هل عقيدة التثليث واضحة في العهد القديم ؟
يقول البعض إن كان التثليث عقيدة كتابية ، فلماذا لم تكن واضحة في العهد القديم ، ولماذا لم يعتنقها رجال العهد القديم ؟
كانت عقيدة التثليث مخفية في طيات أسفار العهد القديم ، ولم تشاء الحكمة الإلهية الإعلان عنها في تلك العصور المبكرة ، ولاسيما أن الشعب الذي كان يعرف الله حينذاك هو الشعب اليهودي فقط كقطيع صغير مُحاط بالشعوب الوثنية التي تؤمن بتعدد الآلهة ، فلو تم الإعلان عن عقيدة الثالوث في هذه المرحلة المبكرة التي تمثل الطفولة الروحية للبشرية لقوى الشعور لدى اليهود بتعدد الآلهة، ولا ننسى أن الشعب اليهودي كان متأثراً بعبادة الوثنيين ، فمثلاً بعد خروجه من أرض مصر وغياب موسى عنه صنعوا عجلاً من ذهب وعبدوه قائلين " هذه آلهتك ياإسرائيل التي أخرجتك من أرض مصر " .. لقد كان شعب إسرائيل متأثراً بعبادة عجل أبيس ، وعلى مدار تاريخ بني إسرائيل كثيراً ما سقطوا في عبادة الأوثان ، حتى أن سليمان أحكم من على الأرض سقط في العبادات الوثنية تحت إغراء زوجاته الوثنيات ، ولذلك لم يعلن الله عن عقيدة التثليث في العهد القديم .
ولكن عندما نضجت البشرية بالتجسد الإلهي ، وعاينا بأعيننا الله متجسداً ولمسناه بأيدينا ، وسمعناه بآذاننا يحدثنا عن وحدانيته مع الآب ، وأنه سيرسل لنا الروح القدس المنبثق من الآب . عندئذ انفتح ذهن البشرية وبدأت تقبل هذه العقيدة الإلهية ، وجاءت قمة الإعلان في معمودية الرب يسوع ، ومع هذا فانه كان هناك آيات كثيرة في العهد القديم عندما نتأملها نقف مواجهة أمام عقيدة التثليث والتوحيد ، ومن أمثلة هذه الآيات ما يلي :
[list=1]
وهنا نلاحظ أن الفعل " برا " بالعبرية أي " خلق " بالعربية جاء في صيغة المفرد إشارة إلى وحدانية الله ، بينما جاء الفاعل "الوهيم" بالعبرية أي " الله " بالعربية في صيغة الجمع إشارة للثالوث القدوس ، فالوهيم كلمة عبرية معناها الآلهة ( ال يم في العبرية تفيد الجمع ) ومفردها إلوه ، وهي كلمة مشتقة من الإسم إيل ومعناها في العربية الأول أو المبتدأ أو القويم ، وكلمة الوهيم في اللغة العبرية تساوي في العربية "اللهم " وهي تمثل نداء لله الواحد الجامع ، فعندما نقول نحن " اللهم إرحمنا " فإننا ندرك معناها إذ نطلب الرحمة من الثالوث القدوس الآب والإبن والروح القدس ، ولكن عندما يقولها الموحدون الذين يرفضون عقيدة التثليث فانهم يعجزون عن تفسيرها ، لأنه ليس أمامهم إلاَّ الإعتراف بالتثليث أو السقوط في الشرك ، وقد أدرك رسول الإسلام هذه الحقيقة ولذلك أراد أن يكتب في الصحيفة التي حوت صلح الحديبة " بسم الله " ولكن كفار قريش ضغطوا عليه وكتبوا " بسم اللهم " .
وقد وردت كلمة الوهيم في العهد القديم 2555 مرة منها 2310 تخص الثالوث القدوس ولذلك جاءت الأفعال بصيغة المفرد ، ومنها 245 تخص آلهة الأمم أي الأصنام ولذلك جاءت الأفعال في صيغة الجمع ( راجع إيماننا الأقدس للمتنيح الأنبا يؤانس مطران الغربية)
وقد جاء الفعل " قال " وبالعبرية " فايومر " ، وكذلك الفعل " رأى " وبالعبرية "فايارى" في صيغة المفرد إشارة إلى وحدانية الله ، وجاء الفاعل " الله " وبالعبرية "ايلوهيم" في صيغة الجمع إشارة للثالوث القدوس .
والإشارة إلى الثالوث القدوس هنا واضحة في القول " نعمل " ، " صورتنا كشبهنا " ، وقد يتساءل البعض : لماذا لا يكون المقصود من الفعل " نعمل " ليس هو التثليث لكن المقصود هو تشاور الله مع ملائكته ؟
هذا التساؤل يكون صحيحاً لو أن الملائكة شاركوا الله في خلقة الإنسان ، ولكن الحقيقة أن الخالق هو الله وحده ، والإنسان خُلِق على صورة الله وحده " فخلق الله الإنسان على صورته . على صورة الله خلقه " ( تك 1 : 27 )
جاء الفعل " قال " في صيغة المفرد إشارة لوحدانية الله ، و " كواحد منا " إشارة واضحة للاقانيم الثلاثة .
فالأسلوب يدل على أن هناك شخصاً يخاطب آخر ، ولا يمكن أن يكون المقصود أن الله يخاطب الملائكة ، لأن نزول الله وبلبلته للألسنة هي في الحقيقة إبداع للغات جديدة ، والملائكة لا يشاركون الله في الإبداع . إذاً لا مناص من أن أحد الاقانيم يخاطب الاقنومين الآخرين .
وهنا إشارة خفية لاقنومين من الاقانيم الثلاثة الاقنوم الأول واضح من قوله "فأمطرالرب " وُالاقنوم الثاني واضح من قوله " من عند الرب " .
فقولـه " يهوه إله آبائكم " إشارة للوحدانية ، وقوله " إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب " إشارة للاقانيم الثلاثة .
وتظهرالوحدانية هنا في قوله " إسمي " ، و " أنا أباركهم " ويظهر الثالوث القدوس من تكرار الرب ثلاث مرات ، ومن الواضح أن المقصود بـ "يباركك الرب ويحرسك " اقنوم الآب ، لأن الآب هو مصدر كل بركة وحارس الكل ، والمقصود بـ " يضئ الرب بوجهه عليك ويرحمك " اقنوم الإبن ، والدليل على هذا قول الرب يسوع عن نفسه " النور قد جاء إلى العالم " ( يو 3 : 19 ) وقال أيضاً " أنا هو نور العالم " ( يو 8 : 12 ) " مادمت في العالم فأنا نور العالم " ( يو 9 : 5 ) والمقصود بقوله " يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلاماً " اقنوم الروح القدس مانح السلام والمعزّي والمريح والمعين والشفيع .
ففي هذه الآية نرى فيها اقنوم الإبن " كلمة الرب " واقنوم الآب " الرب " واقنوم الروح القدس " بنسمة فيه "
وهنا نجد اقنوم الإبن الجالس على العرش والممسوح من الآب ويلقبه بلفظ الجلالة " ياالله " واقنوم الآب الماسح الإبن " مسحك الله " وقد تمت المسحة بالروح القدس .
فداود النبي الذي يعتقـد ويؤمن بوحدانيـة الله يذكر هنا اقنومي الآب "الرب" واقنوم الإبن " لربي " .
13- " يارب .. أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أختفي " ( مز 139 : 1 ، 7 )
ويذكر هنا داود النبي اقنوم الآب " يارب " ، واقنوم الروح القدس "روحك"، واقنوم الإبن " وجهك " لأن الإبن هو صورة الآب .
وهنا نرى اقنوم الآب " إلهي " واقنوم الروح القدس " روحك " .
فعندما ثبت " الآب " السموات كان هناك " الإبن " خالقاً لأن الآب خلق كل شئ بالإبن ، ووهب الحياة بروحه القدوس .
وهنـا نجـد الإشارة لوحدانيـة الله لأنـه يذكـر الأفعال بصيغة المفرد " صعد " و " نزل " ، و" جمع " ، و " ثبت " ثم نجد الإشارة للثالوث القدوس فيشير للآب " ما إسمه " ويشير لاقنوم الإبن " وما إسم إبنه " .
وجاء في بعض التقاليد اليهودية أن معلمي اليهود إعتادوا أن يلقوا هذه الآية على مسامع تلاميذهم في صورة أسئلة ليتبينوا من الإجابة عليها مبلغ إعتقادهم في الله جلًَّ شأنه ، فيقولون لهم : من صعد إلى السموات ونزل ؟ فيجيبونهم : الخالق . ثم يسألونهم : من جمع الريح في حفنتيه ؟ فيجيبونهم : الخالق . ثم يسألونهم : من صرَّ المياه في ثوب ؟ فيجيبونهم : الخالق . ثم يسألونهم أيضاً: من ثبَّت جميع أطراف الأرض ؟ فيجيبونهم : الخالق . ثم يسألونهم : وما إسمه؟ فيجيبونهم : يهوه العظيم . ثم يسألونهم أخيراً : وما إسم إبنه ؟ فيجيبونهم في وقار قائلين : هذا سر يفوق العقول (القمص ميخائيل مينا – علم اللاهوت جـ 1 ص 177 ) .
فالإشارة للوحدانية واضحة في أن الجالس على العرش واحد لا أكثر ، والإشارة للتثليث واضحة في تثليث التقديس .. قدوس أيها الآب .. قدوس أيها الإبن .. قدوس أيها الروح القدس . أو بتعبير آخر قدوس وجودك ياالله .. قدوس عقلك وحكمتك ياالله .. قدوس حياتك ياالله .. وفي نفس الرؤية نجد إشارة أخرى للتوحيد والتثليث "ثم سمعت صوت السيد قائلاً من أرسل ومن يذهب من أجلنا " فالوحدانية واضحة في " صوت السيد " والتثليث واضح في " من أجلنا " .
فالمتكلم هنـا اقنوم الإبن ، ويظهر اقنوم الآب من قوله " من وجـوده " أي منذ وجود الآب أي من الأزل ، والاقنوم الثالث واضح في قوله "وروحهُ ".
والإشارة هنا للثالوث القدوس واضحة ، فاقنوم الروح القدس " روح السيد الرب " هو الذي مسح الإبن ، واقنوم الآب هو " السيد الرب " الذي مسح الإبن بروحه القدوس ، واقنوم الإبن هو الممسوح من الآب بالروح القدس "مسحني " .
وهنا نرى اقنوم الآب يتكلم " وأقيم " واقنوم الإبن الذي أشار إليه " هذا هو إسمه .. الربُّ برُّنا " .
فاقنوم الإبن هو " مثل إبن الإنسان" في حالة تجسده ، وهو الذي تتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة وسلطانه أبدي وملكوته أبدي ، وأشار إلى اقنوم الآب بـ " القديم الأيام "
