القسم الادبي

حروف وفراشة..

حروف وفراشة.. بقلم : المستشار : محمد بهى الدين غلوش

اضغط هنا

طالما كانَ ينتظرُها منذُ نعومةِ أظافره كانت لهُ حبيبةً و صديقةً و أكثر… أتت إليهِ بكلِّ شَوقٍ و لهفةٍ تُسابقُ الخُطواتِ للوصولِ إليه مسرعةً سعيدة ينبثقُ العشقُ من عينيها حتى لا ينطفئَ إلا بين زراعيه … و بينَ زراعيهِ الحنانَ و الأمانَ الذي تنشده كلُّ امرأةٍ و تستغيثهُ حالَ وحدتها ….

image

كانَ احتياجه إليها أكثرَ بكثيرٍ من شوقها الذي كادَ أن يخترقَ جسدها وصولاً إليه ، لكنها كثيراً ما كانت تشعر بفتورٍ في معاملته … ذلكَ لأنه يبدو صامتاً في أغلبِ الأحيان لا يُبدي تعليقاً إلا في مُخيلته حتى عباراتهِ أغلبها كانت مجردَ تفريجِ شِفاه ، لم يكن يعرفُ أن المرأةَ تنشغلُ بأذُنيها أكثرَ من عينيها … تحتاجُ إلى أن تتسمعَ منه ما يُسعدُها و يثيرُ عاطفتَها و يُجدّدُ الشعورَ بالعشقِ داخلها أكثرَ من أفعالٍ روتينيةٍ تسأمُ منها وقتاً ما …. لم يكنْ يعلم بأنَّ الكلمات شقيقة الأفعال هُم وجهانِ لعملةٍ واحدة … الكلمات تمثلُ المشاعر و الأفعالُ تطبقها فكلاهما يكمِّلُ الآخر – ليسَ بمعذورٍ لم يكن يعلم ذلك – كثيراً ما كانت تنظرُ إليه بلهفةٍ و هو يُحدقُ فيها و كأنهُ لأولِ وهلةٍ يراها قائلةً لهُ ” تكلَّم ” …. لكنهُ و في كلِّ مرةٍ يَمرُّ مُستكبراً كأن لم يتسمَّع إلي نداها …. عدا تلكَ المرّةِ التي لا تُنسي لا لأنها كانت الأخيرة و فقط و لكن لأنه أجابَ مؤخراً …

اضغط هنا

نطقتْ شفتاهُ بكلماتٍ مُوجزةٍ لم تفهم لها مقصوداً إلا فيما بعد … قال لها ” اذكريني في كلِّ شيء … فلربما كنتُ هناك ” ، أجابتهُ ” أينَ هناك ؟ ” لكنهُ تبسَّمَ و فارقَ الحياةَ بينَ زراعيها و تجسدت روحهُ في فراشةٍ رقيقةٍ كانت ترفرفُ بينَ الأزهار أحياناً و من بعدِ الأزهار كانت تترددُ علي مَعشوقتها الحبيبة و هي تقفُ في شُرفتها تبكي علي فراقهِ و تتوسلُ للسماءِ أن تردَّهُ إليها ثانيةً – تتراقصُ بينَ كفَّيها و تتمايلُ علي كَتِفيها تتسمَّعُ إلي مُناجاتها و شكواها …

اضغط هنا

يودُ أنْ يقولَ لها ولو كلمة لكنَّ الأقدارَ تمنعهُ منها و لئِن قالها فما صَوتهُ بمُسمعٍ ولا نداءهُ بمستجاب … فيستعيد تاريخهُ معها ليزدادَ يقيناً بأن حياتهُ معها كانت مجردَ ” شرنقةٍ ” حَجزَتهُ عنها و بأنهُ كانَ سبباً في ذلك … يَوَدُّ لو عادَ ليُشبعَها مما حُرمَتْ منهُ يوماً و لكن ….. قالَ في نفسه إنَّ الكلمةَ و إن كانت لا تُمثلُ شيئاً صَعيباً علي اللسان لكنها ذاتَ أثرٍ كبيرٍ علي المُستمِع إمَّا أن تجعلهُ أسعدَ السعداء و إمَّا أن تنهرهُ و تحزنه … فلا يَسَعُنا في هذا المقال إلا أن نُقدِّرَ قيمةَ الكلمة و نعلمَ أنَّ الكلمة لا يمكن استردادُها بعدَ نطقِها و لنتذكرُ دائماً بأنَّ الكلمةَ الطيبةَ صدقة ، وأنّا مُحاسبونَ علي ما تنثرهُ ألسنتُنا من كلماتٍ نطقنا بها بمحضِ إرادتِنا ….. فلكمْ مني كلَّ التحيَّة و الثناء و الدعوات الخاشعة و الكلمات الطيبة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

Please consider supporting us by disabling your ad blocker!