علم المسيح

طفولة فريدة



طفولة فريدة

طفولة فريدة

 

تتضح
طفولية يسوع الفريدة عن كل طفولية سواها في التاريخ لمن يتتبع قراءتها بإمعان،
فمنها الكلام العجيب الذي جاء أولاً في النبوات القديمة التي تحققت بصورة مدهشة في
تفاصيل هذه الطفولية، ثم جاء في النبوات الجديدة من ملائكة وبشر قبل ولادته
مباشرة، ثم في الأناشيد الممتازة لأليصابات وزكريا ومريم.

ومنها
الحوادث العجيبة التي ابتدأت بظهور الملاك لزكريا وعقابه بالخَرس لعدم إيمانه، ثم
تلا ذلك حبل أليصابات العجيب، وشفاء زكريا من خرسه، وظهور الملاك لمريم وحبلها
العجيب، والتعليمات الضرورية الصادقة التي وردت ليوسف في الأحلام، والأمر
الإمبراطوري بالإحصاء وحفظ القيود النَسَبيّة اليهودية، وظهور الملائكة للرعاة،
وحوادث التقديم في الهيكل، وزيارة مجوس المشرق، ومنها التنوُّع العجيب في الاحتفاء
بولادة هذا الطفل: أولاً اشتراك الملائكة ممثلي أهل السماء، ثم الكاهن ممثل رجال
الدين، ثم الرعاة ممثلي فقراء العالم. ثم مريم وأليصابات ممثلتيْ الشابات والعجائز
ثم المجوس ممثلي الأغنياء والعلماء والأشراف، وممثلي الأمم الوثنية، ثم سمعان
الشيخ ممثل الإسرائيليين الأتقياء، وحنة ممثلة الأنبياء، والنجم ممثل الطبيعة غير
العاقلة.

يُضاف
إلى هذا مناسبة الوقت الذي جاء فيه هذا المولود، ليس فقط أنه الوقت الذي اتفق مع
النبوات الصريحة المختصة بالمسيح الموعود به، بل أن المناسبة ظهرت من أوجه أخرى
عديدة، أوضحها الرسول بولس بعد ذلك في قوله: «لَمَّا جَاءَ مِلْءُ
ٱلّزَمَانِ، أَرْسَلَ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ
ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ» (غلاطية 4: 4).

جاء
المسيح رئيس السلام في وقت سلام عمَّ الأرض نادر الوقوع. وجاء في وقت توطَّد فيه
الأمن العام، وتوفّرت المواصلات في الداخل والخارج تسهيلاً لأسفار رسله والمبشرين
بإنجيله، وذلك بواسطة امتدادٍ لا مثيل له في التاريخ لسطوة سياسية موحَّدة منظمة
شاملة، هي سطوة الإمبراطورية الرومانية في عِزِّها. ومن محاسن هذا الحكم إطلاق
الحرية التامة الدينية.

وكانت
اللغة اليونانية، أفضل اللغات القديمة، منتشرةً مع فلسفتها البليغة في البلدان
المختلفة، تسهيلاً لتوزيع إنجيل المسيح والتبشير به، ولا سيما أن اليهود كان لهم
في الشتات ترجمة توراتهم العبرانية إلى اللغة اليونانية.

جاء
المسيح في وقت تفاقم فيه الشر في العالم لتتضح شدة احتياجه إلى مخلِّص مقتدر يقدم
فداءً كافياً، ويُظهر سلطةً وافية ليكون مخلص البشر أجمع.

جاء
المسيح في وقت تمّت فيه الوسائل الأخرى التي استخدمها الإله سبحانه لردِّ البشر عن
شرورهم. وكانت هذه الشرور تزداد، فامتلأت صدور الأتقياء القليلي العدد يأساً،
جعلهم يتوقعون بفروغ صبر المسيح المخلص.

جاء
المسيح في وقت تشتَّت فيه الشعب اليهودي في كل المعمور، وهو شعب متمسك بالتوحيد
الإلهي، يكره العبادة الصنَمية. وباعتبار التوراة الكتاب المُنزل كان رسل المسيح
يبدأون باليهود في التبشير بمجيء مسيحهم، ويستعينون بمن يؤمن منهم لنشر البشارة
بين الأكثرية الوثنية. وفي ذات الوقت كان الحكم الروماني العادل الصارم حاجزاً
منيعاً أوقف رؤساء اليهود الذين أرادوا أن يخنقوا المسيحية في مهدها وأن يطفئوا
ذكر المسيح.

فبناءً
على الأمور المار ذكرها وأمثالها، هل من عجب أن افتتح البشير مرقس تاريخ حياة هذا
المولود بقوله: «بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله؟».

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى