المصالــــــحة العظمى
النعمة والسلام لكل من يحب ربنا يسوع المسيح
بكل حب الله المتسع أقدم لكم سلام بفرح كامل وفخر حقيقي بصليب ربنا يسوع الذي به نلنا غفراناً أبدياً بموتنا مع المسيح ، وأعود أتذكر معكم أسبوع آلام الرب الذي تبعته القيامة المجيدة التي فتحت لنا باب الخلود والمجد مع مخلصنا الصالح الذي صعد كسابق من أجلنا ، وهذا الأسبوع المجيد الذي نذكره دائماً ونعيد له كل عام ، هو بحسب عمل المسيح العميق يُسمى أسبوع المصالحة وعمق اتساع السلام وإنقاذ الخاطي المطرود والمنبوذ من نفسه وأمام الله والذي ليس له القدرة على المثول أمام الله والوقوف أمامهُ لأنه تشوه عقلة بالخطية وتلوث بالإثم وفسد ضميره وتغير طبعة الأصلي وخسر الصورة والشبه ، لأنه في الأساس مخلوق على صورة الله ومثاله ، وأيضاً أصبح ليس له القدرة أن يتحرك نحو الله ، أنه حقاً أسبوع فرح لكل من يرى أنه خاطي يستحق الموت الأبدي وليس له رجاء …
هذه هي الأيام المقدسة يحق لكل خاطي أن يتذكرها ويبتهج بها جداً لأنه أسبوع خلاصة ، وفرح شمس القيامة تستطع من وراء الصليب الذي صار فرحنا وموضع فخرنا الحلو …
أن أعظم ما أعطانا الله هو : الحب والمصالحة والتبني والفداء والخلاص والبرّ ، فالفداء والخلاص مهَّد للمصالحة ، والموت على الصليب مهَّد للتبني في المسيح وهذا كله أساس جوهره هو حب الله المتسع والذي لا يقدر أن يحده كلام ولا يوصفه شارح (((( الله محبة … ))))
عندما وُلد المسيح حلَّ السلام على الأرض والمسرة بين الناس بشهادة وإعلان الملائكة من السماء مقروناً بتمجيد الله في السماء . وعاش المسيح يعطي سلامه للقلوب والعقول والأجساد والنفوس المتعبة وهذا ما تشهد به الأناجيل وأعماله التي صنعها ….
وفي يوم العشاء الأخير ليلة الصلب وإعلان المصالحة بالموت الذي يتبعه القيامة ، حرص المسيح بعد عشاء الفصح مع تلاميذه أن يعطيهم كلمة مدموغة بالسلام ليكون عطاؤه الدائم لكل إنسان مقروناً بهذا الطقس الإلهي أي الإفخارستيا ، حتى نعيش سلام المسيح الفائق العقل مع شركة جسده ودمه كلما نتقدم بابتهاج للإفخارستيا المقدسة :
” سلاماً أترك لكم . سلامي أعطيكم ” ( يو14 : 27 )
وسلام المسيح الذي يعطيه ليس كسلام العالم والناس ، لأنه سلام من ” رئيس السلام ” ( إش 9: 6 ) ، الذي هو نفسه سلامنا ( أف 2: 14 ) ، والذي هو نتاج كل صنوف الآلام والتعذيب والموت الذي جازه . فهو سلام إلهي لا يستطيع أحد أن ينزعه منا ، لأنه سلام الروح الخفي الذي يُعزي النفس في أعماق القلب من الداخل ، وسيمكث معنا وفي إنساننا الجديد بعيداً عن متناول الناس والعالم كله …
أن معنى أن نذكر هذه الأيام في حياتنا ومسيرتنا على الأرض ، هذه الأيام الذي تجلى فيها عمل الله وظهر فيها قوة المصالحة :
هو أن نحياها بملء قوتها وعمق اتساعها محققين سلام المسيح الذي أعطاه لنا ، وتحقيق سلام المسيح هو بالمصالحة مع الكل ، فأنه عار على الكل وعلى أصحاب الإيمان بالمسيح ، بل هي مهانة كبرى للإيمان وللمسيح شخصياً أن كل شخص يتبع عقيدة أمينة يعادي شخصاً آخر يتبع عقيدة أخرى وهي أمينة للمسيح أيضاً ، فهنا العداء للمسيح الذي أعطى سلاماً ، فهل الانفصال والقطيعة والعداوة التي نشهدها اليوم هي من أجل المسيح وحقه ؟ هل هو لصالح المسيح ؟ أم هو لصالح الشعب ؟ والشعب معروف أينما كان وفي أي بقعة في العالم وتحت أي شعار أنه شعب المسيح !!!!
إن مبدأ المسيح شخصياً ” لأن مَنْ ليس علينا فهو معنا ” ( مر9 : 40 )
قال التلاميذ لربنا يسوع المسيح قبل أن يقول هذا القول ، لما وجدوا من لا يتبعهم ويقوم بمعجزات أنهم منعوه : ” فمنعناه لأنه ليس يتبعنا ” ( مر9 : 38 ) فكان رد المسيح :
” لا تمنعوه لأنه ليس أحد يصنع قوة باسمي ويستطيع سريعاً أن يقول عليَّ شراً ” ( مر9: 39 )
لابد من أن نستفيق ونحيا بعمق المصالحة الذي حققها المسيح بصليبه وفرح وجه الأرض بقوة قيامته ، فلنا أن نصنع سلاماً أن كنا حقاً نؤمن بالصليب وفعل المصالحة ونحب القيامة التي صارت باب المجد لنا …
حقاً سيقف صليب المسيح ووصيته ” أحبوا أعدائكم ” سداً منيعاً ضد أي عداوة لأي إنسان مهما كانت عداوته . فالمحبة عند كل من يعرف الحق وتذوق خبرة الصليب وتناول الإفخارستيا بإيمان حقيقي وصادق فستكون المحبة عنده أساسها البذل والعطاء خلواً من التعويض أو مبادلة المثل بالمثل ، فالمسيح محبة بلا قيد أو شرط .
هذا هو عمل المسيح
و انتم الذين كنتم قبلا أجنبيين و أعداء في الفكر في الأعمال الشريرة قد صالحكم الآن (كو 1 : 21)
لأنه إن كنا و نحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيرا و نحن مصالحون نخلص بحياته (رو 5 : 10)
وهذه هي ثمرته فينا
و أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم و صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم و يطردونكم (مت 5 : 44)
لكني أقول لكم أيها السامعون أحبوا أعداءكم أحسنوا إلى مبغضيكم (لو 6 : 27)
بل أحبوا أعداءكم و أحسنوا و اقرضوا و انتم لا ترجون شيئا فيكون أجركم عظيما و تكونوا بني العلي فانه منعم على غير الشاكرين و الأشرار (لو 6 : 35)
ثمرة هذه الأيام المقدسة التي نتذكرها دائماً ولا نقدر أن ننساها أبداً بل هي معنا طووول السنة ، ثمرة صليب ربنا يسوع المسيح وفرح القيامة وابتهاج الصعود ، تطرح فينا جميعاً قوة المصالحة والسلام فنحيا بأصالة خبرة الصليب :
عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضا للخطية (رو 6 : 6)
مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني و اسلم نفسه لأجلي (غل 2 : 20)
و لكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء و الشهوات (غل 5 : 24)
و أما من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي و أنا للعالم (غل 6 : 14)
غنى النعمة ووافر السلام وبركة ربنا يسوع الحلوة ومجد قيامته مع جميعكم آمين