الارشاد الروحى

كيف نغلب – الحياة المسيحية وطريق الغلبة والنُصرة

حينما نرتكب الخطية المدمرة للنفس، للتو يعترينا شعور الحزن العميق والذي يعمل في كثيرين ويضع حالة من الهروب من مواجهة الله المشرق بنور سماوي عظيم، لذلك نجد أن الإنسان الذي يكون هذا حاله، يجلس في الظلمة وحيداً شاعراً بحالة من اليأس من ذاته، حاكماً أنه إنسان خاطئ مرذول لا يصلح للحياة مع الله، ولا عجب من ذلك لأن هذه هي طبيعة الخطية [ الموت ]، لأن مشكلة الخطية في الموت الذي يعمل تلقائياً حينما يُحيها الإنسان في داخله بسماع صوت الموت الذي يأتي من نداء الشهوة أو إغراء اللذة التي لها أثر في قلب الإنسان بسبب طول خبرته في حياة الشرّ، أو من حركة فكر تأتي من عدو الإنسان الأول وهو الشيطان، ويطيعها الإنسان بإرادته سواء كان مخدوعاً أو من جراء ميله الخفي للذة متسلطة عليه من الداخل … والنتيجة :
كيف نغلب - الحياة المسيحية وطريق الغلبة والنُصرةيولد في النفس حزن يقود أما للنهوض والرجوع لله الحي والارتماء عليه بكل قوى النفس، بحزنها ومرها، بضعفها بل وموتها وفسادها لكي يشفيها ويعينها ويهبها قوة ونعمة ويسكن فيها ويكون لها بشخصه، سور حماية وبرج حصين؛ أو يولد في النفس حزن يؤدي إلى الدمار والضياع والانطراح بعيداً عن الله والخوف من محضره، والهروب من صوته…

+ فيا إما يدخل (الإنسان) في حالة من الغرق في حياة الخطية، كهروب من ذاته ومواجهة الخطأ وإصلاحه بالوقفة الجادة أمام الله ملتمساً غفرانه برجاء حي، وبذلك يسلُك سلوك آدم حينما اختبأ من وجه الله، ويزيد على آدم، أنه يستمر في البعد ويستسلم تماماً للخطية …
+ أو يدخل في حالة من اليأس والحزن والكآبة الشديدة، حاكماً أنه لن يصلح للحياة مع الله قط، فيفقد رجاءه الحي بالله، وأحياناً يزداد الأمر إلى أن يصل لحد المرض النفسي.
+ يا إما يصل لحالة لا مبالاة، ويسير وفق ما ترسله أقدامه، مرة في الخطية ومرة في الكنيسة، ويعيش في حياة مزدوجة وفي حالة من يترنح بالخمر، لأنه لا يكف على أن يشرب منه، فيعيش كالسكارى وتفقد حياته مصداقيتها إلى أن يصل لحالة الرياء [ طبعاً أنا لا أتكلم هنا على الضعف الذي يؤدي للسقوط والتوبة، إنما بتكلم عن حالة دائمة فيها لا مبالاة تامة ]، وأحياناً كثيرة يهرب من توبته والرجوع لله الحي بالخدمة، فيحاول بذلك أن يُسكن ضميره، مظهراً أنه يفتش على خلاص النفوس بكل غيرة حسنة، وهذا أدعاء باطل يقود النفس للدينونة …

+ فهناك حزن لأجل المسيح محرر العالم من عبودية الخطية بالصليب، لكل من يأتي إليه بإيمان حي واثقاً في عمله الخلاصي، وهناك حزن مدمر للنفس وقائدها للهلاك بفقدان الرجاء الحي، وتزيد شر على رأس الإنسان لأنها تجعله غير قادر أن يبصر قوة الله بالصليب، فيفقد إيمانه ورجاءه الحي في المسيح المخلص الحقيقي للعالم أجمع مهما ما كانت خطاياهم، لأن دمه الإلهي سفك وهو كفيل أن يطهر العالم كله، بل لو كان هناك ألف مليون عالم وعالم سيطهره ويزيد عليه، لأن دم ابن الله الحي أعظم من بلايين العوالم بما لا يُقاس، وقوته تفوق كل إدراك بشري، فلنحذر يا إخوتي لئلا يخدعنا عدو الخير ويجعلنا ننتقص من دم ابن الله الحي، ونظن أنه لا يقدر أن يطهرنا، فتزداد الدينونة لأننا جدفنا على دم ابن الله القادر أن يطهر من أي خطية مهما ما تعاظمت وفاقت كل الحدود طالما نأتي غليه تائبين نلتمس قوته ومعونته لنا !!!

أن السبب الحقيقي في عدم توبتنا وبخاصة بعد الخطية، هو أن الأفكار التي تسود على مخيلتنا، هي أفكار ليست إلهيه، بل شيطانية هدامة تهدف لموت النفس بانفصالها عن محبة الله، وكل ما يتصوره القلب، هو الدينونة ورفض الله، وانه لن يصلح للحياة مع الله، ولا عجب لأن هذا نتاج ارتكاب الخطية، لذلك فهي خاطئة جداً لأنها تتركنا فارغين من رحمة الله وتصور أمامنا الدينونة لأنها تتبعها، والجحيم هو حفرتها، والموت هو سلطانها !!!

لذلك علينا أن نُميز أفكار القلب ونيته، فالحزن المليء بالنعم والمواهب الروحية ورغبة التوبة الشديدة يأتي من المحبة للمسيح النور الحقيقي. وليس لنا إلا أن نغوص في هذه الأفكار المقدسة بدراسة كثرة رحمته، ونذهب للكتاب المقدس ونبصر معاملة رب المجد مع الخطاة !!!
هذه الدراسة المستمرة كفيلة أن تملأ الفكر وتحصنه ضد عدو الخير، وتطرد الأفكار الهدامة التي تطيح بالنفس بعيداً عن حياة التوبة، لذلك واجب علينا – لننا ذقنا محبة الله وعرفنا طريق التقوى – أن نُفكر بالرب ولنتكلم عنه دائماً، كل حين، وبقدر الإمكان، ولكي نشعر بالفرح عندما يكون الكلام عن المُخلَّص، فلنحاول أن يكون اهتمامنا محصوراً بالرب لأنه بالدرس المتواصل، سيحتل المُخلَّص قلوبنا، وسيملك على أرواحنا ويطهر أجسادنا ويجعلنا آنية مقدسة كريمة تخص حضوره وحده …
ف لكي تبقى النار ملتهبة يجب أن تبقى على اتصال دائم بالمادة المُحرقة، وكذلك نحن أيضاً، فلكي نشعر بنار المحبة لمخلصنا الصالح القدوس، علينا أن نلتصق بالمسيح النور الحقيقي، ونوجه أفكارنا نحو شكله الإلهي، وذلك بقراءة الكلمة وممارسة الصلاة الدائمة والوجود وسط من لهم نفس ذات المنهج والحياة، غير تاركين اجتماعاتنا كما قوم عادة بل نحضرها مركزين في قلوبنا لِما نسمعه ولا نفوته، بل نُصلي أن يهبنا الله كل حكمة وفطنة، لنسمع ونصغي لصوته، لنكون سامعين بآذان قلوبنا وفاهمين بذهننا المفتوح بنعمة الله واستنارة الروح، ما هي مشيئة الله لنتممها بطاعة الأبناء…

+++ ما هو السر وراء تقبلنا الأفكار الشريرة بسهولة وكيف نغلب +++

لا نتعجب من كوننا نرى على مستوى الخبرة اليومية، أن الأفكار الشريرة التي تهاجمنا تغلب الأفكار الروحية بسهولة، وتجعلنا نُخطئ وننقاد للشر الذي لا يريح القلب والضمير، ولا يعطينا سلام مع الله وبالتالي مع النفس، مما يؤدي لحزن قلبنا الظاهر في داخلنا، مهما ما كنا نضحك من الخارج أمام الناس، ونُسرّ وكأن لا يعترينا شيء ما، مع أن الههم يملأ قلبنا من الداخل !!!

والسؤال المطروح دائماً : لماذا تكثر الأفكار الشريرة وتزداد في عقل البشر، وتقيدهم وتشدهم لأسفل وتشل حركاتهم الروحية، إلى أن يحدث ذلك الانهيار المروع والذي يقضي على كل خير في قلب الإنسان وعقله، حتى أن ذهنه يصيبه ظلمة حتى أنه يفعل ما لا يليق في النهاية، مع أنه لا يريده، ولو اعتاد الأمر وغاص فيه يُصبح شيء عادي، والخطية تجري في دمه دون أن يشعر بقوة فسادها وتصبح كجرعة الماء الضرورية لحياة الجسد، والتي يتجرعها الإنسان بسهولة ويسر وبكثرة !!!

أولاً – قبل أن ندخل في العلاج الفعال – ينبغي أن نعرف، أنه لا يكفي أبداً أن يعرف الإنسان الحقيقة حتى يُصبح رجلاً روحانياً يعيش لله، بمعنى أنه لا يكفي فقط أن نعرف أننا مرضى ولدينا مشكلة في حياتنا وأفكارنا تبعدنا عن الله، بل علينا أن نفكر بالحقيقة وأن نتعمق فيها ونتعرف على أسبابها ونفتش عن العلاج الفعال بكل جدية …

يا إخوتي (عن خبرة) – لا يستفيد أي أحد – عملياً – من أي حقيقة مُعلنه أو تُكشف له بالمعرفة فقط، بل الذي يستفيد هو من يتمكن من تحقيقها عملياً في حياته اليومية، فكما أن الغذاء والدواء والملبس لا تُفيد من يملكهم فقط، بل تُفيد من يعرف أن يستعملهم، وكذلك المعرفة. لأن ام المنفعة حينما يملك الإنسان كل شيء في حياته، وهو لا يعرف طريقة استخدامه، رغم من أنه يملكه !!!

فإذا كانت الأفكار الشريرة والوضيعة تشغل عقل الإنسان وتنطبع فيه، والأفكار الروحية تمر به ولا تجد لها مكاناً، فلا تستقر أو تسكن في قلبه وعقله، فما وجه الغرابة في عدم سيطرة الأفكار الروحية على قلب الإنسان، إذا كانت هذه الأفكار الروحية تُطرح خارج النفس، ويتم قبول – بفرح وانبساط ومسرة – الأفكار والألفاظ التي تجعل النفس تبقى مملوءة بخزي الشرور والأفكار الخبيثة المدمرة للنفس ؟
فمن يجهل فن البناء لا يستطيع أن يبني، وأن بنى ينهار المبنى حتماً، والطبيب الذي يجهل فن الطب، لا يعرف كيف يداوي مرض لو كان مرضة يسهل علاجه جداً، وكذلك المسيحي الذي يبقى في عالم النظريات الفكرية، والمعرفة التي بدون تطبيق كحياة، ولا يعرف كيف يروض نفسه في الحياة المسيحية، فهو لا يستفيد شيئاً من معرفته للحقيقة ما دام لا يستطيع أن يبني بناءها الروحي !!!

فالجندي الذي يعرف كيف يستخدم سلاحه ساعة الخطر ضد العدو ويعرف كيف يستخدم الأصول التكتيكية في الحرب، حتماً يفوز وينتصر حتى لو جُرح في المعركة وظهرت بعض الخُسارة…
فيا أحبائي ينبغي أن نستعمل الأفكار الصالحة كمستشار ولنتعلم لا ما يجب أن نعرفه فقط ، بل نتعلم ونؤمن بما نتعلمه لنعمل به ولنحترق بمحبة الله الحقيقية .
وهذه المحبة تفرض درس خاص واهتمام شخصي وانتباه بالقلب والفكر ومن كل النفس، فالنفس تتحرك بموجب ما تنشغل به !!!
فان اهتم الإنسان وانشغل بالأمور البذيئة والأفكار الشريرة فسينجرف للهاوية حتماً وبلا منازع. فمن الضروري إذاً أن يطرد المسيحي الحقيقي كل ما هو شرير أو مُخالف لوصية الله بقوة ما ناله من نعمة، وأن يتخلى عن أصدقاء السوء وكل مكان يبث فيه فكر شر، ويسعى بكل اجتهاد ليتغذى بالأمور الروحية السامية، لأن أي شركة مع الذين هم في بعد تام عن الله كفيل أن يهدم حياة أعظم المؤمنين قداسة ويسقطهم في أسوأ الشرور وأقبح الأفعال …

من السهل أن نشتهي الفضيلة، وأن نُفضل الحياة المسيحية ونُعجب بوصية الله المُحررة للنفس، وهذا بالطبع لا يحتاج إلى جهد أو تعب من أي نوع، هذا مجرد اشتياق وتمني، ولا أحد يتعب فيه !!!
لأن من السهل أن يرسم الإنسان لوحة ويضع فيها شكل البناء الذي يحلم أن يكون فيه، ولكن الأصعب هو أن يذهب ويحضر مواد البناء وإحضار العمال ويمهد الأرض بالحفر ويتأنى ويصبر ويعمل بكل جدية وترقب إلى أن ينتهي البناء ويبدأ مرحلة جديدة من التعب في ترتيب البناء من الداخل وتزيينه … الخ..
فمن يُريد أن يحقق الحياة الروحية ويتقدم فيها ويبني بناءً حسناً، يجب عليه أن يبذل ذاته، يجب عليه أن يقدم الجهد والمشقة والتعب، ويعمل بنظام وترتيب، يقبل بإرادته الصراع الروحي، ويحمل صليبه وراء مُعلمه…

يا إخوتي، حينما يحب الإنسان شيء معين [ فتاة – كورة – مسلسل تليفزيوني – فيلم – عمل يدوي ما … الخ ] يركض بكل جهد شديد ولا يهتم بتعب أو مرض، أو شيء آخر، بل يتخلى عن كل شيء ليسعى باجتهاد عظيم أن يحقق ما يحب، وهكذا بالمثل، المسيحي الحقيقي الذي يحب الله ويريد أن يسمو ويحيا الحياة المسيحية الحقيقية …

فالذي يقوينا ويشددنا في الصراع الروحي لنحقق مع المسيح صلبت، هو شوقنا الشديد للأمور الروحانية العالية والالتصاق بالرب. وهذا الشوق يجعل الآلام خفيفة سهلة، بل تصير مسرتنا الخاصة حتى حينما تكون حادة ومضنية ومؤلمة للغاية …

وفي الواقع العملي المُعاش، أن غلبتنا ونُصرتنا لن تأتي كحل سحري، ولا بالأحلام والتمنيات الحلوة، بل تأتي بشوقنا الحقيقي والذي يتحول لسعي جاد، وعملياً يتم تطبيقه بالهذيذ في كلمة الله [ راجع للضرورة القصوى لفهم المقصود المزمور الأول ]، فسرّ نصرتنا هي في خلع فكر ولبس فكر جديد، إحلال فكر محل فكر، فأن درسنا كلمة الله يومياً مع الصلاة الجادة بدون إهمال وتقديم اعتراف دائم أمام الله، ومعرفة كل أحباء الله والالتصاق بهم، والمواظبة باجتهاد دون كلل على الإفخارستيا واجتماعات الصلاة والقراءة الروحية [ مهما ما أخفقنا ]، حتماً ستُطرد الأفكار الشريرة بتلقائية وبقوة في النهاية، وتبقى فقط الأفكار الإلهية التي تحرك القلب والفكر وتقود الإنسان للحياة الأبدية …

فعندما نوجه أفكارنا للأمور الروحية نعمل على إدراك الجمال الحقيقي الموجود في الحياة المسيحية، وبذلك يشتعل الشوق كنار في قلوبنا وتحركنا نحو الله بقوة ولن نعود نشتكي من غلبة الأفكار الشريرة، ونفوز بمراحم الله ويحل فينا ويرفع عنا ثقل الخطية ويطرحها عنا بقوته بعيداً كبعد المشرق عن المغرب…

فمن يا ترى سيسعى أن يتقد قلبه ويلتهب بمحبة الله في داخله، ويهذ في كلمة الله ويكون فيها مسرته، فيشتعل قلبه، بل كيانه كله بالنار الإلهية المطهرة والمُقدسة للنفس، وليكن يا إخوتي : في ناموس الرب مسرتنا ونهذ به الليل والنهار كله ….

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى