نصان متشابهان للدسقولية – وهي من ضمن المراسيم الرسولية
الدسقولية ليست بانفرادها مصدر من مصادر طقوس الكنيسة أو قوانينها مستقله بذاتها وليست هي كل المصادر ولا يُعتمد عليها وحدها دون المصادر الإلزامية الأخرى ( مثل باقي القوانين الرسولية والآبائية والمؤكدة في المجامع المقدسة ) ، والدسقولية تُعتبر من ضمن المراسيم الرسولية التي مصدرها ثمانية كتب ، أي أن المراسيم الرسولية التي تتضمن تعاليم وقوانين كنسية هي ثمانية كتب ( كتبنا منها إلى الآن الديداخي على صفحات المنتدى وسوف نكتب كتاب كتاب بالتتابع ) وهي :
– الديداخي
– الدسقولية ( التي نحن في صددها الآن ولها نصان متشابهان واحد عامي – وهي التي ترجمها القمص مرقس داود – والآخر نص أدق ومطول – وهي الذي قام بدراستها ونشرها وبحث فيها بدقة الدكتور وليم سليمان قلادة )
– بعض فقرات من الرسالة الأولى للقديس كليمنضدس الروماني إلى أهل كورنثوس
– بعض الفقرات من رسائل القديس إغناطيوس الشهيد
– بعض فقرات من رسالة برنابا
– ثلاثة اقتباسات من المؤرخ هيجيسبوس ، والذي ذكره يوسابيوس القيصري في كتابه ” تاريخ الكنيسة ”
– بعض الاقتباسات عن التسلسل الأسقفي في الكراسي الرسولية في أورشليم ، وأنطاكية والإسكندرية وروما ، بالإضافة إلى أفسس وكريت وكورنثوس ، وغيرها
– بعض الصلوات الليتورجية وتعاليم الموعظين
– كثير من قوانين الكنيسة ولا سيما تلك التي تُعرف باسم ” قوانين الرسل ” كأقدم قوانين عرفتها الكنيسة ، وإن كانت لم تدون كلها في زمن الآباء الرسل ، إلا أن معظمها قد وُضع قبل مجمع نيقية المسكوني الأول سنة 325 م . على أنها سُميت بـ ” قوانين الرسل ” ، لأن معظمها يعكس لنا التقليد الرسولي الذي تسلمته الكنيسة من الآباء الرسل أنفسهم .
وهناك من الأدلة الكافية داخل النص – والتي سوف نتعرض لها قريباً في دراستنا عن الدسقولية والمراسيم الرسولية – ما يؤيد أن آخر تجميع لكتب المراسيم الرسولية الثمانية من هذه المصادر المختلفة ، كان في أواخر القرن الرابع الميلادي .
ولإزالة اللبس الحاصل عند كثيرين في موضوع ترجمة الدسقولية والأخطاء الذين يتحدثون عنها لابد من ان نعرف ، أنه قد تُرجمت المراسيم الرسولية إلى اللغة العربية تحت اسم ” الدسقولية ” في نصين متشابهين :
النص الأول : وهو النص العامي ، أي النص السائد ( الذي يقال أن به بعض الأخطاء وألفاظ يكتنفها الغموض ) وقد نشره الأستاذ حافظ داود ( القمص مرقس داود ) في القاهرة سنة 1924 م ، وكانت الطبعة الثانية له سنة 1940 م ، وهو مُترجم ليس عن النص اليوناني ، بل عن نص قبطي يعود للقرن الحادي عشر وبالتحديد سنة 1050 م . وهذا النص هو الترجمة العربية للكتب الستة الأولى من مجموعة كتب المراسيم الرسولية ، مع عدَّة تعديلات في ترتيب الفصول وفي مضمونها أيضاً ( وهي عبارة عن ستة فصول – الفصل 23 ، ومن الفصل 35 إلى الفصل 39 – مضافة على النص ، برغم من أن مادتها مأخوذة من الكتابين الثاني والثامن من المراسيم الرسولية ) ، وقد سُميَّ هذا الكتاب باسم ” الدسقولية ” حاوياً 39 فصلاً .
والنص الثاني للدسقولية : هو نص أبو اسحق بن فضل الله ، وقد ترجمه إلى اللغة العربية سنة 1295م ، عن مخطوط قبطي باللهجة الصعيدية يحمل تاريخ سنة 962 م . وقد نشر هذه الترجمة الدكتور وليم سُليمان قلادة سنة 1979 م تحت اسم ” الدسقولية – تعاليم السل ” . وهذه الترجمة العربية تقابل بدقة شديدة الكتب الستة الأولى ( التي ذكرناها في بداية الكلام ) من مجموعة المراسيم الرسولية ، إلى جانب أجزاء من الكتاب السابع ، وهي عبارة عن 43 فصلاً … وقد راعى فيها المقارنة الدقيقة في النصوص مع بحث مفصل عنها ومطابقتها لآيات الكتاب المقدس وتاريخياً … كما سوف نرى …
+ عموماً قد وصلت إلينا نصوص الدسقولية تتفاوت في القصر والطول ، والنص اللاتيني هو أقصرها ، ولهذا النص مخطوط وحيد في فيرونا ، ولقد أظهرت أن هذا النص قديم جداً نظراً لورود آيات الكتاب المقدس طبقاً للترجمة اللاتينية Vetus Itala وهي ترجمة قديمة للكتاب المقدس وهي سابقة على نسخة الفولجاتا ( الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس الذي قام بها القديس جيروم في عام 405 م ) ، ونجد أن أطول نص للدسقولية تحت اسم ” المراسيم الرسولية ” Apostolical Constitution ، وتتراوح بين النصين ( القصير والطويل ) النصوص السريانية والعربية والأثيوبية …
وتضم المراسيم الرسولية وهي أساساً باللغة اليونانية نوعي المدونات الرسولية – أي التعليم والطقوس والصلوات من ناحية ، والقواعد القانونية من ناحية أخرى – وهي مقسمة لثمانية كتب – كما رأينا وسبق وقلنا – ويتضمن الكتاب الثامن ” قوانين الرسل ” وهو عبارة عن خمسة وثمانين قانون …
والمشكلة التي نحن في صددها من رفض الدسقولية والتشكك فيها بسبب عدم الدراية بأنه يوجد نصان متشابهان وعدم التدقيق في الدراسة والبحث ، وقد تم رفضها بسبب الدراسات النقدية الغير دقيقة ، ولنا أن نعلم أن المراسيم الرسولية لم يكن لها قبول في الشرق البيزنطي ، ففي عام 692 م عُقد مجمع القبة أو المجمع السادس In Trullo Quinisexta ولم يقبل من المراسيم الرسولية سوى الكتاب الثامن وحسب ، وهو الذي يتضمن القوانين الكنسية الخمسة والثمانين .
على الرغم من أن القانون الخامس والثمانين وهو من ضمن : ( الكتب المعتبرة والمقدسة ) وفي نهايتها مكتوب أي في القانون الأخير : ، وهم يعترفون في هذا المجمع بالخمسة والثمانين قانون دون انفصال أو رفض هذا القانون الأخير أو النص الأخير المكتوب فيه هذا الكلام الذي يؤكد على الثمانية كتب ، ويعترفون بأصالة هذه القوانين وانها بيد كليمندس ويعترفون بهذا المقطع الأخير ، وبالرغم من ذلك قالوا أن هذه القوانين هي الأصلية فقط …
وعموماً نجد أن رأي العلماء الأقباط أن الدسقولية تلتزم بالعقيدة السليمة وتضعها في صياغة لاهوتية بالغة الدقة ، فابن العسال يودر في مجموعة المصادر التي استمده منها ويقول : ( عن المجموع الصفوي لابن العسال ، طبعة جرجس فيلوثاوس عوض ، ص 4 )
وأيضاً ابن كبر يُشير إلى الدسقولية بنسختيها دون تحفظ ( أنظر مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة طبعة مكتبة الكاروز ص 121 ) ، كما وردت الدسقولية أيضاً في مختلف مخطوطات مجموعات القانون الكنسي …
عموماً سوف نواصل دراستنا عن الدسقولية وآصالتها وكتابة نصوصها مع وضع نقاط الخلاف بين النصوص في الترجمات المختلفة ومراجعتها معاً وارتباطها بىيات الكتاب المقدس … النعمة معكم
__________
أنظر :
1 – كتاب المراسيم الرسولية – دراسة موجزة – نص الكتاب الثامن ( مصادر طقوس الكنيسة للكاتب الراهب اثناسيوس
2 – كتاب التقليد الرسولي ( مصادر طقوس الكنيسة ) للراهب أثناسيوس
3 – كتاب تعاليم الرسل الدسقولية للدكتور وليم سليمان قلادة
4 – المجموع الصفوي لابن العسال – طبعة جرجس فيلو ثاوس
5 – مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة لابن كبر