بدع وهرطقات

الفصل الثاني



الفصل الثاني

الفصل الثاني

الصيغتان والإعلان الصريح

من أشهر
آيات التوراة التي استعملت فيها الصيغتان في أسماء الله للدلالة على أنه سبحانه
وتعالى جمع مفرد ومفرد جمع قول موسى النبي
اسمع
يا إسرائيل: الرب
وهي في العبراني يهوه الاسم
المفرد.

إلهنا وهي في
الأصل العبراني
إيلوهيم الاسم
الجمع.

رب
(يهوه) واحد
(تثنية 4: 6).

ومن أشهر
آيات الإنجيل التي استعملت فيها أيضاً الصيغتان، والتي تعتبر أنها الإعلان الصريح
عن الأقانيم هي قول ربنا يسوع المسيح لرسله عن الذين يؤمنون به بكرازتهم
عمدوهم
باسم
والاسم واحد مفرد للدلالة على وحدانية صاحبه.

الآب
والابن والروح القدس
(متى 19: 28) وهم جمع
للدلالة على أن الله الواحد هو أكثر من أقنوم واحد. فلم يقل، بأسماء كأنهم ثلاثة
آلهة. ولم يقل، باسم الله كأنه لا أقانيم، بل قال
باسم
الآب والابن والروح القدس
أي باسم الله الواحد
المثلث الأقانيم أو باسم الأقانيم الثلاثة الذين هم الله الواحد.

ومثل ذلك
أيضاً قوله
والله نفسه أبونا وربنا يسوع المسيح – وهنا
أقنومان، ولكنه بعد ذلك يقول
يهدى طريقنا (تسالونيكي
الأولى 11: 3) ولم يقل يهديان، لأنهما واحد. أيضاً
وربنا
نفسه* يسوع المسيح والله أبونا
]*ولنلاحظ هنا استعمال
كلمة
نفسه للابن كما
للآب مما يدل على المساواة في الأقنومية والمقام الإلهي والوحدانية في جوهر
اللاهوت. ومن ثم كان من الطبيعي أن تستعمل أيضاً للروح القدس في قول الرسول مثلاً
الروح
نفسه يشهد لأرواحنا الخ
(رومية 16: 8)، أمّا
البشر أو الملائكة فعند الكلام عنهم لا يستعمل لهم هذا التنبير على عظمة الشخصية.
فلا يقال مثلاً ميخائيل نفسه أو داود نفسه أو بطرس نفسه[ وبعد ذلك يقول
يعزى
قلوبكم
(تسالونيكي الثانية 16: 2) ولم يقل، يعزيان،
لأنهما واحد. لذلك أيضاً لا يجد الرسول مانعاً من تقديم ذكر الابن على الآب لأنهما
واحد في المقام واللاهوت. وأيضاً
صارت ممالك
العالم لربنا ومسيحه
وهنا الاثنان، ولكنه
بعد ذلك يقول
فسيملك إلى أبد الآبدين (رؤيا 15:
11) ولم يقل، فسيملكان، لأنهما واحد. وأيضاً
ولم
أر فيها
أي في أورشليم السماوية هيكلاً،
لأن الرب الله القادر على كل شيء، هو والخروف
وهنا نجد
الاثنين. ولكنه يقول بعد ذلك أنهما
هيكلها (رؤيا 22:
21) ولا يقول هيكلاها، لأنهما واحد. وأيضاً
وسيكونون
كهنة لله والمسيح
وهنا نجد الاثنين
ولكنه يقول بعد ذلك
وسيملكون
معه ألف سنة
(رؤيا 6: 20) ولا يقول معهما لأنهما واحد.
وأيضاً
وعرش الله والخروف يكون فيها (رؤيا 3:
22) وهنا نجد الاثنين، ولكنه يقول بعد ذلك
وعبيده
يخدمونه
ولا يقول وعبيدهما يخدمونهما لأنهما واحد.

وكوحدة
الابن هذه مع الآب، مع تميزه عنه، هكذا هي وحدته أيضاً مع الروح القدس، مع تميزه
عنه لذلك بعدما يقول مثلاً
هذا يقوله
ابن الله
(رؤيا 18: 2) يختم بالقول ومن
له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس
(رؤيا 29:
2).

وكوحدة
الابن مع الروح مع تميزه عنه هكذا هي وحدة الآب مع الروح مع تميزه عنه. لذلك بينما
يقول الرسل في الإنجيل للآب
أيها السيد،
أنت هو الإله.. القائل بفم داود فتاك الخ..
(أعمال 24:
4-27) نجد داود نفسه يقول في التوراة
روح
الرب تكلم بي وكلمته على لساني
(صموئيل الثاني 2: 23)

وكوحدة الآب
والابن مع بعضهما كالله الواحد مع تميزهما عن بعضهما كأقنومين واضحين، وكوحدة كل
منهما مع الروح القدس كالله الواحد مع تميز كل منهما عنه كأقنومين واضحين هكذا هي
وحدة الروح القدس مع كل من الآب والابن مع تميزه عنه. فتعلن وحدته مع الآب كالله
الواحد في تسميته
روح أبيكم (متى 20:
10) في حين يعلن تميزه عنه كأقنوم بالقول في نفس العبارة
هو
الذي يتكلم فيكم
. وتعلن وحدته أيضاً مع
الابن كالله الواحد بتسميته
روح الابن في القول أرسل
الله روح ابنه إلى قلوبكم
(غلاطية 6: 4) في حين
يعلن تميزه عنه كأقنوم بقول الرسول عنه في نفس العبارة
صارخاً
(هو): يا أبا الآب
.

وعليه
فيلاحظ في الكتاب أنه متى استخدمت صيغة المفرد في أسماء الله (وأشهرها الأسماء
أهيه وشبيهه يهوه الذي
مختصره
ياه، هذه
الأسماء المفردة والتي ليس لها جمع والتي لم تستخدم لغير الله)، نعم، صيغة المفرد
هذه في أسماء الله والدالة على الوحدانية متى استخدمت لأي أقنوم من الأقانيم
الثلاثة بمفرده سواء أكان هو الآب أو الابن أو الروح القدس كان ذلك للدلالة على
أنه الله الواحد باعتباره أحد أقانيمه، كما استخدمت للآب في القول
تآمر
الرؤساء معاً على الرب (يهوه) وعلى مسيحه
(مزمور 2:
2)، وكما استخدمت للابن في القول
وأمّا للابن حسب
الحاشية، فيقول
أمّا أنت
يارب (يهوه) فإلى الدهر جالس.. من قدم أسست الأرض، والسماوات هي عمل يديك
(قابل
عبرانيين 8: 1و10 مع مزمور 12: 102و25)، وكما استخدمت للروح القدس كما في قول موسى
لرجال عصره من الإسرائيليين
كنتم
تقاومون الرب (يهوه)
(تثنية 7: 9) وقول
استفانوس لأبنائهم
أنتم دائماً
تقاومون الروح القدس. كما كان آباؤكم كذلك أنتم!
(أعمال 51:
7) ومتى استخدمت هذه الكلمة لأقنومين معاً كان ذلك للدلالة على أن الأقنومين هما
الله الواحد كما في القول
روح الرب
(يهوه) أراحهم
(إشعياء 14: 63) ومادام روح الرب هو المذكور
فيكون المقصود بالرب الذي الروح روحه هو الآب والابن ولاسيما أن الآب مشار إليه في
الفصل في القول
إحسانات
الرب (يهوه) أذكر
(إشعياء 7: 63) والابن
المشار إليه في القول
وملاك حضرته
خلصهم
(إشعياء 9: 63). ومتى استخدمت هذه الكلمة
للأقانيم الثلاثة كان ذلك أيضاً للدلالة على أن الأقانيم الثلاثة هم الله الواحد
كما في القول
الرب (يهوه) إلهنا (إيلوهيم) رب
(يهوه) واحد
(تثنية 4: 6).

وكذلك أيضاً
صيغة الجمع في أسماء الله
إيلوهيم
وأدوناي وشداي
الصيغة الدالة على الأقانيم، هذه الصيغة متى
استخدمت لله فإنما للدلالة على أنه الواحد المثلث الأقانيم كما في القول
في
البدء خلق الله (إيلوهيم) السماوات والأرض
(تكوين 1:
1) وكذلك متى استخدمت لأقنومين فإنما للدلالة على أنهما الله الواحد باعتبارهما
أقنومين من أقانيم الله الواحد المثلث الأقانيم كما في القول
روح
الله (إيلوهيم) يرف على وجه المياه
(تكوين 2: 1) ومادام
المذكور هو روح الله فيكون المقصود بالله (إيلوهيم) الذي الروح روحه هو الآب
والابن. وكذلك متى استخدمت لأقنوم واحد من الثلاثة كان للدلالة على أنه الله
الواحد باعتباره أحد أقانيم الله الواحد المثلث الأقانيم كما استخدمت للابن في
القول
وأمّا للابن حسب
الحاشية، فيقول
كرسيك يا
ألله (إيلوهيم) إلى دهر الدهور
(قابل عبرانيين 8: 1
مع مزمور 6: 45) وكما استخدمت للآب في قول النبي للابن كابن الإنسان عن الآب
من
أجل ذلك مسحك الله إلهك (إيلوهيم إيلوهيمك)
(قابل
عبرانيين 8: 1و9 مع مزمور 6: 45و7) وكما استخدمت للروح القدس في قول الرسول بطرس
عنه لحنانيا
لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على
الروح القدس؟.. أنت لم تكذب على الناس بل على الله
(أعمال 3:
5و4) وهي ترجمة الكلمة العبرانية إيلوهيم.

وعليه كان
لمقصود في اسم الجلالة
الرب في توراتنا
العربية سواء كان هو في التوراة العبرانية
يهوه أو غيره، وفي
اسم الجلالة
الله أو الإله في توراتنا
العربية سواء كان هو في التوراة العبرانية
إيلوهيم أو غيره،
كان المقصود إمّا أي واحد من الآب والابن والروح القدس وإمّا اثنين منهم وإمّا
الثلاثة معاً وهذا يفهم من سياق الكلام كما سنرى.

ولا محل
للظن بأن اسم الجلالة
إيلوهيم أي الله
بصيغة الجمع والذي ترجمته الحرفية ”الآلهة“ هو لغة مستمدة من الوثنيين
لأنه
لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس
(بطرس
الثانية 21: 1). ولأن الله رفض بإصرار أن يستعمل شعبه له أي اسم يستمدونه له من الديانة
الوثنية، فرفض مثلاً أن تدعوه أمة إسرائيل باسم
بعلي أي زوجي أو
سيدي لمجرد تشابهه مع اسم وثن يُدعى
البعل وجمعه البعليم وطلب أن
تدعوه
رجلي ولا تدعوه بعلي حتى لا
يأتي اسم الوثن على فمها ولو كانت تقصد به الله. فيقول تعالى
أنك
تدعينني: رَجُلي
أي أمرئي تكوين 23: 2 ولا
تدعينني بَعدُ بعلي. وأنزع أسماء البعليم من فمها، فلا تُذكَر أيضاً بأسمائها
(هوشع 16:
2و17).

وعليه فاسم
الجلالة
إيلوهيم أي الله
بصيغة الجمع ليس مستمداً بالمرة من الوثنية بل موحي به من الله مباشرة والعكس هو
الأصح أي أن الديانة الوثنية هي التي استمدت من الديانة الإلهية هذه التسمية
لإطلاقها على آلهتها كما استمدت غير ذلك أيضاً من الديانة الإلهية كالذبائح التي
أولها الذبيحة التي ألبس الله جلدها لآدم وحواء (تكوين 21: 3) وثانيها الذبيحة
التي قدمها هابيل (تكوين 4: 4) ثم الذبيحة التي قدمها نوح (تكوين 20: 8) الذي من
بعده بدأت الوثنية. وهذا أمر بديهي لأن الديانة الإلهية هي الأصل والأقدم. على أن
الله قد احتاط من الأول لسوء فهم صيغة الجمع في أسماء الجلالة
إيلوهيم
وأدوناي وشداي
. فلئلا يجعلون لها دلالة وجود أكثر من إله واحد
استعمل إلى جانبها صيغة المفرد في أسماء الجلالة
يهوه
وأهيه وياه
وعليه لمّا استعمل تعالى اسم الجمع إيلوهيم من أول
أصحاح في الكتاب للدلالة على أنه تعالى أقانيم بادر لاستعمال اسم المفرد
يهوه بالإضافة
إلى الاسم الجمع
إيلوهيم من ثاني
أصحاح في الكتاب للدلالة على أنه تعالى واحد وإن كان أقانيم. ومن ثم نجد في
الأصحاحين الثاني والثالث من سفر التكوين الاسمين
يهوه
إيلوهيم
والمترجمين الرب
الإله
إلى جانب بعضهما 20مرة. ومدلولهما واضح وهو
الله الواحد المثلث الأقانيم. وهذا لكي لا يكون من الأول عذر للوثنيين معددي
الآلهة، ولا في الآخر لمنكري الأقانيم ولا سيما بعد إيضاح أمرهم باكتمال إعلان
الله في تجسد الابن، والإلهام بالإنجيل لرسل وأنبياء العهد الجديد.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى