اللاهوت الدفاعي

الفصل الثالث والعشرون



الفصل الثالث والعشرون

الفصل
الثالث والعشرون

بولس
والمسيح القائم من الموت
1 كور 15

المقدّمة

دامت
علاقة بولس بالكورنثيّين حوالي العشر سنين، ومراسلته مع هذه المدينة كانت أكثر
غزارة من غيرها. إن الوضع الصعب الذي كان يعيشه المسيحيّون في هذه المدينة يوضّح
لنا أسباب اهتمام بولس المتزايد بهذه الكنيسة. كانت المعانات تصبّ في وجود
لاهوتيّين عدائيّين وفي الممارسات الجنسيّة المنحرفة وعيش الليتورجيا وطرح موضوع
الوظائف الكنسيّة وغيرها. فتولّدت مشكلة من جراء ذلك ألا وهي عدم المقدرة على
ترجمة الانجيل بالطريقة المطلوبة. أما الطريقة التي عالج فيها بولس هذه المشاكل،
فقد جعلت من رسالته جذّابة وحيّة في نفس الوقت.

بالواقع
لا يحدّد لنا بولس في رسالته موقف مؤمني كورنتوس الذين أنكروا قيامة الأموات. فهو
يدخل مباشرة في الموضوع (1 كور 15) دون أي توضيح للأسئلة التي يردّ عليها. أعتبر
بعض الشراح أن الكورنثيين ينكرون فقط قيامة الأجساد وليس قيامة النفس. قال البعض
الآخر بأنه نظرًا لقوّة مؤمني كورنتوس الروحيّة المواهبيّة، بات هؤلاء ينظرون إلى
الموت باستخفاف كليّ ويزعمون أن القيامة تمّت في العماد.

 

أ
– تاريخ كتابة الرسالة

كتبها
بولس في أواخر سنة 56 أو في بداية سنة 57 من منطقة أفسس إلى كنيسة مؤلّفة من
وثنيّين ويهود مرتّدين إلى المسيحيّة على يد بولس، بين السنة 51-52 أو 42-43.

ب
– وحدة الرسالة

البعض
يرون أنها تحتوي على عدّة رسائل. ولكن الأكثريّة تُجمع على وحدة الرسالة حتى ولو
كانت الوحيدة التي كُتبت على مراحل، لأن المعلومات لم تصل إلى بولس في نفس الوقت.
والسؤال المطروح هو التالي: هل الرسالة كاملة؟

بالواقع
ليس هناك من دراسات مهمة تُجمع على هذا الموضوع. إلاّ أن هناك مشكلة مطروحة حول
الفصل 14: 34-35 والفصل 13.

 

ج
– تصميم الرسالة

بعد
أن طرح موضوع حالة الرسالة بشكل سريع علينا الآن البحث عن تصميم لها. هناك نوعان
من التصاميم: الأول التصميم الشكليّ، والثاني التصميم من ناحية المضمون.

*
التصميم الشكليّ للرسالة

أ
– إفتتاح الرسالة: 1: 1-3

ب
– شكرالله: 1: 4-9

ج
– الموضوع: 1: 10-16: 18

د
– الخاتمة: 16: 19-24

*
التصميم من ناحية المضمون

أ
– توجيه الرسالة وسلام وشكر لله مع تذكير الكورنثيّين بعطايا الّله الروحيّة لهم.
1: 1-9.

ب
– الجزء الأوّل: الأحزاب والانشقاقات في الكنيسة 1: 10-4: 21.

ت
– الجزء الثاني: الانحرافات اللاأخلاقيّة من زنى وخيانات زوجيّة ولواط إلى المحاكم
ومشاكل الطعام وعيش الافخارستيا. بالإضافة إلى ما سمعه بولس من أخبار والأسئلة
التي طُرحت عليه. 5: 1-11: 34.

ث
– الجزء الثالث: مشاكل المواهب ونشيد المحبّة. 12: 1-14: 40

ج
– الجزء الرابع: قيامة المسيح وقيامة المسيحيّ. 15: 1-58.

ح
– تجميع الأموال ومشاريع بولس الخاصة بأسفاره وتوصية بأشخاص معيّنين. 16: 1-18.

خ
– سلامات، بولس يكتب بيده، وعبارة (يسوع تعال). 16: 19-24.

 

د
– إطار النص في 1 كور 15

يشكّل
الفصل 15 الجزء الرابع من صميم الرسالة (1: 10-16: 18). أما النصوص التي تتقدّمه
(12: 1-14: 40)، فهي تعالج موضوع المواهب التي أعطيت للكورنثيّين بغزارة (12 و14).
وتذكّر في الفصل 13 بالمحبّة التي ينبغي أن ترافق هذه المواهب كي تجرّد أصحابها من
فكرة التملّك الشخصيّ.

والنصوص
التي تلي 1 كو 15 تتناول جمع الأموال من أجل أورشليم، وتطرح خبر أسفار بولس وتوصية
بتيموتاوس رسوله إلى كورنتوس (16: 1-18). وفي النهاية (16: 19-24) يسلّم بولس على
الكورنثيّين ويكتب بخط يده: محروم من لا يحبّ الربّ (16: 22). ويتلو الصلاة التي
يعرفها الكورنثيّون: (يا ربّ تعال).

القيامة
إذًا مربوطة بالإيمان بيسوع المسيح القائم من الموت. والمؤمن هو الذي يسعى إلى
امتلاك المحبّة وليس المواهبيّة، لأن الموهبة. لوحدها مشبعة بالأخطار كما سبق
وقلنا في المقدّمة. وفي النهاية، إن القيامة هي رهن بمجيء المسيح الثاني.

 

ه
– تقسيم النص

تقسم
الآيات 15: 1-58 إلى قسمين. الأول 1-34 والثاني 35-58. ينطلق بولس في ردّه من
معطيات التبشير الرسوليّ، أساس الإيمان المسيحيّ (1-32) خاتمًا بتحريض أوّل
(33-34) ثمّ يشرح كيف تكون القيامة (35-57)، خاتمًا بتحريض ثان (58).

 

و
– القيامة في 1 كور 15

يقرأ
بولس البشارة من منظار قيامة المسيح، ويستنتج من ذلك قيامة المسيحيّ. بعد أن نكون
قد تطرّقنا إلى دور القيامة في رسالة بولس إلى الكورنثيين، نعود لنذكّر بأبرز
المشاكل المتعلّقة بالقيامة التي آمن بها الرسول بالذات.

أعلن
بعضُ المسيحيّين في كورنتوس أنّ لا قيامة للأموات (15: 12). ونحن لا نعلم علم
اليقين كيف كانوا يفكّرون أو يفهمون ما حدث ليسوع. لكن بولس استطاع أن ينقدهم
بواسطة حجة واحدة ذات توجّه قيّم وفعّال. إذا كان الكورنثيون يؤمنون بقيامة يسوع
من بين الأموات بالجسد فلا بدّ من تذكيرهم في 15: 1-11 بالتقليد المشترك: المسيح
قام من بين الأموات وظهر على شخصيات يعرفونها كمعرفتهم ببطرس، أي على الاثني عشر
ويعقوب أخي الربّ وعلى بولس نفسه (15: 3-8 و9: 1). وهذا التقليد لا يعاكس أبدًا
الكتب وهو معترف به بقوّة: (أفكنت أنا أم كانوا هم، هذا ما نعلنه وهذا ما به
آمنتم) (15: 11).

واعتبر
البعض أن الروح قد أتمَ عملاً موازيًا لعمل القيامة في حياة المؤمنين. أما الآن
فلم يعد هناك ما ينتظرونه. بالمقابل، إستند بولس إلى ما حدث للمسيح، وحافظ على
مبدأ قيامة الأموات: (فإذا أعلن أن المسيح قام من بين الأموات، فكيف يقول بعضكم
إنه لا قيامة للأموات؟). (15: 12-19). بالإضافة إلى ذلك، القيامة آتية وهي
مستقبليّة (15: 20-34). والقيامة ستكون حتمًا للأجساد: (15: 35-50).

المسيح
هو بكر من رقدوا: وبما أنهم كلهم ماتوا بآدم، فسيحيون كلهم بالمسيح (1 كور 15:
20-22). في الواقع هناك ترتيب نهيوي: في البداية المسيح، ثمّ عند عودته سيقيم
خاصته. وعندما يبيد كلّ رئاسة وسلطان وقوّة ويُخضع كل الأعداء وآخرهم الموت، يعيد
المسيح الملك للآب. وفي النهاية، فالابن بنفسه يخضع لله الذي بدوره يُخضع أمام
مسيحه كل شيء حتى يصير الله الكل في الكل (15: 23-28).

إن
القيامة بالنسبة لبولس ليست مشكلة غير واقعيّة، بل بالعكس رجاء القيامة وحده
يستطيع توضيح ما يعيشه من آلام في أفسس حيث كتب رسالته (15: 30-33). ويركّز بولس
في 15: 35-38 على موضوع آخر طُرح في كورنتوس: في أي جسد؟ وظلّ هذا السؤال مطروحًا
طيلة أجيال كثيرة. حاول بولس الإجابة عليه معلنًا أن الأجساد تتحوّل عند القيامة
ولا تعود لتحيا كما كانت سابقًا. فالجسد الجديد لا يزول ولا يموت وهو قويّ خال من
أي ضعف، وروحانيّ غير ملموس على صورة الّله وليس على صورة تراب الأرض. في الواقع
لا يستطيع اللحم والدم أن يرثا الملكوت (15: 50).

بالنهاية
ستعمّ القيامة الأحياء والأموات، وكلنا سنتحوّل لنلبس الخلود وعدم الموت (15:
51-54). فالجواب الأساسيّ على الكورنثيين يكمن في كون الموت قد خسر شوكته لأن
الّله أعطى النصر للربّ يسوع المسيح (15: 55-58).

 

ز
– استنتاجات

هناك
ثلاثة استنتاجات:

1
– إن التقليد المذكور في 15: 3-5 يتضمّن سلسلة من المشاهد التي تتوالى: موت المسيح
ودفنه وقيامته وظهوراته. وتشكّل هذه الوقائع الأسس التي ارتكز عليها خبرُ الآلام،
وهي تكتمل إذا ما جُمعت مع الفصل 11: 23 الذي يحتوي خبر عشاء يسوع مع تلاميذه في
الليلة التي أسلم فيها. تؤكّد هذه المشاهد النظريّة التي تدّعى القول أن هناك
تقليدًا آخر حول حياة يسوع الأرضيّة كان يتكوّن إلى جانب الكرازة التي قام بها
بولس والتي لم تحتو الكثير عن هذه الحياة.

2
– وبالرغم من أن هذا الفصل أدخل في 1 كور كتعليل لدعم حقيقة قيامة الذين رقدوا في
المسيح، فقد أصبح المرجع الأساسي في أي نقاش حول قيامة المسيح.

3
– ظهر المسيح أولاً في 1 كور 15 على بطرس ومن ثمّ على الاثني عشر وبعدها على أكثر
من خمسماية شخص، وعاد ليظهر من جديد على يعقوب وعلى الرسل وأخيرًا ظهر على بولس.
إن ظهور المسيح على بولس مهمّ جدًا لأن بولس هو الكاتب الانجيليّ الوحيد الذي
يدّعي أنه شاهد المسيح القائم من الموت شخصيًا (إن كاتب 2 بط 1: 16-18 الذي يتكلّم
كما ولو كان بطرس بالذات إدّعى أنه شاهد التجلّي وليس أكثر، والكاتب النبويّ لسفر
الرؤية شاهد المسيح السماويّ في رؤى).

ح
– بولس والقائم من الموت في 1 كو 15

أ
– اعتبر بولس أن شهادته الخاصة بالمسيح القائم من الموت، حتى ولو كانت في خاتمة
الظهورات، لها المستوى نفسه للشهادات الأخرى المذكورة أعلاه.

يعطينا
سفر الأعمال لوحة أخرى مختلفة عن ما ورد عند بولس حول الظهورات، لأن يسوع بالنسبة
له بعد ظهوراته الأرضيّة صعد إلى السماوات (1: 9)، وظهر إثر ذلك نور وصوت من
السماوات على بولس (أع 9: 3-5، 22: 6-8، 26: 13-15). هم قلّة الشرّاح الذين
يقدّمون لوحة أعمال الرسل على لوحة بولس.

ب
– استعان بولس في 1 كور 15: 3-5 بمشاهد تطغى عليها الأفعال التي تتوالى على النحو
التالي: مات/وضع في القبر/قام/ظهر. ويعاود بولس استعمال فعل ظهر ثلاث مرات في 15:
6-8. فبالرغم من أن بعض الشرّاح دافعوا عن النظريّة التي تقول إن بولس لم يدّع رؤية
المسيح تحت شكل جسديّ، فإننا نرى أنفسنا أمام بولس الذي يستبعد بقوله: (إن المسيح
ظهر على خمسماية شخص) كل شكّ حول ظهور المسيح الجسديّ عليه. إذًا لا يمكن أن يكون
ظهور المسيح داخليًا لأنه ظهر على الخمسماية في نفس الوقت. ظهور المسيح إذًا على
بولس باستعماله للفعل ظهر نفسه هو حقيقة خارجيّة وليست داخليّة.

إضافة
إلى ذلك فالخبرة التي عاشها بولس مع المسيح القائم من الموت هي التي ولّدت فيه
رجاء بقيامة الأموات. فهو يتكلّم بوضوح عن قيامة الأجساد التي تتحوّل. ويستعمل
مثَل الزارع والذي ينبت منه لكي يشرح هذا التحوّل (15: 35-37).

ج
– لقد تكلّم الشرّاح سابقًا عن صمت بولس في ما يخصّ قبر يسوع الفارغ كما ولو كان
هذا الصمت مناقضًا لما ورد في الأناجيل. في الحقيقة ليس هناك من شيء كان يستطيع
منعه لو أراد الإشارة إلى القبر الفارغ. والمشهدان المتتاليان (وضع في القبر، ثمّ
قام) يوضحان أن الجسد القائم من الموت لم يعد حيث وضعوه.

د
– إن لوقا الانجيلي يصف يسوع القائم من الموت كشخص يأكل وله عظم ولحم (لو 24: 39
و42-43). وهذا الوصف يتناقض بشكل ظاهريّ مع فكرة بولس حول الجسد الروحانيّ القائم
من الموت وليس معمول لا من لحم ولا من دم (1 كور 15: 44 و50). إن لوقا الذي لا
يدّعي رؤية الربّ القائم من الموت يملك ربّما فكرة ملموسة وواقعيّة أكثر من فكرة
بولس عندما يتكلّم عن أجساد المسيحيّين الذين سيقومون عند مجيء المسيح. هم قلّة
الشرّاح الذين يقدمون نظرة لوقا على نظرة بولس.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى