علم

التجسد الإلهى فى فكر القديس كيرلس الكبير



التجسد الإلهى فى فكر القديس كيرلس الكبير

التجسد
الإلهى فى فكر القديس كيرلس الكبير

القس
مقار أنيس

كنيسة
السيدة العذراء ويوحنا الحبيب بالزقازيق

يعتبر
القديس كيرلس أعمق من تفاعل بالقيم الروحية الفائقة المذخرة فى سر التجسد الإلهى.
فلقد تغلغلت هذه الحقيقة فى كيانه، وتملكت على تفكيره فى كل ماكتب أو قال. وذلك
أنه كان يؤمن أن سر التجسد الإلهى هو بداية ووسيلة اتحادنا بالله.

مقالات ذات صلة

 

أولا-
معنى التجسد:

يعتمد
القديس كيرلس كثيرا على كلمة القديس يوحنا الإنجيلى:


والكلمة صار جسدا ” (يو1: 14).

ولكن
ما معنى كلمة صار؟ هل تعنى هذه الكلمة التغير كما حدث مع امرأة لوط حيث قيل عنها:

“و
نظرت امرأته من وراءه فصارت عمود ملح ” (تك 19: 26)

أو
كما حدث مع عصا موسى:


فقال اطرحها إلى الأرض فطرحها إلى الأرض فصارت حية ” (خر 4: 3)

 

حيث
فى الحالتين حدث تغيير، فهل معنى أن الكلمة صار جسدا أنه تغير وفقد لاهوته؟ حاشا!
فإن الكلام عن الله لا يمكن أن نطبق عليه الكلام عن البشر أو عن المادة، حيث الله
ليس فيه تغيير ولا ظل دوران. ويقول عندما ننشد:

“قوتي
و ترنمي الرب و قد صار لي خلاصا ” (مزمور 118: 14)

أو
” الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار راس الزاوية ” (مزمور 118: 22)


أحمدك لأنك استجبت لي و صرت لي خلاصا ” (مزمور 118: 21)

 

فهل
يعنى هذا أن الرب تحول فصار خلاصا؟ أو تحول فصار رأس الزاوية؟ لا. إن هذا التفسير
لا يناسب الله بل لا يليق بالمرة لأن طبيعة الله غير متغيرة فهو كائن من الأزل
وإلى الأبد وهو الدائم غير المتغير وهذا هو ما يجعله ملجأ وخلاصا للذين يحتمون به.

 

فنحن
لا نقول أن طبيعة الكلمة تغيرت حينما صار جسدا. وأيضا نحن لا نقول أن الكلمة قد
تغير إلى إنسان كامل من نفس وجسد. بل بالأحرى نقول أن الكلمة قد وحد مع نفسه
أقنوميا، جسدا محياً بنفس عاقلة، وصار إنسانا بطريقة لا يمكن التعبير عنها أو
إدراكها. وهو قد دعى ابن الإنسان ليس بحسب الرغبة فقط ولا بحسب الإرادة الصالحة،
ولا باتخاذه شخصا معينا.

 

ونحن
نقول أنه على الرغم أن الطبيعتين اللتين اجتمعتا معا فى وحدة حقيقية مختلفتان،
فإنه يوجد مسيح واحد وابن واحد من الاثنين. إن اختلاف الطبائع لم يبطل بسبب
الاتحاد، بل بالحرى فإن هذا الاتحاد الذى يفوق الفهم

 

والوصف
كون لنا من اللاهوت والناسوت ربا واحدا يسوع المسيح وابنا واحدا.

 

وهكذا،
فرغم أن له وجودا قبل الدهور وقد ولد من الآب، فإنه يقال أيضا أنه ولد حسب الجسد
من امرأة، كما أن طبيعته الإلهية لا تحتاج لنفسها بالضرورة إلى ولادة أخرى بعد
الولادة من الآب.

 

إن
القول بأن ذلك الذى هو موجود قبل كل الدهور وهو أزلى مع الآب، يحتاج إلى بداية
ثانية لكى يوجد، إنما هو أمر بلا غاية وفى نفس الوقت هو قول أحمق. ولكن حيث أنه من
أجلنا ومن أجل خلاصنا وحد الطبيعة البشرية بنفسه أقنوميا، وولد من امرأة، فإنه
بهذه الطريقة يقال أنه ولد جسديا. لأنه لم يولد أولا إنسانا عاديا من العذراء
القديسة ثم بعد ذلك حل عليه الكلمة، بل إذ قد اتحد بالجسد الذى من أحشائها، فيقال
أن الكلمة قد قبل الولادة الجسدية، لكى ينسب إلى نفسه ولادة جسده الخاص.

 

ولكن
إذا رفضنا الإتحاد الأقنومى سواء بسبب تعذر إدراكه، أو بسبب عدم قبوله، نسقط فى
التعليم بابنين.

 

وهكذا
سوف نجد أن الآباء القديسين قد فكروا بهذه الطريقة. وهكذا لم يترددوا فى تسمية
العذراء القديسة بوالدة الإله. وهم لم يقولوا أن طبيعة الكلمة أى لاهوته أخذ بداية
وجوده من العذراء القديسة، بل أن جسده المقدس، المحى بنفس عاقلة، قد ولد منها،
الذى به إذ اتحد الكلمة أقنوميا، يقال عن الكلمة أنه ولد حسب الجسد.

 

ويقول
بولس الحكيم جدا:


فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا. الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب
خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس. و إذ
وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه و أطاع حتى الموت موت الصليب ” (فى 2: 5 8)

فالكلمة
الابن الوحيد الإله الذى ولد من الله الآب الذى هو:

“..
بهاء مجده و رسم جوهره ” (عب 1: 3)

 

هو
الذى صار جسدا، دون أن يتحول إلى جسد، أى بلا امتزاج أو اختلاط أو أى شيء آخر من
هذا القبيل بل ” أخلى ذاته ” وجاء إلى فقرنا ومن أجل الفرح الموضوع
أمامه، استهان بالعار.

 

+
بكل يقين ظل الله الكائن قبل الدهور عندما صار مثلنا فى كل شيء ماخلا الخطية وحدها.
ويشهد بولس الحكيم جدا على ذلك بقوله:

 

فإذ
قد تشارك الأولاد في اللحم و الدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك
الذي له سلطان الموت أى إبليس. و يعتق أولئك الذين خوفا من الموت كانوا جميعا كل
حياتهم تحت العبودية. لأنه حقا ليس يمسك الملائكة بل يمسك نسل إبراهيم. من ثم كان
ينبغي أن يشبه اخوته في كل شيء لكي يكون رحيما ورئيس كهنة أمينا في ما لله حتى
يكفر خطايا الشعب (عب 12: 14 17)

 

وأن
يشبه إخوته فى كل شيء معناه أن يكون لهذه المشابهة بداية، وهى الميلاد من امرأة
وظهوره فى الجسد، لأنه كإله هو غير منظور وسكن تدبيريا فى وسطنا.

 

ثانيا:
بعض الرموز والتشبيهات لسر التجسد:

بعد
أن يعطى القديس كيرلس بعض التشبيهات لسر التجسد، واتحاد اللاهوت بالناسوت يقول:

 

إن
كيفية هذا الإتحاد هى فوق فهم البشر. وهذا الإتحاد مختلف تماما عن الأنواع الأخرى
التى أشرنا إليها. فهو اتحاد لا يوصف وغير معروف لأى من الناس سوى الله وحده الذى
يعرف كل شيء. وأى غرابة فى أن يفوق (إتحاد اللاهوت بالناسوت) إدراك (العقل)؟ فنحن
عندما نبحث بدقة عن أمورنا ونحاول إدراك كنهها نعترف أنها تفوق مقدرة الفهم التى
فينا. فما هى كيفية اتحاد نفس الإنسان بجسده؟ من يمكنه أن يخبرنا؟

 

ولذلك
كثيرا ما يصف القديس كيرلس التجسد الإلهى بأنه ” فائق الوصف- لا ينطق به- سرى
وفائق للعقل..ألخ). وبهذا المفهوم نستعرض بعض التشبيهات التى استعان بها القديس
على شرح التجسد الإلهى.

 

1-
النفس والجسد فى الإنسان:

إذا
طلب منا أن نحدد كيفية اتحاد اللاهوت بالناسوت وهو أمر يفوق كل فهم بل صعب جدا،
نقول أنه من اللائق أن نعتقد أن اتحاد اللاهوت بالناسوت فى عمانوئيل هو مثل اتحاد
نفس الإنسان بجسده- وهذا ليس خطأ لأن الحق الذى نتحدث عنه هنا تعجز عن وصفه
كلماتنا. والنفس تجعل الأشياء التى للجسد هى لها رغم أنها بطبيعتها لا تشارك الجسد
آلامه المادية الطبيعية أو الآلام التى تسببها للجسد الأشياء التى هى خارج الجسد.
لأن الجسد عندما يتحرك مدفوعا نحو رغباته الطبيعية فإن النفس التى فيه تعرف هذه
الرغبات بسبب اتحاد النفس بالجسد. لكنها لا تشارك الجسد رغباته، ومع ذلك تعتبر أن
تحقيق الرغبة هى تحقيق لرغبتها هى. فإذا ضرب الجسد أو جرح بالحديد مثلا فإن النفس
تحزن مع جسدها، ولكن بطبيعتها لا تتألم بالآلام المادية التى تقع على الجسد.

 

وكما
أن الجسد من طبيعة مختلفة عن النفس، لكن الإنسان واحد من اثنين ” النفس
والجسد “، هكذا المسيح واحد من الأقنوم الكامل لله الكلمة ومن الناسوت الكامل،
والألوهة نفسها والناسوت نفسه فى الواحد بعينه الأقنوم الواحد. وكما قلت أن الكلمة
يجعل آلام جسده آلامه هو، لأن الجسد هو جسده وليس جسد أحد آخر سواه. هكذا يمنح
الكلمة جسده كل ما يخص لاهوته من قوة، حتى أن جسده قادر على أن يقيم الموتى ويبرىء
المرضى.

 

2-
جمرة أشعياء:

قال
النبى أشعياء:


فطار إلي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمي
وقال إن هذه قد مست شفتيك فانتزع إثمك وكفر عن خطيتك ” (أش 6: 6- 7)

 

ونحن
نقول أن الجمرة المتقدة هى مثال وصورة للكلمة المتجسد لأنه عندما يلمس شفاهنا، أى
عندما نعترف بالإيمان به فإنه ينقينا من كل خطية ويبررنا من اللوم القديم الذى
ضدنا.

 

ويمكننا
أن نرى أيضا الجمرة مثالا لكلمة الله المتحد بالطبيعة البشرية دون أن يفقد خواصه،
بل حول ما أخذه (الطبيعة البشرية) وجعله متحدا به، بل بمجده وبعمله. لأن النار
عندما تتصل بالخشب تستحوذ عليه، لكن الخشب يظل خشبا..فقط يتغير إلى شكل النار

 

وقوتها،
بل يصبح له كل صفات النار وطاقتها ويعتبر واحدا معها. هكذا أيضا يجب أن يكون
اعتقادنا فى المسيح، لأن الله اتحد بالإنسانية بطريقة لا ينطق بها، ولكنه أبقى على
خواص الناسوت على النحو الذى نعرفه، وهو نفسه لم يفقد خواص اللاهوت عندما اتحد به
بل جعله واحدا معه، وجعل خواص الناسوت خواصه، بل هو نفسه قام بكل أعمال اللاهوت
فيه (أى فى الناسوت).

 

3-
العليقة:

الكتاب
المقدس يشبه الطبيعة الإلهية بالنار بسبب قدرة هذا العنصر الذى يغلب بسهولة كل ما
يعترضه. وأما طبيعة الإنسان الترابى فهى على عكس ذلك تشبه بالزرع وبنبات الحقل.
فالكتب المقدسة تقول من جهة:

 


لأن إلهنا نار آكلة ” (العبرانيين 12: 29)

ومن
جهة أخرى:


الإنسان مثل العشب أيامه كزهر الحقل كذلك يزهر ” (مزمور 103: 15)

و”
لأن كل جسد كعشب وكل مجد إنسان كزهر عشب العشب يبس وزهره سقط ” (بطرس الأولى
1: 24)

فكما
أن العوسج ” الشوك ” بطبعه لا يحتمل النار هكذا أيضا الناسوت بطبعه لا
يحتمل اللاهوت.

وأما
فى المسيح فقد حل كل ملء اللاهوت جسديا حسب قول الحكيم بولس:

 


الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره أحد من الناس و لا
يقدر أن يراه الذي له الكرامة و القدرة الأبدية آمين ” (1 تي 6: 16)

 

أتى
وحل فى هيكل جسده المأخوذ من العذراء.

لذلك
فالنار التى رآها موسى ما كانت تحرق العوسج بل كانت تتلاطف وتتآلف مع طبيعة الخشب
الضعيفة، وهكذا اللاهوت كان يتآلف مع الناسوت. وهذا هو السر الذى تم فى المسيح.

 

كما
يقول: كما أن النار كانت تضىء العليقة دون أن تحرقها هكذا أيضا اللوغوس لما تجسد
لم يحرق الجسد الذى اتحد به بل على العكس جعله جسدا محييا.

 

4-
إتحاد الحديد بالنار:

كما
أن الحديد إذا قربناه من نار شديدة يكتسب للوقت مظهر النار ويشترك فى صفات ذلك
العنصر الغالب، هكذا أيضا طبيعة الجسد التى اتخذها لنفسه اللوغوس غير الفاسد
والمحيى لم تبقى على حالها الأول بل قد انعتقت من الفساد ومن الفناء وسادت عليهما.

 

ويقول:
إذا وضعتم حديدا فى النار، فإنه يمتلىء كذلك بقوة النار…وهكذا الكلمة المحيى لما
وحد بذاته جسده الخاص- بالكيفية التى هو وحده يعلمها- جعل هذا الجسد محييا.

 

5-
النار والماء:

يقول
القديس: فإن كانت النار المرئيةتدخل قوة طبيعتها الخاصة فى المواد التى تتصل بها
وتحول الماء نفسه البارد بطبعه إلى ما يخالف طبيعته إذ تجعله حارا، فكيف لا نؤمن
أن الكلمة الذى من الله الآب قد جعل جسده الخاص المتحد به جسدا محييا.

 

6-
التابوت:

يمثل
القديس كيرلس اللاهوت فى تابوت العهد بالذهب، حيث مادته فائقة لسائر المواد، مثل
عنصر النار وسائر العناصر. فيقول: لقد قال الله لموسى:

 

فيصنعون
تابوتا من خشب السنط طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف. وتغشيه
بذهب نقي من داخل ومن خارج تغشيه وتصنع عليه إكليلا من ذهب حواليه (خر 25: 10، 11)

 

فالخشب
الذى لا يسوس هو مثال للجسد الإلهى غير الفاسد، وأما الذهب الذى يفوق سائر المواد
فهو يدلنا على الجوهر الإلهى الفائق. ولكن لاحظ كيف أن التابوت كان مصفحا بذهب نقى
من داخل ومن خارج. فإن الله الكلمة كان متحدا بجسده المقدس وهذا معنى تصفيح
التابوت من خارج، كما كان متحدا أيضا بنفسه العاقلة الكائنة فى هذا الجسد وهذا
معنى تصفيح التابوت من داخل أيضا. وأما أن الإتحاد لا يعنى الإختلاط بين الجوهرين
فسنرى هذا أيضا، لأن الذهب المصفح على الخشب قد بقى على حاله وأما الخشب فقد اغتنى
بمجد الذهب غير أنه لم يخرج عن كونه خشبا.

 

وهكذا
جسد المسيح قد اغتنى بمجد اللاهوت الحال فيه وصار مجيدا ومحييا غير أنه لم يتحول
عن كونه جسدا بشريا مساويا لأجسادنا تماما فى كل شيء ما خلا الخطية وحدها.

 

7-
السوسنة:

قدم
لنا نشيد الأنشاد ربنا يسوع المسيح قائلا:


أنا نرجس شارون سوسنة الأودية ” (نش 2: 1).

وفى
السوسنة الرائحة غير المجسمة (غير ظاهرة للعين) ولكنها لا توجد خارج السوسنة.
ولذلك فالسوسنة واحدة من اثنين (الرائحة وجسم السوسنة). وغياب رائحة السوسنة لا
يجعلها سوسنة. وفى جسم السوسنة توجد رائحتها.

 

هكذا
أيضا يجب أن يكون اعتقادنافى ألوهية المسيح الذى يعطر العالم برائحته الذكية ومجده
الذى يفوق مجد الأرضيات. ولكى يعطر العالم كله استخدم (لاهوتُه) الطبيعةَ البشرية.
وتلك التى بطبيعتها غير جسمانية، صارت بالتدبير وعلى قدر ما نفهم متجسدة. لأنه
عندما أراد أن يعلن عن ذاته من خلال الجسد جعل فيه (الجسد) كل ما يخص اللاهوت.
لذلك من الصواب أن نعتقد أن الذى بطبيعته غير جسمانى اتحد بجسده وأصبح الإتحاد مثل
السوسنة لأن رائحتها العطرة وجسم السوسنة هما واحد ويسميان السوسنة.

 

ثالثا-
غاية التجسد:

وعن
غاية التجسد فيحدثنا القديس كيرلس فى تفسيره لإنجيل القديس يوحنا 4: 26 فيقول:

لقد
صار جسدا، جاعلا نفسه مشابها لنا لكى يوحد بالله بواسطة نفسه ما كان بحسب الطبيعة
منفصلا جدا عنه.

 

وفى
تفسيره يو 17: 20 يقول: لقد صار الابن الوحيد الذى من جوهر الآب جسدا…لكى يوحد
ويؤلف بطريقة ما فى نفسه بين الأشياء المتخالفة بحسب طبعها الخاص، والتى لم يكن
ممكنا أن تنجمع (اللاهوت والناسوت)… إذا فالسر الحاصل فى المسيح قد صار بداية
ووسيلة لاشتراكنا فى الروح واتحادنا بالله.

 

وفى
تفسيره يو 1: 14 يقول القديس: لكى نرى فى وقت واحد، الجرح والدواء، المريض والطبيب،
ذاك الذى سقط تحت قبضة الموت والذى يقيمه للحياة، ذاك الذى ساد عليه الفساد والذى
طرد الفساد، ذاك الذى أمسك به الموت والذى هو أسمى من الموت، ذاك الذى له عدم
الحياة وذاك الذى هو واهب الحياة.

 

ويقول
القديس ” إن تجسد الكلمة لم يحدث لغاية أخرى إلا لكى نغتنى نحن أيضا بشركة
الكلمة بواسطة الروح القدس فنستمد منه غنى التبنى.

 

ففى
فكر القديس كيرلس أن التجسد الذى هو اتحاد اللاهوت بطبيعتنا البشرية، لا يمكن أن
يكون بعده افتراق فيقول: لقد ولد بحسب الجسد من امرأة آخذا منها جسده الخاص لكى
يغرس نفسه فينا باتحاد لا يقبل الإفتراق.

وفى
تفسيره يو 20: 17 يقول فى تعليقه على قول المخلص:


ها أنا صاعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم “

يا
من تقرأ هذه الكلمات حاول أن تقبل هذا السر العجيب والعظيم ولا تدع قلبك يبتعد عن
الحق الكامن فى التعاليم الإلهية. تأمل كيف جاء الابن الوحيد كلمة الله وسكن بيننا
لكى نكون نحن مثله على قدر ما تحتمل طبيعتنا أن تأخذ منه فى نعمة الخلق الجديد.
لقد اتضع هو لكى يرفع ماهو أصلا وضيع إلى مقامه العالى. ولبس شكل العبد رغم أنه
بالطبيعة الرب وابن الله لكى يرفع من بالطبيعة مستعبد إلى كرامة البنوة وسموها،
جاعلا إياها على صورته ومثاله.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى