اللاهوت الروحي

1- ما هو الخير؟



1- ما هو الخير؟

1- ما هو الخير؟

كلنا نؤمن بالخير،
ونريد أن نعمل الخير.

ولكننا نختلف فيما
بيننا في معنى الخير وفر طريقته.

وما يظنه أحدنا خيراً،
قد يراه غيره شراً!!

فما هو الخير إذاً؟ وما
هي مقاييسة؟

لكي نحكم على آي عمل
بأنه خير، ينبغي أن يكون هذا العمل خيراً في ذاته، وخيراً في وسيلته.. وخيراً في
هدفه، وبقدر الإمكان يكون أيضاً خيراً في نتيجته.

 

 وسنحاول أن نتناول هذه النقاط واحدة فواحدة،
ونحللها. وسؤالنا الأول هو: ما معنى أن يكون العمل خيراً في ذاته!

 

 وفى الواقع آن كثيرين – بنيه طيبة – قد يعملون
أعمالاً يظنونها خيراً. وهى على عكس ذلك ربما تكون شراً خالصاً..

 

 مثال ذلك الأب الذي يدلل ابنه تدليلاً زائداً
يتلفه، وهو يظن ذلك خيراً!! ومثال ذلك أيضاً الأب الذي يقسو على ابنه قسوة تجعله
يطلب الحنان من مصدر آخر ربما يقوده إلى الانحراف. وقد يظن ذلك الأب أن قسوته نوع
من الحزم والتربية الصالحة. ومن أمثلة الذين يظنون عملهم خيراً وهو شر في ذاته،
أولئك الذين عناهم السيد المسيح بقوله لتلاميذه: “تأتى ساعة يظن فيها كل من
يقتلكم أنه يقدم خدمة لله”.

 

 إن الناس يختلفون فيما بينهم في معنى الخير.
ويختلفون في حكمهم على الأعمال. ويتناقشون حول ذلك ويتصارعون. وقد يعمل أحدهم
عملاً، فيعجب به الناس ويمتدحونه، ويسرفون في مدحه، بينما يتضايق البعض من نفس هذا
العمل الذي يمدحه زملاؤهم. ويتناظر الفريقان، وكل منهما يؤيد وجهة نظره بأدلة
وبراهين، ويتولى الفريق الآخر الرد عليها بأدلة عكسية. ويبقى الحق حائراً بين هؤلاء
وهؤلاء.

 

 من أجل هذا كان على الإنسان أن يتمهل ويتروى،
ولا يتعجل في حكمه على الامور.

 

بل على العكس أيضاً أن
يعمل عملاً، ويحاول أن يتأكد أولاً من خيرية تصرفه. ومن أجل هذا أيضا أوجد الله
المشيرين وذوى الخبرة والفهم كإدلاء في طريق الحياة. وهكذا قال الكتاب المقدس
“الذين بلا مرشد يسقطون مثل أوراق الشجر”. وأوجد الله المربين والحكماء.
وجعل هذا أيضاً في مسؤلية الوالدين والمعلمين والقادة وآباء الاعتراف، وكل من
يؤتمنون على أعمال التوعية والإرشاد.

 

 ولكن يشترط في المرشد الذي يدل الناس على طريق
الخير، أن يكون هو نفسه حكيماً، وصافياً في روحه..

 

وينبغي أن يكون هذا
المرشد عميقاً في فهمه، لئلا يضل غيره من حيث لا يدرى ولا يقصد. ولهذا السبب لا
يصح أن يسرع أحد بإقامة نفسه على هداية غيره، فقد قال يعقوب الرسول: “لا
تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي، لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا”.. حقاً ما
اصعب السقطة التي تأتى نتيجة أن يتبوأ آي إنسان مسئولية الإرشاد فيضيع غيره..
ولهذا قال السيد المسيح: “أعمى يقود أعمى، كلاهما يسقطان في حفرة”.

 

 لذلك كان كثير من الأباء المتواضعين بقلوبهم
يهربون من مراكز القيادة الروحية، شاعرين أنهم ليسوا أهلاً لها، وخائفين من
نتائجها. وعارفين أن الشخص الذي يقود غيره في طريق ما، أو ينصح غيره نصيحة معينه،
إنما يتحمل أمام الله مسئولية نتائج توجيهاته ونصائحه، ويعطى حساباً عن نفس هذا
الشخص الذي سمع نصيحته. وقد قيل في ذلك إن نفساً تؤخذ عوضاً عن نفس.

 

 فعلى الإنسان حينما يسترشد أنه يدقق في اختيار
مرشديه، ولا يسمع لكل قول، ولا يجرى وراء كل نصيحة مهما كان قائلها. وأنا يتبع
الحق وليس الناس. وكما قال بطرس الرسول: “ينبغي أن يطاع الله أكثر من
الناس”. إذن الخير مرتبط بالحق، ومرتبط بكلام الله إن أحسن الناس فهمه، وإن
أحسنوا تفسيره، وإن ساروا وراء روحه لا حرفه.

 

 إن كلام الله هو الحق الخالص، والخير الخالص،
ولكن تفسير الناس لكلام الله قد يكون شيئاً آخر.

إن كلام الله يحتاج إلى
ضمير حي يفهمه، وإلى قلب نقى يدركه. وما أخطر أن نحد كلام الله بفهمنا الخاص!! وما
أخطر أن نغتر بفهمنا الخاص، ونظن أنه الحق ولا حق غيره، وانه الفهم السليم ولا فهم
غيره..!

 

 إن الذي يريد أن يعرف الخير، عليه أن يتواضع..

 

يتواضع فيسأل غيره،
ويقرأ ويبحث ويتأمل، محاولاً أن يصل وأن يفهم.. وحينما يسأل، عليه أن يسأل
الروحيين المتواضعين الذين يكشف لهم الله أسراره. وعليه أن يسأل الحكماء الفاهمين
ذوى المعرفة الحقيقية والإدراك العميق. وكما قال الشاعر:

 

فخذوا العلم على أربابه
واطلبوا الحكمة عند الحكماء

 

 لو كنا جميعاً نعرف الخير، ما كنا نتخاصم وما
كنا نختلف.. علينا إذن – في تواضع القلب – أن نصلى كما صلى داود النبي من قبل:
“علمني يا رب طرقك، فهمني سبلك”.

 

 إن الصلاة بلا شك هي وسيلة أساسية لمعرفة الحق
والخير، فيها وبها يكشف الله للناس الطريق السليم الصحيح.

 

 وهنا نسأل سؤالاً هاماً:

هل الضمير هو الحكم في
معرفة الخير؟ وهل نتبعه بلا نقاش؟

 أجيب وأقول: يجب على الإنسان أن يطيع ضميره،
ولكن يجب أيضا أن يكون ضميره صالحاً. فهناك ضمائر تحتاج إلى هداية. إن الأخ الذي
قتل أخته دفاعاً عن الشرف، أو الأخ الذي قتل أخته لأنها أرادت الزوج بعد زوجها
الأول.. ألم يكن كل منهما مستريح الضمير في قتله لأخته؟! ألم يسر كل منهما على هدى
من ضميره، وكان ضميره مريضاً؟!

 

 إن الضمير يستنير بالمعرفة: بالوعظ والتعليم،
بالاسترشاد، بالنصح، بالقراءة.. فلنداوم على كل هذا، لكي يكون لنا ضمير صالح أمام
الله..

 

 لأننا كثيراً ما نعمل عملاً بضمير مستريح،
واثقين أنه خير..!!

 

 ثم يتضح لنا بعد حين أنه كان عملاً خاطئاً!

 

فنندم على هذا العمل،
الذي كان يريحنا ويفرحنا من قبل.

وأمثال هذا العمل قد
يسمى في الروحيات أحياناً” خطيئة جهل”..

 

 إن الإنسان الصالح ينمو يوماً بعد يوم في معرفته
الروحية. وبهذا النمو يستنير ضميره أكثر، فيعرف ما لم يكن يعرفه، ويدرك أعماقاً من
الخير لم يكن يدركها قبلاً..

 

 وربما بعض فضائله السابقة تتضح له كأنها لا شيء،
بل قد يستصغر نفسه حينما كان يتيه بها في يوم ما..!

 

من هنا كان القديسون
متواضعين.. لأنهم كل يوم يكشفون ضآلة الفضائل التي جاهدوا من أجلها زمناً
طويلاً..!

 

وذلك بسبب نمو ضميرهم
وشدة استنارته في معرفة الخير..

والخير يرتبط بنسيانه..

 

 إذ ننسى الخير الذي نفعله، من فرط انشغالنا
بالسعي وراء خير آخر أعظم منه، نرى أننا لا نعمله نحن، وإنما يعمله الله بواسطتنا.
وكان يمكن أن يعمله بواسطة غيرنا، ولولا أنه من تواضعه ومحبته شاء أن يتم هذا
الخير على أيدينا، على غير استحقاق منا لذلك..

 

 ولكن ما هو الخير؟ وكيف يكون خيراً في ذاته؟ وفى
وسيلته؟ وفى هدفه؟ وفى نتيجته؟

 

 آري أنني قد طفت معك حول إطار هذه الصورة.. التي
ليتنا نستطيع أن نتأملها في مقال آخر إن أحبت نعمة الله وعشنا..

 

المقال مع
بعض التعديلات نُشِر في وقتٍ لاحق

 

ما هو الخير؟

كلنا نؤمن بالخير.
ونريد أن نعمل الخير.

ولكننا نختلف فيما
بيننا في معني الخير وفي طريقته. وما يظنه أحدنا خيراً. قد لا يراه كذلك! فما هو
الخير؟ وما هي مقاييسه؟

لكي نحكم علي أي عمل
بأنه خير: ينبغي أن يكون هذا العمل خيراَ في ذاته. وخيراً في وسيلته.. وخيراً في
هدفه. وبقدر الإمكان يكون أيضاً خيراً في نتائجه..

 

وسنحاول أن نتناول هذه
النقاط واحدة فواحدة. ونحللها.. وسؤالنا الأول: ما معني أن يكون العمل خيراً في
ذاته؟

 

في الواقع أن كثيرين
بنيّة طيبة قد يعملون أعمالاً يظنونها خيراً. وقد تكون علي عكس ذلك تماماً.

مثال ذلك الأب الذي
يدلّل ابنه تدليلا زائداً. يتلفه!

ومثال ذلك أيضا الأب
الذي يقسو علي ابنه قسوة تجعله يطلب الحنان من مصدر آخر ربما يقوده إلي الانحراف!

وقد يظن كل من هذين
الأبوين انه يفعل خيراً. وأن أسلوبه هو التربية السليمة الصالحة. بينما يكون مخطئاً
في فهم معني الخير..

وربما يكون الخير في
مرحلة متوسطة بين التصرفين: بين التدليل والشدة. وقد يكون في التدليل حيناً. وفي
الشدة حيناً آخر. حسبما تقتضي الظروف والأسباب.

 

وإذا شك إنسان فيما
يكون خيراً. عليه أولاً أن يتروي حتي يتثبت. ومن الممكن ايضاً أن يسترشد بغيره.

يستشير شخصاً راجح
الفكر وواسع العقل. وذا خبرة في مثل هذا الأمر. فيضيف إلي عقله عقلاً. وربما يطرق
معه زاوية معينة. أو يعرض له بعض ردود الفعل.

من أجل ذلك أوجد الله
المشيرين وذوي الخبرة والفهم. كل منهم دليل في طريق الحياة. كما أوجد المربين والحكماء.
وجعل هذه المشورة أيضاً في مسئولية الوالدين والمعلمين والقادة. وكل من يؤتمنون
علي التربية والتوعية والإرشاد.

 

ولكن يُشترط في المرشد
الذي يدل الناس علي طريق الخير. أن يكون هو نفسه حكيماً. صافياً في روحه.

وينبغي أن يكون هذا
المرشد عميقاً في فهمه. لئلا يضل غيره من حيث لا يدر ي ولا يقصد. فقد قال السيد
المسيح “وأعمي يقود أعمي. كلاهما يسقطان في حفرة”.

حقاً ما أصعب السقطة
التي تأتي نتيجة أن يتبوأ إنسان غير مؤهل مسئولية الارشاد. فيضّيع غيره. فلا يصح
إذن أن يسرع شخص باقامة نفسه علي هداية غيره. نتيجة ثقة زائفة بذاته.

لذلك كان كثيرون من
المتواضعين يهربون من مراكز القيادة الروحية. عارفين ان الشخص الذي يقود غيره في
طريق ما. أو ينصح غيره نصيحة ما. إنما يتحمل أمام الله مسئولية نصائحه وإرشاداته.

 

فعلي الإنسان حينما
يسترشد. أن يدقق في اختيار مرشديه:

ولا يسمع لكل قول. ولا
يجري وراء كل نصيحة مهما كان قائلها. ولا يتبع الناس بل يتبع الحق. لأنه
“ينبغي ان يطاع الله اكثر من الناس” فنصائح الناس يجب أن تكون موافقة
لوصايا الله.

إذن الخير مرتبط بالحق
الخالص. ومرتبط بكلام الله إن أحسن الناس فهمه. وإن أحسنوا تفسيره. وإن ساروا وراء
روحه لا حرفه.

إن كلام الله هو الحق
الخالص. والخير الخالص

ولكن تفسير الناس لكلام
الله. قد يكون شيئا آخر!

إن كلام الله يحتاج إلي
ضمير حي يفهمه. وإلي قلب نقي يدركه. وما أخطر ان نحدّ كلام الله بفهمنا الخاص! وما
أخطر أن نفتر بفهمنا. ونظن أنه الحق ولا حق غيره! وانه الفهم السليم ولافهم غيره!

 

إن الذي يريد أن يعرف
الخير. عليه أن يتواضع..

يتواضع. فيسأل ويقرأ
ويبحث ويتأمل. محاولاً أن يعمل وأن يفهم. وحينما يسأل. عليه أن يسأل الروحيين
المتواضعين الذين يكشف لهم الله أسراره. كما يسأل الحكماء الفاهمين. ذوي المعرفة
الحقيقية والإدراك العميق. وكما قال الشاعر:

فخذوا العلم علي
أربابه.. واطلبوا الحكمة عند الحكماء

لو كنا جميعا نعرف
الخير. ما كنا نتخاصم وما كنا نختلف..

علينا إذن في تواضع قلب
أن نصلي كما صلي داود النبي من قبل: “علّمني يارب طرقك.. فهمني سبلك”.

إن الصلاة بلاشك. هي
وسيلة أساسية لمعرفة الحق والخير.

وبها يكشف الله للناس
الطريق السليم الصحيح.

 

وهنا نسأل سؤالاً
هاماً:

هل ضمير كل إنسان هو
الحكم في معرفة الخير؟ وهل يتبعه بلا نقاش؟

بداءة أقول: يجب علي كل
إنسان أن يطيع ضميره. ولكن يجب ايضا أن يكون ضميره صالحا. فهناك ضمائر تحتاج إلي
هداية.

إن الأخ الذي قتل اخته
دفاعاً عن الشرف!. أو الأخ الذي قتل أخته. لأنها أرادت ان تتزوج بعد وفاة زوجها
الأول.. ألم يكن كل منهما مستريح الضمير في قتله لأخته؟! ألم يسر كل منهما علي هدي
من ضميره. وكان ضميره مريضاً؟!

إن الضمير يستنير
بالمعرفة: بالوعظ والتعليم والإرشاد والنصح. وبالقراءة السليمة.. فلنداوم علي كل
ذلك. لكي يكون لنا ضمير صالح أمام الله.

لأننا كثيراً ما نعمل
عملاً بضمير مستريح. واثقين انه خير! ثم يتضح لنا بعد حين انه كان عملاً خاطئاً.
فنندم علي ذلك العمل الذي كان يريحنا ويفرحنا من قبل!

ومثل هذا العمل قد يسمي
في الروحيات أحياناً “خطيئة جهل”.

 

إن الإنسان الصالح ينمو
بعد يوم في معرفته الروحية

وبهذا النمو يستنير
ضميره اكثر. ويعرف ما لم يكن يعرفه. ويدرك أعماقاً من الخير لم يكن يعرفها قبلاً.
وربما بعض فضائله السابقة يتضح له كأنها لاشيء. بل يستصغر نفسه حينما كان يتيه بها
في يوم ما!

من هنا كان القديسون
متواضعين.. لأنهم بنموهم في الفضيلة يتكشفون كل يوم ضآلة الفضائل التي جاهدوا من
أجلها زماناً طويلاً!

وذلك بسبب نمو ضميرهم.
واستنارته في معرفة الخير.

 

الخير أيضا يرتبط بنسيانه:
إذ ننسي الخير الذي نفعله. من فرط انشغالنا بخير أعظم نريد أن نعمله..أو ننسي اننا
عملنا هذا الخير. موقنين أن الله هو الذي عمله بواسطتنا. وكان يمكن ان يعمله
بواسطة غيرنا. لولا أنه من تواضعه ومحبته. شاء أن يتم هذا الخير علي أيدينا. علي
غير استحقاق منا لذلك.

ما هوالخير؟

الخير هو ان ترتفع فوق
ذاتك ولذاتك. وأن تطلب الحق أينما وجد. وتثبت فيه. وتحتمل لأجله. الخير هو النقاء
والقداسة والكمال.

 

الخير لا يتجزأ. فلا
يكون انساناً خيراً وغير خير في نفس الوقت.

أي لا يكون صالحاً
وشريراً في وقت واحد.

الإنسان الخير ليس هو
الذي تزيد حسناته علي سيئاته. فربما سيئة واحدة تتلف نقاوته وصفاء قلبه. إن
ميكروبا واحداً كاف لأن يلقي إنساناً علي فراش المرض. ليس هو محتاجاً إلي مجموعات
متعددة من الجراثيم. لكي يحسب مريضاً!! تكفي جرثومة واحدة. هكذا خطية واحدة تضيّع
نقاوة الإنسان.

 

إن الشخص الشرير ليس هو
الذي يرتكب كل أنواع الشرور.

إنما بواسطة شر واحد
يفقد نقاوته. مهما كانت له فضائل متعددة.

فالسارق إنسان شرير.
لانحسبه من الأخيار. مهما كان في نفس الوقت لطيفاً أو بشوشاً. أو متواضعاً أو
متسامحاً. أو كريماً أو خدوماً.

والظالم إنسان شرير.
وكذلك القاسي والشتّام. وقد يكون أي واحد من هؤلاء شجاعاً. أو مواظباً علي الصلاة
والصوم!

فإن أردت أن تكون
خيّراً. سر في طريق الخير كله. ولا تترك شائبة واحدة تعكر نقاء قلبك. ولا تظن انك
تستطيع ان تغطي رذيلة بفضيلة.. أو أن تعوّض سقوطك في خطيئة معينة. بنجاحك في زاوية
أخري من زوايا الخير.. بل في المكان الذي هزمك الشيطان فيه. يجب أن تنتصر.. علي
نفس الخطية. وعلي نفس نقطة الضعف.

 

كن خيّراً. وقس نفسك
بكل مقاييس الكمال. وأعرف نواحي النقص التي فيك. وجاهد لكي تنتصر عليها..

فنحن مطالبون بأن نسير
في طريق الكمال حسبما نستطيع. لأن النقص ليس خيراً.

والخير ليس هو فقط أن
تعمل الخير. بل بالأكثر ان تحب الخير الذي تعمله. فقد يوجد إنسان يفعل الخير
مرغماً دون أن يريده. أو أن يعمل الخير بدافع من الخوف. أو بسبب الرياء. لكي ينظره
الناس. أو لكي يكسب مديحاً أو لكي يهرب من انتقاد الآخرين…!

وقد يوجد من يفعل الخير
وهو متذمر ومتضايق. كمن يقول الصدق ونفسيته متعبة. ويود لو يكذب وينجو. أو من
يتصدق علي فقير. وهو ساخط وبوده ألا يدفع!

فهل نسمي كل ذلك خيراً؟

بل عمق الخير. هو محبة
الخير الذي تفعله…

 

فقد يوجد من يفعل الخير
لمجرد إطاعة وصية الله. دون أن يصل قلبه إلي محبة الوصية! كمن لا يرتكب الزنا
والفحشاء. لمجرد وصية الله التي تقول “لا تزن”. دون أن تكون في قلبه
محبة العفة والطهارة! وفي ذلك قال القديس جيروم: يوجد أشخاص عفيفون وطاهرون
بأجسادهم. بينما تكون نفوسهم زانية!

مثال آخر: من يدفع من ماله
صدقة للفقراء. لمجرد إطاعة الوصية. ويكون كمن يدفع ضريبة أو جزية! دون ان تدخل
محبة الفقراء إلي قلبه..

 

كل هؤلاء اهتموا بالخير
في شكلياته. وليس في روحه. والخير ليس شكليات. وليس لونا من المظاهر الزائفة. إنما
هو روح. ويكمن في القلب

لذلك فاختبار الخير يكون
بمعرفة حالة القلب من الداخل.

ولكي نحكم علي أي عمل
بأنه خير. يجب أولاً أن نفحص دوافعه وأسبابه وأهدافه. فالدوافع هي التي تظهر لنا
خيرية العمل من عدمها.

فقد يوبخك اثنان:
أحدهما بدافع الحب. والآخر بدافع الإهانة.. ويكون عمل أحدهما خيراً. وعمل الآخر
شراً. وقد يشترك اثنان في تنظيم سياسي وطني: أحدهما من أجل حب الوطن والتفاني في
خدمته. والآخر من أجل حب الظهور أو حب المظاهر. وهنا الهدف يختلف. والنية تختلف..

 

الخير أيضاً ليس عملاً
مفرداً أو طارئاً. إنما هو حياة

فالشخص الرحيم ليس هو
الذي أحياناً يرحم. أو الذي ظهرت رحمته في موقف معين.. إنما الرحيم هو الذي تتصف
حياته كلها بالرحمة. فتظهر الرحمة في كل أعماله. وفي كل معاملاته: في أقواله وفي
مشاعره. حتي في الوقت الذي لا يباشر فيه عمل رحمة.

الخير هو اقتناع داخلي
بالحياة الصالحة. مع إرادة مثابرة مجاهدة في عمل الخير وتنفيذه.. هو حب صادق
لفضيلة. مع حياة فاضلة.

الخير هو شهوة في القلب
لعمل الصلاح. تعبر عن ذاتها وعن وجودها بأعمال صالحة. وليس هو مجرد روتين آلي
للعمل الصالح.

ما لم يصل الإنسان إلي
محبة الخير. والتعلق به. والحماس لأجله. والجهاد لتحقيقة. فهو لا يزال في درجة
المبتدئين.

“وللمقال
بقية”.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى