علم

ميلاد المسيح ثيئوفانيا



ميلاد المسيح ثيئوفانيا

ميلاد
المسيح ثيئوفانيا

إغريغوريوس
النزينزى الناطق بالإلهيات

 

أنشودة
الميلاد[1]:

مقالات ذات صلة

1
وُلد المسيح فمجدوه، أتى المسيح من السموات فاستقبلوه،

أتى
المسيح إلى الأرض فعظموه


سبحى الرب يا كل الأرض” (مز1: 96)

لتفرح
السموات وتبتهج الأرض بالسماوى الذي صار على الأرض.

المسيح
تجسد ابتهجوا بفرح وخوف.

الخوف
بسبب الخطية، والفرح بسبب الرجاء.

جاء
المسيح من عذراء،

فعشن
عذارى يا نساء لتصَّرن أمهات للمسيح.

مَنْ
الذي لا يسجد للذي كان منذ البدء؟

مَنْ
الذي لا يمجد ذاك الذي هو الآخِر؟

 

2
مرة أخرى ينقشع الظلام[2]، مرة أخرى يُشرق النور.

مرة
أخرى يحل الظلمة كعقاب على مصر[3]،

مرة
أخرى يستنير شعب الله بعمود من نار (انظر خر21: 13)

الشعب
الجالس في الظلمة أبصر نور معرفة الأسرار الإلهية،


الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل صار جديدًا” (2كو17: 5).

الحرف
يتراجع، والروح يتقدم.

الظلال
تهرب بينما الحق[4] يحل مكانها.

مثال
ملكى صادق قد تحقق (مز4: 110)،

الذي
كان بلا أم صار الآن بلا أب.

النواميس
الطبيعية انحلت. العالم السماوى ينبغى أن يكتمل[5].

المسيح
يأمر أن لا نضع أنفسنا ضده


هيا صفقوا بأيديكم يا كل الأمم” (مز1: 47)،

لأنه
وُلد لنا ولد وأُعطى لنا ابنًا،

تكون
الرئاسة على كتفه (لأن كتفه رُفع بالصليب)،

ويُدعى
اسمه ملاك المشورة العظيم (انظر إش5: 9س).

دعوا
يوحنا يصرخ ” أعدوا طريق الرب ” (مت3: 3)،

وأنا
سوف أتحدث عن قوة هذا اليوم:

الذي
بلا جسد تجسد الكلمة صار له جسم

غير
المنظور صار منظورًا غير الملموس صار ملموسًا

غير
الزمنى صارت له بداية زمنية

ابن
الله يصير ابن الإنسان


يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد”

اليهود
يعثرون، واليونانيون يسخرون، والهراطقة يثرثرون.

سوف
يؤمنون به عندما يرونه صاعدًا إلى السماء،

وإن
لم يؤمنوا وقتذاك، فسوف يرونه

آتيًا
من السموات وجالسًا كديان.

هذه
الأمور سوف تحدث فيما بعد.

اسمان
للاحتفال: ثيئوفانيا والميلاد:

 

 3
أما اليوم، فالإحتفال هو بالظهور الإلهى أى الميلاد. هذا الإحتفال الواحد يطلق
عليه اسمان لأن الله ظهر للبشر بواسطة الميلاد. الكلمة هو كائن أبدى من الكائن
الأبدى فوق كل عِلة وكلمة (لأنه لا توجد كلمة قبل اللوغوس) صار جسدًا لأجلنا لكى
كما منحنا الوجود يعطيينا أيضًا الوجود الأفضل الذي سقطنا منه بسبب شرورنا أو
بالحرى لكى يعيدنا إليه بتجسده. هكذا أطلق اسم “ثيئوفانيا” إشارة إلى
هذا الظهور، وكذلك أيضًا أُطلق اسم الميلاد إشارة إلى مولده.

 

لماذا
نحتفل بهذا العيد؟:

 4
بالنسبة لنا هذا هو مفهوم الاحتفال، وهذا هو ما نحتفل به اليوم: نُعيد لسكنى الله
بين البشر الذى يرفعنا لنسكن بجوار الله، أو بالحرى لنرجع إليه، لكى بخلعنا
الإنسان العتيق، نلبس الإنسان الجديد. وكما متنا في آدم، هكذا يمكننا أن نحيا في
المسيح، إذ نولد معه، ونُصلب معه ونُدفن معه لكى نقوم بقيامته. لأنه ينبغى أن
نتغير التغيير الحسن الصالح. فكما أن الأمور الحسنة (الحالة الفردوسية الأولى)
تبعتها الأمور التعسة (حالة السقوط)، هكذا ينبغى بالأحرى أن تأتى الأمور الحسنة من
الأمور التعيسة. ” لأنه حيثما تكثر الخطية تزداد النعمة جدًا” (رو20:
5).

 

 وإذا
كان تذوق الأكل[6] قد جلب الإدانة فكم بالأكثر تبررنا آلام المسيح. إذن فلنُعيد،
ليس بطريقة الإحتفالات الوثنية الصاخبة، لكن بطريقة إلهية، ليس بطريقة العالم لكن
بطريقة روحية. لا باعتباره عيدنا نحن بل باعتباره عيد ذاك الذي هو لنا (أى المسيح)
أو بالأحرى عيد ربنا. نعيد ليس بما للمرض بل بما للشفاء. نُعيد ليس بما يخص الخلق،
بل بما يخص إعادة الخلق.

 

كيف
نحتفل بالعيد؟:

 5
وكيف يصير هذا التعييد؟ لا بأن نزين الأبواب، ولا نقيم حفلات رقص، ولا نزين
الشوارع ولا نبهج عيوننا، ولا نُطرب أسماعنا بموسيقى صاخبة، ولا نلذذ أنوفنا
بروائح أنثوية غير لائقة، دعونا لا نفسد حاسة التذوق، ولا نسمح لحاسة اللمس أن
تتلذذ بلمس أشياء غير لائقة. هذه الحواس التي يمكن أن تكون مداخل سهلة للخطية؛
لنكن غير متخنثين بلبس الملابس الناعمة والكثيرة الثمن، والتي لا نفع لها. ولا
نتزين بأحجار ثمينة وبذهب لامع، وبأصباغ تشوه الجمال الطبيعى الذي خُلِقَ على صورة
الله، ولا للهزء والسكر الذي يصاحبه دائمًا الفسق والدعارة (انظر رو13: 13)، لأن
التعاليم الشريرة تأتى من المعلّمين الأشرار، أو بكلام أفضل، لأن البذرة الشريرة
تنبت نباتًا شريرًا، فلا نفترش الفرش الناعم الذي يرضى لذّات البطن والشهوات
العابرة. ولا نُقبِل على شرب الخمور الممزوجة برائحة الزهور، ولا على الطعام الشهى
الذي يتفنن الطهاه في طهيه. ولا نُدهن بطيب غالى الثمن. لا ندع الأرض والبحر
يقدمان نفاياتهما الثمينة كهدية لأنى أسمى الرفاهية نفاية دعونا لا ننافس أحدنا
الآخر في إرتكاب المعاصى، فكل شئ زائد عن الحاجة الضرورية هو إفراط. بينما يوجد
آخرون من نفس طينتنا وطبيعتنا يتضورون جوعًا، وهم في غاية العوز.

 

 6
فلنترك كل هذه الأمور للوثنيين ولإحتفالات الوثنيين، الذين تسر آلهتهم برائحة شواء
الذبائح، ويقدمون لها العبادة بالطعام والشراب، فهم مخترعون للشر، وكهنة وخدام
للشياطين. أما نحن الذين نقدم عبادتنا “للكلمة”، إن كان يجب أن نستمتع
بشئ، فلنستمتع بالكلمة، بالناموس الإلهى وبالشواهد الكتابية خاصةً تلك التي تحدثنا
عن موضوعات مثل موضوع إحتفال اليوم، حتى تكون متعتنا قريبة من ذاك الذي جمعنا معًا
للإحتفال به (أى المسيح) وليست بعيدة عنه. هل تريدون (لأنى أنا اليوم سوف أقدم لكم
المائدة يا ضيوفى) أن أضع أمامكم رواية هذه الأحداث (الميلادية) بأكثر غزارة وأجمل
كلام أستطيعه لكى تعرفوا كيف يستطيع شخص غريب[7] أن يُغذى مواطنى البلد، وساكن
الريف أن يغذى سكان المدينة، والذي لا يهتم بالمتع أن يُغذى أولئك الذين يسرون
بالمتعة، ومَن هو فقير وليس له بيت ولا يملك أى شئ أن يغذى أولئك المشهورون بسبب
غناهم.

 

افتتاحية
تعليمية عن الله (الثيولوجيا):

 سوف
أبدأ بالآتى: نقوا عقولكم وآذانكم وأفكاركم أنتم الذين تبتهجون بهذه الأشياء، لأن
حديثنا سيكون حديثًا مقدسًا عن الله؛ حتى حينما تغادرون المكان تكونون قد استمتعتم
حقًا بسماع تلك الأمور المبهجة التي لن تنتهى ولا تخبو.

 

 سوف
يكون الحديث ملىء تمامًا وفي نفس الوقت سيكون موجزًا، حتى لا تتضايقوا بسبب غياب
بعض الحقائق، كما أنه لن يكون مملاً بسبب الإطالة الزائدة.

 

 7
الله كان كائنًا دائمًا وهو كائن في الحاضر وسيكون دائمًا إلى الأبد، أو بالحرى،
هو كائن دائمًا. لأن “كان” و “سيكون” هى أجزاء من الزمن ومن
طبيعتنا المتغيرة. أما هو فهو “كائن” أبدى، وهذا هو الاسم الذي أعطاه
لنفسه عندما ظهر لموسى ” أنا هو الكائن” (خر 14: 3). لأنه يجمع ويحوى كل
“الوجود”، وهو بلا بداية في الماضى، وبلا نهاية في المستقبل؛ مثل بحر
عظيم لا حدود لوجوده، لا يُحد ولا يُحوى، وهو يتعالى كلية فوق أى مفهوم للزمان
وللطبيعة، وبالكاد يمكن أن يُدرك فقط بالعقل ولكنه إدراك غامض جدًا وضعيف جدًا،
ليس إدراك لجوهره، بل إدراك بما هو حوله[8]، أى إدراكه من تجميع بعض ظواهر خارجية
متنوعة، لتقديم صورة للحقيقة سرعان ما تفلت منا قبل أن نتمكن من الإمساك بها، إذ تختفى
قبل أن نُدركها. هذه الصورة تبرق في عقولنا فقط عندما يكون العقل نقيًا كمثل البرق
الذي يبرق بسرعة ويختفى. أعتقد أن هذا الإدراك يصير هكذا، لكى ننجذب إلى ما يمكن
أن ندركه، (لأن غير المدرك تمامًا، يُحبط أى محاولة للإقتراب منه). ومن جهة أخرى
فإن غير المدرك يثير إعجابنا ودهشتنا، وهذه الدهشة تخلق فينا شوقًا أكثر، وهذا
الشوق ينقينا ويطهرنا، والتنقية تجعلنا مثل الله. وعندما نصير مثله، فإنى أتجاسر
أن أقول إنه يتحدث إلينا كأقرباء له باتحاده بنا، وذلك بقدر ما يعرف هو الذين هم
معروفين عنده. إن الطبيعة الإلهية لا حد لها ويصعب إدراكها. وكل ما يمكن أن نفهمه
عنها هو عدم محدوديتها، وحتى لو ظن الواحد منا أن الله بسبب كونه من طبيعة بسيطة
لذلك فهو إما غير ممكن فهمه بالمرة أو أنه يمكن أن يُفهم فهمًا كاملاً. ودعنا نسأل
أيضًا، ما هو المقصود بعبارة “من طبيعة بسيطة”؟ لأنه أمر أكيد أن هذه
البساطة لا تمثل طبيعته نفسها، مثلما أن التركيب ليس هو بذاته جوهر الموجودات
المركبة.

 

 8
يمكن التفكير في اللانهائية من ناحيتين، أى من البداية ومن النهاية (لأن كل ما
يتخطى البداية والنهاية ولا يُحصر داخلها فهو لانهائى). فعندما ينظر العقل إلى
العمق العلوى، وإذ لا يكون لديه مكان يقف عليه، بل يتكئ على المظاهر الخارجية لكى
يكوّن فكرة عن الله، فإنه يدعو اللانهائى الذي لا يُدنى منه باسم غير الزمنى.
وعندما ينظر العقل إلى الأعماق السفلى وإلى أعماق المستقبل فإنه يدعو اللانهائى
باسم غير المائت وغير الفانى. وعندما يجمع خلاصته من الإتجاهات معًا فإنه يدعو
اللانهائى باسم الأبدى لأن الأبدية ليست هى الزمان ولا هى جزء من الزمان لأنها غير
قابلة للقياس. فكما أن الزمان بالنسبة لنا هو ما يُقاس بشروق الشمس وغروبها هكذا
تكون الأبدية بالنسبة للدائم إلى الأبد.

 

 نكتفى
الآن بهذا الحديث الفلسفى عن الله، لأن الوقت الحاضر غير مناسب، إذ أن موضوع
حديثنا الآن هو عن تدبير التجسد وليس عن طبيعة الله (ثيؤلوجيا). ولكن عندما أقول
الله فأنا أعنى الآب والابن والروح القدس. لأن الألوهية لا تمتد إلى ما يزيد عن
الثالوث وإلاّ كان هناك حشد من الآلهة، كما أنها لا تحد بنطاق أصغر من الثالوث حتى
لا نتهم بأن مفهومنا عن الألوهية فقير جدًا وهزيل، وحتى لا ينسب إلينا أننا نتهود
بالحفاظ على الوحدانية، أو أننا نسقط في الوثنية بتعدد الآلهة. إذ أن نفس الشر
موجود في الاثنين اليهودية أو الوثنية، حتى إن كان موجودًا في إتجاهين متعارضين.
هذا إذَا هو “قدس الأقداس”[9] المخفى عن السيرافيم وهو الذي يُسبّح
بنشيد الثلاثة تقديسات، والثلاثة يُنسب إليها لقب واحد هو الرب والإله، كما تحدث
عن ذلك أحد سابقينا[10] بطريقة جميلة وسامية جدًا.

 

خلق
العالم العقلى:

 9
ولكن حيث إن حركة التأمل الذاتى لا تستطيع وحدها أن تشبع “الصلاح”[11]،
بل كان يجب أن يُسكب الصلاح وينتشر خارج ذاته، لكى يكثر الذين ينالون من إحسانه
(لأن هذا كان أساسيًا للصلاح الأسمى)، لذلك فإن الله فكر أولاً في خلقة الملائكة
والقوات السمائية. وفكره هذا صار عملاً تحقق بواسطة كلمته واكتمل بواسطة روحه.
وكذلك أيضًا خُلقت المخلوقات النورانية الثانية، كخُدام للنور الأول، الذين ندركهم
كأرواح عقلية أو كنار غير مادية وغير فانية، أو كطبيعة أخرى تقترب بقدر الإمكان من
كل الوصف السابق. وأريد أن أقول، إنهم لم يكن في إستطاعتهم أن يتحركوا نحو الشر،
بل كانوا يستطيعون أن يتحركوا فقط نحو الخير لأنهم موجودون بالقرب من الله ويحصلون
على الإنارة بالإشعاعات الأولى من الله، لأن الأرضيين يحصلون على الإنارة الثانية.
لكنى مضطر للتوقف عن إعتبارهم أنهم لم يكن في استطاعتهم بالمرة أن يتحركوا ناحية
الشر بل أتكلم عنهم فقط على أنه كان من الصعب أن يتحركوا نحو الشر بسبب ذاك الذي
بسبب بهائه سمى يوسيفوروس[12]، ولكنه صار ظلمة ودُعى ظلمة بسبب كبريائه، هو
والقوات التي تحت رئاسته، وصاروا خالقين للشر بتمردهم على الله، وأيضًا صاروا
محرضين لنا على الشر.

 

خلق
العالم المادى:

 10
هكذا خُلق هذا العالم العقلى من فيض صلاح الله، بقدر ما أستطيع أن أتفكر في هذه
الأمور وأتناول أمورًا عظيمة بلغتى الفقيرة. وبعد أن وجد خليقته الأولى في حالة
حسنة، فكر في إبداع عالم ثانى، عالم مادى ومنظور، وهذا العالم هو منظومة مركّبة
بين السماء والأرض وكل ما هو موجود بينهما، وهى خليقة جديرة بالإعجاب حينما ننظر
إلى جمال كل شئ فيها، وهى أكثر جدارة بالإعجاب حينما نلاحظ التوافق والإنسجام بين
المخلوقات وبعضها، إذ يتوافق الواحد مع الآخر والكل فيما بينهم في نظام جميل لكى
يُكوّنوا كمنظومة كاملة متكاملة لعالم واحد. وهذا لكى يوضح أنه يستطيع أن يحضر إلى
الوجود ليس فقط طبيعة شبيهة به بل وطبيعة مختلفة تمامًا عنه. لأن الكائنات العقلية
هى شبيهة بالألوهية، وتُدرك فقط بواسطة العقل؛ أما كل المخلوقات التي تُعرَف
بالحواس الجسدية فهى مختلفة تمامًا عن الألوهية، وأكثر هذه المخلوقات ابتعادًا هى
تلك التي بلا نفس وعديمة الحركة. لكن قد يقول أحد المندفعين، ما الذي يعنينا من كل
هذا؟ وقد يتساءل أحد من المشاركين في الاحتفال من المؤمنين المتحمسين “أُنخس
الحصان لكى تصل إلى الهدف”، “حدثنا عن العيد وعن الأمور التي من أجلها
إجتمعنا اليوم “. هذا ما سوف أفعله. حالاً، رغم أنى قد ابتدأت بأمور عالية
إضطرنى إليها حبى لها بالإضافة إلى ما يحتاجه حديثنا عن العيد.

 

خلق
الإنسان:

 11
إذًا، فالعقل والجسد (المادى) المتميزين الواحد عن الآخر، يظلان كل واحد ضمن حدود
طبيعته، ويحملان في ذاتهما عظمة الكلمة الخالق، وهما مسبحان صامتان وشاهدان مثيران
جدًا لعمله الكلى القدرة. لم يكن بعد يوجد كائن مكون من الاثنين (العقل والحس)
معًا، ولا أى إتحاد من هذه الطبائع المتضادة، إنه مثال أسمى للحكمة والتنوع في خلق
الطبائع، ولم يكن معروفًا بعد كل غنى الصلاح. ولأن الكلمة الخالق قرر أن يظهر غنى
هذا الصلاح، ويخلق كائنًا حيًا واحدًا مكونًا من الاثنين معًا، أى من الطبيعتين
المنظورة وغير المنظورة لذلك خلق الإنسان. ولقد خلق الجسد من المادة التي كانت
موجودة، الجسد وبعد ذلك وضع فيه نفخة منه التي عُرفت بأنها نفس عاقلة وصورة لله،
ثم أقامه على الأرض كعالم ثانٍ عظيم في صغره؛ ملاك آخر، عابد مركب[13]. له معرفة
كاملة بأعماق الخليقة المنظورة، أما الخليقة غير المنظورة فيعرفها جزئيًا فقط؛ ملك
على الموجودات التي على الأرض ولكنه تحت سلطان الملك الذي في الأعالى. أرضى
وسماوى، زمنى ومع ذلك غير مائت. منظور ولكنه عقلى. في وضع متوسط بين الوضاعة
والعظمة. هو نفسه روح وجسد في شخص واحد. روح بسبب النعمة التي وُهبت له، وجسد لكى
يسمو الإنسان بواسطته. الواحد لكى يحيا ويمجد الله المحسن إليه، والآخر لكى يتألم
وبالألم يتذكر، ويتم إصلاحه إذا تكبر بسبب عظمته. كائن حى يتدرب على الأرض لكى
ينتقل إلى عالم آخر، وكأن غاية السر هو أن يصير إلهًا[14] بميله إلى الله. فإنى
أرى أن نور الحق الذي نناله هنا ولكن بقدر معين يتجه بنا لكى نرى ونختبر بهاء
الله. الذي هو بهاء ذاك الذي كوننا[15]، والذي سوف يحلنا ثم يعيد تكويننا بطريقة
أكثر مجدًا[16].

 

الحالة
الفردوسية للإنسان:

 12
هذا الكائن (أى الإنسان) وضعه الخالق في الفردوس (أيًا كان هذا الفردوس)، وقد كرمه
بهبة حرية الإرادة، لكى يكون تمتعه بالله عن اختيار حر، بفضل عطية الله الذي غرس
فيه هذه الحرية، ولكى يفلّح النباتات الخالدة التي تعنى المفاهيم الإلهية، الأكثر
بساطة والأكثر كمالاً معًا، عاريًا في بساطته وحياته غير المصطنعة، وبدون أى غطاء
أو ستار، لأنه كان من الملائم لذاك الذي في البداية (أى الإنسان الأول) أن يكون
هكذا. وأيضًا أعطاه ناموسًا ليظهر به حرية اختياره. هذا الناموس كان وصية من جهة
النباتات التي يمكن أن يأكلها، والنبات الذي يجب أن لا يلمسه. هذا النبات الأخير
كان شجرة المعرفة، وذلك ليس بسبب أنها كانت شريرة حينما غُرست في البداية، ولا
حُرمت على الإنسان عن حسدٍ (من ناحية الله، ولا ندع ألسنة أعداء الله تتحدت هكذا،
كما لا نقلد الحية!).

 

السقوط:

وهذه
الشجرة كانت يمكن أن تكون صالحة لو أن الإنسان أكل منها في الوقت المناسب (لأن
الشجرة، بحسب رؤيتى، كانت هى رؤية الله التي هى مأمونة فقط بالنسبة لأولئك الذين
تكملوا بالتمرن والنسك للإقتراب منها بدون مخاطرة)، لكنها ليست صالحة للذين لم
يتدربوا بعد وللشرهين من جهة الشهوة، وذلك كالطعام القوى الذي ليس له فائدة للذين
مازالوا ضعفاء ويحتاجون إلى اللبن (انظر عب12: 5). لكن بسبب حسد إبليس وإغوائه
للمرأة التي استسلمت لكونها أكثر ضعفًا، وبدورها حرضت آدم لأنها كانت ذات تأثير
عليه، وأسفاه على ضعفى! (لأن ضعف أبى الأول هو ضعفى)، إذ نسى الوصية التي أُعطيت
له، واستسلم للأكل من الثمرة المهلكة، وهكذا طُرد في الحال من الفردوس ومن شجرة
الحياة ومن حضرة الله بسبب خطيته، ولبس الأقمصة الجلدية ربما يعنى أنه لبس الجسد
الأكثر غلاظة، والقابل للموت والمناقض للأول)[17].

 

 وكأول
نتيجة، شعرا بالخزى وإختفيا من وجه الله. وهنا حصل الإنسان الأول على ربح له وهو
الموت، وقطع الخطية، حتى لا يصير الشر خالدًا، وهكذا فإن العقاب تحول إلى
رحمة[18]، لأنى أعتقد أن الله يفرض العقاب بدافع الرحمة.

 

تدبير
الله للخلاص:

 13
وبعد أن عاقب الله الإنسان أولاً بطرق كثيرة، لأن خطاياه كانت كثيرة (من التي نبتت
من جذر الشر، والتي نشأت من أسباب مختلفة وفي أزمنة متفرقة)، أدبه بالكلمة،
والناموس، والأنبياء، والإحسانات، والتهديدات، والفيضانات والنيران، والحروب،
والانتصارات، والهزائم، والعلامات في السماء، وعلامات في الهواء وفي الأرض وفي
البحر، وبتغييرات مفاجئة للأمم والمدن والشعوب كل هذه الأمور كانت تهدف لإبادة
الشر وأخيرًا إحتاج الإنسان لدواء أكثر قوة لأن أمراضه كانت تزداد سوءً: مثل قتل
الأخ والزنى والقسم الكاذب، والجرائم الشاذة، وأول وآخر كل الشرور أى عبادة
الأصنام وتحويل العبادة إلى المخلوقات بدلاً من الخالق (انظر رو18: 132). وبما أن
هذه كانت تحتاج إلى معونة أكبر، لذلك حصلت على مَن هو أعظم. ذلك هو كلمة الله ذاته
الأبدى الذي هو قبل كل الدهور، وهو غير المنظور، غير المفحوص وغير الجسدى، البدء
الذي من البدء، النور الذي من النور، مصدر الحياة والخلود، صورة الجمال الأصلى
الأول، الختم الذي لا يزول، الصورة التي لا تتغير، كلمة الآب وإعلانه[19]، هذا أتى
إلى صورته[20]، وأخذ جسدًا لأجل جسدنا، ووحد ذاته بنفس عاقلة لأجل نفسى لكى يطّهر
الشبه بواسطة شبهه، وصار إنسانًا مثلنا في كل شئ ماعدا الخطية إذ وُلد من العذراء
التي طُهّرت أولاً نفسًا وجسدًا، بالروح القدس (لأنه كان يجب أن تُكرم ولادة
البنين وأيضًا أن تنال العذراوية كرامة أعظم)، وهكذا حتى بعد أن اتخذ جسدًا ظل
إلهًا، إذ هو شخص واحد من الاثنين، ياله من اتحاد عجيب، الكائن بذاته يأتى إلى الوجود،
غير المخلوق يُخلق[21]، غير المحوى يُحوى بواسطة نفس عاقلة تتوسط بين الألوهة
والجسد المادى. ذاك الذي يمنح الغنى يصير فقيرًا، فقد أخذ على نفسه فقر جسدى، لكى
آخذ غنى ألوهيته. ذاك الذي هو ملئ يخلى نفسه، لأنه أخلى نفسه من مجده لفترة قصيرة،
ليكون لى نصيب في ملئه. أى صلاح هذا؟! وأى سر يحيط بى؟! إشتركت في الصورة؛ ولم
أصنها، فاشترك في جسدى لكى يخلّص الصورة ولكى يجعل الجسد عديم الموت. هو يدخل في
شركة ثانية معى أعجب كثيرًا من الأولى، وبقدر ما أعطى حينئذ الطبيعة الأفضل، فهو
الآن يشترك في الأسوأ[22]. هذا العمل الأخير (التجسد) يليق بالله أكثر من الأول
(الخلق)، وهو سامى جدًا في نظر الفاهمين.

 

اتضع
لأجلك فلا تحتقر تواضعه:

 14
ما الذي سوف يقوله المعترضون والمجدفون على الألوهية، أولئك المشتكون ضد كل الأمور
الجديرة بالمديح، أولئك الذين يجعلون النور مظلمًا، والذين لم يتهذبوا بالحكمة،
أولئك الذين مات المسيح لأجلهم باطلاً، أولئك المخلوقات غير الشاكرة الذين هم من
صنع الشرير؟ هل تحوّل هذا الإحسان إلى شكوى ضد الله؟ هل تنظر إليه على أنه صغير
بسبب أنه اتضع لأجلك؟ وهل تعتبره صغيرًا لأنه هو الراعى الصالح الذي يبذل نفسه عن
الخراف (يو11: 10)، والذي أتى ليطلب الخروف الذي ضلّ فوق التلال والجبال والتي
كانت تقدم فيها ذبائح لآلهة غريبة، وعندما وجده، حمله على منكبيه اللتين حمل
عليهما خشبة الصليب، وأعاده إلى الحياة الأسمى، وعندما أعاده حسبه مع أولئك الذين
لم يضلوا أبدًا؟ هل تحتقره لأنه أضاء سراجًا الذي هو جسده، وكنس البيت، مطهرًا
العالم من الخطية، وفتش عن الدرهم، أى الصورة الملكية التي دُفنت وغطتها الشهوات.
وجمّع الملائكة أصدقاءه؛ عندما وجد الدرهم جعلهم شركاء في فرحه والذين جعلهم أيضًا
مشاركين في سر التجسد؟ فبعد سراج السابق الذي أعّد الطريق، يأتى النور الذي يفوقه
في البريق، وبعد “الصوت” أتى “الكلمة” وبعد صديق العريس جاء
العريس، صديق العريس الذي أعد الطريق للرب شعبًا مختارًا، مطهرًا إياهم بالماء
ليجهزهم للروح القدس؟ هل تلوم الله على كل هذا؟ هل على هذا الأساس تعتبره وضيعًا
لأنه شد الحزام على وسطه وغسل أرجل تلاميذه (يو4: 13)، وأظهر أن التواضع هو أفضل
طريق للرفعة؟ لقد اتضع لأجل النفس التي إنحنت إلى الحضيض لكى يرفعها معه، تلك
النفس التي كانت تترنح لتسقط تحت ثقل الخطية؟ كيف لا تتهمه أيضًا بجرم الأكل مع
العشارين وعلى موائد العشارين (انظر لو27: 5)، وأنه يتخذ تلاميذًا من العشارين،
لكى يربح… وماذا يربح؟ خلاص الخطاة. وإن كان الأمر هكذا، فيجب أن نلوم الطبيب
بسبب أنه ينحنى على الجروح ويحتمل الرائحة النتنة لكى يعطى الصحة للمرضى، أو هل
نلوم ذاك الذي من رحمته ينحنى لكى ينقذ حيوانًا سقط في حفرة كما يقول الناموس
(انظر تث40: 22، لو5: 14).

 

 15
المسيح أُرسل، لكنه أُرسل كإنسان لأنه من طبيعة مزدوجة[23]. لأنه شعر بالتعب وجاع
وعطش وتألم وبكى حسب طبيعة كائن له جسد. وإذا استعمل تعبير “أُرسل” عنه،
فمعناه أن مسرة الآب الصالحة يجب أن تعتبر إرسالاً، فهو يرجع كل ما يختص بنفسه إلى
هذه الإرسالية، وذلك لكى يكرم المبدأ الأزلى وأيضًا لأنه لا ينبغى أن يُنظر إليه
على أنه مضاد لله. فقد كتب عنه أنه سُلم بخيانة وأيضًا سلّم ذاته، وأيضًا كتب عنه
أنه أُقيم بواسطة الآب وأنه أُصعد، ومن جهة أخرى أنه أيضًا أقام ذاته وصعد. فما
ذكر أولاً في كل عبارة فهو من إرادة الآب (أنه سُلِّم وأنه أُقيم)، أما الجزء
الثانى من كل عبارة فيشير إلى قوته هو. فهل تفكر في الأمور الأولى التي تجعله يبدو
وضيعًا، أما الثانية التي ترّفعه فأنت تتغافل عنها. وتضع في حسابك أنه تألم، ولا
تحسب أن هذا الألم تم بإرادته. انظر فحتى الآن لا يزال الكلمة يتألم. فالبعض
يكرمونه كإله ولكن يخلطون بينه وبين الآب، والبعض الآخر يحقرونه كمجرد جسد
ويفصلونه عن اللاهوت. فعلى مَن يصب جام[24] غضبه بالأكثر؟ أو بالأحرى مَن هم الذين
يغفر لهم؟ هل الذين يخلطونه بطريقة جارحة أم أولئك الذين يقسمونه؟ فالأولون كان
يجب أن يميزوا (بين الأقانيم) والآخرون كان يجب أن يوحدوه[25] (مع الآب). الأولون
من جهة عدد الأقانيم والآخرون من جهة الألوهية. هل تتعثر من جسده؟ هذا ما فعله
اليهود. ربما تريد أن تدعوه سامريًا؟ ولن أذكر ما قالوه عن المسيح بعد ذلك (انظر
يو48: 8) هل تنكر ألوهيته؟ هذا لم يفعله حتى الشياطين. للأسف كم أنت أقل إيمانًا
من الشياطين! وأكثر جهلاً من اليهود! فهؤلاء اليهود قد فهموا أن اسم ابن يدل على
أنه مساوى في الرتبة (أى مساوى لله)، أما أولئك الشياطين فعرفوا أن الذي طردهم هو
إله، لأنهم إقتنعوا بذلك بسبب ما حدث لهم. أما أنت فلا تعترف بالمساواة ولا تقر
بلاهوته. كان من الأفضل أن تكون إما يهوديًا أو شيطانًا (لو عبّرت عن ذلك بطريقة
مضحكة)، عن أن يتسلط على ذهنك الشر والكفر وأنت أغلف وبصحة جيدة.

 

كل
هذا لأجلى:

 16
بعد قليل سوف ترى يسوع ينزل ليتطهر في الأردن (مت17: 3) لأجل تطهيرى أنا، أو
بالحرى ليقدس المياه بطهارته (لأنه لم يكن في إحتياج إلى التطهير ذاك الذي يرفع
خطية العالم). وإنشقت السماوات، وشهد له الروح الذي من نفس الطبيعة الواحدة معه؛
وسنراه يُجرب وينتصر على التجارب ويُخدم من الملائكة (انظر مت 1: 411)، ويشفى كل مرض
وكل ضعف (مت23: 4)، ويمنح الحياة للأموات (وليته يهبك الحياة أنت الذي مت بسبب
هرطقتك)، ويطرد الشياطين (مت33: 9) أحيانًا بنفسه وأحيانًا أخرى بواسطة تلاميذه.
ويُطعم بخبزات قليلة آلاف من البشر (مت14: 14)، ويمشى على البحر كأرض جافة (مت25:
14)، ويُسلّم ويُصلب صالبًا خطيتى معه، وقُدم ذبيحة كحمل، وأيضًا قدم ذاته ككاهن
يقدم ذبيحة، ودُفن كإنسان وقام ثانية كإله، ثم صعد إلى السموات لكى يعود ثانية في
مجده. كم من الأعياد توجد لأجلى في كل سر من أسرار المسيح! وغاية كل هذه الأسرار
تجديدى وتكميلى أنا لكى أرجع إلى حالة آدم الأولى.

 

 17
إذًا، أرجوكم إقبلوا حمله في داخلكم (كما حملته العذراء في بطنها)، وإقفزوا فرحًا
أمامه إن لم يكن مثل يوحنا المعمدان وهو في بطن أمه (لو1: 1)، فعلى الأقل مثل داود
أمام تابوت العهد (2صم 14: 6). وعليك أن تحترم الإكتتاب الذي بسببه كُتبت أنت في
السموات. واسجد للميلاد (لو1: 25) الذي بواسطته فُككت من ولادتك الجسدية. واكرم
بيت لحم الصغرى التي أرجعتك مرة أخرى إلى الفردوس. واسجد لطفل المزود الذي به
تغذيت باللوغوس (الكلمة) بعدما كنت ضالاً. اعرف قانيك كما يعرف الثور قانيه،
والحمار معلف صاحبه، حسب قول إشعياء (3: 1)، ذلك إن كنت من الطاهرين الذين يكرمون
الناموس وينشغلون بترديد أقواله باجترار، واللائقين للذبائح. أما إن كنت من أولئك
الذين لا يزالون نجسين ولم يكن يحق لهم أن يأكلوا من المقدسات، وغير لائقين لتقديم
الذبائح، وهم من الأمم الوثنيين، فإسرع مع النجم وقدم هدايا مع المجوس ذهبًا
ولبانًا ومرًا كما لملك وإله ولواحد قد مات لأجلك. مجّده مع الرعاة، وسبحه مع خورس
الملائكة، ورتل تسابيحك مع رؤساء الملائكة. فليكن هذا الإحتفال مشتركًا بين القوات
السماوية والقوات الأرضية. لأننى أؤمن أن الأجناد السماوية يشتركون في التمجيد معنا،
ويحتفلون بالعيد العظيم معنا اليوم، لأنهم يحبون البشر ويحبون الله، كما كتب داود
عن أمثال هؤلاء الذين صعدوا مع المسيح بعد آلامه لكى يستقبلوه وهم ينادون أحدهم
الآخر ان يرفعوا الأبواب الدهرية (مز7: 249).

 

بيت
لحم والصليب والقيامة:

 18
هناك أمر واحد فقط مرتبط بمناسبة ميلاد المسيح، أريدكم أن تبغضوه، ألا وهو قتل
الأطفال على يد هيرودس، أو بالحرى يجب أن تكرموا أيضًا، هؤلاء الذين ذُبحوا وهم من
نفس عمر المسيح، هؤلاء صاروا ذبيحة قُدمت قبل الذبيحة الجديدة (أى الصليب).

 

كن
ملازمًا للمسيح:

 عندما
يهرب إلى مصر اهرب أنت معه؛ ورافقه فرحًا في المنفى. إنه عمل عظيم أن تشترك مع
المسيح المضطهد. وإن أبطأ كثيرًا في مصر فادعوه من هناك بتقديم عبادة خاشعة له
هناك. إتبع المسيح بلا لوم في كل مراحل حياته وكل صفاته. تطهر واختتن؛ إنزع البرقع
الذي كان يغطيك منذ ولادتك. بعد ذلك علّم في الهيكل واطرد التجار من هيكل الله،
اسمح لهم أن يرجموك لو لزم الأمر، فإنى أعرف جيدًا أنك سوف تفلت من بين هؤلاء
الذين يرجموك مثل الله (انظر يو59: 8). لأن الكلمة لا يُرجم. إن جاءوا بك إلى
هيرودس لا تعطيه إجابة عن أغلب أسئلته؛ فسوف يحترم صمتك أكثر من احترامه لأحاديث
الشعب الكثيرة. إذا جلدوك اطلب منهم أن يتمموا كل الجلدات. ذُق المر واشرب الخل؛
واطلب أن يبصقوا على وجهك؛ اقبل منهم اللطمات والشتائم، وتوج رأسك بإكليل الشوك،
أى بأشواك حياة التقوى. إلبس ثوب الأرجوان وأمسك القصبة في يدك، واقبل السجود
بسخرية من أولئك الذين يسخرون من الحق؛ أخيرًا فلتُصلب مع المسيح واشترك في موته
ودفنه بفرح لكى تقوم معه وتتمجد معه وتملك معه. انظر إلى الله العظيم الذي يُسجد
له ويمجد في ثالوث، ودعه ينظر إليك وليته يظهر الآن بوضوح أمامك، بقدر ما تسمح
قيود الجسد، بيسوع المسيح ربنا الذي له المجد من الآن وإلى الأبد آمين.

————-

[1]
هذا العنوان وكل العناوين الجانبية من وضع المُترجم.

[2]
الظلمة تنقشع بولادة الرب مثلما حدث أثناء خلق العالم بخلق النور الذي جعل الظلمة
التي كانت تغطى الأرض تنقشع (انظر تك2: 1 وفيما بعده).

[3]
انظر خر21: 10. يقصد بمصر العالم الذي يعيش في ظلمة.

[4]
يشير كل من “الحرف” و “الظلال” إلى “الناموس”
الموسوى، بينما كل من “الروح” و “الحق” إلى الحياة الجديدة
التي ظهرت في العالم بميلاد المخلّص.

[5]
العالم السماوى يكتمل بعودة الجنس البشرى إلى الموطن السماوى.

[6]
يشير هنا القديس إغريغوريوس إلى “الأكل من الثمرة المحرمة ” الذي تسبب
في سقوط الأبوين الأولين (تك3).

[7]
يشير هنا إلى أنه غريب وليس من أهل القسطنطينية، وهو يلقى خطابه بعد وصوله إليها
بفترة قصيرة بعد أن كان يعيش في كبادوكية البعيدة عن القسطنطينية ويخدم في مواضع
صغيرة وغير مشهورة مثل نزينز التي جاء منها.

[8]
أى من خلال أفعاله الإلهية.

[9]
قدس الأقداس هنا يعنى الثالوث القدوس.

[10]
على الأغلب يشير القديس إغريغوريوس إلى القديس أثناسيوس الرسولى الذي انشغل بمهارة
فائقة بالتعليم عن الله في كتابه ضد الآريوسيين.

[11]
يدعو القديس إغريغوريوس الله بالصلاح، وكان هذا معتادًا عند الآباء أن يستخدموا
صفات الله كأسماء لله.

[12]
يوسيفوروس يعنى حامل الفجر أى النور. أول إشارة إليه كانت في سفر إشعياء 12: 14،
لكن ظل يُدعى شيطان
Satana وهى كلمة من الفعل العبرى Satan بمعنى المقاوم.

[13]
أى من المادة والروح.

[14]
طبعًا لا يقصد القديس إغريغوريوس أن الإنسان يصير إلهًا مثل الله: يوجد في كل مكان
وقادر على كل شئ، وأبدى… الخ، لكن يشير هنا إلى اكتساب الفضائل الإلهية.

[15]
أى من المادة والروح.

[16]
يشير القديس إغريغوريوس إلى الخلق بواسطة إتحاد الجسد والنفس، والموت هو إنحلال
هذا الإتحاد ثم يأتى بعد ذلك إعادة هذا الإتحاد في الدهر الآتى بأكثر مجدًا.

[17]
هنا يشرح القديس إغريغوريوس مفهوم الأقمصة الجلدية.

[18]
هنا نتذكر قول القداس الغريغورى: ” حوّلت لى العقوبة خلاصًا “.

[19]
انظر القداس الغريغورى الذي يخاطب المسيح الكلمة بقوله “الذي لا ينطق به، غير
المرئى، غير المحوى، غير المبتدئ، الأبدى، غير الزمنى، الذي لا يُحد، غير المفحوص،
غير المستحيل (أى غير المتغير)”. وهذا يوضح أن القداس هو من وضع القديس
إغريغوريوس نفسه الذي تفوه بهذه العظة وغيرها من الخطب والعظات المعروفة باسمه.

[20]
أى إلى الإنسان الذي خلق على صورته.

[21]
بناسوت خلقه هو فى أحشاء العذراء.

[22]
فى الخلق خلق الله الإنسان “على صورة الله”، بينما في التجسد أخذ الجسد:
“أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له”.

[23]
طبعًا من جهة طبيعته التي فيها اللاهوت متحد بالناسوت.

[24]
يقصد أصحاب بدعة سابيليوس الذي قال إن الآب هو نفسه صار المسيح وصلب وبعد صعود
المسيح جاء باسم الروح القدس أى الثالوث أقنوم واحد وليس ثلاثة أقانيم للاهوت
واحد.

[25]
يقصد الآريوسيين.

[26]
Philip Schaff, History of the
Christian Church, Vol. III, p. 910, 911
.

[27]
المرجع السابق.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى