اللاهوت الطقسي

V شريعة ذبيحة السلامة



V شريعة ذبيحة السلامة

V شريعة ذبيحة السلامة

(لاويين 7: 11-38)

بعد أن كلّم الرب موسى عن أنواع الذبائح،
مبتدئاً بذبيحة المحرقة، ثم تقدمة الدقيق، ثم ذبيحة السلامة، ثم ذبيحة الخطية، ثم
ذبيحة الإثم (لاويين 1-6: 7)، عاد فتكلم معه عن شروط تقديم هذه الذبائح، أو
كما سمَّاها الوحى شريعة تقديمها (لاويين 6: 8-7: 38). ولكنه لم يتبع فى
ذكر شريعة هذه الذبائح نفس الترتيب الذى اتبعه فى ذكر أنواعها، فذكر ما يختص
بذبيحتى الخطية والإثم قبل ذبيحة السلامة.

ولم يأت هذا
الترتيب جزافاً، بل كان القصد أولاً من ذكر أنواع الذبائح هو ترتبيها بدرجة
إعلانها لمجد ذبيحة المسيح بالنسبة لما أكمله لإتمام مشيئة الآب من أجل خلاص
البشر، أما الترتيب الثانى فكان بناءً على حاجة الإنسان وانتفاعه من هذه الذبائح،
لأنه لا يمكن أن تكون لنا شركة مع الله ومع ابنه يسوع المسيح التى تشير إليها
ذبيحة السلامة دون أن ننال أولاً تكفيراً عن خطايانا بذبيحته عن خطايا البشرية،
التى تشير إليها ذبيحتا الخطية والإثم، لذلك جاءت شريعة ذبيحة السلامة بعد ذكر
ذبيحتى الخطية والإثم.

 

وهذه هى
شريعة ذبيحة السلامة:

1 إن كانت
لأجل الشكر، فإنه يجب تقديم قربان الدقيق مع ذبيحة السلامة. وما أعمق هذا التدبير
وما أروع مغزاه. فإن كان قربان الدقيق يشير إلى ناسوت المسيح وكمالاته أثناء حياته
بين البشر، وذبيحة السلامة تشير إلى المصالحة التى صنعها الرب لنا مع الآب بذبيحته
على الصليب، فكلاهما معاً يكمَّلان الرمز الذى يريد أن يصوِّره الله مشيراً إلى سر
الشكر فى العهد الجديد الذى هو شركة التناول من جسد الرب ودمه تحت هيئة الخبز
والخمر، حيث تشمل هذه الذبيحة الإلهية غير الدموية كل ما للمسيح فى حياته على
الأرض وموته وقيامته.

ولكى يصير التطابق أكثر روعة وإحكاماً، كان على
الذى يقُدم ذبيحة الشكر أن يُقرب مع أقراص الفطير الملتوتة بزيت ورقاق الفطير
المدهونة بزيت، أقراص خبز خمير! مع أننا عرفنا من تقدمة الدقيق أنها يجب أن
تخلو من الخمير (لاويين 2: 11)، ولكن هنا ترتبط ذبيحة السلامة مع تقدمة
الدقيق مع الخبز المختمر! فما معنى هذا؟

أن الخمير يرمز إلى الشر والإثم، ولكنه هنا قد
بطل فعل الخمير فى الخبز بفعل النار التى خبزته، فأصبح الخبز المختمر رمزاً للخطية
التى بطل فعلها بذبيحة المسيح (انظر عبرانيين 9: 26).

وهكذا أصبح الأكل من ذبيحة الشكر مع أقراص
الفطير الملتوتة بزيت مع الخبز المختمر إشارة إلى اشتراكنا نحن الخطاة التائبين،
الذين آمنا بفعل دم المسيح المطهِّر لخطايانا، فى التناول من جسد الرب ودمه
غفراناً لخطايانا، مقدمين للرب ذبيحة شكرنا واعترافنا بفيض نعمته وغنى مراحمه
علينا.

2 الصدر نصيب الله فى
الذبيحة، لذلك يردده مُقدم الذبيحة بين يديه أمام الرب، كمن يعترف بأن ما يعطيه
للرب هو ما سبق وأخذه منه من يدك أعطيناك. ثم يصير نصيب
الله هذا من نصيب هارون وبنيه بصفته ممثلاً لله. وفى هذا إشارة إلى عواطف المسيح
ومحبته الفائقة التى يجيش بها صدره من نحو خليقته، تلك التى قدمها للآب بذبيحة
للآب بذبيحة نفسه من أجل البشرية. والتى عبر عنها فى افتقاده للمرأة السامرية
قائلاً: “طعامى أن أعمل مشيئة الذى أرسلنى وأتمم عمله” (يوحنا
4: 34).

3 باقى ذبيحة الشكر تُؤكل
فى يوم تقديمها، “لا يبُقى منه شيئاً إلى الصباح”. أما لماذا ألا
يبُقى منها شيئاً للصباح؟ فذلك لكى تظل مشاعر الشكر والحمد على أوجها فلا تخمد إذا
تركناها للغد.

ويرى العلامة أوريجانوس أن الكاهن يأكل
نصيبه ولا يترك منه للصباح إشارة إلى إلتزام الكاهن أن يتمتع بكلمة الله كأنها
جديدة مع كل صباح: (لحم الذبائح الممنوح للكهنة هو كلام الله الذى يعلمون به فى
الكنيسة .. فعندما يعظون الشعب لا ينطقون بكلمات قديمة حرفية لكنهم بنعمة الله
ينطقون بكلام جديد، يتجدد دائماً ككلام روحى) ([1]).
بمعنى آخر الكاهن الملتهب بالروح يقدم كلمة الله التى لا تتغير لكنها تحسب كأنها
جديدة فى كل صباح، أما سر تجديدها فهو القلب النارى الذى يُشعل قلوب الآخرين ويكشف
لهم أسرار الله بطعم روحى لا يقدم ولا يشيخ.

(عندما أعطى الرب الخبز لتلاميذه، قال لهم: “خذوا
كلوا” (متى 26: 26)،
ولم يأمر بحفظ جزء منه لليوم التالى. هذا المعنى
السرى يمكن إدراكه فى الوصية: “لا تحملوا مزوداً فى الطريق” (لوقا
9: 3)،
حتى تُقدموا طعاماً طازجاً على الدوام، هو كلام الله الذى فى داخلكم.
وأخيراً فقد صار الجبعونيون القدامى محتطبى حطباً ومستقى ماءً (يشوع 9: 21-23)،
لأنهم جاءوا للإسرائيليين بخبز عتيق مع أن الناموس الروحى يُطالب باستخدام الخبز
الطازج والجديد على الدوام) ([2]).

أما بالنسبة للذبيحة الخاصة بالنذر أو النافلة،
فيمكن أن تُؤكل فى اليوم الأول كما فى اليوم الثانى وفى هذا يقول العلامة
أوريجانوس:
(على قدر فهمى أظن أن اليومين يُفهمان على أنهما العهدان، حيث
يُسمح لنا أن نبحث ونتأمل فى كلام الرب) ([3]).

وما بقى منها فى اليوم الثالث يُحرق (لاويين
7: 16-17).
وذكر اليوم الثالث ينطلق من اعتبار يقول بأن الفساد يدب فى الأجساد
بعد يومين (هوشع 6: 2). ومن تعدى هذه الشريعة، فأكل من لحم الذبيحة فى
اليوم الثالث فقد أبطل الهدف من ذبيحته التى صارت وكأنها لم تكن.

4 تهتم شريعة ذبيحة
السلامة أن يتمتع الإنسان بالحياة الطاهرة ولا يكون فيه شىء نجس أو دنس، وقد
حذرتنا من ثلاثة أمور:

أ. أن يمس لحم الذبيحة شيئاً نجساً. حينئذ يُحرق
اللحم بالنار ولا يُؤكل.

ب. أن يأكل اللحم إنسان نجس، فإن هذه النفس
تُنزع من شعبها.

ج إن لمس الإنسان
شيئاً دنساً فلا يسوغ أن يأكل منه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى