علم

41- القديس أمبرسيوس عن العذارى



41- القديس أمبرسيوس عن العذارى

41- القديس أمبرسيوس عن العذارى

ويدعو
أسقف ميلانو العذارى لأن يملأنَ حياتِهِنْ بالمخافة لتُسيِج حولهِنْ بالأمان
والسَّلام في الكنيسة التي تمنح الحماية لأنها تشتاق إلى مسرِّة أولادها وبناتها،
وهي نفسها مثل ”سُورٌ وثديَاها كَبُرجينِ“ (نش 8: 10) تعتني بهِنْ دوماً فتنتهي
مخاوِفِهِنْ من الهجمات المُضادَّة التي للعدو الشِّرِّير، وهي كأُم مُترفِقة تهتم
بأولادِها فمتنحهم الحُبْ والسَّلام ولهذا يقول النبي ”لِيكُنْ سلام في أبراجِكِ
راحة في قُصُورِكِ“ (مز 122: 7).

 

ويرى
الكاتِب أنَّ طغمات الملائكة تحرُس العذارى حِراسة خاصَّة لأنَّهُنْ في عِفَتِهِنْ
الغير دَنِسة يحفظنَ خَدْر العريس الرب مُقدساً ”فلا عجب إن كانت الملائِكة
تُحارِب من أجلِكُنْ، لأنَّكُنْ تُحارِبنَ أيضاً بحياة ملائِكية“.

 

وبعد
أن شبَّه العذارى بالملائِكة وأوضح أنَّ طغمات الملائِكة تحرسهُنْ، أراد أن
يُجمِّل حديثه فقال أنَّ العِفة تصنع من العذارى ملائِكة، ومَنْ يحفظ بتوليته يصير
ملاكاً ومَنْ يفقِدها يُصبِح شيطاناً، والعذراء عروس للرب، بل أنَّ العذارى
يتمتَّعنَ الآن بعربون القِيامة لأنه مكتوب ”لأنَّهُمْ في القِيامة لا يُزوِّجون
ولا يتزوَّجون بل يكُونُون كملائِكة الله في السماء“ (مت 22: 30) فما وُعِدنا به
في القِيامة، تناله العذارى الآن وتتحقَّق غاية صلواتِهِنْ، إذ أنَّهُنْ بعد في
العالم، ومع ذلك لَسَنَ منه، ومع أنَّهُنْ يعِشنَ في هذا الزمان الحاضِر إلاَّ أنه
لا يعوق إنطلاقِهِنْ.

 

ويُقدِّم
القديس مُقارنة رائِعة بين الملائِكة الساقطين والعذارى المُرتفِعات فيقول: ”أي
عجب أنَّ ملائِكة بسبب عِصيانِهِمْ سقطوا من السماء إلى هذا العالم، بينما العذارى
بسبب عِفَتِهِنْ ارتفعنَ إلى السماء من هذا العالم“، فهؤلاء العذارى المُرتفِعات
المُطوِبات لا يغويهنْ الجسد بمسرَّاته ولا تسقُطَهِنْ الملذات الخادِعة، ولا
ينصرِفنَ إلى شهوة الشَّراهة والنهم، عالِمات أنَّ الجهل يقود إلى طريق الشهوات في
الخطية، الأمر الذي انخدع به كثيرون، حتّى أنَّ شعب الله بعد أن جلسوا يأكلون
ويشربون أنكروا الله (خر 32: 5).

 

ويتناول
القديس قضية غاية في الأهمية ويُعالِجها بحكمة أبوية رسولية، تلك هي قضية هؤلاء
العذارى اللائي يشتقنَ إلى نذر بتوليتِهِنْ وعِفَتِهِنْ للعريس السمائي ولكنَّهُنْ
يجدنَ المُقاومة والمُعارضة من ذوويهم أو أُمَّهاتِهِم الأرامِل ولهؤلاء يقول: ”إن
أرادت بناتِكُم الاقتران برجُل عن حُبْ، فإنَّهُنْ بموجب القانون الكنسي يخترنَ
مَنْ يرغبنَ في الزواج منه، فهل يليق أن يُسمح لهُنْ باختيار إنسان ويُمنعنَ من
اختيار الله؟“.

 

ويتحدَّث
القديس عن عذارى كثيرات هُنْ جوقة من العفيفات، تركنَ مباهِج العالم ليسكُنَّ في
قُدْس البتولية، ويذكُر أنَّ كثيراً من نذيرات العِفة المُتبتِلات تركنَ الأهل
لِيَعِشنَ في شَرِكَة البتولية، في بيوت المسيح كجُنديات سلاحِهِنْ الوحيد
عِفَتِهِنْ، يُرَتِلنَ ويُسَبِحنَ بالتراتيل الروحية، ومن عمل أيادِيهنْ يَنَلْنَ
قُوتِهِنْ اليومي غير مُعتمِدات على أحد..

 

ويستطرِد
أمبرو سيوس ”وازداد إنجذاب العذارى لحياة البتولية، لأنَّ سعيِهِنْ لاقتناء فضيلة
الطهارة كان ينمو ويزداد مع الأيام، مُحلِقات بحُرية أكثر كأنَّ أجنحة قد نبتت
لهُنْ تُرفرِف خفَّاقة، تُحلِّق بهِنْ إلى منازِل العِفة، مُتهلِلاَت ناسِيات بيت
الأب الجسدي لِيدخُلنَ إلى جمال الطهارة بيت العِفة المُسَيَجْ (بيت الآب
السماوي)..“.

 

يرى
القديس أنه أمر صالِح أن تتقِد في الوالدين غيرتِهِما على بناتِهِمْ العذارى، وإذا
ربحت ابنتهم العريس السمائي وإذا شبعت نِفوسِهِم به، فلن يعوزهم شيء ولن يَعوِز
عذراء المسيح شيء من ميراث أبيها الجِسداني ”فكم عظيمة هي فضيلة العِفة وكم فقيرة
هي هدايا العُرس الدِنيوية إذا ما قيست بها؟“.

 

ويحكي
كاتِبنا عن العذارى اللائي يُفضِّلنَ العِفة على ميراثِهِنْ الأرضي، وكيف يحدُث
أنَّ الوالدين يُعارِضان ابنتهُما ويتحدَّثان ضِدَّها، لكن سُرعان ما يرضخان لها،
فهما يُقاوِمان في بادِئ الأمر لعدم تصديق نية ابنتهُما وقد يُهدِّداها بحِرمانِها
من الميراث، ولكنها لا تخشى خُسارة دِنيوية مُؤقتة من أجل رِبح سمائي دائِم أبدي،
وقد يغويانها بمسرَّات كثيرة لكن العذراء لا ترضخ، لأنها تسعى إلى الانتصار في هذه
الحرب التي شُنَّت ضدَّها..

 

”اغلبي
أيتها العذراء شهواتِك وعاطِفتِك أولاً، فإن تغلبتِ على مُقاومة البيت أولاً غلبتِ
العالم..افترضي أنَّكِ لميراثِك الأرضي خاسِرة، أفلا يكفي عِوَضاً عن هذه القِنية
الزائِلة أن تنعمي بالجعالات الأبدية!! لأنَّ الرِسالة السمائية تقول: ’ليس أحد
ترك بيتاً أو والدين أو إخوةً أو امرأةً أو أولاداً من أجل ملكوت الله إلاَّ
ويأخُذُ في هذا الزَّمان أضعافاً كثيرةً وفي الدَّهرِ الآتي الحياة الأبدية‘ (لو
18: 29 – 30)..

 

ثِقوا
في إيمانكم بالله، اقرضوا المسيح الحارِس الأمين الذي يحفظ وديعة رجائكم ويمنحكم
هِبة الإيمان بأرباح مُضاعفة، والحق لا يخدع أبداً، وإن لم تُؤمِنوا بكلمة الله
آمِنوا بالأحرى بصِدق المواعيد التي تحقَّقت لكثيرين“.

 

بعد
ذلك يذكُر القديس قصة عذراء كانت من نبيلات هذا العالم، وهي الآن ”أكثر نُبلاً
وكرامة في نظر الله“، هذه صمَّم والِداها على أن يُزوِجاها، فاحتمت بالمذبح
المُقدس ”إذ أي مكان أفضل تلجأ إليه من ذلك المكان الذي تُقدَّم عليه الذبيحة
البتول؟“.

 

لقد
تَجَاسَرَتْ وهي قُربان الحِشمة وذبيحة العِفة، ووقفت أمام مذبح الله ويد الكاهِن
على رأسِها تستعطِفه أن يُصلي لأجلِها، وفي لهفة على عدم تأجيل مسعاها البَّار،
وضعت هامتها تحت المذبح قائِلةً ”أي ستر أعظم من هذا المذبح يُغطيني ويستُرني، فهو
الذي يُقدِّس السُتُور نفسها هذا الستر هو الأنسب والأفضل لي، الذي فوقه يُقدِّس
كلّ يوم المسيح نفسه رأس الجميع، ماذا أنتُم فاعِلون يا عشيرتي؟ ولماذا تُزعِجون
نفسي وفِكري بسعيُكُم لزيجتي؟ لقد استعدَّت نفسي للعُرس منذ زمان طويل، هل أتيتُم
إليَّ بعريسي الحقيقي؟ لقد وجدت عريساً آخر أفضل، فاصنعوا ما شِئتُمْ بثروتي،
وافتخروا ما شِئتُمْ بعريسكُم (أي العريس الذي يُريدون أن يُزوِّجوها له) ونُبْل
أصله وامدحوا قُوَّته، أمَّا أنا فقد اقتنيت ذاكَ الذي لا يُقارن بأحد، الغني
القوي في مملكته، المُمجَّد في سمائه.. إن كان لديكُم مثل هذا العريس أحضروه
إليَّ، لن أرفُضه، وإن لم تجدوه فإنكُم لا تحسِنوا إليَّ يا أقربائي بل..
تُؤذُونني!!“، ولمَّا رأى الجميع إصرارها على حياة التكريس البتولي انصرفوا
وتركوها لتمضي إلى عريسها السمائي.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى