الارشاد الروحى

البسوا المحبة التي هي رباط الكمال – تواضعوا تحت يد الله القوية

البسوا المحبة التي هي رباط الكمال - تواضعوا تحت يد الله القوية

[ ألبسوا المحبة التي هي رباط الكمال ] (كولوسي 3: 14)

هذا هو حدث حياتنا كلها، هي أن نلبس المحبة، ولبس المحبة ليس بالشيء السهل أو اليسير بالنسبة للإنسان، لأنها ليست طريقاً سهلاً يسير فيه أي شخص، لأن هذا الطريق هو ضد الذات وتعالي الإنسان وكرامته الشخصية الوهمية التي ضيعت عليه طريق التقوى، لأن الخطية خدعت الإنسان وضربت بجذورها في أعماق شخصيته حتى جعلته تحت مزلة كبرياء ذاته لأنه دائم الانفراد بشخصيته حتى عن الله، ويبحث عن كرامته المهدورة ليُحققها على حساب أي شيء حتى الله نفسه، لذلك يقاوم دائماً وصية المحبة لا بفكره إنما بأعماله وبتلقائية شديدة، ولا يستطيع ان يتواضع بسهولة أو يقبل أن يخضع لوصية الله، لذلك دائماً ما نجد الكثيرين يشرحون الوصايا التي تدل على كسر الذات بكلمات تُعطي مفاهيم أخرى لكي يتهرب الإنسان من الحياة بها، وأكثر الوصايا تحويراً في الشروحات هي وصايا المحبة وافعالها، مثل أحبوا أعدائكم، أو موقف غسل الأرجل، أو من ضربك على خدك الأيمن حول له الآخر، ومن سخرك معه ميل.. الخ.

لبس المحبة يا إخوتي يبدأ دائماً بالاتضاع تحت يد الله القوية [ فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه ] (1بطرس 5: 6)، والتواضع في معناه الحقيقي هو كسر الذات التي دائماً ما تتمركز حياتنا حولها، أي الخروج عن كبرياء نفسي والتخلي عن أنانيتي، ليكون الله وحده مركز شخصيتي، ويكون هو السائد على شعوري وأحاسيسي الشخصية، وذلك لأن الكبرياء هو السبب الرئيسي للسقوط دائماً: [ قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح ] (أمثال 16: 18)، [ قبل الكسر يتكبر قلب الانسان وقبل الكرامة ( الحقيقة، لأن كرامة الإنسان في وصية الله ) التواضع ] (أمثال 18: 12)…

ولنلاحظ يا إخوتي، أن الرب يسوع نفسه حينما تكلم عن تبعيته والسير وراءه، أول ما قاله ودعا إليه هو [ إنكار الذات ] ثم [ حمل الصليب ]، [ وقال للجميع: إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم و يتبعني ] (لوقا 9: 23)، وقصد يقول أولاً إنكار الذات، لأن بدون إنكار الذات يستحيل استحالة تامه حمل الصليب برضا وقبول، لذلك نجد الكثيرين يتذمرون على الآلام في حياتهم والمعاناة التي يرونها في العالم، ويتأففون من كل ضيق أو إهانة من أحد، أو أي شيء يجرح كرامتهم من الناس، أو حتى توبيخ أو ملامه أو أي شيء يظهر أنهم مخطئين أو مقصرين أو في فهم خاطئ لي شيء وعلى الأخص في خدمتهم من أي نوع، وذلك كله نتاج أنهم لم ينكروا ذواتهم، وأرادوا أن يسيروا وراء الرب، وهم لا يعلمون أن طريق الرب هو طريق الآلام وحمل عار الصليب: [ فلنخرج إذاً إليه خارج المحلة حاملين عاره ] (عبرانيين 13: 13)، فربما يعلمون فكراً أن إنكار الذات وحمل الصليب هو الأساس، بل وربما يكتبون مقالات رائعة عن هذا وعظات بديعة من فوق المنابر وعلى صفحات النت في كل مكان، ولكن لا يستطيعون فعلاً أن ينكروا ذواتهم ويحملوا الصليب فعلاً، فيلبسوا المحبة لبساً، ويعيشون الوصية، ويخدمون الآخرين حسب قصد الله الحقيقي….
فيا إخوتي لا تصدقوا خدمة من لم يلبس المحبة بعد، ولبس المحبة يعني أن أحمل صليبي مع المسيح، وأحمل صليبي مع المسيح يعني أنكر نفسي واتخلى عن كبريائي، واتخلى عن كبريائي يعني أتضع أمام الله الحي وانكسر أمام الوصية لأستطيع أن أحملها وأتمم مطلبها، وأتمم مطلب الوصية يعني أبقى في حالة وداعة، أي اتضع واطلب من الروح القدس أن يلبسني وداعة يسوع، لكي أحيا حاملاً روح قيامته في أوجاع صليبه، لأموت أنا وهو يحيا فيَّ [ مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ، فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان ايمان ابن الله الذي احبني وأسلم نفسه لأجلي ] (غلاطية 2: 20).

يا إخوتي المحبة التي علينا أن نلبسها، ليست هي المحبة العاطفية التي فيها نقول أحبك يا رب في مجرد صلاة أو ترنيمة ننفعل بها، أو نكتب فيها شوية أشعار وكلمات رنانة فضفاضه وألفاظ جميلة رائعة، ونذرف الدمع في عظة تأثرنا بها، وبتسرع واندفاع أنطق وأقول أنا لك يا رب ونفسي مكرسه لشخصك، وأنا مستعد أن أموت لأجلك وعنك يا سيد، أموت أموت وتحيا المسيحية، فكل هذا مجرد انفعالات نفسيه لا ينظر إليها الله قط، بل المحبة الحقيقية التي هي من الله فعلاً، هي حفظ الوصية وتتميم مطالبها فعلاً في حياتنا اليومية: [ أن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً ] (يوحنا 14: 23)؛ [ الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه أبي وأنا احبه وأُظهر له ذاتي ] (يوحنا 14: 21)…

فمن هو الذي يستطيع أن يتكلم عن الله الحي إلا من أَظهر له ذاته لأنه مكتوب: [ الله لم يره أحدٌ قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر ] (يوحنا 1: 18)، فلابد من أن الابن الوحيد يخبرني عن الآب ويعرفني شخصه بإعلان، أي بإظهار ذاته لي – شخصياً – بالروح القدس في أعماق قلبي من الداخل، وكيف يظهر لي ذاته لأعرفه معرفة حقيقية، بدون أن أحفظ وصاياه، وكيف لي أن أحفظ وصاياه وأنا لا أحبه، فالمحبة تدفعني أن أتواضع أمامه وأضع إرادتي تحت الوصية واقول تكلم يا رب فأن عبدك سامع، وحينما أقرا الوصية أطلب قوتها لتحل عليَّ، ولن تحل عليَّ قوة الوصية أن لم يكن عندي استعداد إرادي بأن أوفي مطالبها، واشرب كأس مرارتها للنهاية، وحينما أكون أميناً وصادقاً في نية قلبين يعطيني الله قوة الوصية بالصليب في روح القيامة….

يا إخوتي تعمقوا في هذا المثل الذي نراه في واقع حياتنا اليومية: [ حينما يمرض الطفل نعطيه الدواء بحلاوة ليقبله، لكي يُشفى في النهاية، أما الإنسان البالغ نعطيه الدواء المُرّ لأنه يُشفيه سريعاً، أما أن طلب وسعى لدواء الأطفال الحلو ليقبله، فأن شفاؤه يتأخر كثيراً وربما يُصاب بانتكاسه ولا يُشفى قط، بل يحيا في وهم أمل الشفاء ]، فالله الحي يُعطي دواءً لكل نفس يتناسب مع حالتها، فكلما كان الإنسان متوغلاً في الكبرياء والتعالي، أو كان حكيماً في عين نفسه، وغير متقي الرب ولا يبتعد عن الشر، كلما زاد الدواء مرارة، وزادت الضربات على هذا الإنسان لينكسر ويتواضع تحت يد الله القوية، لكي ينال في النهاية قوة النعمة: [ يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيُعطيهم نعمة ] (يعقوب 4: 6).

هموا يا إخوتي اليوم لندخل كلنا معاً في طريق المحبة، لكي نلبسها لبساً، لأن المحبة هي الله، ومن يثبت في المحبة، يثبت في الله والله فيه، ومن يرتديها فقد ارتدى الله وخلاصه الأبدي مضمون ضمان ثبتنا في المسيح الله الكلمة الذي به صار لنا قدوماً لعرش الرحمة، لكي ننال عوناً في حينه، كونوا معافين باسم الرب إلهنا وفي روح المحبة آمين

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى