اللاهوت العقيدي

قانون الإيمان قبل مجمع نيقية



قانون الإيمان قبل مجمع نيقية

قانون
الإيمان
قبل مجمع نيقية

 

هل
تؤمن الكنيسة بالسيد المسيح كإله منذ تأسيسها
ام منذ مجمع
نيقية؟!

 

مقالات ذات صلة

الفهرس

مقدمة

الفصل الأول: ولادة الإبن الإزلية من الآب

الفصل الثانى: لاهوت
المسيح الإبن المتجسد

الفصل الثالث: قوانين
إيمان ما قبل نيقية

الفصل الرابع: مقارنة قوانين
الإيمان

فهرس الآباء بالكتاب

 

مقدمة

قد
يبدو عنوان هذا الكتاب صعباً للوهلة الأولى، لكن يمكننا ان نتفهم أهمية موضوع هذا
العنوان من خلال الإجابة على الاسئلة الثلاثة الآتية والمُرتبة بحسب عنوان الكتاب.

 

لماذا
لاهوت المسيح؟

كان
وسيظل لاهوت المسيح هو حجر الزاوية فى إيماننا المسيحى، الحجر الذى قدمت كنيسة
المسيح جهادا حتى الدم من أجل الحفاظ عليه ضد كل ما قام ضده من بدع وهرطقات.

 

و
هذا الجهاد الذى قدمته الكنيسة لم يكن مجرد دفاع عن فكرة مُجردة قد تم التمسك بها
لأى سبب من الاسباب، بل بالأحرى لقد جاء كنتيجة لمعايشة الكنيسة الامينة والصادقة
لشخص السيد المسيح الإله المتجسد. كما ان هذا الجهاد فى الحقيقة جاء كإمتداد لما
قام به الرسل من شهادة للإيمان الذى استلموه من السيد المسيح – كدفاع بولس الرسول
عن نعمة الخلاص بيسوع المسيح فقط وليس بر أعمال الناموس الفريسية – شهادة قال عنها
بطرس ويوحنا الرسولان: “لأننا نحن لا يمكننا ان لا نتكلم بما رأينا
وسمعنا” (أع 4: 20).

 

و
قد أرتبط الايمان بلاهوت المسيح فى فكر الكنيسة ارتباطا وثيقا بقضية الخلاص. فلو
لم يكن السيد المسيح إلها، لما أمكن لخلاصنا ان يتم او يكتمل. لذلك فقد كانت
الكنيسة حريصة دائما على تسليم بركات ومفاعيل هذا الخلاص الذى تحقق بتجسد الله
الكلمة الى ابنائها من جيل الى جيل.

 

و
لذلك كان وسيظل عمل عدو الخير فى كل مكان وزمان مُوجهاً دائما لمحاولة نزع هذا
الإيمان من قلوب الناس من خلال بث أفكار بدع هلاك يبتدعها على ألسن بعض مَن فقدوا
او لم يتذوقوا حلاوة اللقاء والتلامس الخلاصى مع شخص ربنا يسوع المسيح. الأمر الذى
وقفت وستقف كنيسة المسيح ضده على الدوام.

 

لماذا
الآباء؟

تُعتبر
أقوال الاباء وكتاباتهم وسيرهم من العناصر الاساسية فى التقليد الكنسى الذى من
خلاله وصل إلينا الإيمان المُسلم مرة للقديسين (يه 3). فإذا كان الكتاب المقدس
بعهديه يأتى على رأس عناصر هذا التقليد الكنسى، الا ان اهمية الآباء وأقوالهم
وسيرهم تأتى لأنهم كانوا شهودا للفهم الصحيح والمُعايشة الحقيقية لبشارة الخلاص
المُعلنة فى الكتاب المقدس كما سلمها ربنا يسوع المسيح لرسله وتلاميذه القديسين.
ومن هنا تأتى أهمية رجوعنا ودراستنا لأقوال الآباء كشهادة أمينة وصادقة عن مرجعية
وأصالة أى فكر او موضوع نتطرق إليه.

 

لماذا
قبل نيقية؟

يزعم
البعض فى الوقت الحاضر أن إيماننا بلاهوت السيد المسيح هو أمر استحدثه القديس
اثناسيوس فى مجمع نيقية، وأن هذا الإيمان لم يكن ثابتا فى الكنيسة قبل ذلك. بينما
الحقيقة هى عكس ذلك تماما، فلم يكن ما فعله القديس اثناسيوس إلا انه دافع عن لاهوت
السيد المسيح بحسب ما تسلمه ممن سبقوه من آباء، إذ كان هذا ثابتاً ومُستقراً من
العصر الرسولى. مع اعترافنا بأن دفاع القديس اثناسيوس كان هو الأقوى والأكثر
تحديداً لصياغات الإيمان المسيحى.

 

نلاحظ
ايضا ان اريوس ايضا لم يكن هو أول من أنكر لاهوت السيد المسيح، بل كان هناك آخرون
أنكروا لاهوت السيد المسيح، بل كان هناك آخرون أنكروا لاهوت السيد المسيح، منهم
مركيون وبولس السموساطى وغيرهم، الا ان هرطقة أريوس قد تزامنت مع تحول
الامبراطورية الرومانية الى الاعتراف بالمسيحية كإحدى الديانات الرسمية فى
الامبراطورية وذلك بحسب “منشور ميلان” او “منشور التسامح
الدينى” سنة 313 م. بل وأصبح الإمبراطور قسطنطين الكبير مسيحيا [1]. كل ذلك أتاح
المجال لكى ينعقد مجمع مسكونى يدعو إليه الامبراطور ويحضره بنفسه، بعد ان كانت
المسيحية ديانة مُضطهدة بواسطة الأباطرة الرومان. ومن هنا أخذت المواجهة بين
القديس اثناسيوس وأريوس الهرطوقى الشكل المسكونى اى على مستوى المسكونة مُتمثلة فى
كل الكراسى الرسولية المسيحية.

 

و
من ثم فإن تقديم شهادة آباء ما قبل نيقية عن لاهوت السيد المسيح إنما يقدم رداً فى
غاية القوة عن أصالة هذا الإيمان الكنسى منذ عصر الرسل، ويفضح مكائد وأعمال عدو
الخير ضد الكنيسة، ويُثبت ان ما قدمه آباء نيقية من صياغات وتحديدات عقائدية ما هو
الا إمتداد استلموه من الرسل عبر تسلسل الآباء ولم يستحدثوا فيه شيئا، الأمر الذى
أعلنه القديس اثناسيوس الرسولى بطل نيقية مُتفاخرا فى كتاباته ودفاعاته عن الإيمان
الرسولى.

 

و
سنستعرض الآن بعض فقرات من كتاباته التى توضح هذا الأمر…

 

1-         
القديس اثناسيوس يقول ان إيمانه هو بحسب تقليد
الكنيسة:

“دعونا
ننظر الى تقليد الكنيسة الجامعة وتعليمها وإيمانها، الذى هو من البداية والذى
أعطاه الرب وكرز به الرسل وحفظه آباء الكنيسة. وعلى هذا الاساس تأسست الكنيسة، ومن
يسقط منه فلن يكون مسيحيا ولا ينبغى ان يُدعى كذلك فيما بعد.”
[2]

 

“و
بحسب الإيمان الرسولى المُسلم لنا بالتقليد من الآباء، فإنى قد سلمت التقليد بدون
إبتداع اى شىء خارجاً عنه. فما تعلمته فذلك قد رسمته مطابقا للكتب المقدسة.”[3]

 

“لأن
ما سلمه آباؤنا هو عقيدة حقيقية، وهذه هى سمة المُعلمين اللاهوتيين، أن يعترفوا
بنفس الأمر كل واحد مع الآخر وأن الا يختلفوا لا عن بعضهم البعض ولا عن آبائهم.
أما هؤلاء الذين ليس لهم هذه السمة فيجب الا يُدعوا معلمين لاهوتيين حقيقيين بل
اشرارا”[4]

 

“أما
معلنو الحق القديسون الحقيقيون فيتفقون معاً ولا يختلفون، فبالرغم من أنهم عاشوا
فى أزمنة مختلفة، إلا انهم جميعا يتبعون نفس الطريق، لكونهم أنبياء لإله واحد
ويُبشرون بنفس الكلمة فى هارمونية وإتفاق”[5]

 

“و
أما إيماننا نحن فمستقيم ونابع من تعليم الرسل وتقليد الآباء ومشهود له من العهدين
الجديد والقديم كليهما.”[6]

 

2-         
القديس اثناسيوس يقول أن ايمان الهراطقة ليس
بحسب تقليد الكنيسة:

“ها نحن نُثبت أن هذا
الفكر قد سُلم من أب إلى أب. أما انتم ايها اليهود الجدد وتلاميذ قيافا، كم عدد
الآباء الذين يمكن ان تنسبوهم لتعبيراتكم؟ ليس حتى واحد ذى فهم وحكمة، لأن الجميع
يمقتونكم، الا الشيطان وحده، فليس أحد غيره أباكم فى هذا الارتداد”[7]

“دعهم
يخبروننا من أى معلم او من أى تقليد جاءوا بهذه المفاهيم عن المخلص؟”[8]

“من
أى نوع من الاساقفة تعلموا أو من هو القديس الذى علمهم؟”[9]

 

“لأنه
(مجمع نيقية) كتب – ليس عقائدكم – بل تلك العقائد التى سلمها إلينا من البداية
هؤلاء الذين كانوا شهود عيان وخداماً للكلمة. لأن الإيمان الذى أعترف به المجمع
كتابةً هو إيمان الكنيسة الجامعة”[10]

 

جدير
بالذكر ان لاهوت السيد المسيح واضح كل الوضوح فى الكتاب المقدس. ولم يكن موضوع هذا
البحث الإستشهاد بآيات الكتاب المقدس التى تدل على لاهوت السيد المسيح [11]، وانما
تأكيد ان هذا اليمان كان واضحا عند آباء ما قبل نيقية الذين قاموا بدورهم بالحفاظ
على هذا الإيمان الى ان تمت صياغته فى قانون إيمان مجمع نيقية.

 

أشهر
مصادر أقوال الآباء

1-         
باللغات الأصلية:

أشهر
المصادر باللغات الأصلية وأكثرها تكاملا هى المجموعة التى قام بتجميعها ونشرها
الكاهن الفرنسى جاك بول مينى
Jacques
Paul Migne
والذى عاش من سنة 1800 م
الى سنة 1875 م. وتقع هذه المجموعة فى قسمين:

1-         
الكتابات اليونانية:

و
تُعرف بإسم
Patrologia Greek وعدد مجلداتها 161 مجلدا كبيرا [12]
مع ملاحظة ان كل كتابات اباء الإسكندرية والكتابات الرهبانية تقع فى هذا القسم
حيثن أنهم كتبوا باللغة اليونانية

2-         
الكتابات اللاتينية

و
تُعرف بإسم
Patrologia Latina وعدد مجلداتها 221 مجلدا كبيرا[13].

2-         
باللغة الإنجليزية:

أشهر
المصادر باللغة الإنجليزية هى مجموعة آباء ما قبل نيقية، وآباء نيقية وما بعد
نيقية، وقد صدرت فى إدنبرة بأسكتلندا، وتقع هذه المجموعة فى 38 مُجلدا مُقسمة الى
ثلاثة أقسام:

1-         
قسم آباء ما قبل نيقية Ante-Nicene Fathers (ANF)

وعدد
مجلداته 10 مجلدات. ومن هذا القسم استقينا أقوال الآباء الواردة فى هذا الكتاب.

2-         
قسم آباء نيقية وما بعد نيقية

المجموعة
الأولى
Nicene & Post Nicene
Fathers (NPNF) Series I

و
يحتوى على 14 مجلداً هى كتابات القديس اغسطينوس (8 مجلدات) والقديس يوحنا ذهبى
الفم (6 مجلدات).

3-         
قسم آباء نيقية وما بعد نيقية

المجموعة
الثانية
Nicene & Post Nicene
Fathers (NPNF) Series II

و
يحتوى على 14 مجلداً لباقى الآباء.

 

و
قد كان مرجعنا الرئيسى الذى أعتمدنا عليه فى إعداد هذا الكتاب هو:

“قاموس
المُعتقدات المسيحية الأولى”

Dictionary Of Early
Christian Beliefs

David W، Bercot

1998 Hendrickson
Publishers

 

لاهوت المسيح عند آباء ما قبل نيقية

فى
حديثنا عن لاهوت السيد المسيح من خلال أقوال آباء ما قبل نيقية، سوف نتبع نفس خط
وترتيب قانون إيمان نيقية فى صياغته لإيمان الكنيسة فيما يخص لاهوت السيد المسيح،
من حيث حديثه اولا عن الإبن كأقنوم مُتمايز عن الآب ولكن مولود منه قبل كل الدهور
ومساو له فى الجوهر. ثم الحديث عن الإبن فى تجسده وعمله الخلاصى من أجلنا. وذلك
للتأكيد على ان ما نص عليه الآباء ال 318 المجتمعون بنيقية مع القديس اثناسيوس –
وقد كان شماسا أثناء إنعقاد المجمع – ما هو إلا تعبير صادق وآمين عن الإيمان
المُسلم لهم بواسطة الكنيسة مُمثلة فى الآباء السابقين لهم من خلال التقليد
الرسولى الكنسى.

 

لهذا
سنستعرض أقوال آباء ما قبل نيقية تحت عنوانين رئيسين:

اولا:
ولادة الإبن

ثانيا:
لاهوت السيد المسيح الإبن المتجسد

ثم
بعد ذلك سنستعرض جدولاً يقدم لنا مقارنة بين قانون إيمان مجمع نيقية وقوانين
الإيمان السابقة له، والتى كانت تُستخدم فى عصر ما قبل نيقية (100 – 300 م) وذلك
لكى نُلاحظ معاً مقدار التشابه والتطابق – فى بعض الأحيان – بين هذه القوانين
بعضها مع بعض. مما سيجعلنا نتأكد أن قانون الايمان النيقاوى نفسه لم يأت من فراغ،
بل كان يستند على ما قبله من قوانين.



[1] نتيجة لذلك ينادى البعض فى
هذه الايام بأن الاعتقاد بلاهوت السيد المسيح قد ظهر فى عصر قسطنطين وبتشجيع منه
حتى يتمكن من خلال ذلك من فرض نفوذه على العالم كله من خلال إقناعم بأنه يعبد
الإله الحقيقى. وهو الأمر الذى ينتفى تماما عندما نجد – من خلال هذا الكتاب – أن
إيمان الكنيسة بلاهوت السيد المسيح منذ العصر الرسولى بشهادة آباء ما قبل نيقية،
إيمان ثابت وصريح.

[2] الروح القدس 1 : 28

[3] السابق 1 : 33

[4] NPNF، 2nd Ser.،
Vol. IV، P.153

[5] Ibid

[6] Ibid، P. 576

[7] Ibid، P. 168

[8] Ibid، P. 158

[9] Ibid، P. 161

[10] Ibid، P. 169

[11] للمزيد من البحث فى هذا
الموضوع، يُمكن الرجوع الى كتاب “لاهوت المسيح المسيح” لقداسة البابا
شنودة الثالث.

[12] تُختصر دائما فى المراجع
العلمية الى
PG وبجانب الاختصار تجد رقم المجلد بالأرقام
اللاتينية ثم إسم الصفحة بالارقام الانجليزية مثل
PG XXX :
65
فهذا يعنى
مجموعة الاباء باليونانية المجلد رقم 30 والصفحة رقم 65 (هذه الملحوظة اضافة من
فادى وليست من نص الكتاب)

[13] وتثختصر
الى
PL كما يوجد ايضا سلسلة أخرى تُسمى بـ Patrologia
Oriental
اى
الكتابات الشرقية وتُختصر الى
PO (هذه الملحوظة اضافة من فادى وليست من نص
الكتاب)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى