اللاهوت الروحي

7- رحلة الخبر إلى أذنيك



7- رحلة الخبر إلى أذنيك

7- رحلة الخبر إلى أذنيك

ليس كل ما يصل إلى
أذنيك هو صدق خالص. فلا تتحمس بسرعة لكل ما تسمع، ولا لكل ما تقرأ.. ولا تتخذ
إجراء سريعاً لمجرد كلام سمعته عن إنسان ما.. بل تحقق أولاً، واعرف أن كثيراً من
الكلام يقطع رحلة طويلة قبل أن يصل إلى أذنيك..

 

 صدق الحكيم الذي قال: (لا تصدق كل ما يقال)..

اجعل عقلك رقيباً على
أذنيك، وافحص كل ما تسمعه، ولا تصدق كل خبر، لئلا تعطى مجالاً للوشاة وللكاذبين،
ولمن يخترعون القصص، ولمن يصنعون الأخبار، ولمن يدسون، ويشهدون شهادة زور.. كل
هؤلاء يبحثون عن إنسان سهل يصدقهم.. وكما قال عنهم أمير الشعراء أحمد شوقي:

 

 قد صادفوا أذنا صغواء لينة فاسمعوها الذي لم
يسمعوا أحدا

و ما أجمل قوله أيضاً
عن مثل هذا الذي يصدق كل ما يسمعه، ويقبل الأكاذيب كأنها صدق:

 

 أثر البهتان فيه و انطوى الزور عليه

ياله من ببغاء عقله في
أذنيه

 

نعم، لو كنا نعيش في
عالم مثالي، أو في وسط الملائكة لأمكنك حينئذ أن تصدق كل ما تسمعه، ولا تتعب ذاتك
في فحص الأحاديث. ولكن مادام الكذب موجوداً في العالم، وما دمنا نعيش في مجتمع
توجد فيه ألوان من الناس يختلفون في نوع أخلاقياتهم وفى مدى تمسكهم بالفضيلة، فإن
الحكمة تقضى إذن أن ندقق ونحقق قبل أن نصدق.. واضعين أمامنا قول الكتاب:
“افحصوا كل شيء، وتمسكوا بالحسن”.

 

 ولكن قد يقول إنسان: “أنني اصدق هذا الخبر
على الرغم من غرابته، لأنني سمعته من إنسان صادق لا يمكن أن يكذب”.

 

 نعم، قد يكون هذا الإنسان صادقاً، ولكنه سمع
الخبر من مصدر غير صادق، أو من مصدر غير دقيق.. قد يكون الشخص الذي حدثك أو الذي
حدث من حدثك، جاهلاً بحقيقة الأمر، أو على غير معرفة وثيقة أكيدة بما يقول. أو قد
يكون مبالغاً أو مازحاً أو مداعباً. أو ربما يكون قد سمع خطأ، أو أن المصادر التي
استقى منها معلوماته غير سليمة.

 

 أو ربما يكون المصدر الأصلي الذي أخذ عنه هذا
وذاك، غير خالص النية فيما يقول، وله أسباب شخصية تدفعه إلى طمس الحقائق، أو إلى
الدس والإيقاع بين الناس. أو قد يكون من النوع الذي يتباهى بمعرفة الأخبار والسبق
إلى نشرها بين الناس، فيقول ما يصل إليه بسرعة دون تحقيق.. وقد يكون محباً
للاستطلاع يلقى بالخبر ليعرف ما مدى وقعه على الناس..

 

 ولكن ربما يقول القائل أنني لم أسمع هذا الخبر
من واحد فقط، وإنما من كثيرين مما يجزم بصحته..!! فتقول إنه لا يصح أن نحكم عن
طريق السماع دون تحقيق، حتى لو سمعنا من كثيرين. فما أكثر ما يكون كلام الكثيرين على
وفرة عددهم، له مصدر واحد مخطئ.. وما أكثر ما تتفق جماعة كبيرة من الناس على كذب
مشترك، مثلما فعل أخوة يوسف حينما بلغوا أباهم خبراً كاذباً عن ابنه قائلين إن
وحشاً قد افترسه.. وما أكثر شهود الزور الذين سمعنا عنهم من الكتاب المقدس ومن كتب
التاريخ..

 

 إن وصية ” لا تشهد بالزور ” موجهة إلى
السامع، كما هي موجهة إلى المتكلم. فالذي يسمع الكذب ويقبله، إنما يشجع الكاذب على
الاستمرار في كذبه، ويحيط نفسه بأناس أشرار غير مخلصين.

 

 وكذلك فإن ناقل الكذب يعتبر كاذباً، وشريكاً في
الكذب ونشره.. ويدخل تحت هذا العنوان أيضا مروجو الإشاعات الكاذبة. وقد يقع في هذا
الأمر أيضا ” البسطاء ” الذين يصدقون كل ما يسمعونه، ويتكلمون عنه كأنه
حقيقة، دون فحص أو تأكيد. وفى الحقيقة لا نستطيع أن نسمى مثل هذه بساطة. لأن
البساطة في جوهرها هي عدم التعقيد، ونحن نؤمن بالبساطة الحكيمة.. فقد قال السيد المسيح:
“كونوا بسطاء.. وحكماء..”.

 

 اثنان يشتركان في خطية الكذب: ناقل الكذب، وقابل
الكذب، وكلاهما يشتركان مع الكاذب الأصلي في نشر كذبه..

 وأن كانت بعض المشاكل تسبب أحياناً عن نقل
الكلام، فإن أخف الناس ضرراً من ينقلون الكلام كما هو، كما هو، كما يفعل جهاز تسجيل
الصوت، الأمين المخلص، الذي لا يزيد على ما قيل شيئاً، ولا ينقص، ويعطى صورة دقيقة
عما قيل..

 

 إنما بعض الناس يأخذون الكلام، ويضيفون عليه
رأيهم الخاص واستنتاجاتهم وأغراضهم، ويقدمون كل ذلك لإنسان آخر، كأنه الكلام
المباشر الذي نطق به من قد سمعوه..!

 

 انظروا ماء النيل وقت الفيضان وهو بنى اللون من
كثرة ما حمل من طمي.. هذا الماء كان في أصله ماء صافياً رائقاً عندما نزل مطراً من
السماء على جبال الحبشة. ولكنه طوال رحلته في الطريق ظل ينحت الطمي من الصخور
ويختلط بالطين حتى وصل إليك بهذه الصورة.. هكذا كثير من الأخبار التي تصل إليك
مشبعة بالطين، ربما كانت رائقة صافية في أولها. والفرق بينهما وبين ماء النيل أن
طينه مفيد للأرض، أما الطين الذي خلطه الناس في نقلهم للأحاديث، فإنه ضار وخطر
ومفسد للعلاقات.

 

 كثير من الأخبار عندما تصل إليك تكون أخباراً
مختلفة جداً عن الواقع. وسأضرب لذلك مثلاً:

 

يقول شخص لآخر:
“ألم تسمع؟ لقد حدث كذا مع فلان”. فيجيبه: “لا شك أنه قد غضب لذلك
جداً”. فيقول له: “طبعاً”. ويوصل الخبر لثالث ويقول له: “فلان
غضب جداً لأنه حدث معه كذا”. فيجيبه: “من غير المعقول أن يكون قد غضب
فقط، لابد أنه سينتقم” ويصل الخبر الرابع أنه سينتقم، فيجيب: “حسب
معرفتي لطبعه لابد انه سيدبر دسيسة لمن أغضبه”. ويصل الخبر الخامس فيقول:
“ربما يرسل خطاباً لمصلحته ويتهمه باتهامات”. فيجيبه سادس: “لا
يبعد أن يقول عنه إنه شيوعي مثلاً”. ويصل الخبر لسابع فيسرع إلى الشخص
المقصود ويقول له: “خذ حذرك، فلان أرسل خطاباً إلى مصلحتك يقول عنك إنك
شيوعي”..!!!

 

 يحدث كل هذا، وربما يكون الشخص الذي يتكلمون عنه
قد تضايق في وقتها واستطاع أن يصرف غضبه، ويسامح من أغضبه!! أو قد يكون قد أخذ
الأمر ببساطة ولم يتأثر، وانتهى الأمر.. وقد يحدث سوء تفاهم بسبب الخطاب المزعوم
المرسل إلى المصلحة!! الذي لا وجود له على الاطلاق.

 

 لذلك أكرر وأقول: (لا تصدق كل ما يقال).. ولا
تكن سمّاعاً، بل افحص ودقق وحقق.. على الأقل في الأمور الهامة الخطيرة..

 

المقال مع
بعض التعديلات نُشِر في وقتٍ لاحق

رحلة الخبر إلى أذنيك

ليس كل ما يصل إلى أُذنيك
هو صدق خالص. فلا تتحمَّس بسرعة لكل ما تسمع ولا لكل ما تقرأ. ولا تتخذ إجراءً
سريعاً لمُجرَّد كلام سمعته من إنسان ما. بل تحقق أوَّلاً. واعرف أن كثيراً من
الكلام يقطع رحلة طويلة قبل أن يصل إلى أُذنيك.

 

«« صدق الحكيم الذي
قال: ” لا تُصدِّق كل ما يُقال “. لهذا إجعل عقلك رقيباً على أُذنيك،
وافحص كل ما تسمعه. ولا تُصدِّق كل خبر، لئلا تُعطي مجالاً للوشاة والكاذبين،
ولِمَن يخترعون القصص، ولِمَن يؤلِّفون الأخبار، ولِمَن يدسُّون ويشهدون شهادة
زور. كل هؤلاء يبحثون عن إنسان سهل يُصدِّقهم. وقد قال عنهم أمير الشعراء أحمد
شوقي:

قد صادفوا أذناً صفواء
ليِّنة

فأسمعوها الذي لم
يُسمعوا أحداً

وما أجمل قوله أيضاً عن
مثل هذا الذي يُصدِّق كل ما يسمعه، ويقبل الأكاذيب كأنها صدق:

أثَّر البهتان فيهِ

يا له من ببغاءٍ

وانطوى الزورُ عليهِ

عقله في أُذنيهِ

«« نعم لو كُنَّا نعيش
في عالم مثالي، أو في وسط الملائكة، لأمكنك حينئذ أن تُصدِّق كل ما تسمعه، ولا
تتعب ذاتك في فحص الأحاديث ولكن ما دام الكذب موجوداً في العالم، وما دمنا نعيش في
مُجتمع توجد فيه ألوان من الناس يختلفون في نوع أخلاقياتهم، وفي مدى تمسكهم بالفضيلة،
فإنَّ الحكمة تقتضي إذن أن نُدقِّق ونُحقِّق قبل أن نُصدِّق، وأن نفحص كل شيء
ونتمسَّك بما هو حق، ولكن قد يقول أحدهم: ” إنني أُصدِّق هذا الخبر على الرغم
من غرابته، لأنني سمعته من إنسان صادق لا يمكن أن يكذب”.

 

نعم، قد يكون هذا
الإنسان صادقاً، ولكنه سمع الخبر من مصدر غير صادق، أو من مصدر غير دقيق… أو قد
يكون الشخص الذي حدَّثك أو نقل الخبر إلى مَن حدَّثك، جاهلاً بحقيقة الأمر، أو على
غير معرفة وثيقة أكيدة بما يقول… أو قد يكون مبالغاً أو مازحاً أو مداعباً. أو
رُبَّما يكون قد أخطأ في السماع أو الفهم. أو أن المصادر التي استقى منها معلوماته
غير سليمة…

 

««أو رُبَّما يكون
المصدر الأصلي الذي أخذ عنه هذا وذاك غير خالص النية فيما يقول، وهناك أسباب شخصية
تدفعه إلى طمس الحقائق، أو إلى الدَّس والإيقاع بين الناس. أو قد يكون من النوع
الذي يتباهى بمعرفة الأخبار والسبق إلى نشرها بين الناس. فيقول ما يصل إليه بسرعة
بدون تحقيق… وقد يكون مُحبَّاً للإستطلاع، يلقي الخبر ليعرف ما مدى وقعه على
الناس.

 

«« ولكن رُبَّما يقول
القائل: ” إني لم أسمع هذا الخبر من فرد واحد فقط، إنَّما من كثيرين، مما
يجزم بصحته “.

 

فنقول: إنه لا يصح أن نحكم
عن طريق السماع دون تحقيق، حتى لو سمعنا من كثيرين! فما أكثر ما يكون كلام
الكثيرين على وفرة عددهم، له مصدر واحد مخطئ… وما أكثر مما تتفق جماعة كبيرة من
الناس على كذب مشترك، وفي التاريخ أمثلة كثيرة عن هذا الأمر. وما أكثر ما تتفق
مجموعة من شهود الزور على أمر ما، وهكذا تفعل أيضاً مجموعات من ناشري الشائعات…

 

«« إنَّ وصية “لا
تشهد بالزور” كما أنها موجهة إلى المُتكلِّم، هى أيضاً موجهة إلى السامع.
فالذي يسمع الكذب ويقبله، إنَّما يُشجِّع الكاذب على الاستمرار في كذبه. وبقبوله،
يحيط نفسه بأُناس مخطئين غير مخلصين.

 

«« وكذلك فإنَّ ناقل
الكذب يُعتبر كاذباً، وشريكاً في نشر الكذب. وقد يقع تحت هذا العنوان أيضاً مروجو
الشائعات الكاذبة. بل قد يقع في هذا الفخ، البسطاء الذي يُصدِّقون كل ما يسمعونه!
ويتكلَّمون عنه. كأنه حقيقة، دون فحص أو تدقيق. وفي الحقيقة لا نستطيع أن نُسمِّي
مثل هذه بساطة. لأنَّ البساطة في جوهرها هى عدم التعقيد، وليس قلة الفهم أو البعد
عن الحكمة والتدقيق. ونحن نؤمن بالبساطة الحكيمة، وبالحكمة البسيطة…

 

«« اثنان يشتركان في
خطية الكذب: قابل الكذب، وناقل الكذب. وكلاهما يشتركان مع الكاذب الأصلي في نشر
كذبه.

 

وإن كانت بعض المشاكل
تتسبَّب أحياناً من نقل الكلام، فإن أقل الناس ضرراً مَن ينقلون الكلام هو، كما
يفعل جهاز تسجيل الصوت (الريكوردر) الأمين المُخلص، الذي لا يزيد شيئاً على ما
قيل، ولا ينقص، بل يُعطي صورة دقيقة صادقة عمَّا قيل.

 

«« إنَّما بعض الأشخاص
قد يسمع كلاماً، فيتناوله ويضيف عليه رأيه الخاص ومفهومه الخاص، واستنتاجه وأغراضه
وظنونه، ويُقدِّم كل ذلك معاً لإنسان آخر، كأنه الكلام المُباشر الذي سمعه مِمَّن
نطق به!!

 

«« انظروا يا إخوتي ماء
النيل وقت الفيضان، وهو بني اللون من كثرة ما حمل من طمي… هذا الماء كان في أصله
ماءً نقيَّاً صافياً رائقاً عندما نزل مطراً من السماء على جبال الحبشة. ولكنه
طوال رحلته في الطريق، كان ينحت الطمي من الصخور، ويختلط بالطين حتى وصل إلينا في
الفيضان بصورته وهو بُني اللون طيني…

 

هكذا كثير من الأخبار
التي تصل إليك مُشبَّعة بالطين، رُبَّما كانت رائقة صافية في بادئ الأمر. والفرق
بينها وبين ماء النيل، أن طينه مُفيد للأرض. أمَّا الطين الذي خلطه الناس في نقلهم
للأحاديث، فإنه ضار وخطر ومُفسد للعلاقات…

 

«« كثير من الأخبار
عندما تصل إليك، تكون أخبار مختلفة جداً عن الواقع. وسأضرب لذلك مثلاً:

 

مُجرَّد خبر هو: حدث
حوار ساخن بين صديقين في أحد الموضوعات. وصل هذا الخبر إلى زميل لهما فقال:
“وقد سمعت أن أحدهما جرح شعور صديقه أثناء الحوار جرحاً غائراً، وأهانه إهانة
شديدة”. ووصل هذا الكلام إلى شخص آخر، فأضاف: ” وطبيعي أن هذا الذي أهين
قد غضب غضباً شديداً وتألَّم “. ووصل الخبر إلى شخص ثالث، فقال: ” وسمعت
أيضاً أنه قال بعد ذلك: ” صديقي هذا هو خطيب أختي. فإن تزوَّجها سوف يهينها
كما أهانني، ويجعل حياتها مُرَّاً وعلقماً “. ووصل هذا الكلام إلى شخص رابع،
فأضاف: ” وقد سمعت أنه ذهب إلى أسرته محملاً بهذه المشاعر، وحكى لهم كل شيء
وهو متضايق ومتألِّم “. وسمع هذا الكلام شخص خامس، فقال: ” وطبيعي أن أب
هذه الأُسرة قال في اجتماع عائلي: نشكر اللَّه الذي كشف لنا هذا الشخص العنيف قبل
أن يتزوج ابنتنا. لا شكَّ أنه إذا تمَّ زواجه بها، سيجعل حياتها جحيماً لا يُطاق
“. ووصل هذا الكلام إلى شخص سادس، فقال: ” ولابد أنه في اجتماع الأُسرة
نوقش موضوع فك تلك الخطوبة “. ووصل هذا الكلام إلى شخص سابع، فأسرع ونشر
خبراً في إحدى المجلات بعنوان: (مأساة فتاة مخطوبة)، قال فيه: “حدثت مشادة
حامية بين صديقين، أدَّت إلى خلاف بينهما، ثم بين أُسرتيهما. وانتهى بفك الخطوبة
التي بين أحدهما وأخت الآخر. وانتظروا التفاصيل بالأسماء في العدد المُقبل”.

 

«« حدث كل هذا بينما
الصديقان اعتبرا حوارهما موضوعياً وليس شخصياً. وخرجا منه وهما في صفاء تام، دون
أن يترك أي أثر سيئ في نفسية أحدهما ضد الآخر. ولكن هكذا كانت رحلة الخبر عن
حوارهما الساخن.

 

لذلك أقول مرَّة أخرى:
لا تُصدِّق كل ما يُقال. بل حقِّق ودقِّق، قبل أن تُصدِّق.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى