليمة الأغابي أو المحبة هي وليمة بركة، وهي نفسها
إفخارستيا لأنها شكر. وقد تأتي بهذا المعنى أو ذاك ولا يفرِّق الاثنين إلاَّ
نوع الصلوات، أي التقديس والاستدعاء.

ويُلاحَظ أيضاً أن بولس
الرسول كان يستخدم كلمة “يشكر” باليونانية “إفخارستين” كفعل على
الطعام العادي الذي يُشترى من السوق، وفي نفس الوقت يستخدم كلمة “أولوجيا”
في سر الجسد والدم. أمَّا أصل الكلمتين في الليتورجيا العبرية فهي كلمة
واحدة فقط “
Berak” أي “يبارك”.

وسوف نرى في تقليد
هيبوليتس الليتورجي المأخوذ والمسلَّم من تعليم الرسل كيف يضع في مائدة الأغابي
الكلمتين كلاًّ موضع الأخرى بدون تمييز واضح: [فإذا لم يوجد أسقف أو كاهن ليبارك
“إفلوجين
eÙloge‹n” الخبز فكل واحد من الشعب الجالس يشكر “إفخارستين eÙcariste‹n” لنفسه]([22])
(هنا يُلاحَظ أن درجة “يبارك إفلوجين” أعلى من درجة “يشكر
إفخارستين” وهذا بحسب الطقس القديم).

وحتى أيام القديس
يوستين نجد أن الكلمتين تتبادلان الاستعمال بين الطعام العادي وبين سر الإفخارستيا،
فهو يستخدم كلمة “إفخارستيا” للتعبير عن مائدة الأغابي، ثم يستخدمها أيضاً في سر
الشكر. ففي الأغابي يقول بوضوح: [وإن المسيحيين يعبدون الله بصلوات وشكر
“إفخارستيا” على كل الأطعمة]([23]).ثم
يعود ويستخدم نفس الكلمات عند وصف سر الإفخارستيا “الشكر”([24]).

رابعاً: وَضْع الكأس
المذكور في “الديداخي” فصل 2: 9 هو قبل العشاء وقبل كسر الخبز، وهذا هو وضع
الأغابي في الطقس بحسب التقليد القديم والذي ظل قائماً باستمرار. فوليمة الأغابي
تبدأ دائماً أبداً بكأس([25])
وليس بكسر خبز (يلاحَظ أن الكأس الأُولى التي ذكرها القديس لوقا الإنجيلي في النص
الإفخارستي في إنجيله عن ليلة العشاء هي أيضاً كانت كأس المحبة قبل العشاء، وقد
استثناها الرب ولم يَذُقْ منها، ولم يجعلها تحمل سر الدم، بل أبقى تأسيس السر
للكأس الأخير بعد العشاء).

ويقرر العالِم جريجوري
ديكس أنه يستحيل بحسب الطقس والتقليد وبحسب واقع تاريخ الإفخارستيا كله في جميع
مراحله، أن تأتي كأس الإفخارستيا قبل خبز الإفخارستيا([26]).

خامساً: يُلاحَظ أن
الشكر على الكأس وعلى الخبز في الديداخي (فصل 9: 2و3) لم يكن شكراً أو بركة للكأس
أو للخبز كمفعول به (كما يحدث في تقديس الخبز والخمر في القداس)، أي لم يُبَارَك
الكأس ولم يبارك الخبز، بل كان الشكر موجَّهاً لله. (وهذا الأسلوب أي
تقديم الشكر لله وليس على الأشياء هو حدود بركة الأشياء فقط وليس
تقديسها). إذاً، ما ذُكر هنا في الديداخي هو بخلاف ما يحدث بحسب التقليد الذي أخذت
به الكنيسة في تقديس الإفخارستيا منذ البدء، فإن البركة تكون موجَّهة لمادة السر
» كأس البركة
التي نباركها
«(1كو 16: 10). وهذا
كان في التقليد اليهودي القديم ذا اعتبار كبير جداً، لأن الفرق بينهما كبير للغاية.
فكل إنسان يستطيع أن يبارك الله على الأشياء، وهنا تصير الأشياء مُبارَكة
فتؤكل أو تُشرب أو تُستخدم كأنها بركة مأخوذة من يد الله، أمَّا الذي يبارِك
الأشياء ذاتها فهو
لا يمكن إلاَّ أن يكون كاهناً، والأشياء تتقدَّس وتصير
إلهية (أي قُدْساً)، والذي يأكلها أو يشرب منها فهو إنما يأكل القُدْس أو يأكل
الإلهيات. فإذا كانت أدوات أو ملابس فيستحيل بعد بركتها، أي بعد تقديسها، أن
يستخدمها الإنسان في حياته الخاصة بل يقصر استخدامها على ما يخصُّ الله فقط، أي في
كنيسته ولا تخرج عن الكنيسة.

لذلك فإن النص الوارد
في “الديداخي” كشكر لله على الكأس وعلى الخبز قبل الكسر هو طقس أغابي بالدرجة
الأُولى، وهو يكشف في الواقع عن دراية وحذق في معرفة الطقس وأصول الليتورجيا في
أعماقها الأُولى، مما يكشف عن أصالة وقِدَم الطقس، وفي نفس الوقت يكشف عن هوية
شخصية الكاتب أنها ذات صبغة يهودية مسيحية بآن واحد.

سادساً: الشكر الذي
يُختم به في الوليمة، هو في الحقيقة يجمع كل مقومات الشكر التقليدي القديم لولائم
الأغابي (المحبة) في زمن المسيح، وإن كان لا يتبع ترتيبها أو نص كلماتها، ولكن ما
يهمنا جداً أنه لا
يشير إلى جسد المسيح
ودمه أو إلى آلامه وموته، لا بتصريح ولا بتلميح. أمَّا الشكر من أجل “الطعام
الروحي والشراب الروحي” (فصل 3: 10 أي الفقرة رقم 7 أعلاه) الذي خصَّ به المسيحيين
في الأكل والشرب من مائدة الأغابي فهذا هو طابع وروح العهد الجديد عموماً، الذي
عبَّر عنه القديس بولس الرسول:
» أطعمة قد خلقها الله
لتُتناول “بالشكر” من المؤمنين وعارفي الحق،
لأن كل خليقة الله
جيدة ولا يُرفض شيء إذا أُخذ مع “الشكر” لأنه يتقدَّس بكلمة الله والصلاة
«(1تي 4: 3و4)، حيث هنا » الشكر «لا يعني أن
يقولها الإنسان ككلمة، بل كصلاة، والمفروض أن تكون صلاة طقسية أيضاً وهي على
الطعام العام.

وقد جمعت “الديداخي”
مقوِّمات الشكر على الأغابي هكذا:

(أ) الشكر من أجل طعام
الأرض الذي لكافة الناس.

(ب) الشكر من أجل
الطعام الروحي والشراب الروحي الذي صار للمسيحيين (بالصلاة).

(ج) الصلاة من أجل
الكنيسة.

ولكن خلوَّ الشكر
الأخير من ذكر الجسد والدم وموت الرب كتذكار (وهو أساسي في مفهوم عشاء الرب
السري) ومن وجود كأس الإفخارستيا الأخير، هذا كله يحتِّم بوضع هذه النصوص تحت طقس
الأغابي وليس الإفخارستيا.

وهذا الشكر
(الإفخارستين) لا يخرج في مضمونه الروحي أو السرائري عن أي شكر على أي شيء باسم
المسيح. فهو مثلاً لا يفترق عن الشكر من أجل نور المساء كما جاء في مقدمة
الليتورجيا التي يقدِّمها الأسقف في الطقس الأثيوبي، في طقس البركة على المصباح
هكذا:

قانون:

[نشكرُك
يا الله، بابنك يسوع المسيح ربِّنا، لأنك قد أضأتَ علينا باستعلان النورِ غير
الزائل.]([27])

ملاحظة:

أمَّا أصل هذا القانون
فهو في كتاب “قوانين الرسل” الثالث بيد كليمندس، ضمن المخطوطة المشهورة المعروفة
باسم “النوموكانون”، وهي المحفوظة في مكتبة باريس الأهلية، في الورقة 284
B.
ونص هذا القانون:

[لأجل تقريب السُرُج:
ليقدِّم الشماس سراجاً في عشية الأحد والأسقف حاضر، ويقف الأسقف وسط المؤمنين
الحاضرين ويشكر قائلاً: الرب معنا. وليقل الحاضرون: ومع روحك؛ ارفعوا قلوبكم، هي
عند الرب، نشكر الرب، وليقل الحاضرون: مستحق وعادل. لأن ذلك يُقال على القربان
وعلى غير هذا،
ثم يقول: نشكرك اللهم، بفتاك يسوع المسيح ربنا، لأنك أنرتنا
وأَسْكَنْتَ فينا نورك الخالد،
ها قد أكملنا النهار وأتينا إلى مبدأ الليل
(مودِّعين) النور النهاري الذي خَلَقْتَ لنعمتنا، والآن (نستقبل) نوراً مسائياً
لأجل نعمتك. نسبِّحك بفتاك يسوع المسيح ربنا الذي له معك المجد والعز والكرامة مع
الروح القدس الآن وإلى دهر الدهور آمين. يقول الشعب: آمين].

وأخيراً، كيف يمكن
اعتبار وليمة أنها إفخارستيا وصلواتها تخلو نهائياً من ذكر موت الرب وقيامته؟ ومن
ذكر جسد المسيح ودمه؟

سابعاً: بخصوص النهي
عن شركة غير المعمَّدين في وليمة الأغابي التي تنص عليها الديداخي في (5: 9)، فنحن
نعلم من قوانين الرسل بحسب “هيبوليتس” أن الموعوظين وكافة غير المعمَّدين لا يكون
لهم شركة في كل من الأغابي التي تقيمها الكنيسة وفي الإفخارستيا على السواء،
باعتبار أن “خبز الأغابي” قد جرى عليه بركة وصلاة باسم الرب فصار خبزاً
مقدَّساً
» لأن كل خليقة الله جيدة
ولا يُرفض منها شيء إذا أُخذ “مع الشكر” لأنه يتقدَّس بكلمة الله والصلاة.
«(1تي
4: 3و4)

ولكن خبز الأغابي
المقدَّس
شيء، وخبز الإفخارستيا الذي صار “قُدساً” شيء آخر، فالأَول
خبز والثاني جسد إلهي.

من أجل هذا تستعير
“الديداخي” قول الرب:
» لا تعطوا القدس للكلاب «(مت 6: 7) باعتبار أن خبز الأغابي قد تقدَّس بالكلمة والصلاة
والشكر.
أمَّا قول الرب: «للكلاب» فهو ينصبُّ على «غير المختونين»، أي
الأمم بحسب الاصطلاح اليهودي، الذين لم يدخلوا في عهد الله ويصيروا من شعبه، أي
» الذين بلا
إله
« وهذا قد انتقل في
التقليد المسيحي لينصبَّ على غير المعمَّدين الذين لم يدخلوا في عهد المسيح ولم
يصيروا من شعب الله، أي أعضاء في الكنيسة:
» ولمَّا صعد
بطرس إلى أورشليم خاصمه الذين من أهل الختان (أي المتنصِّرون من اليهود) قائلين
إنك دخلت إلى رجال ذوي غُلْفَةٍ وأكلت معهم (أغابي)
«(أع 11: 2و3)، وهنا ابتدأ بطرس يحامي عن نفسه أنهم صحيح رجال ذوو
غلفة هؤلاء الذين أكلتُ معهم، ولكنهم اعتمدوا وحلَّ الروح القدس عليهم!! وهكذا
ألغت المعمودية صفة الغُلْفَة وحلَّت محل الختان!

والقارىء الباحث
المدقِّق إذا رجع لأصول “الديداخي” باليونانية يجد أن في النص كلمة وُضعت ليس
جزافاً ولكن لتدل على شيء ضمني إذ تقول: [لأن بهذا الخصوص قال الرب “أيضاً”
لا‎‎‎‎ تعطوا القدس للكلاب (مت 6: 7)]. فهنا كلمة “أيضاً” تشير إلى وضع آخر
غير خبز الأغابي في ذهن كاتب “الديداخي” أكثر اعتباراً
وأسبق في الأهمية، وهو الإفخارستيا، فكما أن في الإفخارستيا لا يُعطَى القدس
للكلاب، هكذا بهذا الخصوص أيضاً، يسري قول الرب على خبز الأغابي!

ثامناً: بخصوص
(7: 10 أي الفقرة رقم 13)
السماح للأنبياء بأن يقدِّموا صلوات شكر على المائدة في (الأغابي) بقدر ما يشاءون.

هنا في الواقع ينبِّهنا
كاتب “الديداخي” أن هذه الوصايا وخصوصاً الواردة في الفصلين التاسع والعاشر هي
خاصة بممارسات الشعب أي العلمانيين وليس للكهنة، لأنه عندما يجيء بعد ذلك إلى ذكر
ليتورجيا الإفخارستيا التي هي خاصة بالأسقف أو الكاهن يتوقف مرة واحدة عن ذكر أي
نصوص خاصة بممارسة صميم السر، على حين أنه فيما يختص بكل ترتيبات الأغابي التي
تدخل في صميم واجبات العلمانيين، فهو يذكرها بتدقيق وتفصيل وبنفس كلمات الصلاة
التي ينبغي أن يقولها رئيس المتكأ في وليمة
الأغابي محددة تحديداً، أي نفس الكلمات التي ينبغي أن يقولها الشعب على الوليمة.

وينبغي أن نُلاحِظ من
خلال هذا الترتيب أن “الديداخي” تقدِّم لنا صورة لأقدم طقس للأغابي، إذ نراه
يُتمَّم قبل سر الإفخارستيا حيث في نهاية “الأكل حتى الشبع” والشكر
على العشاء ينادي الشماس [مَنْ كان طاهراً فليتقدَّم، والذي ليس طاهراً فليتُب].
وهذا تمهيد للدخول في طقس التناول “من الجسد والدم” بعد الأغابي.

الملاحَظ أن هذا هو نفس
الترتيب عينه الذي يكشفه لنا القديس بولس الرسول في رسالته الأُولى إلى أهل
كورنثوس، حيث يقول للشعب الذي اعتاد أن يجلب معه خمراً كثيراً وأطعمة فاخرة
للتباهي بها ويأكلها وحده ويسكر في الكنيسة قبل التقدُّم لسر الإفخارستيا هكذا:

+ » فحين
تجتمعون (في الكنيسة) معاً ليس هو لأكل عشاء الرب لأن كل واحد يسبق فيأخذ عشاء
نفسه في الأكل … إذاً يا إخوتي حينما تجتمعون للأكل انتظروا بعضكم بعضاً، إن
كان أحد يجوع فليأكل في البيت كي لا تجتمعوا للدينونة،
وأمَّا الأمور الباقية
فعندما أجيء أُرتبها.
«(1كو
11: 20و21و33و34)

ولقد
أمدَّنا العالِم ريتشاردسن بأبحاث حديثة عن الديداخي رأينا أن نلخِّصها هنا لأهمية
هذا البحث:

عنوان المخطوطة التي
وجدها براينيوس هي كالآتي:

Didac¾ Kur…ou
di¦ tîn dèdeka ¢postÒlwn to‹j œqnesin

وترجمتها: تعليم الرب
بواسطة الاثني عشر رسولاً للأمم.

وهذا العنوان له صلة
بحقيقة أخرى وإن كانت تختلف عن مضمون العنوان، ولكن عند التحقُّق منها نجد أنها
تضع مع هذا العنوان توضيحاً قاطعاً لمركز الديداخي. هذه الحقيقة هي التأثير
المباشر للصلاة الربانية: أبانا الذي في السموات، التي علَّمها الرب للتلاميذ:
» يا رب علِّمنا
أن نصلِّي
«(لو 1: 11) على فصل
9و10 في الديداخي، وقد وجد آخرون أنه لا يزال يوجد في هذين الفصلين آثار للصلاة
الربانية([28]).

ولنأخذ
الكلمات في الفصل العاشر من الديداخي (1: 106 أي الفقرات 6 إلى 11
أعلاه

“صفحة 319و320”) وبفحصها نجد أنها عبارة عن مقابل
للصلاة الربانية: وهكذا تبتديء الديداخي:

*1«أبانا الذي في
السموات»
(بداية الصلاة الربانية) =“أيها الآب القدوس”
P£ter
¤gie
(بداية صلاة الديداخي):
نفس التعبير الذي كان يقوله المسيح “يا أبا”، أو كما بدأ المسيح صلاته للآب بعد
الإفخارستيا وفي صميم موضوعها في إنجيل يوحنا 17:
» أيها الآب «(1: 17)، » أيها الآب القدوس «(11: 17). وإضافة كلمة “القدوس” للآب هو وضع ليتورجي (البركة
الثالثة في مجموعة الثمانية عشر بركة في الليتورجيا اليهودية).

*2- «ليتقدَّس اسمك»
= “نشكرك من أجل اسمك القدوس الذي جعلته يسكن قلوبنا”. وهي أول استجابة تمت
للمسيحيين بصلاة المسيح في يو 17: «أنا أظهرت اسمك»،
» احفظهم في
اسمك
« » أنا عرَّفتهم
اسمك وسأُعرِّفهُم
«

*3- «ليأتِ ملكوتك»
= “ومن أجل المعرفة والإيمان ومن أجل عدم الموت” = وهي امتداد
ونتيجة مباشرة لمعرفة وتقديس اسم الله:
» وهذه هي
الحياة الأبدية أن يعرفوك
« » والآن علموا
وآمنوا
« » أريد أن
هؤلاء يكونون معي حيث أكون أنا
«

*4- «لتكن مشيئتك
كما في السماء كذلك على الأرض»
= “أنت أيها السيد المقتدر خلقت كل شيء
من أجل اسمك، وأنت الذي تعطي الطعام
والشراب للإنسان للمسرة حتى يقدِّموا لك الشكر”.

*5- «خبزنا الذي
للغد
(للسبت) أعطنا اليوم» = “أمَّا لنا فقد أعطيتنا مجاناً طعاماً
روحياً وشراباً روحياً وحياة أبدية بواسطة يسوع فتاك
”. علماً بأن الطلبة
تنصبُّ هنا على طلب خبز السبت (خبز الغد)، علماً بأن خبز السبت أفضل جداً من خبز
اليوم، لأن خبز اليوم هو خبز الشقاء. أمَّا خبز السبت فهو “خبز الراحة”، أو
» الخبز الحي
النازل من السماء
«للتقديس، جسد يسوع المسيح السري (طعام روحي
وحياة أبدية بواسطة يسوع).

*6- «واغفر لنا
ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا»
= “… بعد أن تعترفوا بخطاياكم،
ولا تسمحوا لأحد أن يكون في خلاف مع أخيه أن يجتمع معكم حتى يتصالحا
معاً حتى لا تتنجَّس ذبيحتكم”.

*7- «ولا تدخلنا في
تجربة لكن نجنا من الشرير»
= “أذكر يا رب كنيستك نجِّها من كل شر”.

*8- «لأن لك المُلْك
والقوة والمجد»
= “ونحن قبل كل شيء نشكرك لأنك مقتدر ولك المجد إلى دهر
الدهور
”. “اجمع شمل كنيستك من الرياح الأربع لتكون مقدَّسة لملكوتك الذي
أعددته لها
”؛ “لتأتِ نعمتك ولينتهِ هذا العالم”، وهذا شرح لمعنى
» ليأتِ
ملكوتك
«[29]).

*9
[«بالمسيح يسوع» = “خلِّصنا يا إله داود”: (ابن داود هو رب داود
بحسب تفسير المسيح: مر 35: 12)، هتاف واقعي لمجيء المسيح في ملكوته باعتبار أن
الملكوت أيضاً حاضر معنا بالإفخارستيا.]([30])

[ولكن من الأشياء التي توجب الالتفات أن كلمات الفصل
العاشر من الديداخي، لو أُخذت بمفردها تعطينا طقس
» طعام شراب «أي » كسر
خبز كأس
«]([31])

كما
يُلاحَظ أن لغة الديداخي في وصف البركة على الكأس تميل إلى الاتجاه السرائري الخفي
باستعمالها تعبير “كرمة داود”. وهذا يعطينا انتباهاً إلى أن الكاتب يوجِّه النظر
إلى “استعلان” حقيقة كرمة داود، أي حقيقة ما يرمز إليه الكأس، فالخمر
هنا ليس خمراً بل استعلان المسيح المرادف لاستعلان
الحياة والمعرفة!! وهنا يكشف لنا العلاَّمة
كليمندس الإسكندري ما تقصده الديداخي من هذا عندما

شرحه قائلاً: “فالخمر هو دم كرمة داود”. وهكذا يشير كليمندس إلى الموهبة
الجوهرية التي تحتويها هذه الكأس!

ولكن إشارة مؤلف
الديداخي إلى “الإفخارستيا” لا تُظهر كأنه أول مَنْ يضع لها كلاماً، بل كمَنْ يعرِّف ويكمِّل ترتيباً آخر سابقاً أو طقساً آخر
سابقاً “أمَّا بخصوص الإفخارستيا فاشكروا هكذا…”.

وفي العهد القديم
تُفسَّر
» الكرمة «دائماً بإسرائيل([32])
وبالأخص من جملة أصولها الحقيقية.

وفي كتاب “صعود إشعياء”
وهو أبوكريفا من القرن الأول فُسِّرت الكرمة أنها “الزرع الذي زرعه رسل المحبوب
الاثنا عشر.” (13: 3 21: 14)

أمَّا اصطلاح “كرمة
داود”
فهو أصلاً اصطلاح رمزي استُخدم للتعبير عن “ملكوت المسيَّا”.
وعندما استخدمه اليهود المسيحيون الأَوائل، فإنهم كانوا حتماً يقصدون بذلك “إسرائيل
الحقيقي”،
أي إسرائيل المسيح يسوع، أي شعب الله “شجرة أهل بيت الله”، حيث
استُعلنت طبيعة الكرمة بالمسيح الثمرة التي توَّجت كل معنى ومفهوم الكرمة (في
العهد القديم)، والشرب من الكأس أصبح يحمل أعلى معنى للتطلُّعات الأُخروية كالتي
عبَّر عنها المسيح في إنجيل لوقا 18: 22.

هنا فإن دخول الكأس في
البداية له صلة “بكأس القدوش” حيث به يُفتتح العشاء الرسمي لبداية الأسبوع المسيحي([33]).

والديداخي بشكلها
الحالي على أي حال تمتد بالقيمة الهامة لهذه الكأس (كأس
القدوش)
من الوجهة السرائرية مع القيمة الفعلية المماثلة للخبز ليكوِّنا معاً «طعام
الروح».

أمَّا فيما يختص
بالعشاء الذي يتوسط بين فصل 9 وفصل 10 من الديداخي، فهو أصلاً لكي يفي بحاجة الجسد
وينتهي بالاصطلاح: “ومتى امتلأتم” = أي شبعتم
met¦ tÕ ™mplhsqÁnai وهي بهذا
تتصل اتصالاً وثيقاً بالتقليد اليهودي القديم «فمتى أكلتَ وشبعتَ، تُباركُ
الرب إلهك لأجل الأرض الجيدة التي أعطاك
» (تث 10: 8). كذلك تتصل أيضاً بما يماثل ذلك في
العهد
الجديد في إنجيل يوحنا في
بداية الحديث عن الإفخارستيا «فلما شبعوا قال لتلاميذه اجمعوا الكِسَر» (يو
12: 6)

ولكن هنا في الديداخي
يستخدم المؤلف هذا الاصطلاح “وشبعتم” على المستوى الرمزي (أي مشيراً للنص في العهد القديم والعهد الجديد). وأيضاً
تعود قوانين الرسل في الكتاب السابع فترفع
المعنى المادي من الكلمة عندما
تغيِّر الكلمة “متى شبعتم” وتجعلها “متى اشتركتم”
met£lhyij([34]).

أمَّا من جهة زمان
تأليف الديداخي فيقول العلماء:

[يقرر العالم J.P. Audet أن الديداخي من مكتوبات حوالي سنة 50 70م.

أمَّا العالم B.H. Streeter فيرى أن الديداخي من مكتوبات حوالي سنة 100م.

ومعلوم أن الدسقولية
وهي من مكتوبات عام 300م أخذت عن الديداخي].

[وبذلك نقول
إمَّا
أن تكون الديداخي هي المنبع البدائي للتقليد العام المشترك الذي أخذت عنه أسفار
العهد الجديد كلها([35])،
أو أن تكون وهذا هو الأكثر احتمالاً متأخرة عن الأسفار
كلها وأخذت منها جميعاً!

ولكن بعد تحقيقات
العالِم
F.E. Vokes يكون التاريخ المعتَمد لدينا هو القرن الثاني وبالتحديد قبل الربع
الأخير منه.]([36])

[وبوضعنا الديداخي في محيط القرن الثاني، وهو قرن تعدد الأنواع
واختلافها سواء من جهة النصوص أو الطقوس، نسأل هل هناك عوامل أخرى تحبِّذ كونها
ليتورجية أصيلة؟

للرد على ذلك نقول: إنه
يوجد على الأقل ليتورجيتان من القرن الرابع: التي لسيرابيون والتي لقوانين الرسل
الكتاب السابع، وكل منهما تستخدم عناصر من الديداخي. ولهذا السبب صار هناك اعتقاد
سائد أنها إفخارستيا.

وكون سيرابيون يستخدم
عبارات من الديداخي واضحة ومشهورة (4: 9) في روايته عن العشاء الأخير فإنه بهذا
التصرف يكون قد أضعف سلطان ليتورجيته إذا لم تكن الديداخي إفخارستيا أصيلة.

وبالمثل يسأل العالِم Streeter([37]): لماذا عمد
مؤلِّف القوانين الرسولية إلى إدخال كل صلوات الديداخي تقريباً فصل 9و10 إذا لم
تكن فصول الديداخي هذه معتَبرة ذات سلطان تستمده من أقدم الممارسات؟]

[على أن رواية العشاء
الأخير التي يقدِّمها سيرابيون بحسب تحقيقات ليتزمان مأخوذة عن أصل سابق أقدم([38]).

فإذا
كان هذا هو الطابع العام لليتورجية سيرابيون فتكون الجُمل التي استعارها من
الديداخي ذات
أهمية أكبر، لأن هذا يُلقي ضوءاً على صفات الليتورجيا فيما
قبل سيرابيون.]
([39])

[وفي وسط تزاحم الاصطلاحات التي قدَّمها لنا كليمندس الإسكندري التي
تُعتبر عالية القيمة من الجهة الليتورجية وهامة للغاية لأن ترتيبها يطابق بشدة نفس
ترتيب يوستين
المعتبَر قاعدة للطقس
الليتورجي في القرن الثاني، وهذا ما كنَّا نتوقعه تماماً، حيث يقول كلميندس
الإسكندري:

حيث
يعطي الإنسان الشكر لله
على كل حال، (صلاة الشكر الأُولى) بالاستماع
للبر،
والقراءة الإلهية، والبحث عن الحق
(الوعظ)،

وبالصعيدة المقدَّسة (تقديم
الذبيحة)،

والصلاة المباركة (صلاة
التقديس)،

والتسبيح (ختام
الإفخارستيا)،

وإعطاء البركة (التناول)”([40]).

لا
نُعدم من وسط هذه التشبيهات والتعليقات الكثيرة المتناثرة التي لكليمندس ما يمكن
أن نقتبسه لكي يتضح أمامنا ما جاء في الديداخي بخصوص كأس البركة المعروف. كذلك فإن
كليمندس، وهو العالِم الرائد لنصوص الكتاب المقدَّس، لم يخفق في أن يعتبر الخبز
والخمر جسداً ودماً للمسيح، غير أنه لم ينتهِ إلى وجهة النظر “الذبائحية”
للإفخارستيا. فالإفخارستيا عند كليمندس الإسكندري في الأصل عشاء مقدَّس يُغَذِّي
بالإيمان والمحبة والمعرفة وعدم الموت النفوس التي بلغت بالمعمودية إلى الطهارة
ومغفرة الخطايا. وهذه الاتجاهات الإفخارستية ذات الصلة الأكيدة بالديداخي
وبإفخارستية يوستين هي في الواقع رائعة وعظيمة للغاية.]([41])

[أمَّا في سوريا فعندنا الدسقولية التي من القرن الثالث ولو أنها
تتلامس مع الإفخارستيا بصعوبة ولكن باهتمام، وتبدو مدينة أيضاً للديداخي في
نواحٍ عدة.

وأمَّا الأقطار الأخرى
غير مصر وسوريا فإن الطقوس الضائعة لكل من أنطاكية وأفسس وقيصرية، والصور الأُولى
البدائية لليتورجية أداي وماري في فارس فقد كانت على نمط الديداخي.]([42])

[كذلك نستطيع أن نلمح من ليتورجية هيبوليتس تطابقاً مع أفكار
الديداخي أيضاً خصوصاً في نصفها الثاني: فبدل أن كان “اسم الله” في
الديداخي هو الذي يسكن في المؤمنين، صار في هيبوليتس “روح الله” بسبب الأكل
من “الطعام السمائي” بدل “الطعام الروحي” وأن الجميع في هيبوليتس يصيرون “متحدين”
بدل أن كانوا في الديداخي “يجتمعون ويصيرون واحداً” بسبب المشاركة في هذا
الطعام.

كذلك نلمح في تقليد
هيبوليتس في الإفخارستية الخاصة بالمعمَّدين اصطلاح
» كسر الخبز «أو المكسور،
وهو واضح أنه تقليد الديداخي.

على أن صلوات الديداخي
باستخدامها اصطلاحات إنجيل يوحنا وإغناطيوس
الشهيد
الخاصة بالإفخارستيا مثل: “الحياة الأبدية
zw¾ a„ènioj، المعرفة gnîsij، عدم الموت ¢qanas…a إنما تعطي انطباعاً إفخارستياً لمضمونها الكلي خصوصاً وأن
عنوان الفصلين 10و11 هو “أمَّا من جهة الإفخارستيا”
perˆ de
tÁj eÙcarist…aj
.

وإن كانت هذه البراهين
التي تثبت أن الديداخي إفخارستيا أصيلة وأنها من مؤلفات الشرق في أصولها ومتركزة
بالدرجة الأُولى على «الخبز» المسمَّى فيها «المكسور» إلاَّ أن الغرب أيضاً اقتبس
من الديداخي ولكن مؤخراً وليس من الفصول الخاصة بالإفخارستيا 10و11و14، ولكن مِنْ الفصول التعليمية الأُولى
الخاصة “بالطريقين”، وهذا ما كنَّا نتوقعه في بحثنا، لأنه عندما أخذت الديداخي
طريقها إلى الغرب، كان الغرب قد انتهى من تطوير
([43]) إفخارستيته حول كلمات التأسيس التقديسية وخاصة بالنسبة للكأس.]([44])

[فإذا
تقدمنا قليلاً في الزمن نجد أثناسيوس وهو المعاصر
لسيرابيون يقرِّر في خطابه الفصحي 39 أن الديداخي هي من الكتب القانونية وإن كانت
غير داخلة في أسفار الكتاب المقدَّس.]([45])

[ويؤكِّد العالِمF.E. Vokes ([46]) بشدة أن من
صميم قصد وعمل مؤلف الديداخي هو أن يغيِّر منابع (صلوات هذا الطقس) وأن يقتبس
منابع أخرى ويبحث وراء اصطلاحات بدل الكلمات العادية. فمثلاً كما كان إطعام
الجموع
في الأناجيل هو “أغابي”، وقد استخدم إنجيل يوحنا اصطلاح إفخارستيا
» وشكر «(يو 11: 6) على بركة المسيح الأُولى على الخبز، كذلك استخدم كاتب
الديداخي كلمة “الإفخارستيا” أي “الشكر” بحرية في الفصلين 9و10 ليغيِّر ما كان
معروفاً باسم “الأغابي” (إلى طقس كنسي باسم “إفخارستيا”).

على أن الديداخي تشير
إلى الإفخارستيا الأصلية في فصل 14 باسم الطقس الأصيل “كسر الخبز.”]([47])

وقد وجدنا أيضاً أن
قداس مرقس الرسول أخذ من الديداخي:

 

الديداخي

قدَّاس القديس مرقس

+

اجعل كنيستك تجتمع
معاً من أقاصي الأرض

من أقاصي المسكونة
إلى أقاصيها

+

من أجل اسمك القدوس
الذي جعلته (يسكن)

اسمك القدوس هو الذي
نقوله

+

تعطي الطعام والشراب
للمسرة حتى يقدِّموا لك الشكر

تعطيهم طعامهم في
حينه الحسن،
إملأ قلوبنا فرحاً
ونعيماً

+

اذكر يا رب كنيستك

الأواشي

+

ملكوتك الذي أعددته
لها

ما أعددته يا رب

+

أوصنَّا

سوتيس (خلِّصنا)

+

كل مَنْ كان طاهراً
فليتقدَّم

 

وهنا يعلِّق ريتشاردسن
متهكِّماً على شرح العالِم
Vokes بقوله:

[هذا يمكن أن يكون
صحيحاً إذا كان مؤلف الديداخي يقصد من عمله هذا وهذا يكون من الغرابة
إلى حد الجنون أن يكتب محتجاً ضد تطور يهدف إلى إنشاء طقسين في حين
أنه كان لا يوجد سابقاً إلاَّ طقس واحد].

ونرد نحن على ريتشاردسن
أن ما اعتبره جنوناً ليس هو في الحقيقة إلاَّ صميم الواقع، فقد نشأ بالفعل في
القرن الأَول ومنذ البدء بسبب تحوُّل العشاء إلى خدمة جمهورية صباحية، طقسان
للإفخارستيا، وهنا في الديداخي محاولة لتنظيم الطقسين: ليكون الطقس الأَول
وهو الأصل ملتحماً بالأغابي. وليكون الطقس الثاني وهو المتطور عن الأَول: بدون
أغابي أي ليس فيه عشاء بل يكون على أثر اجتماع ومصالحة واعتراف بالخطايا لتقديم
ذبيحة طاهرة لله.

ويستطرد العالِم
ريتشاردسن:

[وللعالِم J.P. Audet بحث قدَّمه حديثاً يشرح به بصورة جديدة رأياً هو لا شك صحيح من
جهة اعتباره الأغابي “ليتورجية شركة” أخذت صورتها هذه كتطور متأخر نوعاً ما…
وإن كلمات التأسيس الواردة في أسفار العهد الجديد تشير إلى الطقس الأساسي حيث تجيء
فيه كلمات التأسيس لتبرهن على ذلك. وعليه، ينبغي أن يسمَّى هذا الطقس “الإفخارستيا
الكبرى”
Eucharistie Majeure (يُلاحَظ أن القديس أثناسيوس يسمِّي صلاة الإفخارستيا بهذا الاسم)([48])،
وأن هذا الطقس الكبير أو هذه الإفخارستيا الكبرى كان يسبقها في القرن الأول “عشاء
عام”
يشهد به ما ورد في 1كو 11 وما جاء أيضاً في الديداخي.

ولكن بينما يبرز هنا
تعبير
» كل واحد «(1كو 21: 11) فإنه لا بد أنه كان يوجد سابقاً طقس مصغَّر أو
“إفخارستيا صغيرة”، وهو ما تصفه الديداخي في فصلي 9و10.]([49])

يقول العالِم ريتشاردسن:

[ونحن نلحظ كيف أن كلمة eÙcariste‹n “يشكر” حلَّت تدريجياً محل “يبارك”eÙloge‹n . كذلك فإن فعل الشكر eÙcariste‹n أصبح يحمل مضمون التقديم الذي هو غير موجود في مفهوم كلمة: eÙloge‹n. وهكذا فإن «تقديم الشكر» كان هو بداية الفكر المسيحي
بخصوص الذبيحة. وبهذا لم يكن ممكناً أن يوقف تيار الفكر المسيحي بخصوص العشاء
باعتباره مركز العبادة المسيحية متخذاً الاسم اليوناني
eÙcarist…a المتطور عن فعل البركة
العبري
eÙlog…a لتشبُّعه بالمضمون التقديسي والذبائحي
والسرائري بآنٍ
واحد.

أمَّا في الديداخي فصل
9و10 فإن كلمة: إفخارستومين
eÙcaristoàmen (نشكر) تأتي بمعني افلوجومين eÙlogoàmen (نبارك)، وأن طقس
الديداخي هو عبارة عن تلاوة بركات، وهذا يعني أن الديداخي منبثقة حتماً من طقس
كنيسة القرن الأَول التي بدأت لتوِّها تتخلَّى عن حظيرة اليهود.
]([50])

ورداً على قول بعض
العلماء إن كلمة “مَنْ كان طاهراً فليتقدَّم” تفيد المعمَّدين فقط. يقول ريتشاردسن:

[وما جاء في الديداخي
في القول “إن كان أحد
e‡ tij طاهراً
فليتقدَّم
” تعني شيئاً أكثر من العماد. فبالرغم من أن الأطهار
(القديسين) هم بالتأكيد معمَّدون وأعضاء في الكنيسة، ولكن من المهم واللائق أن
يُذكَّروا بالحاجة إلى ما يجب أن تكون عليه النفس حتى تتقدَّم للإفخارستيا،
ولحثِّهم على
» تجديدهم للتوبة «(عب 6) حتى يشتركوا في العبادة بهذا الطقس الذي هو شركة في استعلان
مجيء الرب ونهاية الدهور([51]).
أمَّا
» ماران أَثا «أي » تعالَ أيها
الرب يسوع
«ثم » آمين « فهي تكشف عن خطورة الدعوة للإستعداد.

علماً بأن العامل
الوحيد والجديد في الفصل 14 عما جاء في الفصلين 9و10 من الديداخي هو التعليمات
بخصوص “اجتمعوا معاً في يوم الرب”. أمَّا الكلمات “اكسروا الخبز” و“قدِّموا الشكر”
فهي متصلة تماماً بما جاء في فصلي 9و10 كعمل إفخارستي. لذلك فإن طقس فصل 14 هو في
الحقيقة نفس ما جاء في فصلي 9و10 … ومن الخطأ أن نظن أنه بما أن الديداخي تنص
على إفخارستيا موضوعها حفظ يوم الرب، فهذا يعني أن تكون الإفخارستيا السابقة ليست
إفخارستيا بل تكون أغابي لأنه من غير المعقول أن يذكر المؤلف الإفخارستيا مرتين.

ولكن
الحقيقة هي أن الديداخي لم تذكر طقس الإفخارستيا مرتين، لأن في فصل 14 لا يكرر
إلاَّ ذكر الإفخارستيا ولكن لا يُعطي تعليمات بخصوص صلواتها، ولكنه يهتم فقط بمناسبة
يوم الرب والاجتماع فيه زيادة عمَّا ذكره في فصلي 9و10.]([52])

[يدافع العالِم F.E. Vokes عن الاعتقاد السائد بين العلماء أن الديداخي موطنها الأصلي هو مصر،
(معترضاً على اعتماد العلماء على الجملة الخاصة بالقمح الذي ينبت على الجبال مع
خلو مصر من الجبال المنزرعة
)، وهو يتمسَّك بأن هذا التشبيه هو مجرد تشبيه رمزي([53])
مأخوذ من إنجيل متى 2: 18 حيث الخروف الضال بالنسبة للكنيسة كان تائهاً على الجبال،
وبالرغم من أن الديداخي تشير إلى “الخبز (القمح) الذي كان مبعثراً
فوق التلال ثم جُمع معاً وصار واحداً”، نجد أن قوانين الرسل (الكتاب السابع) وهي
المكتوبة في سوريا بلاد القمح المبعثر على الجبال والتلال تَحذِف هذه
الجملة من النص المأخوذ عن الديداخي. وفي نفس الوقت نجد أن سيرابيون يحتفظ بهذه
الجملة بدون أي صعوبة في شرحها مما يزيدنا يقيناً أن الاتجاه الرمزي هو السائد في
الديداخي وهو مصري في أصوله وإلهامه.

ويؤكِّد F.E. Vokes اعتقاده بمصرية الديداخي على أساس استخدامها لجملة التمجيد
الأخيرة وهي مطابقة تماماً لما جاء في النص الصعيدي لإنجيل متى في الصلاة الربانية
التي أخذتها الديداخي كمنهج فكري لوضع الإفخارستيا فيها.]([54])

[ولكن
يأتي عالِم آخر وهو
C.F.D. Moule ويجد أن رمز حبات الحنطة المبعثرة على الجبال أمر صعب
التصوُّر لأن الحبوب تُزرع ثم تنمو ثم تُجمع ثم تُذرَّى ثم تُطحن وأخيراً يُصنع
منها الرغيف، وهو يرى أن فكر مؤلف الديداخي
بخصوص وحدة الكنيسة يقوم أساساً على الصورة التي يعطيها الإنجيل وخصوصاً إنجيل
يوحنا بخصوص “جمع الكِسَر المتبقية من إطعام

الجموع” (JTS
Oct. 1955, pp. 240 ff)
. هذا يتوافق أكثر مع فكرة “الكِسَر” التي تستخدمها
الديداخي “وكانت هذه الكِسَر مبعثرة فوق التلال ثم جُمعت معاً وصارت واحداً”
فصل 4: 9. ويعزز هذا الفكر ما جاء في
الديداخي أيضاً فصل 5: 10: “اجمع
شملها
من الرياح الأربع لتكون مقدَّسة لملكوتك”.]([55])

[تركِّز الديداخي طقسها
على شكر الرب فوق “الخبز” دون أن تعطي فكرة أو دليلاً أو إشارة نحو بداية اتجاه
كلمات التأسيس، فكيف يكون هذا؟ وفي كنيسة تعرف كل أسفار العهد الجديد؟

“إن هذا يكون أمراً
غريباً وعجيباً للغاية” يقول هذا
E.F.
Vokes
، إذا كان أمام مؤلف
الديداخي أسفار العهد الجديد، وبالرغم من ذلك يصنِّف إفخارستية وفيها هذان الفصلان
9و10 التي تَمتُّ بصلة أكثر إلى المؤلفات الربانية اليهودية!!]

[وأيضاً نفس السؤال
يُطرح ولا يُجاب عليه بالنسبة ليوستين، والكنيسة التي كان ينتمي إليها. فمع درايته
بتعاليم يوحنا الرسول بصورة كاملة ودقيقة إلاَّ أنه لا يذكر العشاء الأخير، ولا
يعتمد في التأسيس على صيغة إنجيل مرقس ورسالة كورنثوس، علماً بأنه يقول إن ميامر
الرسل (الأناجيل) كانت تُقرأ في الكنيسة.]([56])

وكأنه يقول: إن كانت
الديداخي لا تأخذ مباشرة من الأناجيل فكذلك يوستين!! وهذا حق!!

[لذلك فإن هذه
الليتورجية (الديداخي)، يمكن فقط تعليل قيامها على أنها امتداد لممارسة العشاء
الذي تُسُلِّم منذ بدء قيام المسيحية، أو بمعنى آخر فإن كاتب الديداخي يتمسك
بأمانة بتقليد إفخارستي نشأ قبل أن تصل الأناجيل المكتوبة إلى تداولها العام.

وبهذا يكون اعتبار
“العشاء الأخير” في تقليد الديداخي أو على الأقل في زمن قيام
الديداخي لا كأنه طقس للإعادة كعشاء يتكرر قانونياً ولكن “كتأسيس
عهد” خُتم بعد ذلك بدم المسيح، وأنه أسبغ على كل الذين دخلوا فيه حالة جديدة
بالنسبة للخطية والمغفرة وذلك من واقع صلوات الديداخي التي شملت كل
آيات صلاة
» أبانا الذي في السموات «ما عدا «اغفر
لنا ذنوبنا».
]([57])

[والديداخي شديدة الصلة
بإنجيل متى المحسوب أنه يحوي أول نواة لقيام النظام الكنسي، كما يلمِّح بذلك
العالِم الإنجيلي
B.W. Bacon لذلك فإن الديداخي توضع عادةً كأول عمل أو هي الإرهاصة الأُولى
للمؤلَّف الضخم المعروف باسم
» نظام الكنيسة لهيبوليتس « فالديداخي تمثِّل إحدى الصور المبكرة للتطور التأسيسي الذي بدأه
إنجيل متى بعمق وقوة والذي بدأ داخل ذلك الإنجيل نفسه.]([58])

[وبالنسبة لصلوات “الإفخارستيا”
أي صلوات “الشكر”، فإن بداية النمو أو التطور لهذه الصلوات تظهر في
الديداخي متعلقة أساساً ربالشكر” الذي قدَّمه المسيح على الكأس. وبالرغم من
أن تلاوة كلمات كثيرة على الخبز والخمر بصفة صيغة للتأسيس بدأت تطمس معالم “الشكر”
في حد ذاته، إلاَّ أن مفهوم “الشكر” كان من القوة الكافية في القرن الثاني
حتى صبغ كل الطقس على اسمه: “الإفخارستيا”.]

[وينبغي أن نوضح أن
بقايا صلوات الشكر المقحَمة داخل الاستدعاء وإن كانت قد زحمتها عبارات طلب تقديس
الخبز والخمر إلاَّ أنها تشير إلى أنها بقايا طقس مختصر قديم.

ولذلك فإن فَصْلَي 9و10
في الديداخي يلزم أن يفوزا باهتمام ولا يُنكر عليهما موضعٌ رسمي مع الطقوس الأخرى
البدائية التي كانت في خلاصتها عبارة عن تشكُّرات ولم تتضمن إشارة إلى العشاء
الأخير.]([59])

[ويتأسف العالِم J.P. Audet([60]) بسبب عدم
انتباه العلماء إلاَّ فيما ندر وبأقل اهتمام إلى «الشكر» الذي قدَّمه
المسيح على الخبز والخمر، وذلك إذا قورن بالجهود الضخمة التي بُذلت وكُرِّست من
العلماء للشرح والتعليق على الثلاث جمل القصيرة
» هذا جسدي « » هذا دمي « » اصنعوا هذا
لذكري
« ونحن لن نعرف قط
حتى الخط الفكري الذي اتَّسمت به صلوات المسيح نفسه، ولكن هذا الجهل المؤسف بهذه
الحقيقة هو الذي حدا بكاتب الديداخي وبرَّر له تركيب عيِّنة من عنده للبركة أي
للشكر الذي ينبغي أن يُقال.

أمَّا في حالة
إفخارستيا يوستين فواضح أن رئيس المائدة والخبز والخمر موضوعان أمامه، قد أُعطي
هذا التصريح ليقول، ارتجالاً من عنده: “التسبيح والمجد لآب الكون”.]([61])

 [والآن إذا عُدنا
بالنظر إلى فصل 10 في الديداخي على أساس أنه مؤلَّف على
» أبانا الذي
في السموات
« فإن خطاب
غريغوريوس الكبير أسقف روما بخصوص العلاقة بين الإفخارستيا وأبانا الذي في السموات،
يصبح أمامنا الآن ذا معنى عملي عندما قال: «إن الرسل كانوا يقدِّسون مادة
الصعيدة بواسطة صلاة “أبانا الذي في السموات” وحدها!!»
هنا الإشارة قوية
وبليغة بالنسبة للديداخي.

وإن أعاظم العلماء من
كاثوليك وبروتستانت وخصوصاً في الأبحاث الحديثة وحتى في العصور الوسطى، شعروا أن
هذا الذي يقوله غريغوريوس الكبير حق وطبيعي، وفي هذا يكتب يوحنا وردزورث
J. Wordsworth([62]): “إذا
حررنا الفكر من كل صورة معينة وُضعت للكلمات اللازمة للتقديس فإنه يكون من الواضح
أن صلاة
» ابانا الذي «» خبزنا كفافنا أعطنا اليوم «(الوضع القبطي أعظم: » خبزنا الذي للغد أعطنا
اليوم
« تكون الأكثر
مناسبة لتقديس سر الجسد”.]([63])

[ويبدو أن الصلاة التي
علَّمها الرب لتلاميذه
» أبانا الذي في السموات «علَّمها هي
وغيرها أثناء إقامته العشاء (الذي اعتادوا عليه في السنين الأُولى). وهكذا كانت
هي أول ما التجأ إليه الرسل ليصنعوا منها وعلى أساسها تقليداً طقسياً خاصاً
لليتورجيا.

وهنا يأتي كلام
العلاَّمة ترتليان: “إن الصلاة الربانية يتحتَّم أن تُحفظ كأساس وأن أي
بناء إضافي من صلوات أخرى يلزم أن يوضع وفقاً لها.”
(de Orat. X)

وواضح أن هذا البناء
الإضافي الذي يتكلَّم عنه ترتليان هو هو الديداخي فصل 10: 25. غير أنه
لا يتأكَّد لنا بالبرهان أنه كان مستخدماً يوماً ما كإفخارستيا بحد ذاته. غير أن
الممارسات الإفخارستية الأُولى جداً تعكسها الديداخي في فصل 10 أكثر من كونها
تلاوة بسيطة للصلاة الربانية.

أمَّا فصل 9 في
الديداخي فهو من ناحية أخرى يقدِّم لنا عينة من البركات (التقديسات أو صلوات
البركة) التي يقصد بها أن تكون تقديسية، فهي صيغ طقسية بواسطتها يصبح الكأس والخبز
المكسور معونة روحية وطريقاً للحياة والمعرفة والإيمان وعدم الموت.

لذلك فإن تاريخ هذا
الفصل رقم 9 في الديداخي يمثِّل في الحقيقة تاريخ الجزء العملي في إفخارستيا
الديداخي.]([64])

 

ثانياً: صورة الأغابي
في «تعاليم الرسل وقوانينهم»

تقدَّم لنا قوانين
الرسل، التي تشمل تعاليمهم وقوانينهم معاً، في ثمانية كتب أُرسلت بيد كليمندس. وهي،
وإن قال العلماء أنها من مدوَّنات سنة 300م، إلاَّ أن الأصول التي قامت عليها
موادها رسولية وتاريخ بعضها لا يتعدَّى القرن الأول.

وهي تشمل في جملتها حسب
التقليد القبطي 127 باباً أو فصلاً أو «قانوناً» موزَّعة على كتابين: الأول 71 قانوناً، والثاني 56 قانوناً
وآخر ليس داخلاً في التقليد القبطي (حتى الآن) وهو عبارة عن رؤوس مواضيع من 30 قانوناً يسمَّى «
التِطْلُسَات

»
وهي تعريب لكلمة يونانية
أصيلة t…tloj
أي «عنوان» أو «رأس موضوع» وفي لغة المخطوطات يسمَّى هذا الجزء بكتاب «الرؤوس»

«الأغابي» في قوانين
الرسل:

وقد ورد في كل من
الأبواب (القوانين) الخامس والثلاثين والسادس والثلاثين والسابع والثلاثين من
الكتاب الأول هكذا:

الخامس والثلاثون:

[ولا يمكن للأسقف أن
يصوم إلاَّ اليوم الذي يصوم فيه كل الشعب، (لأنه قد يحدث أن) يكون إذا أراد واحد
أن يأتي بشيء (طعام للأغابي) إلى الكنيسة (فإن الأسقف) لا يقدر أن يجحد (عمل
المحبة، أي يمتنع عن الاشتراك في الأغابي بحجة الصوم)، فإذا قسَّم الخبز (فعليه
أن) يذوقه (و) يأكل مع الإخوة المؤمنين الذين معه فيتناولون من يد الأسقف جزءاً من
الخبز، قبل أن يكسر كل واحد الخبز الذي (وُضع) قدَّامه، لأن هذا هو بركة (أولوجية)
وليس هو قرباناً مثل جسد الرب].

السادس والثلاثون:

1 ولا يجب
للموعوظين الأكل مع المؤمنين (في الأغابي).

2 كل واحد
قبل أن يشربوا يجب عليهم أن يأخذوا كأساً ويشكروا عليه ويشربوا.

(وقد وُجدت في قوانين
الرسل الكتاب الثالث بيد كليمندس في مخطوطة
» النوموكانون «ورقة رقم
283
B قراءة أخرى لهذا البند يقول فيها الأسقف: [ولأجل المتكئين معاً
والأكل قبل أن يشربوا امنحهم كأس شكر. وينبغي للحاضرين أن يذوقوا هكذا منه]. وقد
وجدنا نسخة أخرى باللغة الأثيوبية يأتي فيها هذا البند في نفس المكان والمعنى،
إنما بوضوح وزيادة إذ يقول: [وبعد ذلك يقدِّم الأسقف الكأس كما هو مُرتَّب بخصوص
الكأس وهو يقول مزمور هلليلويا. وجميع الحاضرين بعد أن ينتهي الأسقف من تلاوة
المزمور يقولون أيضاً:
» هلليلويا نسبِّح الرب
في الأعالي، ممجَّد ومُسبَّحٌ مَنْ أقام المسكونة بكلمته
« وبعد أن يفرغوا من المزمور يبدأ الأسقف يشكر على الخبز ويعطي أجزاءً
منه للمؤمنين].)([65])

3 ويأكلون
وهم أطهار.

4 هكذا
الموعوظون يُعْطَون خبز بركة (الأصح خبز إكسورسيزموس “جحد الشيطان”) وكأساً، لأجل
أنه لا يجب للموعوظين أن يأكلوا مع المؤمنين.

5 لا يجلس
الموعوظون في
» وليمة الرب «(الأغابي) مع المؤمنين.

6 ويجب على
الذي يأكل أن يذكر الذي دعاه في كل وقت يأكل فيه فلأجل هذا سألهم أن
يدخلوا تحت سقفه.

7 لأجل أن
يأكلوا بعفاف وكفاف ولا يسكروا:

(يلزم) أن تأكلوا
وتشربوا بترتيب، ولا تشربوا (حتى) تسكروا لئلا يهزأ بكم الناس ويندم الذي دعاكم
على اضمحلالكم (أغلالكم)، بل أن يصلِّي (غير نادم) أن يدخل القديسون (دائماً) إلى
بيته (لأن الرب) قال إنكم ملح الأرض.

8 إذا دفع
لكم أجزاءً كلكم معاً، فإنك تأخذ نصيبك وحدك.

وإذا دعوكم للأكل يجب
أن تأكلوا بعفاف لا غير. ولكن الذي يفضل عنكم يرسله الذي دعاك إلى مَنْ أراد. أي
أنها (باعتبارها) فضلات القديسين ويفرح الذي دخلتم إليه.

والذي يأكل عليه أن
يذكر الذي دعاه كل وقت (يأتي فيه) ليأكل، لأجل هذا سأل أن يدخلوا تحت سقف بيته.

9
والمدعوون يجب أن يأكلوا بوحدة (قلب) بلا حزن.

10 بل إذا
وَنِس (أنِسَ) الأسقف (إلى) واحد أن يسأل عن كلمة (يستطيع إذا كان هناك “سكون” أن)
يخاطبه.

السابع والثلاثون:

11 وإذا
تكلَّم الأسقف فليسكت كل واحد.

12 وإن كان
الأسقف غير حاضر، لتؤخذ البركة من قسيس أو شماس.

قال إذا تكلَّم الأسقف
فليسكت كل واحد إلى أن يسألهم، وإذا لم يكن أسقف حاضراً بل هم مؤمنون لا غير في
الوليمة فليأخذوا الأُولوجية أي البركة من يد قسيس إذا كان حاضراً، وإذا لم يكن
حاضراً قسيس فمن يد الشماس.

13
والعلماني لا يجب له أن يصنع أولوجية (أي يبارك على الخبز).

14
والموعوظون أيضاً يأخذون خبز
» الأكسورسيزموس «(أي خبز يصلِّي عليه الأسقف أو الكاهن ويجحد منه قوة وفعل الشيطان باعتبار أن ا
لموعوظ لم يجحد الشيطان بعد لأنه لم يعتمد بعد).

هنا وليمة الأغابي بحسب
قوانين الرسل، ومنها يتضح الآتي:

أولاً: تبدأ بكأس
يشكر عليها الأسقف ويعطيها لجميع الحاضرين ليذوقوا منها.

ثانياً: الخبز يكسره
الأسقف أو الكاهن أو الشماس ويوزِّعه باعتباره أولوجية وليس جسد الرب، وينتظر كل
واحد حتى يتم توزيع الأُولوجية كلها قبل أن يبدأ بكسر خبزه الذي أمامه.

ثالثاً: يشترط الرسل
أن الذي يشترك في وليمة الأغابي يجب أن يكون طاهراً.

رابعاً: يشترط الرسل
أن تكون وليمة الأغابي بوحدة قلب وليس فيها حزن، فهي وليمة فرح ومحبة. وبناءً عليه
فقد دعاها الأقباط «إفراشي» بدل «أغابي»، أي وليمة
» فرح «بدل وليمة » محبة «

خامساً: يعتبر الرسل
أن وليمة الأغابي فرصة للأسقف أولاً أن يتآنس بالمدعوين ويسألهم ويرد عليهم،
وثانياً أن يعلِّمهم ويثقِّفهم أثناء الأكل على المائدة.

سادساً: يسمح الرسل
للموعوظين أن يحضروا في مكان جانبي وليس مع المؤمنين (أصبح بعد ذلك لهم خورس خاص
في الكنيسة)، ليأكلوا ويشربوا بأنفسهم من خبزٍ يصلِّي عليه الأسقف صلاة جحد
الشيطان.

سابعاً:
يمنع الرسل أي علماني أن يقوم بالبركة أو الشكر على الخبز أو
على الكأس. ففي غياب الشماس تتوقف وليمة المحبة عن أن تكون
» أولوجية « أي لا تكون مائدة بركة أو وليمة الرب.

ثامناً: ما يفضل عن
الوليمة يُسلَّم لصاحب الوليمة لكي يوزِّعها بمعرفته باعتبار أنها فضلات القديسين
(2كو 14: 8) أي بركة (أولوجية).

تاسعاً: يشدِّد
الرسل أن تكون وليمة الأغابي مثال العفة والرزانة والتعقُّل والترتيب في الأكل
والشرب حتى لا تُلام أعمال المسيحيين في الخارج.

عاشراً: حدَّد الرسل
على المدعوين في ولائم الأغابي أن يصلُّوا من أجل الذي دعاهم، فهي وليمة للذكرى
الحسنة.

وهكذا
يُلاحِظ القارىء أن الرسل يعتبرون الخبز المكسور أولوجية، أي خبز بركة، وهذا
يعطي مفهوم الطعام الروحي
وهو لا يُعطَى إلاَّ للأطهار، ولكنه لا يرتقي إلى
مفهوم القربان أي الجسد المقدَّس.

والكأس يتحتَّم أن
تُتلى عليها صلاة الشكر قبل الشرب، لينتفي عنها صفة الخمر التي للسُكر بل تأخذ صفة
كأس فرح للشكر أي للتسبيح، فهي بذلك شراب روحي، ولكنها لا ترتقي إلى كأس الرب أي
دم المسيح. (وهنا توجد مخطوطات لنفس المرجع تذكر أن الأسقف هو الذي يدفع هذه الكأس
بعد أن يشكر عليها، حتى يذوق منها الكل).

ثم تشديد الرسل أن لا
يقرب أحد وليمة الأغابي إلاَّ إذا كان طاهراً، يكشف عن المستوى الروحي العام الذي
وضعه التقليد الرسولي لوليمة المحبة.

وبهذا نجد التقابل
واضحاً وشديداً بين وليمة الأغابي في «الديداخي» ووليمة الأغابي في «قوانين الرسل».

 

ثالثاً: صورة أخرى
للأغابي في تقليد «هيبوليتس»

المدعو ب«تقليد الرسل»

 

ملاحظة هامة:

نحن نهتم كثيراً بتقديم
هذه النماذج المتوالية لوليمة الأغابي لأنه يستحيل علينا أن نفهم حدود الإفخارستيا
وسمو مقدارها
منذ العصر الرسولي إلاَّ إذا فرَّقنا تماماً بينها وبين وليمة
الأغابي
التي كثيراً ما أخطأ العلماء في اعتبارها إفخارستيا، فظنوا أن
الإفخارستيا هكذا كانت في عصر الرسل شيئاً وفي عصرنا
شيئاً آخر. وأنها كانت مبسَّطة ومجرد قراءة أو قراءتين على الخبز والكأس، في حين أنَّ الإفخارستيا التي نمارسها الآن هي صورة
حقيقية طبق الأصل من إفخارستية العصور
الأُولى.

أمَّا الذي ظنوه كذلك
وبهذه البساطة فهي ولائم المحبة. أمَّا الإفخارستيا فلم تكن منذ أول يوم أُقيمت
فيه وفي أيام الرسل بدون ليتورجيا مطوَّلة، أي بقراءات من العتيقة والحديثة (العهد
القديم والعهد الجديد). وتسبيح بالمزامير، وكلمة وعظ، ثم خدمة كاملة إلهية يترأسها
رسول أو نبي أو أسقف مع كهنة وشمامسة بصلوات وتشكُّرات وطلبات وتذكارات. وبعد ذلك
تأخذ الإفخارستيا المراحل الأربع بكل تؤدة ورزانة ووقار وخوف مع رعدة:

المرحلة الأُولى: تقديم
الحمل،

والثانية: التقديس
على الخبز والخمر واستدعاء الروح القدس،

والثالثة: القسمة،

والرابعة: الاشتراك.
وبعد ذلك يكون التسبيح ثم الانصراف.

وتقليد هيبوليتس وإن
كان يأتي مطابقاً تماماً لتقليد الرسل في القرن الأَول، إلاَّ أن أهميته ترجع إلى
أنه كان معمولاً به أيام هيبوليتس سنة 215م.

وليمة الأغابي كما
يصفها هيبوليتس:

وهنا نورد النص كما جاء
في المخطوطة القبطية المعروفة باسم
» النوموكانون «

النص المخطوط:

 

القانون الثاني والثلاثون
من قوانين هيبوليتس:

[الأسقف لا يرتبط بصوم
إلاَّ مع الإكليروس، لأجل (أنه يضطر أن يشارِك في) وليمة أو عشاء يصلح للفقراء]([66])
.

ويورد هنا العلاَّمة
جريجوري ديكس أيضاً نصاً آخر لهيبوليتس يقول فيه:

[الأسقف لا يصوم إلاَّ
إذا كان الشعب كله صائماً، لأنه قد يأتي وقت يَطلُبُ فيه أحد أفراد الشعب أن
يقدِّم وليمة للكنيسة، وهذا لا يمكن أن يُرفض. ولأن الأسقف إذا كسر الخبز فعليه
بالضرورة وعلى أي حال أن يذوق منه ويأكل مع المؤمنين الحاضرين.]([67])

ويستمر القانون 32
لهيبوليتس قائلاً:

[فإذا أراد أحد أن يصنع
وليمة عشاء للفقراء وهي التي تُدعى
» كيرياكن « أي عشاء الرب ويكون الأسقف حاضراً
وقت وقيد السراج، يقوم الشماس ليوقده، ويصلِّي الأسقف عليهم وعلى الذين دعاهم
محب الفقراء (فيصلِّي) الإفخارستية التي في أول القداس
(الرب مع جميعكم
ومع روحك أيضاً ارفعوا قلوبكم هي عند الرب اشكروا الرب مستحق وعادل). ويصرفهم (بعد الأكل) ليتفرَّقوا
قبل أن يكون الظلام، ويصنعوا (أي يرتلوا) مزامير من قَبل انصرافهم].

القانون الثالث
والثلاثون:

لأجل
أنامنيسيس (تذكار) يصنعونه عن الذين ماتوا، ولا يكون ذلك يوم الأحد. وإن
كانت أنامنيسيس يصنعونها عن الذين ماتوا، يتناولوا أولاً من السرائر من قبل
أن يجلسوا، ولا يجلس
معهم أحد من الموعوظين في «الكيرياكن»،
ويأكلوا ويشربوا بكفاف وليس بسكر، بل بسَكينةٍ لمجد

الله.

القانون الرابع
والثلاثون:

في أن لا يتكلَّم أحد
كثيراً ولا يصيح (وقت) دخول القديسين إلى منازل المؤمنين لئلاَّ يُهزأ بكم،
ولئلاَّ تكونوا عثرة للناس فيُشتم مَنْ دعاكم، لأجل أنكم على غير الطقس. بل (ينبغي
أنه بمثل هذه) الدعوة ينال ثباتاً وكل بيته ويرى عفاف كل واحد منا وينال رتبة
عظيمة بالمثال الذي يراه علينا ويصلِّي أن يدخل القسيس تحت سقفه لأن مخلِّصنا يقول:
أنتم ملح الأرض.

وإذا قال الأسقف كلاماً
وهو جالس يربحون به وهو يربح. وإن كان الأسقف ليس حاضراً والقسيس حاضراً فليلتفتوا
إليه كلهم، فإنه أرفع منهم بالله، ويكرِّموه الكرامة التي يكرَّم بها الأسقف ولا
يجسروا أن يقاوموه.

القانون الخامس
والثلاثون:

فإذا كان الشماس حاضراً
في وليمة وليس قسيس حاضراً، يكون عوضاً عنه في الصلاة وكسر الخبز للبركة وليس
الجسد. يكسر الخبز ويدفعه للمدعوين.

أمَّا العلماني فلا
يُدفع له أن يرشم الخبز، بل يكسره لا غير. وإذا لم يكن هناك إكليروس فليأكل كل
واحد ما يأكل بشكر، لكي يروا الأمم سيرتكم ويحسدوكم (يغيرون منكم).

وإذا أراد أحد أن يُطعم
الأرامل فليُطعمهم ويصرفهم من قَبل أن تغرب الشمس، فإن كانوا كثيرين فلئلاَّ
يتبلبلن لأنهن لا يلحقن أن ينصرفن قبل العِشاء، فيُدفع لكل واحدة منهن كفافها ما
تأكله وما تشربه وتمضي قبل أن يغشى الليل.

ويلاحِظ
القارىء أن في قوانين الرسل المذكورة هنا (بواسطة هيبوليتس) ثلاثة أنواع من ولائم
الأغابي:

النوع الأول: يُعمل في
العِشاء ويُسمَّى ب«عَشاء الرب» (كيرياكن) =
KuriakÒn وله طقس مثل طقس أول القداس.

النوع الثاني: يُعمل
كتذكار للمنتقلين ويُسمَّى «أنامنيسيس
¢n£mnhsij » ولا يُعمل في يوم الأحد. ويلزم أن يكون بعد القداس الخصوصي،
وتُسمَّى «وليمة الرب» (ولا تُعمل في العِشاء).

النوع الثالث: يُعمل خاصةً
للأرامل ويلزم أن يكون قبل غروب الشمس. ويمكن أن توزَّع الأطعمة والمشروب عليهن
ويصرفهن مباشرةً إذا كان عددهن كبيراً.

وفي موضع آخر من
القوانين يتضح أنه يلزم أن يكون الأسقف أيضاً (أو الكاهن أو الشماس) حاضراً ويقوم
بالصلاة والبركة وتقسيم الخبز ثم إعطاء كأس خمر.

كذلك نلاحِظ في هذه
الأنواع الثلاثة من ولائم المحبة ما يلي:

أ أنها
تسمَّى كيرياكن
KuriakÒn أي وليمة الرب، فإن كانت في العِشاء تُسمَّى «عشاء الرب» وإن كانت
تذكاراً
¢n£mnhsij تُسمَّى «تذكاراً للرب» حيث تُعمل بعد القداس. فهنا الأغابي
تكوِّن صورة متكاملة مع الإفخارستيا وتنقل لنا جزءاً من ملامح العشاء السرِّي الذي
أسسه الرب بجماله ووقاره كيف كان وليمة محبة ارتقت بتقديس الرب إلى مستوى السرِّ
الإلهي!

ب يُلاحَظ في
وليمة العشاء المذكورة في القانون الثاني والثلاثين أنها وليمة كنسية بالدرجة
الأُولى، فهي تبدأ بليتورجيا كنسية طقسية حيث يدعو الأسقف للصلاة ويطلب حضور الرب
ويأمر برفع القلب، ويبدأ يصلِّي صلاة الشكر على المائدة والنور يُوقَد في ميعادٍ
طقسي مثل بداية قداس الإفخارستيا تماماً لأن
هذا محتَّم بسبب اجتماع المؤمنين رسمياً في حضرة الرب، حيث يقول قانون الرسل:

[ويقف
الأسقف وسط المؤمنين الحاضرين ويشكر قائلاً: الرب مع جميعكم، (فيقول الحاضرون:)
ومع روحك أيضاً

ارفعوا قلوبكم، هي عند الرب
فلنشكر الرب، مستحق وعادل. لأن ذلك يُقال
على القربان وعلى غير هذا،
ثم يقول الأسقف: نشكرك اللهم…].

كما نجد صورة أخرى لهذا
القانون في النسخ الأثيوبية.

ج
يُلاحَظ أيضاً أن « وليمة
عشاء الرب
» تنتهي بتسبيح المزامير، فهي
تنتهي بليتورجيا كنسية
كما أنهى الرب العشاء السرِّي يوم الخميس مع تلاميذه، فسبَّحوا
وخرجوا.
وهنا كلمة «وخرجوا» هي التي تُسمَّى في الكنيسة الآن بالانصراف،
ولها اسم كنسي طقسي
missa” ولها منطوق صلاة للبركة محدَّد لا يمكن أن يتجاوزه
الكاهن بأن يزيد عليه أو يُنقص منه: «امضوا بسلام، سلام الرب مع جميعكم»،
يقولها الأسقف أو الكاهن سواء في الأغابي أو القداس، لأن الاجتماع في الاثنين
محسوبٌ أنه قائمٌ رسمياً أمام الرب وبحضوره، فلا يجرؤ أحد أن يغادر الاجتماع إلاَّ
بعد أمر الانصراف.

د ولكن
وإن كانت هذه الولائم تعطينا صورة قريبة وتكميلية لوليمة العشاء السري التي صنعها
الرب يوم الخميس التي كانت تجمع بين الأغابي والإفخارستيا معاً، إلاَّ أن وليمة
الأغابي هي في الواقع وليمة عشاء الرب مرفوع منها الجزء السري الخاص بتقديس الخبز
والخمر وتحوُّلهما إلى جسد الرب ودمه. وهذه الأغابي ليست في الحقيقة وليمة الشعب
بالمعنى الكنسي الكامل، لأن المجتمعين ليسوا هم الكنيسة بكامل مَنْ يمثِّلها، بل
هم حسب ما يقول القانون الثاني والثلاثون: [إذا أراد أحد (من الأغنياء) أن يصنع
وليمة عشاء للفقراء…]. إذاً، فهي ولائم محبة «خاصة» وليست عامة.
وبهذه الصورة تكون فاقدة لكثير من معنى «المحبة»، بل هي أقرب إلى وليمة
» رحمة « كذلك فإنه ربما لا يحضرها إلاَّ المدعوون بالاسم!!

وينص القانون على أن
[الذي يأكل يذكر الذي دعاه كل وقت يأكل، لأجل هذا سأل أن يدخلوا تحت سقف بيته].
هنا المحبة أو حتى الرحمة ليست بلا عِوَض، فمطلوب من الآكلين أن يصلُّوا من أجل
الذي دعاهم، لأنه من أجل هذا دعاهم!!

لذلك، بدأ بعض الآباء
والقديسين في التقليل من قيمة الأغابي روحياً مثل العلاَّمة كلمندس الإسكندري([68])،
والقديس أغسطينوس([69]).

ه ولكن
الاسم
» كيرياكن «الذي أعطاه القانون
لهذه الولائم لم يزل يستمد صِدْقه وحقيقته من أن صانع الوليمة هو في الواقع «مقدِّم
القرابين»
يطلب «توزيعها باسم الرب»، لذلك لزم هنا بحكم ضرورة الطقس أن
يكون مَنْ يمثِّل الله موجوداً؛ سواء كان الأسقف بنفسه أو كاهناً أو على الأقل
شماساً، وإلاَّ ينتفي نهائياً اسم
» كيرياكن «من وليمة
المحبة! بل ولا يكسب المدعوون أنفسهم إلاَّ مجرد الامتلاء والشبع، لأن الوليمة لم
تعد بركة، أي لا يعود الطعام والشراب بعد طعاماً روحياً وشراباً روحياً مأكولاً
ومشروباً من يد الرب [لأن الأسقف أو الكاهن أو الشماس
يمثِّل يد الرب حيث يتحتَّم أن لا يأكل ولا يشرب أحد من الوليمة إلاَّ بعد أن يأخذ
لقمة بركة من يد الأسقف ويذوق ذوقاً من كأس يكون قد بارك عليها الأسقف].

لذلك نسمع من القديس
إغناطيوس الأنطاكي (؟ سنة 110م أي قبل
» هيبوليتس «بقرن كامل
من الزمان)، كيف كان يتحتَّم أن لا تكون أغابي بدون أسقف: [لا تأتوا عملاً يخص
الكنيسة بدون الأسقف. أمَّا الإفخارستيا الحقيقية والشرعية وحدها فهي التي تتم
بحضور الأسقف أو مَنْ ينتدبه الأسقف لذلك … لا يجوز أن يُمنح العماد ولا الأغابي
بدون الأسقف]([70])،
مما يوضِّح ضمناً وبكل تأكيد أن الأغابي أيام إغناطيوس الشهيد كانت وليمة خاصة
منفصلة عن سر الإفخارستيا، ولكنها كانت وليمة كنسية بمعنى الكلمة وطقسية إلى أقصى
حد على مستوى طقس العماد أو الإفخارستيا نفسها، لأنه لا يحل إقامتها بدون حضور
الأسقف إذا أراد صاحبها أن تكون وليمة الرب أو تكون وليمة الكنيسة. وهو يضع
الأغابي في موازاة الإفخارستيا هكذا باختصار [بدون أسقف لا يحل إقامة إفخارستيا أو
أغابي].

 

رابعاً: تقليد
«الأغابيي»
« عند العلاَّمة كليمندس الإسكندري (153
217م)

نجد في أيام كليمندس
الإسكندري أن الأغابي العامة التي كان يحضرها جميع أفراد الشعب وخصوصاً الأغنياء،
أو التي كان يقيمها الأغنياء باسمهم أو في بيوتهم أو ربما في بعض الكنائس، بدأت
تأخذ صورة دنيوية ويدبُّ فيها الإنحلال، لذلك أفرد لها فصلاً خاصاً في كتابه
» المعلِّم «موبخِّاً
هذا السلوك ولكن دون أن يسيء إلى مفهوم وليمة الأغابي بحد ذاتها، فهو عن الأغابي
يقول:

[ولكن
“الأغابي” هي في الحقيقة طعام سماوي، وليمة تعقُّل وحكمة «وطوبى لمَنْ يأكل خبزاً
في ملكوت الله» (لو 15: 14) … وكل مَنْ يأكل من هذه الوليمة فهو قبل كل شيء
يلتصق بملكوت السموات، لأنه يرتبط فعلاً بالجماعة المجتمعة بالمحبة،
المعتَبرة أنها كنيسة
سماوية.

ولكن المحبة “الأغابي”
ليست عشاءً، ولكن العشاء هو الذي يُعمل ويقوم على أساس المحبة، لأن المحبة شيء
طاهر ومستحقة أن تكون دائماً إلهية وعملها الأساسي هو للشركة. فوليمة المحبة
مُكرَّسة للمحبة، وليست هي صحوناً متعددة وفاتحات للشهية ولذائد أطعمة…

نحن مدعوون أن نسود
ونضبط أنفسنا فوق الأطعمة، لا أن نكون عبيداً لها. إنه لائق وكريم لنا أن نرفع
أعيننا إلى فوق، إلى ما هو حق، حتى يكون اعتمادنا على الطعام الإلهي في الأعالي،
ونُشبع أنفسنا بالتأمُّل إلى ما هو بالحقيقة قائم بالحق.

… أمَّا الطعام
الحقيقي فهو الشكر “الإفخارستيا…” و«إن كنَّا نأكل أو نشرب نصنع الكل لمجد الله»
(راجع 1كو 31: 10)…]
([71])

وقد حصل العالِم “بثيون
بيكر” على إيضاحات أكثر لكليمندس عن الأغابي مع الإفخارستيا في أجزاء من كتابه
المعروف باسم “المعلِّم” لم تنشرها مجموعة الباترولوجي إذ أشارت إليها أنها ناقصة،
وهي في غاية الأهمية لأنها توضح أن الأغابي كانت بعد الإفخارستيا:

[وكانت الأغابي
العائلية في البيوت تتقدَّس بقراءة الأسفار والتضرُّعات والمزامير والتسابيح
كصلوات عائلية، وهي التي كانت تجعل الطعام للشكر “إفخارستيا”]،

[وفي حالة الأغابي
العامة
(التي كانت تُقام في الكنائس) كان الشمامسة يقومون أولاً بتوزيع الخبز
المقدَّس والخمر المقدَّس (الإفخارستيا) ثم بعد ذلك العشاء (الأغابي) أيضاً
كذلك.
أي أن العشاء في هذه الحالة كان في مجمله “إفخارستيا ثم أغابي”… “فالذي
كان يأكل، كان يأكل للرب صانعاً إفخارستيا مع الرب … لأن الطعام الذي يؤكل بتقوى
هو إفخارستيا”.]
([72])

ويقول بثيون بيكر في
كتابه عن “تاريخ العقيدة” إن كليمندس يفرِّق بوضوح، في اصطلاحاته التي يستخدمها،
بين “الإفخارستيا” و“الأغابي”، كما يفرِّق بين “الأغابي” كعشاء الرب عندما يُعمل
في الكنيسة وبين الأغابي الخاصة في البيوت، وكان يقارِن بينهما باعتبار أن
الإفخارستيا المقامة مع الأغابي في الكنيسة ينبغي أن يكون لها وقارها الفائق كطقس
أعلى، (انظر كتابه)
([73]).

 

خامساً: تقليد الأغابي
وكيف يعبِّر عنه القديس أثناسيوس الرسولي

(آخر مرحلة حية للأغابي
في النصوص الكنسية):

لقد عثرنا في كتابات
القديس أثناسيوس على صورتين للأغابي، إنما كل واحدة منهما في وضع خاص وحدود معينة،
فهما ليستا وليمة أغابي شعبية عامة. الأُولى منهما خاصة بالكهنة مع أسقفهم،
والثانية خاصة بالعذارى الراهبات في مائدتهم اليومية. ولكن بالرغم من هذا التخصُّص
نجد أن كلاًّ منهما له صورة وملامح الأغابي بكل معناها وطقسها:

أولاً: أغابي الكهنة:

نص القوانين كما وُجدت
في المخطوطة “قوانين الكنيسة التي رتبها أبونا القديس أنبا أثناسيوس بطريرك
الإسكندرية” مخطوطة النوموكانون 351، المكتبة الأهلية بباريس. وترتيب
المخطوطة التي للقديس أثناسيوس مكتوب في نهايتها أنها بيد ميخائيل أسقف تنيس:

 

القانون السادس والستون:

ليأكل الأسقف مع الكهنة
دُفعاتٍ كثيرة في الكنيسة حتى يبصر ترتيبهم إن كانوا يأكلون بهدوء وخوف من الله،
ويقف يخدمهم، وإن كانوا ضعفاء فليغسل أرجلهم بيديه، وإن كان لا يقدر
فلْيَدْعُ رأس القسوس أو الذي بعده يغسل أرجلهم. ووصية المخلِّص لا تتركوها
عنكم
لأنكم تُعطون (الكلام هنا للأساقفة)
الجواب عن
هؤلاء جميعهم، لكي يروا هم أيضاً تواضع المخلِّص فيكم، لا يكسل الأسقف عن هذا
جميعه ثلاث دفعاتٍ في السنة: في عيد الفصح وعيد البنتيقسطي وعيد الغطاس الحادي عشر
من طوبة (يُلاحَظ هنا أنه لم يذكر عيد الميلاد لأنه كان يدخل ضمناً وبدون تركيز مع
عيد الغطاس، ولكن عيد الغطاس كان هو الأكثر ظهوراً وأهمية).

ولا
يحضر في وسط مجمعهم كاهن غير مؤمن أو واحد من الغرباء من قبيلة أخرى إلاَّ كاهن
فقط.

القانون السابع والستون:

لا يتكلَّم واحد منهم
وهم يأكلون ولا يرفعوا وجوههم في وجه بعضهم البعض وهم يأكلون. وإذا تكلَّم الأسقف
فليتأملوا جميعاً.

القانون الثامن والستون:

جميع الكهنة الذين في
القرى من أعمال المدينة ليجتمعوا بالأسقف في يوم واحد ثلاث دفعاتٍ في السنة.
(أمَّا هو) فيقرأ عليهم هذه الوصايا وهذه الأحكام ليكتبوها عندهم ويضعوها في كل
مدينة وفي كل قرية، لكي تستريح عليهم (أحشاء) تحنن القديسين كما استراحت على
فليمون تلميذ بولس، كما هو مكتوب أن قديسيك بالفرح يفرحون من أجل داود عبدك.
ويقولون هم أيضاً هوذا الكهنة أولاد الكنيسة يسعون في مرضاة الله بكل حال.

ملاحظات:

وإن
كان القديس أثناسيوس في ترتيبه لوليمة الأغابي بالنسبة للأسقف والكهنة لم يذكر ما
ينبغي

أن يصلُّوا به وما ينبغي أن يبدأوا به أو
يختموا به، فهذا أمر طبيعي لأنهم إكليروس وهم عارفون
بالطقس، وإنما يشدِّد على تدبير طقسي وروحي آخر في
غاية الأهمية بالنسبة لمضمونات جديدة في وليمة الأغابي:

1 إذ يُلزم
الأسقف أن يأكل الأغابي مع الكهنة كقانون كنسي يضع الأغابي في موضع الطقس الكنسي
كضرورة يحتِّمها الروح القدس من أجل صلاح وسلامة جسد المسيح، أي الكنيسة. إذ يعتبر
القديس أثناسيوس في نفس هذه القوانين أن طغمة الإكليروس
في الكنيسة هم بمثابة سبعة أرواح الله وسبعة عيون الله التي تفحص وتدبِّر الكنيسة
أي جسد المسيح.

لذلك فهو يطلب وحدة هذه
العيون الإلهية السبعة وتَصَالُحها وسلامة سيرها وتدبيرها تحت رعاية الأسقف “حتى
يبصر ترتيبهم…”.

وهنا جلوس الأسقف في
مجمع الكهنة الذين له هو شكل رسمي “لعشاء الرب” يماثل مجلس المسيح مع تلاميذه.
فهنا الأغابي تأخذ صورتها المقدَّسة الأُولى، والغاية منها هي أن تنسكب المحبة
الإلهية في وليمة المحبة وفي لقمة المحبة، ثم تسري هذه المحبة بالروح القدس إلى
بقية أعضاء الجسد الذين هم شعب الأسقف.

2 مطالبة
الأسقف بأن يقف في وليمة الأغابي ويخدم الكهنة الذين تحت تدبيره هو نقلة كبيرة
وعظيمة في مفهوم وليمة الأغابي، فالمحبة لا تُطلب ولا تُستعلن فقط بالأكل وتقديم
أنواع الأطعمة، بل مطلوب أن تكون فرصة لكي تُمارَس فيها الخدمة والتواضع. حيث يجب
على مَنْ أراد أن يكون سيداً أن يصير خادماً للجميع في إطار المحبة ومن خلال لقمة
الأغابي.

هنا القديس أثناسيوس
يشير مباشرةً إلى موقف المسيح وتعليمه لتلاميذه من خلال طقس العشاء الأخير الذي
جعله فرصة لإعلان قانون الخدمة في العهد الجديد!! «الكبير فيكم ليكن كالأصغر
والمتقدِّم كالخادم، لأن مَنْ هو الأكبر: الذي يتكيء أم الذي يخدم؟ أليس الذي
يتكيء؟ ولكني أنا بينكم كالذي يخدم»
(لو 22: 26و27). هنا يحاول القديس
أثناسيوس أن يطبِّق أسرار العشاء الأخير بحسب التدبير الذي أعلنه الرب وعلَّم به، فينتفع
الأسقف إذ يمارس سر اتضاع رئاسته
على مستوى السيد في العهد الجديد وينتفع
الكهنة إذ يتعلَّمون من سيدهم كيف يمارسون سر اتضاع الخدمة مع بعضهم البعض على
مستوى الأسقف والمسيح!!

3 “ويغسل
أرجلهم بيديه”. هنا لا يأتي القديس أثناسيوس بشيء جديد غير ما عمله المسيح في
“عشاء الخميس”. ولكن القديس أثناسيوس هنا يُحيي الأغابي الأُولى، يُحيي روح اتضاع
الرب في الكنيسة، يُحيي مفهوم غسل الأرجل الذي أصبح طقساً لا يمتُّ للإتضاع بصلة.

القديس
أثناسيوس هنا يلملم أسرار “العشاء الأخير” التي توزَّعت على صفحات الكتب الطقسية
والممارسات السنوية. القديس أثناسيوس يجمع شتات الإفخارستيا التي استبدَّت بها
روتينية الطقوس والرسوم.

إن وصية الرب ليست
ثقلاً على الكنيسة أو على الأسقف، بل إن وراء وصية الرب قوة ونعمة، والروح واقف
مستعد ليتمم كل ما وعد به المسيح لكل مَنْ يكمل ترتيب الرب. القديس أثناسيوس يُلزم
الأسقف أن يتحمَّل وحده مسئولية وصية الرب هنا “لأنكم تعطون الجواب عن هؤلاء
جميعهم لكي يروا هم أيضاً تواضع المخلِّص فيكم”. الأسقف مسئول أن يسلِّم كهنته
اتضاع المسيح تسليماً عملياً من خلال المحبة ولقمة المحبة.

4 “لا
يتكلَّم أحد منهم، ولا يرفعوا وجوههم في وجه بعض وهم يأكلون”. هنا يتدخل القديس
أثناسيوس ليؤمِّن وليمة الأغابي ضد الانحلال بالكلام والسمر والضحك والمسرَّات
البشرية.

فالأغابي
أصلاً فرصة ليس لتبادل المحبة البشرية الرخيصة، بل فرصة إلهية لانسكاب المحبة
الإلهية بالروح القدس في قلوب المجتمعين باسم المحبة وباسم المسيح، كوعد الرب! هنا
ليس اثنان أو ثلاثة فقط مجتمعين باسم الرب، بل الإكليروس الذي يرى القديس أثناسيوس
الرسولي أنهم سبعة أرواح الله الخادمة وسبعة عيون الله الجائلة في وسط شعبه تصنع
كلمته ومرضاته.

إذاً،
فالأغابي يراها القديس أثناسيوس فرصة صمت وهدوء وصلاة ليجمع الروح القدس بين أرواح
الكهنة ويكشف لعيونهم جلال الكنيسة ومعناها السري كحضرة الله في مجمع آلهة. الكلام
ممنوع ليتكلَّم الروح القدس في القلوب مباشرةً وعلى فم الأسقف للبنيان. رفع العين
في وجوه الآخرين ممنوع حتى يرفع الروح القدس عين الكاهن لترى ما لا يُرى من وجه
الله في حضرة الله!!!

إذاً، فنحن نرى في “أغابي
الأسقف مع الكهنة”
التي يقدِّمها لنا القديس أثناسيوس الرسولي في قوانينه نقلة
كبيرة وعظيمة، تُحضِرنا مباشرةً وسط أغابي الرب بكل رزانتها ووقارها، هل هذا
ممكن؟؟ إن القديس أثناسيوس بهذه القوانين قد أعطى للكنيسة فرصة أن تحيا في ملء أسرار
«عشاء المسيح»
وحبه الحقيقي واتضاعه الإلهي لو تشاء.

ثانياً: أغابي العذارى
الراهبات:

وهنا يقدِّم القديس
أثناسيوس قوانين لأغابي لها صبغة خاصة ومحدودة أيضاً، “أغابي العذارى الراهبات”،
اللواتي يعشن في بيوت خاصة لهن. وقد كتبها في أوائل القرن الرابع في مدوَّنة خاصة
بالعذارى([74]).
والمخطوطة المنقولة منها الترجمة الإنجليزية تقول إن ملامح اللغة اليونانية تدل
على أنها مأخوذة عن أصل قبطي.

 

نص القوانين:

[1 إذا لم
يكن أحد (من الإكليروس يقود الصلاة)، فبعد أن تأخذن طعامكن قدِّمن الشكر لله على
المائدة بهذه الكلمات (أي أنها صلاة شكر ختامية):

+ » مباركٌ أنت
يا الله الذي تتعطَّف علينا وتعطينا ما نغتذي به منذ صبانا، يا معطياً طعاماً
لكل ذي جسد. املأ قلوبنا فرحاً ونعيماً حتى إذا نلنا كفافنا في كل شيء في كل حين
نزداد في كل عمل صالح بالمسيح يسوع ربنا الذي يليق بك معه ومع الروح القدس المجد
والقوة والكرامة والسجود إلى دهر الدهور
آمين
«

2 وحينما
تجلسن معاً على المائدة ويأتي وقت «كسر الخبز» ارشمن ذواتكن بعلامة الصليب
وقلن هكذا بالشكر (أو شاكراتٍ):

+ » نقدِّم لك
الشكر (“إفخاريستومين”، وهي لفظة طقسية) يا أبانا من أجل القيامة التي أعلنتها لنا

بواسطة
يسوع المسيح فتاك. وكما كان هذا الخبز الموضوع على المائدة مبعثراً وصار
مجتمعاً معاً حتى صار واحداً، هكذا اجعل كنيستك تجتمع معاً من أطراف الأرض إلى
ملكوتك. لأن لله القوة والمجد إلى الدهر الذي بلا نهاية. آمين
«

3 وهذه
الصلاة التي لكسر الخبز يلزم أن تَقُلْنَها قبل أن تأكلن. ولكن بعدما تُهيِّئْنَ
المائدة وقبل أن تجلسن مباشرةً قُلْنَ صلاة:
» يا أبانا
الذي في السموات
«

وأمَّا الصلاة الأُولى
التي قُلْتُنَّ والتي في أولها “مبارك أنت يا الله” فَقُلْنَها عندما تنتهين من
الأكل وتَقِفْنَ على المائدة. (ويُلاحَظ أنها كانت أصلاً صلاة شكر على الكأس الذي
يُشرب في أول الأغابي، ولهذا السبب كتبه “أو أملاه على الناسخ” في بداية الطقس
ولكن عاد فرفعه إلى آخر الأغابي).

4 وإذا
حضرت معكن اثنتان أو ثلاث عذارى، فهن يشكرن على الخبز الذي يكون أمامهن ويقدِّمن
الصلاة معكن. ولكن إذا حضرت امرأة موعوظة معكن، فلا تَدَعْنَها تصلِّي مع المؤمنات
ولا تأكل خبزاً معكن بالجملة. وحتى أي امرأة لا ينبغي أن تجلس معكن بدون ضرورة.
لأنكن مقدَّسات للرب وطعامكن وشرابكن قد “تقدَّس”، لأن بالصلاة والكلمة “يتقدَّس”].

ملاحظات:

1 واضح
جداً أن هذه الصلوات لم يؤلِّفها القديس أثناسيوس من عنده بل إنها كانت محفوظة أو
منقولة من مخطوطات أمامه. فصلاة الإفخارستيا أي الشكر التي يختتم بها القديس
أثناسيوس مائدة الأغابي قديمة العهد جداً ومطلعها هو بنفس كلمات التقليد الأَول
المستلَم من الرب والتلاميذ والذي كان جارياً استخدامه في صلوات المائدة زمن
المسيح: “مباركٌ أنت يا رب”، “الذي يعطينا طعاماً”. ثم الكلمات التي تلي ذلك التي
أولها “يا معطياً طعاماً لكل ذي جسد…” وهي واردة بالقداس في أوشية الثمار التي
تُقال بعد الإنجيل. وهنا ننبِّه ذهن القارىء إلى أنها صلاة قديمة العهد جداً تتبع
التقليد اليهودي الأَول حيث كان موضوعها هو أيضاً على صلوات المائدة([75]).

وقد وجدنا هذه الصلاة
بكلماتها في “تعاليم الرسل الكتاب السابع الأصل
اليوناني” (وهذا الكتاب السابع هو الذي يقتبس كل صلواته وإرشاداته من مخطوطة أقدم
منه التي تُسمَّى “الديداخي”)، وهذه هي ترجمة لنص هذه الصلاة:

[صلاة على المائدة:

مباركٌ أنت يا رب الذي
أطعمتني منذ صباي، يا معطياً طعاماً لكل ذي جسد، املأ قلوبنا فرحاً ونعيماً حتى إذ
يكون لنا الكفاف في كل شيء نزداد في كل عمل صالح بالمسيح يسوع ربنا الذي لك به
المجد والكرامة والقوة إلى الأبد آمين.]([76])

ومن
عنوان هذه الصلاة “صلاة على المائدة” يظهر بوضوح أن الصلاة التي تُقال في
طقس وليمة الأغابي قديماً صارت مجرد صلاة على المائدة بدون طقس. وهذا يرجع إلى أن
كتب تعاليم الرسل الثمانية التي دُوِّنت في إقليم سوريا حوالي سنة 325م فقدت
كثيراً من طابعها الرسولي الأَول، حيث انمحى من ذهن الكنيسة آنذاك في هذا الإقليم
مفهوم وليمة الأغابي جملةً وتفصيلاً. ففي كل قوانين وفصول وأبواب الكتب الثمانية
لتعاليم الرسل التي من أصل يوناني، لا توجد إشارة واحدة للأغابي.

وحتى تفاصيل وليمة
الأغابي الواردة في كتاب “الديداخي” أخذها مؤلف الكتب الثمانية وسجَّلها في الكتاب
السابع من كتبه، ولكن على أنها “إفخارستيا”، بعد أن أضاف عليها الاصطلاحات
والإشارات الخاصة بسرِّ الإفخارستيا.

2 فالصلاة
التي يقدِّمها القديس أثناسيوس ل“كسر الخبز” هي مأخوذة من صلوات الديداخي. فالصلة بين الديداخي وقوانين أثناسيوس هنا لا جدال
فيها. إذاً، فصلوات القديس أثناسيوس في
وليمة
الأغابي امتداد طبق الأصل للأغابي الواردة في الديداخي، وهو امتداد لا بمجرد
اقتباس ألفاظ
وجُمَل، بل امتداد تقليدي
بالدرجة الأُولى، هذا التقليد الذي امتدَّ حتى إلى ما بعد القديس أثناسيوس في مصر.

وبإيراد القديس
أثناسيوس لطقس الأغابي واضحاً بهذه الصورة، لا يعود هناك أي مجال للشك في أن
الصلاة الواردة في الديداخي ليست إفخارستيا كما ظن خطأ العالِم “ليتزمان” وكثيرون
غيره، ولكنها أغابي. وها قد كشف عن سرها تماماً القديس أثناسيوس هنا!

3 نلاحِظ
أن قانون عدم السماح لغير المؤمنين بالاشتراك في مائدة المحبة لا يزال ساري
المفعول، وأن منع الموعوظين من الأكل أو الصلاة على مائدة المحبة لا يزال ينفَّذ
بحرفيته مثل الإفخارستيا تماماً، أي أن وليمة الأغابي في زمن القديس أثناسيوس كانت
لا تزال في أَوَج وضعها الطقسي الكنسي الصرف، فهي مائدة طقسية، و“عشاء الرب” خبزها
وخمرها مقدَّس وماؤها مقدَّس!! أي، طعام روحي وشراب روحي، وهذا أيضاً يرفع أي
لَبْسٍ في مفهوم الصلاة الواردة في الديداخي أنها أغابي وليست إفخارستيا.

4 لا يوجد
كأس خمر، لأنه ممنوع على العذارى الراهبات والرهبان بحسب قوانين
القديس أثناسيوس أن يشربوا خمراً:

[لا تأكلْ واحدة من
العذارى كل يوم حتى تغيب الشمس. وإذا كان يوم الأحد فبعدما يأخذن جسد المسيح ودمه
يَحْلُلْن الصوم ولا يأكلن بشبع في يوم الأحد والسبت. والذي يريد أن يحفظ بتوليته
فلا يملأ بطنه خبزاً لأنه لا يقدر أن يحفظ الطهارة بغير صوم دائم. ولا يدع (لا
يتعاطى) أحد من البتوليين شيئاً سوى طعام محتقر ولُباساً محدود (الشكل واللون)،
وهذا الرسم الواحد (أي هذه القوانين) كائن للذكور
والإناث هؤلاء الذين يريدون أن يكونوا بتوليين. لا تشرب واحدة من العذارى خمراً
بالجملة ولا أحد من الرهبان الذين يتمسكون بالطهارة. وإذا سقط الناسك في مرض فيشرب
قليل خمر. ولا يأكل أحد من الذين يحبون البتولية شيئاً يخرج منه دم حتى السمك.]

القانون رقم 92، مخطوطة
رقم 251، المكتبة الأهلية بباريس

5 كما
يُلاحَظ أنه لا يوجد في هذا الطقس توزيع خبز بعد البركة والتكسير، لأن المائدة
تخلو من كاهن. فهنا الطقس مخصَّص في حدود المائدة التي بلا كاهن. وهذا الطقس هو
بحرفيته كما وجدناه في تقليد الرسل لهيبوليتس سنة 215م. أي منذ قرن كامل سابق لأثناسيوس
الرسولي.

6 الذي
يسترعي انتباهنا جداً هو استخدام القديس أثناسيوس لاصطلاحات القداس والإفخارستيا
في وليمة “أغابي العذارى”، فهو يذكر “الشكر” على الخبز بنفس الاصطلاح
الإفخارستي =“إفخاريستومين” و“تقديس” الخبز =هاجيازومين،
و“مباركٌ” أنت يا الله
=“إفلوجيمينوس”، و “الخبز
الموضوع
على المائدة” وهي نفس الجملة المستخدمة بواسطة الكاهن من جهة قربان
الإفخارستيا، فكلمة “موضوع” =“بروكيمينون” طقسية خالصة،
علماً بأنها مائدة عادية في بيت لجماعة من العذارى.

وهذا يكشف لنا عن مدى
أهمية وقداسة الأغابي لدى الأقباط في القرن الرابع!!! وفي اعتبار القديس أثناسيوس
أشد آباء الكنيسة دقةً وحذراً ويقظة فيما يختص باللاهوت والأسرار.

وهنا ينبغي للباحث
المدقِّق أن يعرف أن هذه الاصطلاحات التي تُستخدم في وليمة الأغابي ليست مستعارة
أبداً وبأي حال من الأحوال من طقس الإفخارستيا، بل هي اصطلاحات أصيلة ورثتها
الأغابي مباشرةً من العشاء السري يوم الخميس، وبلا توسُّط زماني أو إنساني بأي نوع،
بعدما استخلصت الكنيسة كل ما يختص بالإفخارستيا وأسرارها منها وجعلتها طقساً آخر
قائماً بذاته، فبقيت الأغابي محتفظة هي الأخرى بهيبتها وألفاظها كجزء أصيل من عشاء
الرب، وكأن الرب حاضر أيضاً فيها.

الأغابي في الأديرة:

لقد استمرت وليمة
الأغابي في الأديرة، التي تُقدَّم كمائدة بعد قداس الأحد الصباحي، حتى إلى عصر
قريب جداً (ولكنها انقطعت نهائياً في الحاضر)، حيث كان يجتمع الآباء، ويُقدَّم كأس
خمر واحد للبركة في أول الأغابي وخبز وسليقة (خضار مسلوق أو بقول مسلوقة). وتُقال
صلاة بركة (على كسر الخبز) قبل الأكل وصلاة شكر بعد الأكل.

ولكن برجوعنا إلى نصوص
الصلوات قديمها وحديثها لم نجد نصوصاً ذات صبغة ليتورجية لكسر الخبز أو الصلاة على
الكأس كما في الديداخي مثلاً أو كما في قوانين أثناسيوس الرسولي. فالرئيس يصلِّي
في صمت ويقرأ في سكون، والجماعة لا تشترك في الصلوات إلاَّ بما يُتاح للفرد العادي
أن يتلوه من الصلوات الفردية مثل
» أبانا الذي في السموات « فحتى » آمين «الجماعية لا
وجود لها.

وكل
ما تتميَّز به هذه الأغابي الديرية هو القراءة بفم الرئيس أو الكاهن المصلِّي (وهو
الرئيس

عادةً) من أخبار الآباء وبستان الرهبان التي
تستغرق كل وقت الأغابي من البركة الأُولى حتى الشكر الأخير.

الأغابي الليلية التي
تتبع إفخارستية عشاء الأحد في الأديرة:

يعطينا مار إسحق في
كتاباته النسكية وصفاً مختصراً، ولكنه جاء واضحاً ومحدَّداً لنوع من الأغابي ونوع
أيضاً من الإفخارستيا كانا يمارَسان بين الرهبان في القرن الرابع في زمن القديس
أنبا مقار الكبير، بل ويقول مار إسحق إن هذا الطقس هو بحد ذاته تدبير رهباني من
الدرجة الأُولى قد سجَّله القديس أنبا مقار بنفسه في كتابه:

[لأننا نعلم من الكتاب
الذي وضعه القديس مقاريوس أن بالكلية لا يخرج الأخ المبتدىء من قلايته في وسط
الأسبوع، وأحد لا يزور أخاه أيضاً بل في يوم السبت يخرجون من قلاليهم وقت
العشاء ويأتون إلى المجمع وهم صيام!!
لأن طول السنة صيفاً وشتاءً كانوا
يتقرَّبون عشية السبت.
ولمَّا كان يخرج الآباء والإخوة ويأتون إلى المجمع
ليسمعوا القراءة، كان الذي يتهاون ولا يحضر يقطعون عليه بحكمٍ صعب.

ومن بعد أن يتقرَّبوا
يدخلون إلى المائدة.

ومن بعد الأكل يقفون
للصلاة ليلة الأحد ساهرين بلا نوم
من العشية إلى باكر بخدمة المزامير
والتسابيح والقراءة في الكتب وتفاسيرها ومسائل الإخوة وأجوبة الشيوخ الذين يترتبون
للوعظ…] ميار مار إسحق الكتاب الأول الفصل الأَول

ومن هنا يتضح الآتي:

1 أن الصوم
قبل التناول كان طقساً مُلزِماً.

2 أن
التقرُّب (التناول من الجسد والدم) كان يُمارَس مرتين: مرة في السبت مساءً ومرة
أخرى في الأحد صباحاً بعد سهرة ليلة الأحد
(كما جاء في كل كتابات الآباء انظر “كاسيان”).

3 أن
الأغابي كانت تُقام مرة بعد قداس الليل ومرة أخرى بعد قداس الصباح. أمَّا التي
كانت في المساء فكانت مع الإفخارستيا تسمَّى “عشاء الرب”.

كذلك نستقرىء من ذلك
الآتي:

1
أن خدمة الإفخارستيا في عشية الأحد (أي السبت مساءً حسب اصطلاح الكنيسة
الآن)

كانت بطبيعة الحال مختصرة للغاية، وهي بعينها الإفخارستية التي كانت متداولة في
مصر كلها باسم
» عشاء الرب «أي الإفخارستية
المرتبطة طقسياً وروحياً وتاريخياً بالعشاء السري في مساء الخميس الأخير للرب،
والتي كانت تُقام دائماً في المساء وقت إشعال النور، وهي حتماً ذات طقس
معين
يتناسب مع مناسبتها. وهي التي سوف نكشف عن وجودها نصاً وطقساً وروحاً
في الكنيسة القبطية حتى هذا اليوم.
وهي
المعروفة باسم قوانين تقديم الحمل الذي دخل في صلاة القداس كبادئة
([77]).

2 أن
الأغابي اللاحقة لإفخارستية المساء عشية الأحد كانت هي بدورها مختصرة تتناسب مع ما
سيتبعها من سهر وتسابيح وصلاة طول الليل.

وهكذا نجد أنَّه:

حينما بدأ الإنجيليون
يكتبون الأناجيل كانت الكنائس قد استقرت فيها الإفخارستيا كطقس قائم بذاته. فإنجيل
مرقس وإنجيل القديس متى (65 80م) لا يذكران في النصوص الإفخارستية
شيئاً إطلاقاً عن الأغابي، إذ يضم النص الإفخارستي كسر الخبز مع تقديم الكأس
مباشرةً بدون أي ذكر لشيء بينهما، مع أن في عشاء الرب كانت الأغابي تُقام بين
الاثنين وكانت هي العشاء نفسه.

هذا يوضِّح لنا أن فصل
الإفخارستيا عن الأغابي نشأ مبكراً جداً في الكنيسة لمواجهة متطلبات وخِصال الأمم.

أمَّا القديس بولس
الرسول في رسائله، وهي دُوِّنت في زمن أسبق من زمن كتابة إنجيليْ القديسَيْن مرقس
ومتى، فيعرض علينا في رسالته الأُولى إلى أهل كورنثوس المراحل المبكرة لانفصال
الإفخارستيا عن الأغابي، أو على وجه أدق، المشاكل التي واجهها أيضاً بعد الانفصال
حيث أصبحت الأغابي في الكنيسة فرصة للإنحلال بسبب عادات الشعب القديمة.

هكذا تأتي وثيقة » الديداخي «حوالي سنة
100م
لتعطينا أول صورة لطقس الأغابي في أواخر القرن الأول
قائماً بذاته منفصلاً بصلواته عن الإفخارستيا. وبدراسته بدقة نكتشف فيه البذرة

الأُولى
أو المصدر الأساسي الذي أخذ عنه كل ترتيب وصلوات وطقوس الأغابي في مصر بصورة خاصة.
ولكنها تعطي فيه للأنبياء والمعلمين المتجولين حق إقامة الأغابي والإفخارستيا
أيضاً وذلك بسبب عدم وجود أساقفة في الكنيسة آنئذٍ.

ثم يأتي القديس
إغناطيوس
الأنطاكي الشهيد سنة 110م، ويمنع بصورة ملزِمة
أن تُقام أغابي أو إفخارستيا بدون أسقف! وهذا يكشف لنا أن انفصال الأغابي عن
الإفخارستيا قد دخل مرحلته التاريخية، كما دخلت الأغابي في صميم الطقس الكنسي لتقف
كعمل يخص الكنيسة ويدخل تحت مسئولية الأسقف، لأنه عمل يخص المسيح، لأن الأغابي
حُسبت “كيرياكي”، أي “عشاء الرب”، وبلغة الروح يعني ضمناً حضور الرب وتقديسه
للطعام والشراب.

وهكذا يشهد القديس
إغناطيوس بدخول الأغابي في القرن الثاني طقساً كنسياً كاملاً له كل حقوقه وواجباته
وآثاره الكنسية.

ثم يأتي القديس
هيبوليتس أسقف “بورتس رومانوس” (مرفأ عدن بجزيرة العرب) سنة 215م وينقل لنا
التقليد الكنسي الذي تعلَّمه واستقاه من تعاليم الرسل. وإذ يقدِّمه هيبوليتس لشعب
الإسكندرية (هيبوليتس من مواطني الإسكندرية أصلاً) كتقليد كنسي معمول به ومتَّبع
بكل توقير واحترام، يمتد بالأغابي أو تُمدُّ الأغابي بواسطة تقواه وسلطانه الكنسي
لتعبر إلى القرن الثالث بنفس الوضع الرسولي الأَول مضافاً إليه القوة والأصالة
الكنسية التي عضدَّها بها القديس إغناطيوس الشهيد، إن لم يكن في روما والغرب، ففي
مصر موطن التقليد والتعاليم الرسولية.

ثم يأتي القديس
أثناسيوس الرسولي بابا الإسكندرية العشرون سنة 328م ويدفع الأغابي بتقواه أيضاً
وسلطانه الكنسي، إنما في حدوده الخاصة والضيقة لتعبر إلى القرن الرابع في مصر
وحدها دون كافة بلاد العالم، إنما بنفس الأصالة الكنسية وبنفس “روح عشاء الرب”،
بكل فهم روحي وتسليم رسولي. فكان آخر مَنْ استودع الكنيسة هذه الدُرَّة الغالية
التي احتفظت بها الكنيسة في قلبها هذه القرون كلها.

ولكن ما أن أتى القرن
الخامس إلاَّ والأغابي، كطقس كنسي، قد فقدت كل أصالتها الكنسية الأُولى كليتورجيا
شعبية أو حتى كهنوتية على طقس ترتيب القديس أثناسيوس، وانزوت في الأديرة كمائدة
طعام ذات صبغة جماعية تَقَوِيَّة نسكية، أو بقيت كعمل رحمة للفقراء أو في المآتم.

 

ملخص تاريخ الأغابي
والمراحل التي عبرت عليها

1 بنهاية
القرن الأَول توقفت الأغابي عن أن تكون إفخارستيا، والإفخارستيا عن أن تكون أغابي.
أي لم يُمارَس طقس العشاء السري بوضعه الذي أكمله المسيح في معظم كنائس العالم،
وفي بعضها بدأ مبكراً جداً، كما في كورنثوس سنة 70م.

2 منذ أول
إفخارستيا أقامها الرسل وسط الشعب، والأغابي تأخذ وضعاً منفصلاً في نفس الوليمة،
إما في البداية أو في النهاية (أغابي إفخارستيا). أمَّا في مصر فقد
استوطنت (إفخارستيا أغابي) بعد فترة طويلة كانت فيها الأغابي تُقام
أولاً: (أغابي إفخارستيا).

3 بنهاية
القرن الثاني سنة 200م كانت كلمة “أغابي” قد أصبحت اصطلاحاً كنسياً يعبِّر عن
وليمة “عشاء الرب” منفصلاً تماماً عن سر الإفخارستيا. وظهر هذا في كتابات
ترتليان في الغرب وكليمندس الإسكندري في الشرق. كما أخذت كلمة “الإفخارستيا” وضعها
الكنسي كاصطلاح طقسي ليتورجي يحمل معنى ومضمون العهد الجديد بجسد ودم الرب تقيمه
الكنيسة منفصلاً عن “عشاء الرب”.

4 أول ذكر
“للإفخارستيا” كطقس كنسي منفرد بذاته جاء في كتابات القديس إغناطيوس

الذي
استشهد سنة 110م حينما أوصى أهل سميرنا (أزمير الآن) بتحديد قانوني [أن لا
إفخارستيا ولا أغابي تُقام بدون الأسقف]. وبذلك حدَّد وجود طقسين متماثلين منفصلين
في الكنيسة حيث تظهر
» الأغابي « كما قلنا سابقاً، طقساً كنسياً هاماً ليس أقل في أهميته الطقسية
من الإفخارستيا من حيث التدبير الكنسي على الأقل.

ولكن لا يمكن أن يكون
القديس إغناطيوس هو الذي حدَّد وقطع في هذا الأمر، فالطقس يبدو من كلام إغناطيوس
الأنطاكي أنه كان مستقراً على هذا الوضع منذ زمن بعيد، أي أن الأغابي كانت طقساً
قائماً بذاته قبل سنة 100م.

5 أول
صورة لمحاولة فصل الأغابي عن الإفخارستيا تظهر في رسالة بولس الرسول الأُولى إلى
أهل كورنثوس سنة 54م، وغالباً كان نجاح هذه المحاولة هو الذي شجَّع الكنيسة كلها
بعد ذلك لوضع حدٍّ فاصل بين الاثنين.

6
أول تاريخ لانفصال الإفخارستيا عن الأغابي انفصالاً كاملاً، يُعتبر
هو نفسه أول تاريخ لتحديد شكل الإفخارستيا واسمها، حيث تُختصر الليتورجيا إلى
الأفعال الأَربعة الرئيسية التي سبق أن وصفناها.

وهذا التاريخ يبدأ
باهتاً منذ رسالة كورنثوس الأُولى أي من منتصف القرن الأَول، ثم يستمر في الظهور
والتحديد، حتى يبدو قويًّا واضحاً في نهاية القرن الثاني.

7 انفصال
الإفخارستيا عن الأغابي بدا عملاً لازماً وحتمياً بين الأمم، وخصوصاً بلاد اليونان،
منذ أول يوم سنة 4060م بسبب العادات الوثنية التي كانت تشمل موائد
مشابهة وكانت تُجرى فيها أعمال إنحلالية. بعكس اليهود الذين كانوا قد نشأوا على
اعتبار أن كل أكل وكل شرب هو عمل مقدَّس ينبغي أن لا يُقترب إليه

إلاَّ
بأيدٍ مغسولة! كنايةً عن التطهير. ولا يبدأ الأكل أو الشرب إلاَّ بصلوات كثيرة ولا
يُختم إلاَّ بالشكر.

8 عملية
فصل الإفخارستيا عن الأغابي كانت عملية حساسة جداً ودقيقة للغاية بسبب ضرورة جمع
التقليد السرائري وحده منفصلاً عن بقية العشاء غير السرائري، وهذا كان لا يحتاج
إلى مهارة وحذق في الطقس اليهودي فوق العادة. لأن الإفخارستيا تبدأ بجزء مشترك
نوعاً ما مع الأغابي أيضاً وهو كسر الخبز، ثم تنتهي بالشكر على الكأس، حيث الشكر
يشمل الشكر على الوليمة كلها، فهو شكر على الطعام وعلى الأمور الروحية معاً.

لذلك لزم فصل شكر
الإفخارستيا عن شكر الأغابي. هذا العمل الطقسي السرائري الذي صار أساساً لسر
الإفخارستيا التزم أن يقوم به الرسل أنفسهم مع بولس الرسول في بداية كرازتهم، أي
لا يمكن أن يكون قد تأخر عن سنة 70م.

9
أمَّا
تحديد شكل الإفخارستيا بالأفعال الأربعة الرئيسية، فقُبِل قبولاً شاملاً بلا أي
معارضة أو خلل أو نشاز في كافة الكنائس في كافة بقاع الأرض، مما يدل على أنه تم
جماعياً بسلطان الرسل وقوانينهم التي نقرأ عنها في التعاليم والقوانين المعروفة
باسمهم. حيث تبدأ ليتورجية الإفخارستيا بدعوة رئيس الإفخارستيا للجماعة لإعطاء
البركة لله (فلنشكر الرب حيث كلمة
» نشكر «هي في الأصل
العبري “فلنبارك”). وهي نفس الصلاة التي كانت تُقال على المائدة بعد العشاء، أي بعد
الأغابي، والرب ماسك كأس البركة (كأس الشكر الآن أو كأس الإفخارستيا) في يده، يقول
البركة (الشكر) والتلاميذ يردون عليه.

هنا بداية الإفخارستيا
الأصلية، أي بداية الشكر، فالذي كان يُقال في نهاية وليمة العشاء أصلاً “وهكذا بعد
العشاء أخذ كأساً وشكر”، صار في الوضع الجديد للإفخارستيا بعد انفصالها عن الأغابي
هو الذي يُقال كبداية الإفخارستيا = “فلنشكر الرب”. ومن هنا
جاءت التسمية “سر الشكر” أو “الإفخارستيا”.

أمَّا كسر الخبز فرُفع
من وضعه الذي كان قبل العشاء، أي قبل الأغابي، وانضم للإفخارستيا، فدخل في صميم سر
الشكر، واحتفظت الأغابي لنفسها بنوع من “كسر الخبز” إنما ليس في وضعه
السرِّي، أي ليس على مستوى «كسر الخبز» الذي يحمل سر جسد الرب كالإفخارستيا.

10 عندما
بدأ القديس مرقس الرسول والقديس متى الرسول يكتبان، كلٌّ منهما، إنجيله (6580م)
كانت الأغابي قد انفصلت عن الإفخارستيا في ممارسة الكنيسة حسب الطقس الكنسي
المستقر وقتها. لذلك اكتفى كل منهما بتسجيل ما تم وقت عشاء الرب في حدود سر
الإفخارستيا فقط:
» وفيما هم يأكلون أخذ يسوع
خبزاً وبارك وكسر وأعطاهم…
« هنا قوله: » وفيما هم يأكلون «إشارة عابرة
للأغابي لم يُذكر شئٌ عنها أو كيف بدأت.

كذلك
حينما بدأ القديس لوقا يكتب إنجيله، ذَكَر ضمناً أيضاً كأس الأغابي الذي
يؤخذ قبل كسر الخبز، ولكنه أوضح أنه ليس هو كأس

البركة (أو كأس الشكر = الإفخارستيا)، إذ عاد
فذكر كسر الخبز بعد ذلك ثم كأس البركة التي أدخلها الرب في دائرة السر الإلهي بأن
جعلها كأس العهد الجديد بدمه.

فإذا ضممنا بداية كلٍّ
من تسجيل القديس مرقس الرسول مع بداية تسجيل القديس لوقا الإنجيلي، اتَّضح لنا
معالم وليمة الأغابي هكذا:
» ثم تناول كأساً وشكر (“بارك” حسب
أصول بداية وليمة الأغابي) وقال خذوا هذه واقتسموها بينكم([78])
وفيما هم يأكلون
« هذه هي الأغابي في تسجيلات العشاء السري وقد وُضعت جانباً دون أي
تركيز من الإنجيليين عليها.

11 أول
ذِكر لكلمة “إفخارستيا” مع تحديد واضح لطقس ليتورجيتها وترتيبها ونظامها
يأتينا من القديس كليمندس الروماني (92101م) كممثِّل لكنيسة روما
(ثالث أسقف عليها). وهو المعروف أنه رأى الرسل القديسين وتشاور معهم، وهو يقول في
رسالته إلى كورنثوس:

[ليت كل واحد منكم،
أيها الإخوة، يقدِّم الإفخارستيا لله كلٌّ في طقسه.]([79])

 

صورة توضيحية للمراحل
التي عبرت عليها الإفخارستيا

حتى استقلَّت تماماً عن
الأغابي

 

المرحلة الأُولى:

ونأخذ مثالاً لها العشاء
السري
الذي أكمله الرب مع تلاميذه الأخصاء، ليلة الخميس.

ونلاحظ في هذا الطقس
الأول أنه لم يكن فيه أي نداء أو تنبيه، ولكن لم يخلُ من خدمة شمَّاسية ربما قام
بها القديس يوحنا الرسول، بحسب الطقس اليهودي، لأنه كان أصغر الجماعة سناً، حينما
قدَّم إبريق الماء وطست الغسيل والمنشفة للرب.

وهذا العشاء، تم فيه
ومن خلاله «سر الشكر الإلهي»، أي بجوار العشاء العادي، ومن خلاله قدَّس
الرب بيديه وكلماته خبزة واحدة من الخبز الموضوع وكأساً من الخمر، الخبز في أول
العشاء والخمر في آخر العشاء. حيث صيَّر الخبز جسداً له بالسر وأكل منه التلاميذ
جميعاً، ثم استكملوا عشاءهم من كل أنواع الأطعمة، وبعد العشاء من هذه الأطعمة قام
الرب وغسل أرجل تلاميذه، وجلس مرة أخرى على المائدة وأخذ الكأس، وتُسمَّى
» كأس البركة «أو » كأس الشكر « وصلَّى عليها صلاة الشكر، أي صلاة الإفخارستيا، وذاق وأعطاها
لتلاميذه. فشربوا منها جميعاً ثم سبَّحوا كثيراً وخرجوا (انظر الجدول
في الصفحة التالية).

ونلاحظ هنا أمرين:

الأول، أنه في
بداية العشاء العادي وقبل تقديس الخبز تبتديء وليمة العشاء بكأس خمر عادية لم تدخل
ضمن السر الإلهي، لأن الرب قدَّس الكأس الأخير فقط المسمَّى «كأس البركة».

أمَّا الأمر الثاني،
فهو حينما يُقال أن الرب «بارك» أو أن الرب «شكر»، معنى ذلك أنه تلا
صلاة بل ربما صلوات للبركة أو الشكر.

 

(1)

كأس الأغابي

 

(2)

سر كسر الخبز

(3)

العشاء

 

(4)

التطهير

 

(5)

 

 

(6)

الشكر على كأس البركة

(7)

التسبيح

 

عادي

بصلاة خاصة يذوق منه الرئيس

ويعطي كل واحد ليذوق منه.

ذكره:

لوقا الإنجيلي

 

 

 

 

جزء أساسي من السر
النصف الأول من الذبيحة = (الجسد)
وداخل في العشاء » وفيما هم
يأكلون

أخذ خبزاً وبارك وكسر»:

التناول من الجسد.

عادي من كل الأطعمة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

» قام

عن العشاء»

(داخل في صميم السر)

» غسل أرجلهم» تحول إلى غسل يدي الكاهن تعبيراً
عن الاستعداد

 

 

 

 

خروج يهوذا

=

منع غير المستعدين

 

 

 

 

 

 

 

 

= صلاة الإفخارستيا
والكأس في يد الرئيس:

(أ) فلنشكر الرب:

مستحق وعادل

(ب) كافة الطلبات

(ج) التذكارات

(زكَّارون بالعبري)

(د) التناول من الكأس
(الدم)

 

 

 

يبدأ عندما يحمل الرئيس الكأس في يديه.

أي أن التسبيح كجزء أساسي في الذبيحة

=

ذبيحة التسبيح مكمل
لصلاة الإفخارستيا ويسير معها.

 

 

ملاحظات:

أولاً: طقس مسائي
كان للأخصاء من التلاميذ يحوي عشاءً كاملاً
» عشاء الرب «

ثانياً: الأجزاء السرية
هي: (أ) كسر الخبز، (ب) التطهير، (ج) صلاة الإفخارستيا على الكاس مع الطلبات
والتذكارات، (د) التسبيح أثناء وبعد التناول.

المرحلة الثانية:

ونأخذ مثالاً لها ما
جاء في الديداخي مبدئياً:

1 هنا
تنفصل الأغابي برمَّتها وتصير عشاءً مستقلاً تماماً، ولكنها تبقى متلازمة مع سر
الإفخارستيا من حيث المكان (في البيوت) والزمان (في المساء فقط)، وذلك ليبقى هذا
الترابط معاً على مفهوم وروح «العشاء» «السري» كعشاء محبة وسر مقدَّس.

2 هنا طقس
الأغابي يأتي كله معاً في البداية، ثم يطرأ فاصل زمني يقف فيه الشماس وينادي
» من أجل التطهير « حتى «يتقدَّم» المتطهرون أو الأطهار (وهنا معنى الطهارة
يبدأ ينصبُّ على المجال الروحي الداخلي الذي كان أصلاً غسل الأرجل أو الأيدي
إشارةً وتضميناً معنوياً له، حيث يستطرد الشماس ويقول: “ومن لم يكن طاهراً فلْيَتُبْ”.
ولكن يبقى هذا الفاصل الزمني فرصة أيضاً لغسل الأيدي).

3 انفصال
الأغابي لتكون عشاءً خاصاً لم يُفقدها صفاتها الأصيلة كوليمة روحية تؤكل للملء
والشبع، ولكن في حضرة الرب، حيث الطعام كله يُحسب طعاماً روحياً بجوار أنه
جسدي وكذلك الخمر، وذلك بسبب الصلاة على الأكل ثم الشكر عليها. غير أن الخبز
والخمر في الأغابي لا يرتقيان إلى وضع التقديس، بمعنى أنهما لا يصيران جسد ودم
المسيح.

4
انفصال
الأغابي بمفردها واقتصار بعض الحاضرين على الأكل منها حتى النهاية بدون الاشتراك
في سر الإفخارستيا اللاحق عليها، اضطر الطقس إلى أن يستحدث فيه:

(أ)
«صلاة» لكسر الخبز خاصة غير صلاة التقديس السري الأصلية التي انتقلت إلى
الإفخارستيا.

(ب) صلاة شكر خاصة
تتناسب مع وليمة الأغابي عوض صلاة الإفخارستيا الرسمية السرية التي كانت تُقال على
العشاء السري كله في النهاية.

(ج) كذلك فإن انفصال
الإفخارستيا عن الأغابي، اضطر الطقس أن ينقل صلاة كسر الخبز السري التي كانت في
بداية الأغابي ويضمها منفردة إلى الإفخارستيا.
وهنا حدث أمر جديد وخطير، حيث
انتقل كسر الخبز إلى ما «بعد» صلاة الإفخارستيا التي تُقال على الكأس، أي
أصبح كسر الخبز يأتي بعد الصلاة على الكأس!!

(د) هكذا أصبح عشاء
الرب السري مكوَّناً من فترتين زمنيتين كل واحدة بطعامها وطقسها: الأُولى عادية
بكل ما فيها ولكن لم تُعدَم أن تكون روحية، والثانية سرية وعلى أعلى ما تكون
السرية. في الأُولى نأكل ونشرب بالمحبة في حضرة الرب، وفي الثانية نأكل ونشرب
بالسر من جسده المقدَّس ودمه الكريم. (انظر الجدول في الصفحة التالية).

ملاحظات:

أ استقل
سر الإفخارستيا تماماً وابتدأ يأخذ وقتاً أطول.

ب ظهرت تكرارات حتمية أَوْجَبَتْها اعتبارات طقسية
وتقليدية لم يمكن تفاديها بسبب
الآتي:

 

وليمة أغابي

+

سر الإفخارستيا (الشكر)

1

كأس الأغابي

2

كسر خبز الأغابي

3

 

العشاء

4

شكر الأغابي

 

 

 

 

نداء الشماس

1

صلاة الإفخارستية

2

صلاة الإفخارستية

3

 

كسر خبز

4

 

التسبيح

 

كما هي بصلاة لا يُذكر فيها دم المسيح

 

 

 

 

 

 

خاص بالأغابي بصلاة لا يُذكر فيها جسد المسيح

 

 

 

 

من كل

الأطعمة

 

 

 

 

 

 

 

 

بصلاة خاصة تتناسب مع ظروف الوليمة

 

 

 

 

 

فاصل زمني لغسل الأيدي

 

 

 

 

 

 

بخروج غير المستعدين:

مَنْ كان طاهراً “فليتقدم”

وغير الطاهر

فَلْيَتُبْ

 

 

بالبركة والشكر:

+ “فلنشكر الرب”

+ “مستحق وعادل”

 

 

 

 

بالبركة والشكر:

(أ)

على الخبز

(ب)

على الكأس

(ج)

الطِلبات

(د)

التذكارات

الإفخارستيا

1.(القسمة)

بصلاة خاصة هي أصلاً صلاة كسر الخبز

2.التناول من الجسد والدم معاً

 

أثناء وبعد التناول

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يحضر الأسقف أو القسيس أو الشماس إلزاماً

 

 

كان الأسقف وحده هو المسئول عن الإفخارستيا مع
الشمامسة، في البدء

 

أولاً: طقس «كسر
الخبز»
الذي كان يأتي في البدء في أول الأغابي انتقل وجاء بعد طقس صلاة
الإفخارستيا الذي كان يأتي في النهاية على الكأس، وهو الخاص بالشكر العام على
الوليمة كلها، هذا ترتب عليه عدة تعديلات سيأتي ذكرها فيما بعد.

ثانياً: لم يمكن
زحزحة صلاة الإفخارستيا (التي كانت تُقال أصلاً والرئيس ماسك الكأس بيده اليمنى)
عن موضعها الأصلي بعد التطهير أو بعد المناداة للأطهار أن يتقدموا، فاضطر الطقس
لكي يتفادى مجيء صلاة الشكر على الكأس قبل صلاة البركة على الخبز
حيث أن هذا لا يجوز قطعاً (كما رأينا في العشاء السري، لأن الرب أخذ «أولاً
الخبز»
وبارك ثم في النهاية «أخذ
الكأس»
وشكر)، لهذا احتفظ الطقس بصلاة الإفخارستيا بعد التطهير في البداية كما
هي (فلنشكر الرب، مستحق وعادل)، ولكن دون أن يمسك
الرئيس الكأس.

ثم بعد صلاة
الإفخارستيا، وبعد الصلاة على الخبز استطاع أن يمسك الكأس «ويقول» عليها
مرة أخرى «وشكر» فقط دون أن «يتلو» صلوات الشكر الأصلية
أي الإفخارستيا على الكأس وهي في يده مرة أخرى لأنه سبق وقالها في
البداية.

ج انفصال
الأغابي عن الإفخارستيا تماماً هيَّأ الفرصة لتخلُّص الإفخارستيا من وضعها المسائي.
فبدأت تُمارَس في النهار كطقس صباحي يبدأ في الفجر. أمَّا الأغابي، وهي أصلاً عشاء
محبة، فلم تفقد التزامها بزمنها الأصلي، أي
المساء لأنها بقيت أيضاً محتفظة باسم «عشاء».



) * ( الآيات هي ما بين القوسين: «  »، والنص الذي من الديداخي هو ما
بين القوسين المزوجين: “  ”، وأما ما هو خلاف هذه الأقواس فهو الشرح المقدَّم من
عندي.

([33]) يُلاحَظ أن المقطع الآتي في صلاة الديداخي فصل 9: «نشكرك يا أبانا
من أجل كرمة عبدك داود المقدَّسة التي أعلنتها لنا» هو جزء هام من صلاة “قدوش
السبت أو أي عيد” – التي تُقال على الكأس. وهي التي على أساسها قال الرب في إنجيل
لوقا: «لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله». لأن الصلاة على هذه
الكأس كانت «صلاة اليوم»، ولم يكن باقياً أمام الرب إلاَّ أيام. لأن قبل أن تغرب
شمس هذا اليوم الجمعة كان قد صُلب بالفعل، فكيف يبارك هذا اليوم الذي قال عنه «هذه
ساعتكم وسلطان الظلمة»؟ إذاً، فقد حوَّل عن عمْد وعن معرفة البركة من على «كأس
اليوم» الكأس الأَول في إنجيل لوقا إلى صلاة من أجل انتظار مجيئه في ملكوته ولم
يشأ أن يشرب منها، هذا من جهة نفسه، أمَّا من جهة تلاميذه فقال لهم أن يشربوا
منها، لأن يومهم – كما قال لهم هو – حاضر: «لست أطلب أن تأخذهم من العالم بل أن
تحفظهم من الشرير… هؤلاء هم في العالم … أمَّا أنا لست بعد في العالم … وأنا
آتي إليك.» (يو 17: 15و11و13)

([52]) Richardson, op. cit.,
pp. 393-394.

والرد
على ذلك من عندي هو أن هذين هما بالفعل طقسان متميزان جداً جداً، وأن الديداخي
تريد أن تحدِّد طقسين واضحين: الأول
بدون ليتورجيا وبعد
أكل وامتلاء وعشاء، والثاني بليتورجيا (أي خدمة قراءة وتسبيح ووعظ) بعد
اجتماع واعتراف ومصالحة وتطهير. الأول مسائي والثاني صباحي. الأول
في أي يوم والثاني في يوم الأحد.

على
أن كاتب الديداخي يعلم تمام العلم أن تقديم الخبز والكأس هما على مستوى العشاء
الرباني تماماً أي جسد ودم، وأنهما يشكِّلان مفهوم الذبيحة. والهدف الوحيد من ذلك
هو الخلاص وغفران الخطايا والحياة الأبدية. ولكن الذي منع مؤلف الديداخي من ذكر كل
هذه ا لحقائق اللاهوتية هو أن التقليد الإفخارستي كان ضيقاً ومن العسير الامتداد
به أكثر مما تعوَّدوا عليه. ولم يكن العشاء
(الرباني) موضع تعليم لاهوتي أبداً،
كذلك من المعروف أن الذي جعل الفصل بين
نصوص الأغابي
ونصوص الإفخارستيا شاقاً
ومُربكاً للعقل عند العلماء هو اختلاط الاصطلاحات والتعبيرات بين الأغابي
والإفخارستيا في العصور الأُولى.

فكلمة
«إفخارستيا» كانت تُطلق على كلا الاثنين وكذلك كلمة «طعام روحي» و«شراب
روحي»،
كذلك اعتبار الأغابي والإفخارستيا معاً ذبيحة مقدَّمة لله من باكورات
الخليقة على مستوى الذبائح غير الدموية وخبز الوجوه. =

=
وعُذْر المؤلف واضح ولا يمكن تجاهله لأن الأغابي كانت جزءاً أصيلاً من عشاء الرب
السري وأن في أثنائها يتم «كسر الخبز» وهو الجزء الرئيسي في الإفخارستيا. فلما
انفصلت الأغابي أخذت معها الاصطلاحات والتعبيرات والشروحات والصلوات التي
للإفخارستيا.

إذاً، أصبح الذي يفرِّق بين الأغابي
والإفخارستيا ليس مجرد الاصطلاحات أو الصلوات ولكن القصد الأساسي في التقديم،
والأشخاص المقدِّمين، ومكان التقديم، والاستعداد للتقديم، وحالة التقديم، ومادة
التقديم، ونظام التقديم:

الأغابي

الإفخارستيا

طعام
كثير وأطباق.

خبز وخمر ممزوج فقط.

وليمة
غذائية محدودة لأشخاص محدودين.

وليمة روحية للشعب جميعه.

يمكن أن
يرأسها شماس أو رب الأسرة.

لا يرأسها إلاَّ رسول أو نبي أو أسقف أو كاهن.

مكان
خاص.

مكان عام.

لا
يُشترط في المتقدِّمين إلاَّ العماد.

يُشترط العماد والصلح والاعتراف.

لا
يسبقها أي ليتورجية (خدمة روحية)

يسبقها ليتورجية مطوَّلة وصلوات.

مقدَّمة
بدافع المحبة لتغذية الأحباء أو لترابط المحبين أو لتذكار أحباء.

مقدَّمة
لله كذبيحة وعن الشعب للخلاص.

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى