الطقس الكنسي

في إكرام القديسين جـ 1( للأب جورج فلورفسكي )

في أكرام القديسين
الأب جورج فلورفسكي
(1)

لقد غلب المسيح العالم. إن هذه الغلبة قد كُشِفت وتُمِمَت أكثر في حقيقة تأسيس المسيح لكنيسته. لقد حصلت وحدة الجنس البشري بحق لأول مرة في المسيح وبالمسيح، لأن الذين آمنوا باسمه صاروا جسد المسيح. وبالإتحاد بالمسيح أيضاً يتحدون مع بعضهم البعض في اتفاق أكثر صدقاً في المحبة. ففي هذه الوحدة العظيمة تُزال جميع الإمتيازات والحواجز المصطنعة: إن فوارق الولادة بالجسد تُطمس بوحدة الولادة الروحية.

إن الكنيسة هي الشعب الجديد الممتلئ من النعمة، التي لا تتطابق مع أية حدود طبيعية أو أية أمة أرضية. لا اليونانيون ولا اليهود، وإنها الجهاد في الإيمان بواسطة “سر المعمودية”، بالإتحاد مع المسيح في “جرن المعمودية الحاوي الأسرار”، “صائرين أبناء بالنعمة”، أي “أبناء الله” الذين من أجلهم خُلِقَتْ جميع الأشياء مما في السماء ومما على الأرض. ففي المعمودية المقدسة، يترك الذي سيستنير “هذا العالم” وينبذ أباطيله كأنه ومتعدياً النظام الطبيعي للأشياء، فمن طاعة قانون “الجسد والدم” يدخل المرء طاعة قانون النعمة. فإن جميع الروابط الوراثية وكل روابط الدم تُقطَع. لكن الإنسان لا يُترك منعزلاً أو وحيداً. لأنه حسب تعبير الرسول “جميعنا اعتمدنا بالروح الواحد”، ليس سكيثي أو بربري. وهذه الأمة لا تنشأ من خلال علاقة الدم ولكن من خلال الحرية في جسد واحد. إن المعنى الكامل للمعمودية المقدسة يكمن في الحقيقة تلك أنها القبول السري في الكنيسة، في مدينة الله في ملكوت النعمة. من خلال المعمودية يُصبح المؤمن عضواً في الكنيسة فيدخل “الكنسية الواحدة من الملائكة والبشر” ويُصبح “مواطناً للقديسين و إلى الأبد مع الله”، حسب أقوال القديس بولس المكتنفة الأسرار والمهيبة- يأتي المرء “إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية وإلى ربوات هم محفل الملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين في السماوات وإلى الله ديَّان الجميع وإلى أرواح أبرار مُكَمَّلِين” وفي هذا الحشد العظيم يتحد بالمسيح. لأنه ( “مسيحي واحد يعني لا مسيحي” ).

إن جوهر الكنيسة هو في وحدتها لان الكنيسة هي منزلاً كلي الجمال للروح الواحد. هذه ليست وحدة أو شمولية ظاهرية أو كاذبة. إن الميزة المسكونية للكنيسة ليست بشيء ظاهري أو مقداري أو مكاني وليست حتى أي صبغة جغرافية، ولا تعتمد عل الإطلاق على تشتت المؤمنين في العالم. إن وحدة الكنيسة المنظورة هي مجرد نتيجة وليست الأساس لجامعية الكنيسة. إن “الكونية” الجغرافية هي ثانوية وليست ضرورة حيوية. إن جامعية الكنيسة في العصور المسيحية الأولى لم تنتقص عندما تبددت جماعات المؤمنين مثل جزر صغيرة وكادت أن تكون مفقودة في عالم هائل غير مؤمن ومقاوم. كما أنها لم تنقص في هذه الأيام إذ أن أغلبية البشر ليسوا مع المسيح. “فبالرغم من أن بلدة أو صقع ما يمكن أن يكون خارج الكنيسة المسكونية” كما يقول المتروبوليت فيلارات ” فإن الكنيسة المسكونية ستبقى دائماً جسداً كاملاً وغير فاسد”. كذلك أيضاً، إن الكنيسة ستبقى في ” الأيام الأخيرة” عندما تتقلص إلى “القطيع الصغير”, عندما سيظهر سر “الإرتداد” وعندما سيوجد الإيمان على الأرض بصعوبة. لأن الكنيسة جامعة بحسب طبيعتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

Please consider supporting us by disabling your ad blocker!