علم المسيح

الرومان واليهود:



الرومان واليهود:

الرومان
واليهود:

كان
من أقوى المُثُل العُليا عند القياصرة العظام والتي سبقهم فيها
الإسكندر الأكبر(
[1]) احترام أديان
العالم. فكل قطر افتتحوه ضمُّوا آلهته إلى آلهتهم. وللعجب أنهم أعطوها أسماء
آلهتهم أيضاً وقدَّموا لها العبادة والقرابين حسب عادة الأُمم. وهكذا اختفت
الفوارق الدينية: آلهة مكدونية ومصر وسوريا وفارس!

وفي
النهاية عملوا لها في روما مكان عبادة واحد يتجمَّع فيه كل الآلهة لكل الأُمم التي
افتتحوها وسمُّوا المعبد بانثيون
Pantheon أي معبد كل الآلهة. وهو من أجمل معابد روما على تل الكابيتول
(التل الذي يجتمع فيه أعضاء مجلس الشيوخ والنوَّاب) حيث اعتبر الكابيتول
والبانثيون عليه بمثابة عاصمة العالم الوثني أو الأُمم!!

وكان
أول من تعاهد معهم اليهود، وكانوا مشتَّتين منذ سبي بابل في جميع أقطار العالم،
وكان لا يوجد مكان في العالم ليس فيه يهودي كما قال يوسيفوس المؤرِّخ(
[2]) وكذلك استرابو المؤرِّخ
الروماني. وتظهر هذه الحقيقة في سفر الأعمال عندما ذكر حضور يوم الخمسين وكان في
أُورشليم جماعات يهودية من كل أقطار العالم. وقد اعتبر الرومان أن الديانة
اليهودية ديانة قانونية، وسهَّلوا لليهود المعيشة في أنحاء الامبراطورية. وبالرغم
من عداوة اليهود المتأصِّلة من نحو الأُمم إلاَّ أنهم انجذبوا إليهم بحاسة التجارة
وموهبة جمع الأموال، فاستطاعوا أن يصيروا أغنى جاليات العالم في كل مكان حلُّوا
فيه.

 

بومبي
ويهود التيبر (63 ق.م):

وقد
استحضر بومبي من أُورشليم أسرى يهود إلى روما ووطَّنهم على ضفة التيبر اليمنى، وهو
بذلك يكون قد وضع أساس الكنيسة المسيحية الرومانية في المكان الذي عيَّنته نعمة
الله دون أن يدري ولا درى اليهود.

يوليوس
قيصر واليهود:

اشتهر يوليوس قيصر في زمانه بأنه حامي حِمَى اليهود وقد
أحبُّوه حبًّا جنونياً حتى أنه لمَّا مات وقفوا أمام جثمانه ليالي عديدة يبكون
عليه حتى أُحرق جسده(
[3]). فقد
منحهم حرية العبادة وأعطاهم هوية أصحاب الديانة الرسمية. ولمَّا جاء طيباريوس قيصر
جدَّد هذه المنحة واستمروا في هذا الامتياز. ولكن حدثت أزمة ثقة بينهم وبين
طيباريوس قيصر، وجاء بعده كلوديوس وطردهم من روما. وكان من نتائج هذه المودَّة
التي لم تدم أن تأسَّست في روما معرفة بالإله الواحد ومعها دخل الرجاء المرتقب
بالمسيَّا. وهكذا وُضعت بذرة الإيمان المسيحي في تربة روما على شاطئ التيبر الأيمن
برجاء نموها في الميعاد.

وقد سبق أن عرفنا أن التوراة كانت قد تُرجمت إلى اليونانية
قبل المسيح ب 200 سنة، وكانت تُقرأ علناً وتُسمع في المجامع في كل مكان. وكان في
كل مجمع مكان مخصَّص لمن يحضر من الوثنيين ليسمع التوراة. وكثيرون كانوا يواظبون
على السماع والتعرُّف على الإله الواحد “يهوه” العظيم. وهكذا كان كل
مجمع بمثابة إرسالية ثابتة تخدم مجيء المسيح بهدوء وبلا ازعاج، وتُمهِّد للرسل
مكاناً رسمياً للكرازة والإقامة. وقد أعدَّت الآذان لسماع صوت الإنجيل على توقيعات
النبوَّات.

ومن هؤلاء الدخلاء كانت الأفواج الأُولى من مؤمني المسيحية
سيدات ورجال: ليديا بائعة الأرجوان في فيلبي، وتيموثاوس في لسترة. ومن الأمور
المدهشة أن يهود الشتات تقبَّلوا الإيمان المسيحي بانفتاح ووعي وسرعة أكثر من يهود
فلسطين. وكانت اللغة اليونانية العامل الأساسي لمساعدتهم على تقبُّل المعرفة على
أصولها الدقيقة واستيعاب الروح أسرع وأقوى. كذلك من جراء الانفتاح والحرية التي
كان ينعَم بها المواطنون اليهود في الامبراطورية الرومانية بطولها وعرضها تهيأت
فرصٌ أكثر للإيمان دون أن يتعرَّض المسيحي للنقد أو المقارنة أو الملاحقة إلاَّ من
اليهود المتعصِّبين أنفسهم.

كذلك نجد أن اليهود الذين خرجوا من مجامع الشتات وقد
تنصَّروا

ليكرزوا بالإنجيل مثل القديس بولس والقديس
برنابا، كانوا هم القنطرة الممتازة التي
عبر فوقها الوثنيُّون بأمان
وتقبَّلوا الإيمان بفرح عظيم. وكانت حركة الكارزين في كل أقطار الامبراطورية تحت
حماية القانون الروماني، وفي طرق معبَّدة آمنة محروسة بجنود الرومان محدَّدة
بعلامات الأميال “الستاديوم” (
Stadium). وكانت الكرازة بلغة واحدة وهي اليونانية التي يتكلَّم بها كل
الأقطار.

وهكذا
بات العالم كله مهيَّأً للبشارة بالإنجيل وسماع صوت الله.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى