علم

رسائل الأرطسَتيكا



رسائل الأرطسَتيكا

رسائل
الأرطستيكا

جوزيف
موريس فلتس

 

رسائل
الأرطسَتيكا: ” تاريخيًا – عقيديًا “[1]

معنى
كلمة الأرطسَتيكا:

كلمة
الأرطسَتيكا ليست عربية بالطبع بل هى كلمة يونانية ˜
ortastika
بمعنى “عِيدية” وهى صفة فى صيغة الجمع المؤنث – كتبت بحروف عربية حسب
النطق اليونانى (
Transliteration) مع قليل من التحريف – لوصف رسائل بعينها كانت تُرسل كل عام
بمناسبة عيد القيامة المجيد.

 

كيف
وردت فى المخطوطات العربية؟

وردت
هذه الكلمة بدون ذكر كلمة “رسائل”، فقط مصحوبة بالسنة التى تدل على عدد
مرات كتابة هذه الرسائل فجاءت – على سبيل المثال – هكذا ” الأرطسَتيكا
السادسة عشر”[2]. أو مصحوبة بكلمة أخرى مثل كلمة ” كتب الأرطسَتيكا
” [3].

 

تاريخ
رسائل الأرطسَتيكا(<
Epistolaˆ˜ortastika…
– Festal Letters
):

لقد
كان من المعتاد وحتى القرن التاسع الميلادى[4] أن يُرسِل أساقفة الأسكندرية، رسائل
إلى كل كنائس مصر ليعلنوا فيها ميعاد عيد الفصح وبدء الصوم المقدس فى كل عام.
واتخذت هذه الرسائل الشكل الرعوى فى حض المؤمنين على الصوم والاهتمام بالعيد.

ولقد
كان ديونيسيوس الأسكندرى البطريرك ال-14(247-264م) أول أساقفة الأسكندرية فى إرسال
هذه الخطابات العِيدية لأساقفة الكرازة فى الإيبارشيات وذلك حسب شهادة يوسابيوس
(20: 7). وبالإضافة إلى موضوع الرسائل الرئيسى عن الصوم وعيد الفصح فقد اهتم
ديونيسيوس أيضًا فى خطاباته بالأمور الكنسية الأخرى[5].

 

قضية
عيد الفصح:

يُعتبر
عيد الفصح من أقدم وأكبر الأعياد السنوية فى الكنيسة [6]، فقد بدأ الاحتفال بهذا
العيد الهام منذ القرن الأول الميلادى، فاتبع مسيحيو آسيا الصغرى وإنطاكية التقويم
العبرى، فكانوا يعيدون الفصح فى 14 نيسان، الذى قد يقع فى أى يوم من أيام الأسبوع،
وأُطلق عليهم (
Quartadecimanians) أى “الأربعشريين ” أما كنائس الأسكندرية وروما والغرب،
فكانت تصر على أن يكون الاحتفال بصلب المسيح فى يوم ” جمعة ” وبالتالى
يكون الاحتفال بالقيامة يوم ” أحد “.

غير
أن تاريخ الاحتفال بعيد القيامة أصبح يشغل الكنيسة كقضية أثير حولها الجدل العنيف
من بعد القرن الثانى الميلادى [7]، الأمر الذى نوقش فى عدة مجامع بلغ عددها ستة
[8]، دون التوصل إلى نتيجة مرضية أو إلى حل يوافق الطرفين.. وهكذا بقى هذا الموضوع
على نفس المنوال إلى أن انعقد مجمع آرل (
Arles) سنة 314م، والذى
حُدد فى قانونه الأول أن الفصح المسيحى يجب أن يُحتَفل به:

 

uno die et uno tempore per omnem orbem” فى يوم واحد فى كل الكنيسة “، على أن يكون يوم أحد إكرامًا
لذكرى القيامة ومغايرًا لليوم المحدد فى الحساب اليهودى للفصح. غير أن هذا القرار
لم يُنفذ على مستوى المسكونة [9].

 

المجمع
المسكونى الأول (نيقية) وعيد الفصح:

مَثلّت
قضية تحديد ميعاد عيد الفصح ثانى أكبر الموضوعات التى ناقشها مجمع نيقية 325م [10].

غير
أن المؤرخين القدماء لم يسجلوا لنا تفاصيل المناقشات التى جرت فى المجمع حول هذا
الموضوع، والمعروف أنه لا توجد لدينا وقائع هذا المجمع، إذ لم يعتن الآباء
المجتمعون على تدوينها مثلما حدث فى المجامع المسكونية التالية، وكل ما وصل إلينا
من أعماله مأخوذ عن مؤلفات المؤرخين مثل يوسابيوس وروفينوس وسقراط وسوزمينوس
وغيرهم. ولذا لم يصلنا سوى ما اتفق عليه الآباء بشأن عيد الفصح، كما هو مدون فى
الرسالة المجمعية إلى كنيسة الأسكندرية: “ثم أننا نعلن لكم البشرى السارة عن
الاتفاق المختص بالفصح المقدس، فإن هذه القضية قد سويت بالصواب، بحيث إن كل الاخوة
الذين كانوا فى الشرق يجرون على مثال اليهود، صاروا من الآن فصاعدًا يعيدون الفصح،
العيد الأجلّ الأقدس، فى الوقت نفسه، كما تعيده كنيسة روما وكما تعيدونه أنتم
وجميع من كانوا يعيدونه هكذا منذ البداية”[11]، وأيضًا ما جاء فى رسالة بعث
بها الإمبراطور قسطنطين إلى الذين لم يحضروا المجمع “.. إنه قد رُؤى أن عيد
الفصح الجزيل القداسة يجب أن يُحتفل به فى كل مكان فى اليوم الواحد بعينه ”
[12].

 

ولما
كان تحديد ميعاد عيد الفصح سنويًا يحتاج إلى دراية فلكية واسعة وعمليات حسابية
دقيقة، فقد كَلَفَ المجمع أسقف الأسكندرية أن يحدد موعد الفصح، ويُبلغ بذلك باقى
الكراسى فى المسكونة، ولقد تم اختيار الأسكندرية للقيام بهذا العمل لخبرتها
السابقة إذ كانت تحدد ميعاد الفصح لسائر الإيبارشيات المصرية [13].

 

قضية
عيد الفصح فى الأسكندرية بعد مجمع نيقية:

رغم
أن قضية تحديد ميعاد الفصح وبدء الصوم صارا تقليدًا راسخًا لأسقف الأسكندرية، إلاّ
أن هذه القضية قد عاودت الظهور فى كرسى الأسكندرية فى القرن التاسع. فيحفظ لنا
التراث العربى المسيحى معلومات يخبرنا بها كاتب سيرة البابا سانوتيوس البطريرك
ال55 (859-880م) عن أن ” جماعة من الناس قالوا بأن الفصح فى السنة التى صُلب
فيها المسيح كان فى اليوم السادس عشر من شهر برمودة وكان الأب شنودة (سانوتيوس)
مهتم بهذا الأمر إلى أن أظهر لهم الصواب وحققه عندهم وهو أن القيامة المقدسة كانت
فى سنة خمسة ألف وخمس مائة وأربعة وثلثين للعالم وأن الصلبوت كان فى يوم جمعة
السابع والعشرين يومًا خلت من برمهات وهذا اليوم الذى خرج فيه آدم من الفردوس
والقيامة فى اليوم التاسع والعشرين من برمهات يوم الأحد ” [14]. ويبدو أن أمر
الإصرار على الاحتفال بالفصح يوم 14 نيسان وفى أى يوم من الأسبوع وليس بالضرورة
يوم الأحد، كان قد انتشر فى أماكن أخرى من كرسى الأسكندرية، حيث يذكر نفس كاتب
السيرة عن وجود جماعة تسمى ب- “الأربعة عشرية ” فى ضيعة من قرى مريوط
[15]. غير أن البابا سانوتيوس قد عاد بهذه الجماعة أيضًا إلى حضن الكنيسة [16].

 

رسائل
الأرطسَتيكا وأهم كُتّابها من بطاركة الأسكندرية:

 

I – البابا أثناسيوس الرسولى ال-20 (296-373م):

خلال
القرن الثالث الميلادى كانت قد صارت عادة، أن يقوم أسقف الأسكندرية بإعلان كل
الإيبارشيات المصرية ببداية الصوم الكبير وميعاد الاحتفال بعيد الفصح المقدس وذلك
عن طريق ” رسائل الأرطسَتيكا ” التى كانت تُرسل بعد عيد الغطاس بوقت
قليل، كما كانت تتضمن هذه الرسائل شئون كنسية جارية أو أمور تخص الحياة الروحية.

 

ولقد
حافظ القديس أثناسيوس الرسولى على هذا التقليد حتى وهو فى المنفى، فقد كتب 45
رسالة لأعياد القيامة ال-45 فى سنوات حبريته (329-373م) [17]. وبعد نياحته بقليل،
جُمعت هذه الرسائل معًا بواسطة أحد أحبائه، ولاقت هذه المجموعة انتشارًا واسعًا
[18].

 

لم
يعثر علماء الغرب على رسائل الأرطسَتيكا لأثناسيوس، إلاّ فى القرن التاسع عشر
الميلادى، إذ لم يكن معروفًا عنها قبل ذلك إلاّ إشارات وردت فى كتابات جيروم
(331-430م) وقصاصات ضمن كتابات قزماس (ق6) المعروف بالبحار الهندى [19]. ففى سنة
1842م نقل هنرى تتام
Tattam إلى إنجلترا كمية كبيرة من المخطوطات باللغة السريانية من دير
السيدة العذراء (السريان) بوادى النطرون. حين أودعت بالمتحف البريطانى، أكتشف
العالم
W. Cureten أنها تحتوى على مجموعة من الرسائل الأرطسَتيكا للقديس أثناسيوس
فترجمها من السريانية إلى الإنجليزية ونشرها فى لندن سنة 1848م، كما ترجمها
Larsow إلى الألمانية ونشرها فى برلين 1852م[20].

 

بقى
من الأصل اليونانى لهذه الرسائل بعض مقتطفات صغيرة، كما توجد 13 رسالة كاملة
محفوظة باللغة السريانية، وهى الرسائل التى كُتبت بين عامى 329-348 م، كما نشر
Lefort مؤخرًا النص القبطى ل-17 رسالة، فيها القليل من الاقتباسات
اليونانية.

 

ولا
توجد رسالة من رسائل الأرطسَتيكا أثارت الانتباه قديمًا أو حديثًا أكثر من الرسالة
التى تحمل رقم 39 التى كُتبت عام 367م. فقد أدانت الهراطقة الذين حاولوا تقديم
الأعمال المنحولة على أنها كتب إلهية موحى بها. وقد حددت هذه الرسالة كتب العهدين
القديم والجديد القانونية التى قبلتها الكنيسة. ولدينا نص الرسالة تقريبًا كاملاً
من مقتطفات يونانية وسريانية وقبطية. ولأول مرة تُعلن فيها قانونية أسفار العهد
الجديد ال-27.

 

II البابا ثاوفيلس ال-23 (385-412م):

خلال
بطريركيته التى امتدت 28 عامًا كان البابا ثاوفيلس مواظبًا على التقليد الأسكندرى
بخصوص كتابة الرسائل الفصحية. فقد كتب رسائل عديدة معروف لدينا منها 26 رسالة على
الأقل. فقد حفظ لنا جيروم [21] ثلاث رسائل للأعوام 401،402،404 فى ترجمة لاتينية.
تُظهر هذه الرسائل اتجاهًا مناهضًا للأوريجانية، وتحارب أفكار أبوليناريوس أسقف
لاودكية. ورسائل الأعوام 401،402 غنية بالمفاهيم اللاهوتية العميقة. بالإضافة إلى
الترجمة اللاتينية، لدينا بعض المقتطفات من رسالة البابا ثاوفيلس الفصحية لسنة 401
بلغتها اليونانية الأصلية وشذرات من اللغة القبطية..

ومن
باقى رسائله، توجد فقط مقتطفات متفرقة فى أعمال آخرين مثل قزماس أندريكويلوستس فى
كتابه ” الطبوغرافيا المسيحية “، والقديس تيموثاوس الثانى البابا
ال-(26) فى رده على عقيدة الخلقيدونيين، ويوحنا كاسيان وسينسيوس أسقف الخمس مدن
الغربية، وجناديوس المؤرخ اللاتينى وفى بستان الرهبان [22].

 

III البابا كيرلس عمود الدين ال-24(+444م):

واصل
القديس كيرلس الأسكندرى التقليد الذى اقتضى أن يُرسِل أسقف الأسكندرية رسائل
الأرطسَتيكا لكل أساقفة الإيبارشيات ليعلن لهم بدء الصوم الكبير، وموعد الاحتفال
بعيد القيامة.

تضم
قائمة كتابات القديس كيرلس 29 رسالة أرطستيكا كُتبت بين عامى 414-442م، يحث فيها
المؤمنين على الصيام والنُسك والصلاة وأعمال الرحمة، وإلى جانب هذا المضمون العملى،
احتوت الرسائل على موضوعات عقيدية تتعلق بالصراعات الخريستولوجية فى عصره. لهذا
نجد أن الرسائل 5،8،17،27 يدافع فيها عن عقيدة التجسد ضد الهراطقة الذين أنكروا
ألوهية الابن. والرسالة رقم 12 تشرح عقيدة الثالوث، والرسالة 6،9 عن الآلهة
الكاذبة، الرسائل 1،4،10،20،21،29 عن اليهود وزيفهم [23].

 

IV – البابا بنيامين ال-38 (623-662م):

لم
تؤثر الأحداث التى صاحبت المجمع المسكونى الرابع فى خلقيدونية (451م) والتى أدت
إلى انقسام الكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية، أو الأمور التى تلته، أو ما حدث بعد
الفتح العربى، فيما اعتاد عليه أسقف الأسكندرية بخصوص كتابة رسائل الأرطسَتيكا..
فنجد أن البابا بنيامين بطريرك الأسكندرية ال-38، يستمر فى هذا التقليد القديم.
وتحفظ لنا مخطوطات التراث العربى المسيحى شهادة عن رسالتى[24] السنة الخامسة عشر
والسادسة عشر[25]- كما سيأتى الحديث بالتفصيل – وربما كانت هذه (الشهادة) هى أول
شهادة عن تداول مثل هذه الرسائل بعد القديس كيرلس الأسكندرى. وتوضح لنا الفقرة –
التى ترد فى مخطوط المتحف القبطى – من رسالة السنة السادسة عشر للبابا بنيامين، أن
كاتبها قد اقتفى أثر البابا كيرلس عمود الدين فيما تضمنته الرسالة ليس فقط من أمور
روحية خاصة بالاستعداد للصوم وعبادة الله بل أيضًا أمورًا عقائدية (تتعلق بهرطقات
الآريوسية والأبولينارية)، حيث يشير المخطوط: “وقال القديس بنيامين بطريرك
الأسكندرية فى الأرطسَتيكا السادسة عشر يوبخ المخالفين الذين يقولون أن لاهوت الله
الكلمة موات (قابل للموت)، لنستعد الآن يا اخوتى وأحباى (أحبائى) للصوم والخدمة
لله وكل فعل حسن مملوًا فضيلة، وبالأكثر الأمانة الغير مايلة (مائلة) بالثالوث
المقدس ونقول… ” [26].

 

V – البابا ألكسندروس الثانى ال-43(705-730م):

استمر
بطاركة الأسكندرية الأقباط فى توجيه رسائلهم الفصحية رغم المتغيرات التى صاحبت
الفتح العربى لمصر والظروف التى جدّت على الكنيسة منذ ذلك الوقت.

ويبدو
أن اليونانية كانت هى اللغة التى اعتاد بطاركة الأسكندرية أن يكتبوا بها رسائلهم
الفصحية حتى بعد الفتح العربى لمصر. وتشهد لهذا الرسالة الفصحية التى كتبها
باليونانية البابا ألكسندروس الثانى ال-43 (705-730م) فى العصر الأموى وهى موجودة
إلى الآن مكتوبة باليونانية، وموجهة إلى دير الأنبا شنودة المعروف بالدير الأبيض
[27].

 

ولقد
كان من المزعج وغير المرغوب فيه للفاتحين العرب استخدام لغة غير لغتهم مثل
اليونانية أو القبطية فى الكتب الكنسية أو الصلوات أو فى كتابة رسائل لها صفة
دورية مثل الأرطسَتيكا، فربما شملت إهانة للدين الجديد. هذا الأمر دفعهم للبحث عمن
يفهم هذه اللغات واستمالتهم ليفسروها لهم، أو لمحاولة الحد من استخدام هذه اللغات
والعمل على نشر لغتهم الأم.

 

ويسجل
لنا كاتب سيرة البابا ألكسندروس الثانى هذه الحالة، حيث يذكر أن الأصبغ الابن
الأكبر لعبد العزيز ملك مصر كان ” مبغضًا للنصارى سفاك دماء رجل سوء كالسبع
الضارى ثم انطوى إليه شماس اسمه بنيامين فكان يُعمّر له وكان يحبه أكثر من جماعة
أصحابه ويظهر له أسرار النصارى بسعايته حتى أنه فسر له الإنجيل بالعربى وكتب
الكيمياء وكان يبحث عن الكتب لتُقرأ عليه وكذلك الأرطستيكات كان يقرأها لينظر هل
يشتمون فيها المسلمون أم لا ” [28].

 

VI– البابا مرقص الثانى ال-49(799-819م):

ورد
فى ختام سيرة البابا مرقص الثانى ال-49 والذى امتدت حبريته لمدة20 عامًا حتى بداية
القرن التاسع الميلادى، أنه كتب ” عشرين أرطسَتيكا ” [29]. تعكس هذه
السيرة [30] جوانب عديدة متميزة فى شخصية هذا البطريرك، فقد ” أرضى روح القدس
” واهتم “باجتماع اتحاد الكرسيين أسكندرية مع إنطاكية، وكتب سنوديقا كما
جرت العادة ممتلئة من كل حكمة ” ضليعًا فى العلوم اللاهوتية حتى أنه ”
ضاهى الأب ساويروس وكيرلس وديسقوروس ” مهتمًا ” بخلاص أنفس الناس ”
ساهرًا بالصلاة على سلام الكنيسة ووحدة أعضائها حيث ترد بالسيرة صلاته الآتية: ”
والآن يارب اسمع صلاة عبدك وليدخل دعائى أمامك بسبب هذه الخراف الضالة ولتجتمع
أعضاء بيعتك ليكونوا قطيعًا واحدًا وراعيًا واحدًا ” سواء فى كنيسة
الأسكندرية أو فى كنيسة إنطاكية. وقد عمل هذا البطريرك على تجديد وإعادة بناء
كنيسة من الكنائس التى هُدمت، فكان أن ” أرض مصر جميعها قد امتلأت مسرة ببناء
البيعة “. فلم يكن من الغريب إذن على مثل هذا الراعى الساهر، حرصه على كتابة
الأرطسَتيكا فى كل عام منذ أن تولى مسئوليته البطريركية إلى أن تنيح. وللأسف لم
تحفظ لنا المخطوطات – حسب علِمنا نصوص هذه الرسائل العشرين التى وبلا شك، كانت
ستحمل لنا مفاهيمًا روحية ولاهوتية ورعوية عالية تليق بمثل هذه الشخصية الكنسية
النشطة.

 

VIII– البابا سانوتيوس (شنودة) ال-55(859-880م):

عمل
البابا سانوتيوس على تعليم شعبه العقيدة الأرثوذكسية[31]، وذلك لمّا رأى أن هناك
أفكارًا غير مستقيمة قد أخذت فى الانتشار، مثل:

1
– ” جماعة سكان بضيعة من أعمال الصعيد تسمى البلينا وما معها من أعمال ادّعوا
أن طبيعة اللاهوت ماتت ” [32].

2
– ” قوم من ضيعة من قرى مريوط يُسمون بالأربعة عشرية ينكرون الآلام وأن السيد
لم يقبل الآلام بالجسد بل كانت مثل المنام، وهم أتباع أبوليناريوس ” [33].

3
– ” مشكلة اختلاف ميعاد عيد الفصح ” [34].

 

اهتم
هذا البطريرك ليس فقط بحياة شعبه الروحية بل أيضًا بتحسين ظروف معيشته وتدبير
أحواله [35]، ومع هذا ” لم يدع الاهتمام بالكتب الأرطسَتيكا المملوءة نعمة
وتعليم روحانى ليتغذى منها كل أحد ” [36].

 

ويرد
فى سيرة هذا البطريرك أنه كتب رسالة أرطسَتيكا فى السنة الثانية من جلوسه، وذلك فى
أيام الصوم المقدس وأرسلها إلى البيع. ولقد حرص كاتب السيرة على تسجيل الجزء
اللاهوتى من هذه الرسالة بعد أن اختصر ما جاء فيها، غير الأمور العقيدية، بقوله إن
الرسالة ” مملوءة من كل نعمة ” ثم يذكر ما تؤمن به الكنيسة عن عقيدة
التجسد والتعليم عن السيد المسيح (خريستولوجى).

 

وجدير
بالذكر أن هذا النص لم يرد ضمن باقى نصوص الأرطسَتيكا
فى مخطوط ” كتاب اعتراف الآباء”، والذى يتضمن
العديد منها، كما سيأتى الحديث.

 

ويختم
كاتب السيرة نص الأرطسَتيكا هذا، موضحًا تأثيرها على الشعب فيقول ” ولما وصلت
هذه التعاليم إلى البيع والشعب، فرحوا بها وشكروا الله الذى أعطى هذا الأب هذه
النعمة التى هى تعاليم كيرلص والآباء القديسين ” [37].

 

VIII– البابا خريستوذلولس ال-66(1047-1077م):

يبدو
أن التقليد الأسكندرى فى عادة كتابة رسائل الأرطسَتيكا قد استمر إلى القرن الحادى
عشر الميلادى وذلك خلافًا لما ذكره كواستن [38]. ودليلنا على ذلك ما جاء فى مخطوط
“كتاب اعتراف الآباء” – كما سنرى – حيث يَرِد ذكر خمس من رسائل
الأرطسَتيكا للبابا خرستوذولوس (ق11) وهى رسائل السنوات 16،17،20،21،23 [39].

وهنا
تجدر الإشارة إلى أهمية دراسة التراث العربى المسيحي لما فيه من غنى لاهوتى ومعرفى
يمكن أن يسهم إسهامًا ثريًا فى مجال العلوم اللاهوتية والتاريخية اليوم.

هذا
وتوضح لنا النصوص المختارة من رسائل الأرطسَتيكا للبابا خرستوذولوس، أنه قد تمثل
بمن سبقوه فى العمل. حيث شملت رسائله العِيدية (الفصحية) أيضًا موضوع عقيدى هام
شغل الكنيسة لقرون طويلة وحتى العصر الذى عاش فيه، وهو موضوع “كيفية الاعتقاد
بسر التجسد”[40] كما يوضح كاتب الخريدة النفيسة.

 

حول
رسائل الأرطسَتيكا فى مخطوط كتاب اعتراف الآباء وكتاب تاريخ البطاركة:

أ
– مخطوط ” كتاب اعتراف الآباء “:

وردت
بعض فقرات من رسائل الأرطسَتيكا لكل من البابا بنيامين والبابا خرستوذولوس فى
مخطوط ” كتاب اعتراف الآباء ” أو كما يسميه أبو البركات ابن كبر ”
أمانات الآباء القديسين “[41] هذا الكتاب هو لمؤلف مجهول الاسم حاول الكاتب
فيه أن يجمع نصوص من كتابات الآباء الأولين والكُتَّاب الكنسيين منذ العصر الرسولى
إلى القرن الحادى عشر (زمن حبرية البابا خرستوذولوس)، تمت ترجمتها من اليونانية
والقبطية إلى العربية. بلغت النصوص التى جاءت فى هذا الكتاب 234 نصًا لعدد 66 من
هؤلاء الآباء المعلمين والكُتَّاب الكنسيين [42].

 

تتناول
النصوص المختارة فى هذا الكتاب، عقيدة الثالوث والتجسد وطبيعة السيد المسيح وتعكس
بصفة خاصة تعاليم كنيسة الأسكندرية وتمسكها بمقولة القديس كيرلس ” طبيعة
واحدة متجسد لله الكلمة ” وبتعاليمه عن اتحاد الطبيعة الإلهية بالطبيعة
البشرية اتحادًا أقنوميًا فى شخص المسيح الواحد بغير اختلاط أو امتزاج أو تغيير.
كما أنها تتحدث عن وحدة الإرادة والفعل للكلمة المتجسد.

شملت
هذه النصوص أيضًا الرسائل المتبادلة بين بطاركة كنيسة الأسكندرية وكنيسة السريان
الأرثوذكس الشقيقة، والتى اعتاد أن يُرسِلها بطريرك إحدى الكنيستين بعد انتخابه
مباشرةً إلى شقيقه فى الكنيسة الأخرى، والتى عُرفت برسائل السنوديقا [43](
Sunodika…) أو الرسائل المجمعية، حيث كان الهدف منها إظهار ” اعتراف
الآباء ” [44] بشركة الإيمان الواحد بين الكنيستين الشقيقتين وبالتالى الشركة
فى الخدمة الرسولية بينهما. ثم تأتى النصوص المختارة من رسائل الأرطسَتيكا لكل من
البابا بنيامين وخرستوذولوس، لتُكمّل هدف هذا الكتاب فى إظهار ما تؤمن به الكنيسة
منذ عصر الرسل وما علَّم به الآباء الكبار.

 

فكاتب
” اعتراف الآباء ” إذن، يستخدم رسائل الأرطسَتيكا لدعم هدفه، لهذا فهو يبرز
الجانب العقيدى فيها أكثر من الجانب الرعوى، وكمثال واضح على ما نقول، نستعرض ما
جاء فى هذه الرسائل حسب ورودها فى مخطوط اعتراف الآباء:

 

(1)
رسالة البابا بنيامين:

جاء
فى مقدمة رسالة البابا بنيامين حسب ما يذكر كاتب مخطوط ” كتاب اعتراف
الآباء”، ” وقال القديس الأنبا بنيامين بطريرك الأسكندرية فى
الأرطسَتيكا السادسة عشر يوبخ المخالفين الذين يقولون أن لاهوت الكلمة موات “،
ثم يعود إلى الهدف الأصلى من الرسالة وهو العيد فيذكر ” لنستعد الآن يا اخوتى
وأحباى (أحبائى) للصوم والخدمة لله وكل فعل حسن مملوًا (مملوءاً) فضيلة ”
ويربط هذا الاستعداد الروحى بالصوم والخدمة والفعل الحسن “بالأمانة ” أى
الاعتراف أو الاعتقاد المستقيم (الأرثوذكسى) أو حسب ما يسميه ” الأمانة الغير
مايلة (مائلة) بالثالوث المقدس ” [45].

 

ومن
ثمّ يصل إلى ” صُلب ” الموضوع – وهدف كتاب اعتراف الآباء – فيبدأ فى
استعراض المفاهيم العقيدية كلها مستهلاً ذلك بكلمة ” ونقول ” ويأتى بنص
من رسالة الأرطسَتيكا ” نؤمن بالآب والابن والروح القدس الثالوث المقدس
المساوى الممجد، ثلثة أقانيم متساوية فى كل شئ بالفعل والكلام ثلثة وجوه [46] جوهر
واحد لاهوت واحد شكل واحد إرادة واحدة، ونجيب الكلام (نتكلم) على الواحد من
الثالوث المقدس الله الكلمة الذى صار جسدًا بأقنومه وحده بلا افتراق واختلاط من
جسد ودم والدة الإله المقدسة مريم التى هى عذرى (عذراء) فى كل زمان جسد مساوى لنا
متألم له نفس عاقلة ناطقة “.

 

والآن
إذ وضع الكاتب أمامنا هذه التحديدات العقائدية فى صورة مُجملة، يأتى دور الآباء
المعلمين فى شرح هذه العقيدة، التى إن أراد قومٌ من الجُهّال بها أن يفهمها، فعليه
بالأكثر أن يسأل فيها الآباء فيكتب ” ثم إن قومًا من الجُهّال لا يفهموا
بالأكثر يَسلوا (هكذا) الآباء “.

 

وهنا
يستشهد بما جاء فى رسالة الأرطسَتيكا للسنة السابقة وهى السنة الخامسة عشرة[47]
وأيضًا يأتى منها بنصوص من الآباء الآتى أسمائهم من كتابات مختلفة لهم [48]:

 

1
– غريغوريوس الناطق بالإلهيات [49].

أ
– فصل من قول “إن الله الكلمة تألم بجسده وهو غير متألم بلاهوته”.

ب
– من رسالته إلى إفلابيوس.

ج
– فى الميمر الذى قاله لأجل المعمودية.

 

2
– القديس كيرلس (الذى يدعوه الكاتب الحكيم كيرلس):

أ
– فصل يقول فيه.. (دون ذكر اسم العمل).

ب
– فى جوابه الذى كتبه فى الفصل الثانى عشر يناضل كفر تاوطوريطّس (هكذا).

ج
– فى ميمره الثانى.

 

3
– للقديس باسيليوس:


فى الميمر الذى قاله لأجل الشكر.

 

4
– للقديس أثناسيوس:


فى الميمر الرابع الذى له يناضل الآريوسيين.


فى الميمر الذى قاله لأجل الآريوسيين.


فى الرسالة التى كتبها إلى… (الاسم غير واضح بالمخطوط).

 

5
– القديس إبيفانيوس أسقف قبرص:


إلى هاراسيس (الهراطقة) الأبوليناريوسين.

 

6
– القديس أبرقلس (بروكلوس):


فى الميمر الذى قاله لأجل توما الرسول.

 

7
– رئيس الآباء ساويروس:


فى الرسالة التى كتبها إلى أنيرانيقوس الفروخوس (أندرينيقوس).

 

8
– القديس فيلكى أسقف روما:


لما تكلم عن التجسد والأمانة.

 

9
– القديس غريغوريوس أسقف نوسا (النيسى).

10
– ثاوطوطس أسقف أنقرا.

11
– ديسقوروس المعترف رئيس أساقفة الأسكندرية:

 


فى الرسالة التى كتبها وهو فى غنغرا إلى بريطن.

تشرح
جميع هذه النصوص بإسهاب وتكرار ما جاء فى مقدمة الرسالة من موجز للعقائد الجوهرية
فى الإيمان المسيحي حسب تعاليم كنيسة الأسكندرية والرسالة طويلة من 150
r – 153v، فى مخطوط المتحف القبطى رقم 196 لاهوت.

 

(2)
رسائل البابا خرستوذولوس:

يذكر
كاتب مخطوط ” كتاب اعتراف الآباء ” فى بداية استشهاده برسائل
الأرطسَتيكا الخمسة للبابا خرستوذولوس للأعوام 16،17،20،21،23، أى فى بداية
الرسالة السادسة عشر، صفة أساسية وتعريفًا بسيطًا لهذه الرسائل فهى:

أ
– تصدر عن الأب البطريرك.

ب
– تُرسَل إلى جميع إيبارشيات الكرازة.

ج
– هى رسالة سنوية (حيث يذكر رقم السنة أيضًا) فيقول ” الأرطسَتيكا السادسة
عشر الصادرة عن الأب الأنبا أخرسطودولس إلى جميع كراسى الأسكندرية فى كل سنة
“.

 

والدليل
على أن كاتب مخطوط ” كتاب اعتراف الآباء ” يستخدم الجانب العقيدى لرسائل
الأرطسَتيكا سواء التى للبابا بنيامين أو للبابا خرستوذولوس، هو أنه يستشهد بما
فيها من نصوص عقيدية مسبوقًا بحرف الجر “من” فيكتب دائمًا ” من الأرطسَتيكا
” ثم يذكر السنة إن وُجدت أكثر من رسالة. أى أن النصوص الواردة هنا هى نصوص
منتقاة ومختارة من النص الكامل للرسالة.

 

وهناك
دليل آخر يؤكد نفس المعنى جاء فى رسالة الأرطسَتيكا السابعة عشر للبابا خرستوذولوس،
إذ يذكر كاتب اعتراف الآباء ” من الأرطسَتيكا السابعة عشر للأنبا خرستوذولوس
البطريرك ” ثم يأتى مباشرة إلى بيت القصيد بالنسبة له ألاّ وهى الأمور
العقيدية فى الرسالة فيقول “الآن نأتى على تجسد الله الكلمة الواحد من
الثالوث المساوى صار فى الأحشا (الأحشاء) البتولى..”. فيورد تعاليم الكنيسة
عن هذه الأمور، على لسان آباء الكنيسة ومن كتاباتهم حيث ترد أسماء ونصوص بعض منهم
مثل ” بروكلوس بطريرك القسطنطينية ” و” أثناسيوس ” (فى أكثر
من موضع) وكذلك القديس ” ساويرس ” والقديس ” باسيليوس “.

 

كل
هذا يوضح أن نصوص رسائل الأرطسَتيكا المنتقاة والموضوعة فى كتاب اعتراف الآباء ليست
هى النصوص الكاملة لهذه الرسائل، بل هى الأجزاء المتعلقة بالعقيدة فقط. العقيدة
التى حرص كاتبوا الرسائل أن يشدّدوا عليها فى رسائلهم بجانب نصائحهم وإرشاداتهم
الروحية والعملية للمؤمنين كى تستقيم العبادة.. حيث إن العقيدة المستقيمة لابد وأن
تصل بالإنسان إلى حياة روحية مستقيمة أو حسب ما يقول القديس كيرلس عمود الدين
” لذلك فليقترن الإيمان الذى بلا عيب ويشرق مع أمجاد الحياة المستقيمة
“[50]، ليفرح الكل لا بالصوم فقط كجهاد فردى، بل بعمل وقوة الرب القائم
والمحتفى بنصرته فى حياتنا كل يوم، وفى عيد الفصح أيضًا.

 

ب
– كتاب تاريخ البطاركة:

لم
يرد فى كتاب تاريخ البطاركة، عند الإشارة إلى الآباء البطاركة الذين عرف عنهم
كتابتهم لرسائل الأرطسَتيكا سوى نصًا واحدًا من هذه النصوص، والذى جاء فى سيرة
البابا سانوتيوس (شنودة) ال-55، كما سبق الذكر، وهو يمثل الجزء اللاهوتى من هذه
الرسالة، حيث نضعه كنموذج لرسائل الأرطسَتيكا نظرًا لأهميته.

 

نماذج
لرسائل الأرطسَتيكا:

وأخيرًا
نورد نصين لرسائل الأرطسَتيكا للبطاركة البابا بنيامين والبابا مرقص، كما وردا فى
مخطوط اعتراف الآباء وكتاب تاريخ البطاركة.

 

1
– أرطسَتيكا 23 للبابا خريستوذولوس [51]:

[
نؤمن بالواحد من الثالوث المقدس الابن الحبيب كلمة الآب كما علمنا من تقدمنا ممن
نظروا بإعلان، وحصلوا خدامًا للكلمة، أن تجسد الكلمة (الكلمة تجسد) وحل فينا.
جسدًا صار واحدًا معه بالأقنوم بلا امتزاج، المساوى لنا بطبيعتنا، متألم مثلنا، له
نفس ناطقة لها عقل من الروح القدس، ومن التى هى بتول فى كل زمان القديسة مريم، جسد
يُرى ويُلمس وهكذى (هكذا) ظهر بالجسد الكلمة الابن الغير مرئى الذى [… ][52].
ناسوت ولاهوت صار واحد بلا افتراق ولا انقسام ولما صار الاتحاد معًا لما يكون فى
أحشا (أحشاء) البتول، لا نعرفه فى طبيعتين ولا نقسمه بفعل، ومن يقول طبيعتين بعد
الاتحاد الغير مدروك (غير المدرك)، نعده مخالفًا. بل هو واحدًا. لأن الذى تجسد من
البتول مريم، الابن الكلمة المساوى هى (هو) طبيعة واحد، صار جسدًا إرادة واحدة فعل
واحد، هو نور فى جوهر أبيه، وتسبحه الجنود السمائية العالية، هو أسفل أيضًا فى بطن
أمه، تجسد من دمها البتولى. هو الذى لُف فى خرق ووُضع فى مذود وهو الغير مرئى أزلى
الغير مدروك (غير المدرك)، لُمس بأيدى مخلوقة. الخالق، مخلوقًا من التى هى طبيعتنا
البتول مريم. هو الذى الأرض ثابتة بقدرته، ومشا (مشى) على الأرض برجليه. جاع وعطش
وهو مُطعم كل ذى جسم. تألم ومات وهو غير متألم وغير ميت (مائت). ونستشهد بما شرحه
ساويروس الميمر الذى قاله يرد فيه على [000] قال: هكذا إن المصنوع صار واحدًا مع
خالقه. جسد متألم متحد مع اللاهوت الغير م-تألم. الذى يقبل الموت اتحد مع الحى إلى
الأبد الغير ميت، بطبيعة واحدة وأقنوم واحد. (الذى) يقبل الفساد اتحد مع الذى لا
يقبل الفساد. الذى يضمحل بطبيعته ارتبط مع الدائم إلى الأبد. الذى يُحوى صار
واحدًا مع الذى لا يحويه مكان. الذى يُلمس ويُمسك ارتبط بالله الكلمة، هذا الأقنوم
الباقى ].

 

2
– رسالة البابا سانوتيوس (شنودة) ال-55 [53]:

[
نؤمن هكذى (هكذا): فى آخر الزمان لما أراد الله أن يخلص جنسنا من العبودية المرة
أرسل ابنه الوحيد إلى العالم متجسدًا من الروح القدس، مساويًا لنا فى كل شئ ما خلا
الخطية ذو نفس غير مدروكة (المدركة)، وجعل الجسد معه واحدًا بغير تغيير ولا اختلاط
ولا افتراق، بل طبيعة واحدة وأقنوم واحد ووجه واحد. تألم بالجسد عنا ومات وقام من
الموت كالذى فى الكتب، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب. فإن قلنا إن الله تألم
عنا ومات، فلنفهم الآن بأمانة، أنه تألم عنا بالجسد وهو الغير متألم، وهو هذا
الواحد كما علمنا الآباء الذين للبيعة المقدسة. وكل من يفرقه بتجديف ويقول إن الله
الكلمة لم يتألم ولم يموت، لكن الإنسان هو المتألم والمائت، لكى يفرقه اثنين، الله
الكلمة على حدة والإنسان على حدة، ويجعله وجهين وطبيعتين كل واحد يفعل ما يشاكلها
من طبعها، يريدوا بذلك أن يدخلوا الأمانة النجسة لنسطور والمجمع المرذول [.. ]
الخلقدونى فى الأمانة المستقيمة هؤلاء البيعة الجامعة الرسولية، تحرمهم ونحن نهرب
من هؤلاء ونرذلهم، ونحرم أيضًا الذين يفرقوا الله الكلمة إلى طبيعتين من بعد
الاتحاد الذى لا يدرك، ونحن نعترف باستقامة أن الله الكلمة قَبِلَ إليه بإرادته
الآلام بالجسد، لا شك أنه اتحاد واحد فى كل شئ لأن الطبيعتين اللذين صارا واحدًا
فى الابتداء لم يفترقا بالجملة بأمر من أمور تدبير الكلمة لأنهما غير مفترقتين،
وحتى فى حين الآلام التى قبلها بجسده لئلا نظل مثل فوتيس وسبليوس هذين الذين قالا،
بكفرهما، بأن اللاهوت بَعُدَ وصلب الناسوت (بمعزل عن اللاهوت)، ونحن نحرمهما ونهرب
منهما وأقاويلهما الكفر].

 

الفصح
فى الواقع هو الامتناع عن الشر لممارسة الفضيلة. وهجر الموت إلى الحياة. وهذا يمكن
أن نتعلمه حتى من الرمز فى الأيام القديمة. فإنهم قديمًا بذلوا الجهود المضنية ليهجروا
مصر إلى أورشليم، أما الآن فإننا نهجر الموت إلى الحياة. هم فى ذلك الوقت، غادروا
فرعون إلى موسى، أما الآن فإننا نهجر إبليس إلى المخلص. وكما كان رمز النجاة فى
ذلك الوقت يشهد كل سنة، هكذا نحن أيضًا نصنع ذكرى خلاصنا. نحن نصوم متأملين فى
الموت لكى نقدر أن نحيا. نحن نسهر، لا كحزانى، بل كمن ينتظرون الرب متى يرجع من
العرس، وذلك لكى ننافس بعضنا بعضًا فى الظفر، مسرعين لإعلان علامة غلبة الموت.

 

(القديس
أثناسيوس الأسكندرى: الرسالة الفصحية الخامسة)

—————

[1]
نص البحث الذى قُدم فى مؤتمر التراث العربى المسيحى السنوى السابع 25-26 فبراير
1999.

[2]
مخطوط رقم 196 لاهوت بالمتحف القبطى ص 150
V.

[3]
تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية المعروف بسير البيعة المقدسة لساويروس ابن المقفع
أسقف الأشمونين: مطبوعات جمعية الآثار القبطية. قام على نشره يسى عبد المسيح وعزيز
سوريال وأسولد برمستر. المجلد الثانى الجزء الأول، القاهرة 1948 ص 19.

[4]Quasten: Patrology, Spectrum Publishers,
Utrecht- Antwerp. 4th printing 1975, Vol. II, P. 108
.

[5]
Quasten: Ibid. P. 109.

[6]
Schaff: History of the Christian
Church, WM. B. Eerdmans Publishing Company,
Michigan,
Reprinted, October 1985, Vol. III, § 78. P. 400
.

[7]
Schaff: Ibid. P. 404.

[8]
المجامع التى نوقش فيها هذا الموضوع هى:

1
– مجمع فى فلسطين برئاسة ثيوفيلوس القيصيرى وناركسيوس الأروشليمى.

2
– مجمع فى روما برئاسة البابا فيكتور.

3
– مجمع فى بنطس برئاسة بالماس أسقف أماسترس.

4،5
– مجمعان فى بلاد الغال برئاسة القديس ايريناوس.

6
– مجمع فى أفسس برئاسة بوليكراتوس..

[9]
Schaff: Ibid. P.405.

[10]
Schaff: Ibid. P.405.

[11]
وُجدت صورة هذه الرسالة فى تاريخ مجمع نيقية لإجلاسيوس (33: 12) وفى تاريخ الكنيسة
لسقراط6: 1 وفى تاريخ الكنيسة لثيوذويطس(6: 1) حسب ما يذكر حنانيا كساب فى مجموعة
الشرع الكنسى، منشورات النور، بيروت 1975 ص 113،114.

[12]
يوسابيوس: من سيرة قسطنطين 18: 35-20.

[13]
إذ قام البابا ديمتريوس (189-231م) بإظهار كيفية استنتاج موعد عيد الفصح من الحساب
اليهودى ثم عمل البابا ديونيسيوس (247-264م) حلقة فصحية من ثمانى سنوات.

[14]
تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية- المرجع السابق. المجلد الثانى الجزء الأول ص 33-34.

[15]
المرجع السابق: ص 13.

[16]
المرجع السابق ص 17.

[17]Quasten, Ibid. Vol. III, p. 52 بينما يذكر ساويروس ابن المقفع فى سيرة القديس أثناسيوس إنه ”
كتب سبعة وأربعين أرطسَتيكا” أنظر:

B. EVETTS: History of The
Patriarchs of the Coptic Church of
Alexandria, I. Paris 1904

ص
[157]. والعدد الذى ذكره ابن المقفع غير صحيح لأنه تجاوز سنوات اعتلاء أثناسيوس
لكرسى الأسكندرية.

[18]Quasten: Ibid. Vol. III, P. 52.

[19]Cosmas Indicopleustes وهو تاجر مصرى من الأسكندرية اشتهر فى القرن 6م حيث جاب البحار
المتوسط والأحمر والخليج الفارسى وزار الهند وسيلان وأهم مؤلفاته (الطوبوغرافيا
المسيحية) مكون من 12 جزء كتبه سنة 547م.

[20]
لمزيد من التفاصيل راجع
Quasten: المرجع السابق ج 3، ص 53.

[21]Jerome’s Ep. 96 (Coprus Scriptorum
Ecclesiasticorum Latinorum.
Louvain, 1903ff. 55, 159), Ep. 98(CSEL55,185),
100(CSEL55,213
).

[22]
لمزيد من التفاصيل عن هذه الرسائل راجع:
Quasten: Ibid. Vol. III, P.103..

[23]
لمزيد من المعلومات أنظر
Quasten: Ibid.
Vol. III, P.131
..

[24]
نشير فى هذا البحث إلى إحدى هذه المخطوطات وهو مخطوط كتاب اعتراف الآباء بالمتحف
القبطى رقم 196 لاهوت ص 150
r، 150v.

[25]
يذكر جورج جراف الرسالة 16. أنظر:

George Graf: Zwei
dogmatische Florilegien der Kopten: B. Das Bekenntnis der Väter. In: Orientalia
Christiana Periodica. Vol. III, Roma, 128, 1937. P.394. No: 208

حيث
يشير إلى أن
Renadudot يذكر هذه الرسالة فى كتابه:

Historia Patriarcharum
Alexandrinorum Iacobitarunt,
Paris 1713, s. 172.

وأيضًا
إلى وجود طبعة لهذه الرسالة مع بعض التغيير فى مجلة طريق الحياة: العام الثانى
1932، الأسكندرية ص38-43.

[26]
مخطوط كتاب اعتراف الآباء بالمتحف القبطى رقم 196 لاهوت ص 150
r،
150v.

[27]
القس شنودة ماهر اسحق: الأدب القبطى، اللهجات القبطية وآثارها الأدبية، القاهرة،
طبعة أولى ديسمبر 1998 ص53،76.

[28]
أنظر
EVETTS: المرجع السابق ص [304] – [305].

[29]أنظر
EVETTS: المرجع السابق ص [554].

[30]
ترد سيرة هذا البطريرك فى المرجع السابق من ص [516] – [554].

[31]
أنظر سيرة هذا البطريرك فى تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية، جمعية الآثار..، المرجع
السابق المجلد الثانى – الجزء الأول من ص 13 إلى ص68.

[32]
المرجع السابق ص21.

[33]
المرجع السابق ص 17.

[34]
المرجع السابق (ص33-34).

[35]
مثل تفكيره فى حفر خليج من الخليج الذى حفره المتوكل على الله حتى يدخل منه الماء
إلى الأسكندرية وصارت المراكب تصل منه إلى الأسواق
وزرع الناس عليه الكروم والبساتين وغير ذلك من الأمور التى
ترد فى سيرته.

[36]
المرجع السابق: ص 19.

[37]
المرجع السابق ص 20.

[38]
يذكر
Quasten أن هذا التقليد استمر إلى القرن التاسع فقط، أنظر كواستن المرجع
السابق المجلد الثانى ص 108.

[39]
أنظر
Graf. المرجع السابق ص 398، ومخطوط اعتراف الآباء بالمتحف القبطى رقم
196 لاهوت ص 222
v إلى ص 229v.

[40]
الخريدة النفيسة: لأحد رهبان دير السيدة برموس الجزء الثانى، الطبعة الثالثة 1915
ص 345.

[41]
أبو البركات ابن كبر: مصباح الظلمة فى إيضاح الخدمة. ج1، طبعة مكتبة الكاروز،
القاهرة 1971 ص 323. أمانات جمع كلمة ” أمانة ” وتعنى إيمان وهذا
التعبير يُستخدم كمرادف لكلمة إيمان فى قولنا ” قانون الإيمان ” أو
” الأمانة المقدسة ” كما تذكر بعض المخطوطات والكتب.

[42]
لمزيد من التفاصيل عن هذا الكتاب راجع
Graf. فى المقال السابق ذكره.

[43]
سبق لكاتب هذا المقال، تقديم بحث عن هذه الرسائل بعنوان ” رسائل السنوديقا..
الأهمية التاريخية والعقائدية لها ” وذلك فى المؤتمر السنوى السادس للتراث
العربى المسيحى بالقاهرة عام 1998م.

[44]
اتخذ جامع كتاب ” اعتراف الآباء ” من مضمون وهدف هذه الرسائل – حسب
اعتقادنا – عنوانًا لكتابه، كما أن بعض هذه الرسائل تبدأ هكذا ” إنى أعترف
” (رسالة البابا ثاؤدوسيوس البطريرك33 إلى ساويرس الأنطاكى) ص 131
v.
ويبدأ البعض الآخر ” نؤمن بالواحد الآب ” (رسالة ديونيسيوس الأنطاكى إلى
خائيل ال-53) ص 164
r.

[45]
ص 151
r – 150v.

[46]
يقصد بكلمة ” وجوه ” التعبير اليونانى ” (
PrÒswpa) “.

[47]
لم يذكر جراف هذه الرسالة فى المقال السابق الإشارة إليه، وربما لم يلتفت إليها إذ
هى ضمن الرسالة السادسة عشر.

[48]
من ص 155
r إلى ص 153v.

[49]
ص 150
r.

[50]
القديس كيرلس عمود الدين: الرسالة 55 فى شرح قانون الإيمان
PG. 77. 289.

[51]
أنظر مخطوط ” كتاب اعتراف الآباء ” ص 229- 230.

[52]
[ … ] غير واضحة بالمخطوط.

[53]
تاريخ بطاركة كنيسة الأسكندرية – المرجع السابق – المجلد الثانى الجزء الأول ص 19
– 20.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى