بدع وهرطقات

16- مصير الأموات



16- مصير الأموات

16- مصير الأموات

جاء
في كتاب «مسامرات ودية» لبارثليت الحوار التالي بين أشخاص روايته:

 


بشارة: افرض يا سيد رجاء أنك في زيارة السيدة سلمى لتعزيتها على فقد زوجها، الذي
سيدفن غداً. فبم تعزيها على مصابها الأليم؟

مقالات ذات صلة

 


رجاء: لقد زرتها أمس، وأخبرتها أن زوجها كما كنت أعتقد أصبح في ذروة المجد. وقلت
لها إنه من الخطأ أن تتمنى لو يرجع إليها، بل أحرى بها أن تكون مستعدة للذهاب
إليه.

 


بشارة: وهل كنت تتبع في ذلك كلام الله؟

 


رجاء: يتضح لي الآن أنني أخطأت الهدف الأسمى، وما كنت بتابع إرشاد الرسول. ذلك
لأني نشأت في هذا الاعتقاد بأن المسيحي يذهب إلى ربه عند الموت، أما الآن فأظن
أننا إذا أردنا تعزية الحزانى بموجب الكتاب، علينا أن نلفت النظر إلى مجيء المسيح
والقيامة من الأموات.

 


بشارة: هذا صحيح. ولا بد أن السر في تحول أفكار الشعب عن مجيء الرب والقيامة، هو
لأنهم تعلموا أن الموت يحقق لهم ما لا يمكن تحقيقه إلا عند القيامة. ولو كان
الإنسان ينطلق ليكون مع الرب، فلماذا يتطلعون إلى القيامة؟ نحن الذين استنرنا بنور
الكتاب علينا أن نلفت أنظار الملوّعين بمصاب أليم إلى الرجاء المبارك، وهكذا نحيي
هذا التعليم في أذهانهم. لأنه بإهمالنا إياه يصبح الشعب جاهلاً لمثل هذه الحقائق
النيرة، ويتصور أن العالم باق كما هو عليه إلى ما لا نهاية له. والأبرار يدخلون
إلى السماء فور وفاتهم.

 


رجاء: ولكن ماذا يكون من أمر المسيحي عندما يموت؟ ترى أين ما هو بين الموت
والقيامة ومجيء المسيح؟

 


بشارة: ماذا يقول الكتاب؟ ألم تقرأ الآن أنه راقد في المسيح؟ يعني أن الموت ليس
سوى نوم، يستيقظ منه المائت في القيامة. فإن لم تكن قيامة فإن الذين رقدوا في
المسيح قد هلكوا، كما جاء في النص. فهم إذاً ليسوا بأحياء بين الموت والقيامة،
لأنهم لو كانوا أحياء يتمتعون بالنعيم فلماذا القيامة؟ فكأن القيامة لا لزوم لها.

 

يبدو
أن حضرة المؤلف، يعتقد أن الجسد هو كل ما في الإنسان، وليس له روح تصاحب جسده،
وتستقر فيه. وإنها سر حياته وحركته، وإنها تبارحه بالوفاة!! وإذ نستبعد تلاشي
الروح أو تناسخها، بقي أن نعرف ما حالها بعد الموت. هل تذهب في الحال إلى السماء؟

 

رأينا
في ما تقدم أن السبتيين يعلمون بأن الإنسان بعد الموت يبقى في حالة رقاد، لا
يستفيق منها إلا في يوم القيامة. ولكن هذا الرأي تنفيه النصوص الكتابية الصريحة
التالية:

 

«بِالإِيمَانِ
نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لا يَرَى المَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللّهَ
نَقَلَهُ – إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى اللّهَ»
(عبرانيين 11: 5). ومن الملاحظ أن الكلمة «نقل» ذُكرت ثلاث مرات في الكتاب العزيز،
وليس فيها ما يشير من قرب أو بعد إلى الرقاد.

 

«وَفِيمَا
هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَكَلَّمَانِ إِذَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ
نَارٍ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَصَعِدَ إِيلِيَّا فِي العَاصِفَةِ إِلَى
السَّمَاءِ» (ملوك الثاني 2: 11) وهنا يحق لنا أن نسأل السبتيين: هل يمكن أن ينام
الإنسان في مركبة من نار؟ وهل ذهب إيليا إلى السماء لينام إلى يوم القيامة؟ وما
قولهم في ظهوره للمسيح مع موسى على جبل التجلي حيث تكلما معه؟ هل كان النبيان
الكبيران في حالة رقاد؟ (الإنجيل بحسب متى 17: 1-8).

 

«فَمَاتَ
المِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ المَلائِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ
الغَنِيُّ أَيْضاً وَدُفِنَ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي
العَذَابِ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ،
فَنَادَى: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ
طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هذَا
اللَّهِيبِ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ
خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذالكَ لِعَازَرُ البَلايَا. وَالآنَ هُوَ
يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ. وَفَوْقَ هذَا كُلِّهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ
هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ، حَتَّى إِنَّ الذِينَ يُرِيدُونَ العُبُورَ
مِنْ ههُنَا إِلَيْكُمْ لا يَقْدِرُونَ، وَلا الذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ
إِلَيْنَا. فَقَالَ: أَسْأَلُكَ إِذاً يَا أَبَتِ أَنْ تُرْسِلَهُ إِلَى بَيْتِ
أَبِي، لأَنَّ لِي خَمْسَةَ إِخْوَةٍ، حَتَّى يَشْهَدَ لَهُمْ لِكَيْلا يَأْتُوا
هُمْ أَيْضاً إِلَى مَوْضِعِ العَذَابِ هذَا» (الإنجيل بحسب لوقا 16: 22-28).

 

كيف
يمكننا أن نتصور افتراق الإثنين حالاً، وإن أحدهما يتعزى والآخر يتعذب، وأن المعذب
يطلب من إبراهيم إرسال من يحذر إخوته الخمسة الذين لم يأتوا إلى الهاوية بعد؟ وهل
حدث هذا الحوار فيما بين إبراهيم ولعازر والغني في سُبات نوم الموت؟

 

حتى
لو افترض جماعة الأدفنتست السبتيين أن القصة رمزية، فإن الافتراض لا يستطيع
إخراجهم من المأزق، لأن الافتراض ذاته لا يستطيع إيجاد تفرقة لا توجد بعد. ثم كيف
يمكن أن نتصور مع افتراض قصة رمزية التفرقة بين تعزية وعذاب لم يختبرا بعد.

 

«لِيَ
اشْتِهَاءٌ
أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ المَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً» (فيلبي 1: 23)
«لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا
فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللّهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ،
أَبَدِيٌّ. فَإِنَّنَا فِي هذِهِ أَيْضاً نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ
نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا الذِي مِنَ السَّمَاءِ. وَإِنْ كُنَّا لابِسِينَ
لا نُوجَدُ عُرَاةً» (كورنثوس الثانية 5: 1-3).

 

فأي
معنى لهذه العبارات إذا لم يكن قائلها المشوق إلى سيده، والذي هو باق في الأرض
ملزماً لعرض الخدمة، يعتقد جازماً بأنه يذهب حالاً إلى ربه بعد الموت؟

 

«فَإِذاً
نَحْنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِينٍ وَعَالِمُونَ أَنَّنَا وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ
فِي الجَسَدِ فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ الرَّبِّ. لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ
نَسْلُكُ لا بِالعَيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ
الجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ» (كورنثوس الثانية 5: 6 و8).

 

فهل
يصح بعد هذا أن يقال بوجود فاصل بين التغرب عن الجسد والإستيطان عند الرب، اسمه
رقاد الموت؟! وإن هذا قد يستمر عند القديسين إلى يوم القيامة؟… ولِم لم يشر
الرسول إلى هذا يوم القيامة؟… ولمَ لمْ يشر الرسول إلى هذا الفاصل مع أنه كان
يتحدث عن قصة الحياة والموت، وحتى عن الوقوف أمام كرسي المسيح لتأدية الحساب؟!

 

ثُمَّ
قَالَ اللص لِيَسُوعَ: «
اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي
مَلَكُوتِكَ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ اليَوْمَ
تَكُونُ مَعِي فِي الفِرْدَوْسِ» (الإنجيل بحسب لوقا 23: 42-43).

 

لقد
سأل اللص أن يذكره الرب يسوع في يوم مجيئه. ولكن يسوع أعطاه أكثر من سؤاله، إذ قال
له القول المؤكد: اليوم آخذك معي إلى الفردوس. أي إلى مسكن المتوفين من أحباء
اللّه، وذلك قبل قيامة الأجساد والدينونة. ومما لا شك فيه أن يسوع أراد بعبارته
هذه أن يعلم جميع المؤمنين بأنهم عندما يموتون سوف يذهبون ليكونوا معه في منازل
الآب.

 

«فَكَانُوا
يَرْجُمُونَ
اسْتِفَانُوسَ
وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ
اقْبَلْ
رُوحِي» (أعمال 7: 59).

 

هنا
أسأل الأدفنتست السبتيين: هل قصد استفانوس أن يكون قبول الرب يسوع روحه، النوم إلى
يوم القيامة؟ وبالمناسبة ما هي نفوس الشهداء، التي رآها الرسول يوحنا في المجد،
بما فيها روح استفانوس طبعاً، وهي تصرخ قائلة: «حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ
القُدُّوسُ وَالحَقُّ، لا تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ السَّاكِنِينَ
عَلَى الأَرْضِ؟» فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَاباً بِيضاً، وَقِيلَ لَهُمْ أَنْ
يَسْتَرِيحُوا زَمَاناً يَسِيراً أَيْضاً حَتَّى يَكْمَلَ العَبِيدُ
رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ أَيْضاً، العَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ»
(رؤيا 6: 9-11).

 

فإن
كانت كل نفس تنام إلى يوم القيامة فبما نستطيع أن نفسر صراخ نفوس الشهداء؟

 

«فَيَرْجِعُ
التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجِعُ الرُّوحُ إِلَى اللّهِ الذِي
أَعْطَاهَا» (جامعة 12: 7).

 

في
هذه الآية يعلمنا الروح القدس، أن الإنسان ليس كالبهيمة، بل هوكمخلوق على صورة
الله، لا بد من بقاء روحه ورجوعها إلى الله عند انفصالها عن الجسد. وتبقى ذاتية
الإنسان ومسؤوليته بعد الموت.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى